Home»Débats»الأحزاب السياسية المغربية وأزمة المصداقية: نتائج استطلاع للرأي

الأحزاب السياسية المغربية وأزمة المصداقية: نتائج استطلاع للرأي

0
Shares
PinterestGoogle+

المركز المغربي للمواطنة

الأحزاب السياسية المغربية وأزمة المصداقية:

نتائج استطلاع للرأي

  1. التقديم

منذ إقرار دستور 2011، دخل المغرب مرحلة جديدة في مسار ترسيخ الديمقراطية التمثيلية وتعزيز دولة المؤسسات والحقوق. فقد جاء هذا التحول الدستوري استجابة لمطالب مجتمعية واسعة رفعتها حركات احتجاجية سلمية، هدفت إلى إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن على أسس المشاركة والمساءلة والشفافية والتعددية. وكان من المنتظر أن تضطلع الأحزاب السياسية بدور محوري في قيادة هذا التحول وتجسيده في ممارسة ديمقراطية فعلية. غير أن هذه الانتظارات الكبرى لم تجد طريقها إلى تفعيل حزبي مؤسس، مما أدى إلى اتساع تدريجي للفجوة بين النص الدستوري والواقع العملي للأحزاب.

في هذا السياق، برزت أزمة الأحزاب السياسية كأزمة بنيوية متعددة الأبعاد، تجلت في ضعف التأطير السياسي، قصور إنتاج النخب، هشاشة العلاقة بالمجتمع، والعجز عن بلورة مشاريع سياسية جماعية ذات رؤية استشرافية. ومع مرور الوقت، ازدادت هذه الأزمة حدة، فانعكست في عزوف واسع عن المشاركة، خاصة في صفوف الشباب، وفي تصاعد خطاب فقدان الثقة بالمؤسسات المنتخبة وتآكل الشرعية الاجتماعية للأحزاب، لصالح نخب تكنوقراطية أو مصلحية.

إن الأزمة الراهنة لا تقتصر على فقدان الثقة، بل تتجاوزها إلى بروز شكل جديد من العزلة السياسية، حيث أصبح المواطن يراهن مباشرة على السلطة التنفيذية أو يبحث عن بدائل احتجاجية وظرفية خارج الأطر القانونية. هذا التحول يهدد التوازن المؤسسي والاستقرار السياسي والاجتماعي، إذ لا يمكن لأي منظومة ديمقراطية أن تستمر دون وسائط حزبية فعالة وشرعية.

وقد ساهم التحول الرقمي في مفاقمة هذا التراجع، حيث برزت شبكات التواصل الاجتماعي كفاعل سياسي غير تقليدي، أشبه بـ«حزب افتراضي» يستقطب النقاش العمومي ويوجه الرأي العام. وفي المقابل، لم تنجح الأحزاب في استيعاب هذا التحول ولا في استثمار الإمكانات التي يتيحها الفضاء الرقمي، مما أضعف قدرتها على احتكار وظائف التأطير والتعبئة، وجعلها تتراجع أمام منصات غير مؤطرة قانونيا لكنها أكثر تأثيرا، خصوصا لدى فئة الشباب.

وفي خضم هذا الوضع، جاء الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2025 ليشكل محطة مرجعية لتأطير المرحلة المقبلة، حيث أكد جلالة الملك على ضرورة الإعداد الجيد للاستحقاقات التشريعية المقبلة، والتشديد على مواصلة الإصلاحات الكبرى وضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، باعتبارها محطة حاسمة لترسيخ الخيار الديمقراطي وتعزيز الثقة في المؤسسات.

تأسيسا على ما سبق، بادر المركز المغربي للمواطنة إلى إجراء استطلاع نوعي للرأي، بهدف إشراك المواطنات والمواطنين في تقييم المشهد الحزبي ورصد توجهات الرأي العام بشأن وضعية الأحزاب ودورها في الحياة السياسية.

  1. المنهجية المعتمدة

أجرى المركز المغربي للمواطنة في الفترة الممتدة من 31 يوليوز إلى 21 غشت 2025 استطلاعا للرأي غير تمثيلي حول الأحزاب السياسية بالمغرب وذلك اعتمادا على استبيان إلكتروني تم نشره عبر منصات التواصل الاجتماعي. وقد شارك في هذا الاستطلاع 1197 شخصا من مختلف الفئات العمرية يمثلون جميع جهات المملكة المغربية، كما تفاعل مع الاستبيان أكثر من 2200 شخص من خلال التعاليق او التعبير على مواقفهم في الموضوع.

يعد هذا الاستطلاع مؤشرا نوعيا يعكس آراء شريحة من المواطنات والمواطنين الذين تفاعلوا مع دعوة المشاركة، لكنه لا يمثل بالضرورة الرأي العام الوطني. وبما أن الاستبيان جرى عبر الإنترنت، فإن العينة المشاركة تميل أساسا إلى الفئات الأكثر استعمالا للتكنولوجيا وحضورا في المنصات الرقمية، مما قد يؤدي إلى ضعف تمثيل بعض الفئات الأخرى مثل غير المتعلمين أو سكان القرى والمناطق النائية. كما ينبغي التأكيد على أن طبيعة الأسئلة المطروحة في الاستبيان قد لا تلامس بالضرورة واقع أو اهتمامات جميع فئات المجتمع المغربي نظرا لتعدد السياقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية واختلاف تمثلات الأفراد لموضوع الأحزاب السياسية بحسب تجاربهم وظروفهم. وبالتالي فإن نتائج هذا العمل يجب أن تفهم في إطارها النوعي كأداة لقراءة أولية لتوجه عام لا كمرآة شاملة لكل مكونات المجتمع المغربي.

  1. التركيبة الديموغرافية للمشاركين

أظهرت نتائج الاستطلاع هيمنة واضحة للذكور داخل العينة المشاركة في الاستطلاع بنسبة %91,6 مقابل %8,4 من الإناث. ومن حيث الفئة العمرية، مثلت الفئة أقل من 29 سنة %10,5، والفئة بين 30 و39 سنة %30,8، والفئة بين 40 و49 سنة %25,9، فيما بلغت نسبة الفئة ما بين 50 و59 سنة %19,0، والفئة التي تفوق 60 سنة %13,7.

أما بالنسبة للمستوى التعليمي، فقد برزت هيمنة واضحة للفئات ذات التعليم العالي، حيث يمثل حاملو الإجازة %31,5 وحاملو الشهادات العليا (ماستر، دكتوراه، مهندس…) %31,9، في مقابل %15,8 من ذوي التعليم الجامعي دون الإجازة، و%12,6 من التعليم الثانوي، و%5,3 من التكوين المهني، و%2,5 من التعليم الابتدائي والإعدادي، مع نسبة هامشية لغير المتعلمين بلغت %0,4.

ومن حيث النشاط المهني، شكل الموظفون الفئة الأكبر بنسبة %37,8، تليهم المهن الحرة بنسبة %20,3، ثم الأجراء بنسبة %18,5. كما بلغت نسبة المتقاعدين %10,5، والعاطلين عن العمل %8,1، والطلبة والتلاميذ %4,3، في حين مثلت ربات البيوت %0,5.

أما على المستوى الجغرافي، فقد توزع المشاركون بين مختلف جهات المملكة، مع حضور بارز لجهة الدار البيضاء–سطات (%20,6) وجهة الرباط–سلا–القنيطرة (%16,5)، تليهما فاس–مكناس (%10,7) وطنجة–تطوان–الحسيمة (%9,4) و وسوس–ماسة (%9,4) ومراكش–آسفي %9,4. كما بلغت نسبة المشاركين من الشرق %7,3، وبني ملال–خنيفرة %4,8، ودرعة–تافيلالت %4,5،  وكلميم–واد نون %2,8، ومن العيون–الساقية الحمراء %0,8، فيما لم تتجاوز نسبة المشاركين من الداخلة–وادي الذهب %0,2. وسجل أيضا حضور لمغاربة العالم بنسبة %3,4.

  1. النتائج
    1. المشاركة السياسية
  • المعطيات تظهر أن الغالبية الساحقة (91,2%) من المشاركين غير منخرطة حاليا في أي حزب سياسي، مقابل 8,8% فقط ينتمون إلى حزب سياسي.
  • صرح 71,6% من غير المنخرطين في اي حزب سياسي أنه لم يسبق لهم الانخراط إطلاقا، بينما 28,4% كانت لهم تجربة سابقة مع أحد الأحزاب المغربية.
  • عند سؤال غير المنخرطين حاليا عن نيتهم في الانضمام مستقبلا، أجاب 76,2% بالنفي، مقابل 23,8% فقط صرحوا أنهم يفكرون في إمكانية الانخراط.
  • من حيث المشاركة في الانتخابات، أوضح 70,6% من المشاركين أنهم سبق لهم التصويت في الانتخابات التشريعية أو الجماعية، مقابل 29,4% لم يسبق لهم التصويت.
  • صرح 84,8% من المشاركين بأنه لم يسبق لهم الترشح للانتخابات، مقابل 15,2% فقط سبق لهم الترشح.
  • أكد 60,9% أنهم لم يشاركوا قط في أي نشاط حزبي، في حين 39,1% سبق لهم المشاركة.
  • رأى 57,8% أن الانخراط في الاحزاب السياسية متاح وسهل، في حين أشار 42,2% إلى العكس.
  • توزعت أبرز أسباب انسحاب المنخرطين السابقين من الأحزاب السياسية على النحو التالي: غياب الديمقراطية الداخلية (33,2%)، عدم تعبير الحزب عن التطلعات (22,3%)، التهميش والاقصاء (14,2%)، أسباب شخصية (12,2%)، الصراعات الداخلية (10,8%)، اسباب اخرى (7,2%).
  1. مستوى الرضا على اداء المؤسسات
  • الأحزاب السياسية جاءت في مقدمة الهيئات التي تعاني أزمة ثقة، إذ اعتبر 91,5% من المستجوبين أن أداءها ضعيف، مقابل 7,6% رأوا أنه متوسط، فيما لم تتجاوز نسبة الرضا الإيجابي 0,9% فقط.
  • البرلمان حل في المرتبة الثانية من حيث فقدان الثقة، حيث عبر 89,5% من المشاركين عن تقييم سلبي لأدائه، و9,4% قيّموه بشكل متوسط، في حين منح 1,1% فقط تقييما إيجابيا.
  • الحكومة سجلت بدورها نسبة سلبية مرتفعة بلغت 87,3%، مقابل 11,6% تقييما متوسطا و1,1% إيجابيا. المعارضة السياسية، حصلت على 80,6% من التقييمات السلبية، مقابل 17,7% متوسطة و1,7% إيجابية.
  • النقابات لم تكن بمعزل عن هذه الموجة من عدم الثقة، حيث أشار 84,7% من المشاركين إلى ضعف أدائها، و14,4% اعتبروه متوسطا، بينما لم يمنحها سوى 0,9% تقييما إيجابيا.
  • الجماعات الترابية التي يفترض أنها الأقرب للمواطن في تلبية الخدمات، لم تنج بدورها من ضعف الثقة، حيث صنفها 78,2% في خانة «ضعيف»، و21,1% اعتبروها متوسطة، في حين لم يمنحها الرضا الإيجابي سوى 0,7% من المشاركين.
  • وسائل الإعلام جاءت بنتائج لا تقل سلبية، إذ اعتبر 73% من المواطنين أن أداءها ضعيف، في حين رآها 25,2% متوسطة، ولم تتجاوز نسبة الرضا الجيد 1,8% فقط.
  • أما الجمعيات، ورغم أنها حصلت على وضع أفضل نسبيا مقارنة بباقي المؤسسات، فإنها سجلت بدورها نصف الآراء تقريبا في خانة «ضعيف» بنسبة 50,4%، مقابل 45% متوسط، و4,6% فقط رأوا أداءها جيدا.

هذه الصورة الإجمالية تبين أن نسب عدم الثقة المرتفعة شملت مختلف المؤسسات، سواء كانت سياسية أو نقابية أو إعلامية أو مدنية، مع تفاوت في النسب لكنها جميعها تؤكد اتجاه عام نحو تقييم سلبي واسع النطاق.

  • المستوى العام للثقة في الاحزاب السياسية
  • تكشف النتائج المتعلقة بمستوى الثقة العام عن ضعف غير مسبوق، حيث أكد 94,8% من المشاركين أنهم لا يثقون بالأحزاب السياسية، مقابل 5,2% فقط عبروا عن ثقتهم بها.
  • أما بخصوص تطور هذه الثقة خلال السنوات الأخيرة، فإن المعطيات توضح اتجاها عاما نحو التراجع، إذ اعتبر 96,7% من المشاركين أن الثقة قد انخفضت مقارنة بالماضي، في حين رأى 2,6% أنها بقيت مستقرة، و0,7% فقط صرحوا بتحسنها.
  1. ممارسات الاحزاب السياسية
  • فيما يتعلق باحترام مبادئ الديمقراطية الداخلية، أوضح 97,9% من المشاركين أن الأحزاب السياسية لا تحترم هذه المبادئ، مقابل 2,1% فقط أكدوا العكس.
  • أما بخصوص تواصل الأحزاب مع المواطنين، فقد صرح 98,2% أنه الأحزاب لا تتواصل بشكب مستمر، في حين اعتبر 1,8% فقط أن تتواصل بشكل مستمر.
  • وحول مسألة ترشيح النساء، اعتبر 95,7% أن ترشيحات الأحزاب للنساء لا تبنى على الكفاءة، مقابل 4,3% قالوا إن الكفاءة هي المعيار المعتمد من طرف الأحزاب.
  • بالنسبة لاختيار مرشحي الأحزاب للانتخابات (رجالا ونساء)، يرى 98,2% من المشاركين أن الأحزاب لا يعتمد على الكفاءة لاختيار مرشحيها، بينما أكد 1,8% فقط أن الاختيار يتم على هذا المبدأ.
  • فيما يتعلق بقدرة الأحزاب على تجديد قياداتها، أجاب 85,8% بأنها غير قادرة على ذلك، في حين رأى 14,2% أنها قادرة.
  • بخصوص تعيين الكفاءات الضرورية في المناصب العليا لتدبير الشأن العام، فأشار 90,4% إلى أن الأحزاب لا تقوم بهذا الدور كما يجب، بينما يرى 9,6% أنها تقوم بتعيين الكفاءات المطلوبة.
  • بخصوص مراجعة قوانين الأحزاب والانتخابات، أكد 89,9% على ضرورة ذلك لتقوية دور الأحزاب كمؤسسات، بينما اعتبر 10,1% أنه لا حاجة للمراجعة.
  • أفاد 88,1% من المشاركين أنهم يؤيدون تحديد مدة المسؤولية داخل الأحزاب في ولايتين فقط، في حين عبر 11,9% عن رفضهم للمقترح.
  • اعتبر 85,8% من المشاركين أن ضعف المشاركة في الانتخابات يؤدي إلى صعود ممثلين لا يعبرون عن الإرادة الشعبية، مقابل 14,2% لم يوافقوا على هذا الطرح.
  • وعند سؤالهم عن دور النظام الانتخابي في تمثيل الإرادة الشعبية، أوضح 93,5% من المشاركين أن النظام الحالي لا يساعد على ذلك، مقابل 6,5% أكدوا العكس.

  1. ظواهر حزبية
  • أبرز 64,3% من المشاركين أن أهم مفتاح الصعود والترقي داخل الأحزاب السياسية هو التوفر على المال، ثم العلاقات الشخصية والقرابة والزبونية بنسبة 60,8%، يليها الولاء والتملق للقيادة الحزبية بنسبة 57,4%. أما الكفاءة والخبرة التنظيمية فلم يخترها  سوى 28,5% من المشاركين، والحضور والتواصل الشعبي بنسبة 25,9%، في حين اعتبر 24,1% أن الاعتماد القبلي أو الجهوي له دور، و21,5% أشاروا إلى النضال الحزبي والتدرج الداخلي، بينما لم تتجاوز نسبة من يرون أن القدرة على تعبئة الاصوات الانتخابية معيارا للصعود 18%.
  • فيما يخص العوامل التي تدفع المغاربة للتصويت لمرشح ما، فجاء في المقدمة المقابل المالي المحصل عليه بنسبة 77,7%، ثم الانتماء القبلي أو الجهوي بنسبة 55,4%، تليه توجيهات الأسرة والمحيط الاجتماعي بنسبة 37,8%. كما رأى 26% أن قرب المرشح من المواطن عامل مؤثر، وسمعة ونزاهة المرشح بمقابل 22,1% ، مقابل 16,6% اعتبروا المرجعية الدينية للمرشح سببا رئيسيا، والانتماء الحزبي للمرشح ب 13,7% وقوة الحملة الانتخابية 9,4%، والبرنامج الانتخابي ب 8,6% والمرجعية الايديولوجية للمرشح ب 6,2%.
  • فيما يخص الدوافع التي تقف وراء خوض السياسيين غمار الانتخابات، أظهرت النتائج أن 92% من المستجوبين يعتبرون تحقيق مصالح مادية أو امتيازات شخصية هو السبب الأساسي، يليه السعي وراء السلطة والنفوذ بنسبة 91,5%، ثم ضمان الحصانة أو الحماية بنسبة 75,1%. بينما اعتبر 9,4% فقط أن التمثيل القبلي يمثل دافعا رئيسيا، و7,3% رأوا أن تعزيز حضور الحزب في المؤسسات يشكل عاملا محفزا. أما خدمة المواطنين والصالح العام فقد حصلت على نسبة 6,4%، في حين لم تتجاوز نسبة الذين ربطوا المشاركة بالإيمان بمشروع مجتمعي 4,3%.
  • فيما يخص الممارسات التي تساهم في فقدان الثقة في الأحزاب السياسية، فقد اعتبر 83,3% من المستجوبين أن تضارب المصالح واستغلال النفوذ هو العامل الأساسي، يليه الفساد المالي أو الإداري بنسبة 64,7%، ثم استغلال المال العام للمصالح الخاصة بنسبة 60,7%. كما أشار 59,6% إلى أن الوعود الكاذبة والتسويق الإعلامي المخادع تقوض الثقة، مقابل 45,7% رأوا أن الظهور فقط في الحملات الانتخابية أو الانشغال بالمصالح الشخصية بدل المصلحة العامة من بين أهم الأسباب. أما تغيير الخطاب بعد الوصول للسلطة فاعتبره 43% عاملا إضافيا، في حين أرجع 37,3% السبب إلى التهرب من المساءلة وعدم تحمل المسؤولية، و35,6% إلى التعالي في التعامل مع المواطنين أو تجاهلهم من طرف السياسيين. كما بين 25,1% أن الغياب المتكرر عن البرلمان أو المجالس يضعف الثقة، بينما أشار 12,4% فقط إلى أن التخاطب التحقيري أو غير اللائق مع المواطنين يعد عاملا إضافي.
  • فيما يتعلق بالعوامل التي يمكن أن تساهم في استرجاع ثقة المواطنين في الأحزاب السياسية، اعتبر 89,7% من المشاركين أن تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة هو المدخل الأساسي، يليه وضع حد لاستعمال المال لشراء الأصوات بنسبة 57,2%، ثم تشديد شروط ترشح الأشخاص للمناصب الانتخابية بنسبة 51,1%. كما رأى 48,1% أن الوفاء بالبرامج والوعود الانتخابية يعد عاملا محوريا، مقابل 39,5% شددوا على ضرورة تحديد عدد ولايات قيادات الأحزاب، و38,3% على أهمية ربط التزكيات بالاستحقاق والنزاهة. أما اعتماد الشفافية في التسيير والتمويل فقد اعتبره 35,6% من المشاركين عنصرا مؤثرا، في حين أكد 33,3% على الانفتاح على الشباب والنساء والكفاءات، و30,9% على توسيع شروط التمويل العمومي وربطه بالشفافية، بينما اعتبر 30% أن تحيين القوانين الانتخابية بما يضمن النزاهة يشكل رافعة إضافية لتعزيز الثقة.
  1. الخلاصات

تؤكد المعطيات المستخلصة من هذا التقرير أن أزمة الثقة في الأحزاب السياسية بالمغرب لم تعد مجرد ظاهرة ظرفية مرتبطة بتقلبات المشاركة الانتخابية، بل أضحت إشكالية بنيوية تمس أسس الشرعية الديمقراطية وآليات الوساطة السياسية. فمعدلات عدم الرضا المسجلة تعكس بوضوح إخفاق التنظيمات الحزبية في أداء وظائفها الدستورية، سواء على مستوى التأطير المجتمعي، أو إنتاج النخب، أو المساهمة في بلورة البدائل السياسية. هذا الوضع يعكس اتساع الفجوة بين المواطن والفاعل الحزبي، مما يضع مستقبل العملية التمثيلية أمام تحديات جدية تتطلب إصلاحا شاملا وجذريا.

  • الأزمة التنظيمية والديمقراطية الداخلية: تشهد الأحزاب اختلالات عميقة في بنيتها التنظيمية، أبرزها هيمنة الزعامات الفردية، تعطيل التداول الديمقراطي، واستمرار نفس القيادات عبر تعديلات متكررة للأنظمة الأساسية. كما أضحت المؤتمرات واجهات شكلية لتزكية القرارات بدل أن تكون فضاءات للنقاش وتقييم الأداء، مما أدى إلى إقصاء الكفاءات المستقلة وتراجع الانتماء الحزبي لدى فئات واسعة من المنخرطين.
  • أزمة الحكامة والشفافية : تكشف الممارسات المالية والتنظيمية للأحزاب عن هشاشة واضحة في منظومة الحكامة الداخلية، حيث يلاحظ غياب الشفافية في تدبير الدعم العمومي، ضعف آليات الافتحاص الداخلي، واستفحال تضارب المصالح داخل الهياكل القيادية. كما أن غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة ساهم في تكريس ثقافة الريع والإفلات من العقاب، وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية حول قدرة هذه التنظيمات على إدارة الشأن العام بكفاءة ونزاهة.
  • أزمة الفكر والخطاب السياسي : يعاني المشهد الحزبي من جمود خطابي وفكري يترجم في تكرار الشعارات، ضعف التكوين السياسي للمنخرطين، وتراجع الاستثمار في البحث وإنتاج المعرفة. كما أن تشابه البرامج الانتخابية وانتهازية التحالفات السياسية ساهم في إضعاف المصداقية، بينما عزز التناقض بين خطابات المعارضة وممارسات الحكم بعد الوصول إلى السلطة القناعة المجتمعية بغياب الالتزام السياسي الحقيقي.
  • الأزمة التمثيلية والاجتماعية : تجلت الأزمة التمثيلية في عزوف متنام للشباب عن الانخراط في العمل الحزبي، وفي استمرار ضعف إدماج النساء ضمن مواقع القرار، حيث تحولت اللوائح الوطنية إلى آلية لإعادة إنتاج الولاءات بدل تمكين الكفاءات النسائية. كما أن التعددية الشكلية الناتجة عن التضخم العددي للأحزاب لم تترجم إلى بدائل فعلية، بل أدت إلى بلقنة سياسية زادت من عزلة التنظيمات عن المجتمع، ورسخت صورتها ككيانات مغلقة ومنفصلة عن هموم المواطنين.

  • أزمة الثقة والنزاهة : تتجسد هذه الأزمة في انتشار ممارسات الفساد المالي والإداري، وشراء الذمم، وتضارب المصالح المعلن، فضلا عن متابعة عدد من البرلمانيين أمام القضاء، مما يقوض صورة المؤسسة التشريعية ويمس بشرعية التمثيل السياسي برمته. هذه المؤشرات تؤكد أن الأزمة لم تعد محصورة في بعض التنظيمات أو الأفراد، بل صارت مرتبطة بثقافة حزبية سائدة تقوم على تقديم المصالح الخاصة على حساب الصالح العام.

إن أزمة الأحزاب السياسية في المغرب أزمة بنيوية متعددة الأبعاد، مست جوانبها التنظيمية والفكرية والحكاماتية والتمثيلية. ورغم وجود بعض الممارسات الإيجابية والاستثناءات الفردية، فإن الطابع الغالب يتمثل في ترسخ أعطاب هيكلية تحولت إلى ما يشبه «ثقافة حزبية» قائمة على الزبونية والولاءات الضيقة. وعليه، فإن الإصلاح الشامل للحقل الحزبي لم يعد خيارا ثانويا بل ضرورة ديمقراطية لضمان استمرارية الدولة في أداء وظائفها التمثيلية، وترسيخ الثقة بين المواطن ومؤسساته، وتأمين مستقبل الحياة السياسية بالمغرب.

  1. التوصيات

لا يقتصر تشخيص هذا التقرير على رصد أعطاب المشهد الحزبي والانتخابي، بل يبرز الحاجة الملحة إلى إصلاحات عملية متعددة المستويات، تشريعية وتنظيمية ومؤسساتية، تعيد الاعتبار للعمل الحزبي وتضمن فعالية التعددية السياسية. هذه الإصلاحات لا يمكن أن تتحقق بإرادة داخلية للأحزاب وحدها، بل تتطلب انخراطا جماعيا لمختلف الفاعلين (الأحزاب، النقابات، المجتمع المدني، الجامعات، الإعلام)، بما يعزز التملك الجماعي لورش الإصلاح السياسي.

إصلاح الإطار القانوني والتنظيمي:

  • التنصيص في القوانين على تحديد المدة القصوى لولايات القيادة لتفادي إعادة إنتاج نفس النخب وضمان التداول الديمقراطي، مما يجعل القيادة تعمل على اقصاء اي تهديد لزعامتها.
  • إصلاح نظام التزكيات بما يحد من هيمنة القيادات المركزية ويعزز دور الهياكل المحلية في اختيار المرشحين.
  • مراجعة القوانين الانتخابية للحد من البلقنة الشكلية، وضمان تعددية فعلية قادرة على تمثيل المجتمع وتقديم بدائل حقيقية.
  • إعادة النظر في نظام العتبة بما يحقق توازنا بين الحفاظ على التعددية ومنع تشتت التمثيل داخل الهيئات المنتخبة.

تعزيز النزاهة ومحاربة الريع السياسي:

  • فرض آليات صارمة لمراقبة تمويل الحملات الانتخابية، وضبط مصادر الأموال، والحد من استعمال المال غير المشروع وشراء الذمم.
  • اعتماد أنماط انتخابية تركز على الاختيار الفردي المباشر بما يتيح للمواطن محاسبة ممثليه بشكل واضح، ويعزز من المشاركة السياسية للمواطن، ويقلص من هيمنة اللوائح المغلقة التي لاتمثل بالضرورة القواعد.
  • تجريب الانتخاب المباشر لمسؤولي بعض الجماعات الترابية والغرف المهنية لتعزيز الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة على المستوى المحلي.

توسيع المشاركة والانفتاح المجتمعي:

  • إنهاء احتكار الأحزاب لمسار الإصلاح الانتخابي عبر فتح المشاورات أمام مختلف الفاعلين: النقابات، جمعيات المجتمع المدني، الجامعات، مراكز البحث، والإعلام.
  • تشجيع اندماج الأحزاب الصغيرة والمتقاربة فكريا بهدف عقلنة العرض السياسي وترشيده، بما يجعل التعددية أكثر وضوحا وفعالية.

إعادة بناء الثقة عبر الحكامة الداخلية:

  • ربط الدعم العمومي بشروط إضافية صارمة تقوم على توسيع الممارسات الديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب.
  • تطوير القوانين الخاصة بالأحزاب على أساس تعزيز ثقة المواطن، من خلال ضمان الشفافية المالية، وتفعيل التداول القيادي، وتعزيز الرقابة الشعبية والمؤسساتية.
  • اعتماد استراتيجيات تواصل حديثة وفعالة (رقمية وميدانية) تجعل الأحزاب أكثر قربا من المواطنين وأكثر قدرة على التعبير عن أولوياتهم.

مسؤولية المواطن في إعادة بناء الثقة:

  • تعزيز وعي المواطنين بأهمية المشاركة السياسية عبر التربية المدنية وحملات التثقيف، بما يجعل من التصويت والانخراط الحزبي مسؤولية جماعية تساهم في حماية الخيار الديمقراطي وتقوية شرعية المؤسسات التمثيلية.
  • المشاركة الفعلية في العملية الانتخابية، حتى في غياب المرشح المثالي، بالتصويت لمن يمثل الخيار الأقل ضررا، باعتبار ذلك وسيلة لحماية الديمقراطية من اختطافها من طرف شبكات المصالح والريع السياسي.
  • الانخراط في آليات المراقبة المجتمعية ومطالبة الأحزاب بالشفافية والمحاسبة، بما يعزز دور المواطن كفاعل أساسي في تقويم الحياة السياسية وضمان نزاهتها.

إن هذه الإصلاحات المقترحة لا تمثل مجرد تعديلات تقنية للنصوص القانونية، بل تشكل خريطة طريق شاملة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والأحزاب. فترسيخ الحكامة الداخلية، ضبط المال السياسي، إشراك المجتمع المدني، وتجديد النخب هي شروط أساسية لتحويل الأزمة الحزبية من عائق إلى فرصة لإرساء ديمقراطية أكثر مصداقية وفعالية في المغرب

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *