رصانة الدبلوماسية المغربية وحكمتها …من خلال استضافت وزير الشؤون الخارجية بالقناة الثانية

رصانة الدبلوماسية المغربية وحكمتها برنامج لقاء خاص على القناة الثانية التي استضافت وزير الشؤون الخارجية الذي كان في منتهى الروعة
بقلم: سليمة فراجي

استمعتُ باهتمام بالغ إلى الحوار الحصري الذي تم إعداده في برنامج لقاء خاص على القناة الثانية والذي اعقب صدور القرار التاريخي الأخير لمجلس الأمن بشأن الصحراء المغربية، والذي استُضيف فيه السيد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج.
لقد كان الوزير، كعادته، في مستوى اللحظة التاريخية، مجسِّدًا بحكمة وكفاءة عالية وهدوء عميقين تفوق الدبلوماسية المغربية ورُقي خطابها في الدفاع عن القضايا الوطنية العادلة وكون الحكم الذاتي هو المرجع ونقطة الوصول بعد مجهودات جبارة قام بها ملك البلاد منذ 1999 معتمدا على الإنصاف والموضوعية والواقعية والتأني الاستراتيجي
الحوار الحصري لم يكن عاديا وقد استحضر فيه الوزير بدقة عالية مسارات القضية والتواريخ المهمة التي مرت بها (2004-2007-2015-2016-2017- 2020-2021..) بعيدا عن الديبلوماسية الصدامية الهجومية على حد تعبير احد الصحافيين ، بالنظر إلى كونها ديبلوماسية » المعقول » والفعل والوضوح والنتيجة والفهم الدقيق للتوازنات الدولية ، وليس عدد البيانات والخطابات ، ديبلوماسية مستندة على مجهودات جلالة الملك وانخراطه الشخصي في العديد من محطاتها وتدخلاته المباشرة وتأكيده بان الصحراء هي النظارة التي يرى بها المغرب العالم ، طبعا مغرب الندية والوضوح .
كما ان جواب الوزير الذي فسر وشفى الغليل بلباقة حول ما اثاره احد الصحافيين بخصوص مصطلح تقرير المصير كان في قمة الشرح الدقيق وتصحيح المصطلحات في ضوء ما خلص اليه القرار الأممي
وقد اكد الوزير ان التصويت لم يكن في حد ذاته على وثيقة بل على مغرب محمد السادس ومكانته على المستوى الدولي وفلسفته المبنية على الطموح والوضوح وزياراته المختلفة لتسع دول كانت تعترف بالكيان الوهمي وغيرت موقفها ورجوع المغرب إلى الاتحاد الأفريقي ناهيك عن 23 دولة أوروبية التي تنتصر للحكم الذاتي ، ولاتخاذ هذه الدول مبادرة الاستثمار في أقاليمنا الجنوبية ، وان روسيا والصين ساندتا المغرب بحكم عدم استعمالهما حق الفيتو (زيارة الملك إلى روسيا سنة2016 وتوقيعه عقد الشراكة وموقفه المتوازن من أوكرانيا )
الحوار جاء عقب قرار حاسم صادر عن مجلس الامن معتمد على الشرعية الدولية بلغة حازمة وليس لغة المجاملات لم يسجل اية معارضة و يعترف بسيادة المملكة على صحرائها وهو ما يؤكد لغة القطيعة مع الماضي مع اعتماد الحكم الذاتي باعتباره حلا بعد ان كان مقترحا
، بعد خمسين سنة من التضحيات والعمل المتواصل، وهو ما عبّر عنه الخطاب الملكي السامي في نبرة عزة وامتنان، شكر فيها جلالته جميع الأطراف التي ساهمت في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي، وعلى رأسها الدبلوماسية المغربية الرسمية التي استطاعت أن تُترجم رؤية الدولة بثباتٍ واتزانٍ بعيدًا عن الانفعال أو المزايدة.
غير أنّ ما لفت انتباهي في ذلك اللقاء هو الهوة بين رصانة الوزير واندفاع او بالأحرى قهقهات من مسيرة الحوار ومقاطعتها للوزير قبل استكمال فكرته وكذلك قهقهات بعض الصحافيين المشاركين.
فبينما كان النقاش يستدعي دقّة في المصطلحات واحترامًا لجلال المناسبة، طغت على بعض اللحظات قهقهات غير موفّقة وتعابير خفيفة بدت في غير سياقها تمامًا، ونحن أمام حدث وطني كبير يستحق كفاءة عالية ووقارًا وتقديرًا لا يقلّ عن حجم القرار ذاته.
لا أقول ذلك من موقع الوصاية، بل من موقع الحرص على صورة الإعلام الوطني، الذي نريده في مستوى اللحظة لا على هامشها.
فالصحافة ليست مجرد حضور أمام الميكروفون، بثقة زائدة في النفس بل مرافقة فكرية وأخلاقية للحدث، تتطلب تكوينًا وإلماما دقيقا بلغة الدبلوماسية، ودرايةً بتوازن الخطاب الرسمي، خاصة حين نتحدث عن قضية وطنية هي قضية كل المغاربة.
ربما يُقال إنني “قديمة في أفكاري”، أو أنني أنتمي إلى جيل يقدّس الوقار والاحترام،
لكنني أؤمن أن الرزانة ليست رجعية، والهيبة ليست تكلّفًا، والجدّية ليست تجهُّمًا، بل هي ما يجعل الكلمة الصحافية شريفة، والمسؤولية الإعلامية وطنية بحق.
إن المغرب، وهو يحتفي بذكرى خمسين سنة على المسيرة الخضراء، ويستقبل قرار مجلس الأمن المنصف لقضيته الوطنية، يحتاج إلى إعلام وطنيّ يرقى بخطابه إلى مستوى النضج الدبلوماسي الذي جسّده الوزير بوريطة ورفاقه.
فالكلمة، مثل الدبلوماسية، سلاحٌ نبيلٌ حين يُحسن صاحبه استعمالها.
وأنا أتابع مثل هذه اللحظات المفصلية في تاريخ بلادي، لا يسعني إلا أن أستحضر أن الوطن لا يُخدم فقط من موقع القرار السياسي، بل أيضًا من موقع المسؤولية المدنية والثقافية.
من موقعي ككاتبة وفاعلة في المجتمع المدني، وكمحامية تنتمي إلى جسم المحاماة الذي يمارس ايضا الديبلوماسية الموازية وكمواطنة وجدية أعتز بانتمائي إلى مدينةٍ كانت دومًا في الخطوط الأمامية للوطن، أؤمن بأن حب المغرب التزامٌ يوميٌّ، لا مناسبة عابرة.
تمامًا كما يبذل الدبلوماسيون جهدهم في المحافل الدولية، نبذل نحن جهدنا في محيطنا المحلي: في القانون و الثقافة، في الرياضة، في الوعي الجمعي، لأن كل خطوة في اتجاه البناء هي استمرار للمسيرة الخضراء بطريقتها الخاصة.
إن احترام الكلمة، وتقدير المواقف، والوعي بوزن اللحظات الوطنية، ليست مجرد تفاصيل شكلية، بل هي مرآة نُضج أمة تعرف كيف تفرح بوقار، وتنتصر بعقلانية، وتُعبّر عن حبها لوطنها بسموّ ومسؤولية.





Aucun commentaire