Home»Débats»الإدارة المغربية.. حين تتحول المكاتب إلى متاهات والموظفون إلى أشباح..

الإدارة المغربية.. حين تتحول المكاتب إلى متاهات والموظفون إلى أشباح..

0
Shares
PinterestGoogle+

مصطفى قشنني

في الوقت الذي أصبحت تُصاغ فيه الشعارات كما تُصاغ القصائد، وتُرفع فيه المبادئ كما تُرفع الرايات، أُعلن عن برنامج جديد تحت عنوان “نحو إدارة المساواة”، وكأننا على أعتاب ثورة بيروقراطية تُعيد الاعتبار للمواطن، ذكراً كان أو أنثى، وتُطهّر المكاتب من أدران التمييز. لكن الواقع، يا سادة، لا يُشبه البلاغات الرسمية، ولا يُحاكي الورشات التفاعلية التي تُعقد في قاعات مكيفة، حيث تُوزع الكلمات كما تُوزع الحلوى في حفلات الزفاف، وتُقال الجمل المنمقة كما تُقال التعاويذ في طقوس الخداع الجماعي.

وسيط المملكة، الصديق حسن طارق، اجتهد مشكوراً في إطلاق هذا البرنامج، واضعاً القانون المغربي على طاولة فحص عمومي، بحثاً عن مقتضيات تمييزية تمس مبدأ المساواة الإدارية. جميل. بل رائع. لكن ماذا عن المواطن المغربي الذي لا يملك رفاهية حضور الورشات، ولا يفقه في مقاربة النوع، ولا يعرف من المساواة سوى أنه يقف في طابور لا ينتهي، أمام باب إدارة لا يُفتح، في انتظار توقيع لا يأتي، من موظف لا يُوجد، أو مدير في عطلة دائمة، أو مكلف بالملف وقد أُصيب فجأة بزكام إداري حاد؟

المواطن المغربي، يا سادة، لا يُعاني من التمييز بين الجنسين داخل الإدارة، بل يُعاني من التمييز بينه وبين كرامته. يُعاني من التمييز بينه وبين حقه في الوثيقة، في الخدمة، في الاحترام. المواطن المغربي، ذكراً كان أو أنثى، أُصيب بفوبيا الإدارة، وأصبح يتهرب منها كما يتهرب الطفل من إبرة الطبيب. يفكر ألف مرة قبل أن يخطو نحو بابها، ويُصلي صلاة الخائف قبل أن يطلب أبسط وثيقة. وثيقة قد تُكلفه يومين من الجري، وثلاثة من الانتظار، وأسبوعاً من التذلل، وربما شهراً من النسيان.

في الإدارة المغربية، لا شيء يُنجز في وقته، ولا أحد في مكانه، ولا ملف يُفتح دون وساطة، ولا توقيع يُمنح دون معرفة. “سير حتى تجي”، “المدير ما كاينش”، “المكلف بالملف مريض”، “رجع غدا”، “عندك شي توصية؟”… هذه ليست عبارات عابرة، بل هي أناشيد يومية تُرددها جدران المكاتب، وتُغنيها أرواح المواطنين المنهكة. إنه إرث موبوء، متوارث منذ عقود، يُغذي الزبونية، ويُكرّس المحسوبية، ويُخصب الفساد الإداري كما تُخصب الأرض بماء آسن.

أما مؤسسة الوسيط، فحبذا لو أطلعتنا على عدد الإدارات التي تتجاوب مع مراسلاتها، وعدد الشكايات التي تُفتح ثم تُغلق دون أثر، وعدد الملفات التي تُعالج ثم تُنسى في أدراج النسيان. حبذا لو أُقيمت ورشة وطنية لا تتحدث عن النوع الاجتماعي، بل عن النوع الإداري، عن نوعية المعاناة، عن نوعية الإهانة، عن نوعية الردود التي يتلقاها المواطن حين يشتكي، وحين يتأفف، وحين يصرخ من بطش الإدارة. لأنه، ويا للمفارقة، حين يشتكي المواطن، يُتهم بإهانة موظف، ويُهدد بالسجن والغرامة، وكأن الإدارة صارت كائناً مقدساً لا يُمس، وكأن الموظف صار صنماً لا يُنتقد ولماذا لا يُضاف للقانون المغربي فصل يتعلق بإهانة الموظف للمواطن يا تُرى؟.

إنه العبث، يا مؤسسة الوسيط. العبث الذي يجعل المواطن يُعامل كمتهم لا كمستفيد، وكأن الإدارة وُجدت لتعاقبه لا لتخدمه، وكأن الوثيقة التي يطلبها هي جريمة يُحاسب عليها، لا حق يكفله له الدستور. المواطن المغربي لا يُريد مؤشراً وطنياً حول المساواة الإدارية، بل يُريد مؤشراً وطنياً حول عدد المرات التي أُهين فيها، وعدد الساعات التي ضاعت من عمره في طوابير الانتظار، وعدد الأبواب التي أُغلقت في وجهه، وعدد الملفات التي أُهملت، وعدد المرات التي سمع فيها عبارة “ما عنديش الوقت”.

أما الحديث عن النوع الاجتماعي، فتلك مسألة ترتبط بدول تعرف حمولة هذا المصطلح، وتُمارس المساواة كمبدأ لا كشعار. أما في المغرب، فالمواطن، ذكراً كان أو أنثى، يُعاني من بطش الإدارة، من ظلمها، من جمودها، من غيابها، من صمتها، من جدرانها التي لا تنطق، ومن مكاتبها التي لا تُفتح إلا بالمعارف. المواطن المغربي لا يُريد إدارة المساواة، بل يُريد إدارة الحياة، إدارة الكرامة، إدارة تُعامله كإنسان، لا كرقم في سجل، أو كملف في درج، أو كصوت في مظاهرة.

فأرونا، يا مؤسسة الوسيط، ماذا أنتم فاعلون. أرونا كيف ستُعيدون الثقة بين المواطن والإدارة. أرونا كيف ستُطهرون المكاتب من التسيب، وكيف ستُعيدون الموظف إلى كرسيه، وكيف ستُعيدون للوثيقة هيبتها، وللخدمة معناها، وللإدارة روحها. لأن المواطن المغربي، في زمن الشعارات، لم يعد يُصدق شيئاً. لم يعد يُؤمن إلا بما يراه، وما يلمسه، وما يُنجزه دون إذلال. المواطن المغربي، يا سادة، لا يُريد ورشة تفاعلية، بل يُريد ثورة إدارية. ثورة تُعيد له كرامته، وتُعيد للإدارة وظيفتها، وتُعيد للموظف ضميره.

فهل من مجيب؟ أم أن الإدارة ستظل كما هي، قلعة منسية، لا يدخلها إلا من يحمل مفتاح الزبونية، أو جواز المحسوبية، أو بطاقة “أنا فلان ابن فلان”؟ وهل سيظل المواطن يُعاني من فوبيا الإدارة، ويُردد في سره كل صباح: “اللهم جنبني شر الوثيقة، وشر الموظف، وشر الطابور، وشر العبث الإداري”؟ أم أن زمن المساواة سيأتي، لا كشعار، بل كواقع، لا كورشة، بل كثورة، لا كمؤشر، بل ككرامة؟

الجواب، يا سادة، لا يوجد في البلاغات، بل في المكاتب. في الممرات. في الطوابير. في نظرة الموظف. في توقيع يُمنح دون إذلال. في باب يُفتح دون وساطة. في إدارة تُعامل المواطن كإنسان، لا كمتسلل أو مُقتحم. فهل نبدأ؟ أم ننتظر ورشة أخرى؟
المصدر : https://respress.ma

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *