الإعلام الجزائري وبداية صحوة الضمير!

منذ عقود وخاصة بعد أن جيء بالرئيس عبد المجيد تبون واجهة مدنية للنظام العسكري الحاكم، والإعلام الجزائري بنوعيه لا يتواني عن مهاجمة المغرب من خلال الترويج للأكاذيب والمغالطات، في محاولات يائسة للتستر عن الإخفاقات التي ما انفك يراكمها حكام قصر المرادية في مختلف المجالات وخاصة ملف الصحراء، والتغطية عن المشاكل الداخلية وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن اختلاق حروب وهمية بين ميليشيات البوليساريو الانفصالية والقوات المسلحة الملكية المغربية، والتمادي في تخويف الشعب الجزائري من العدو الخارجي، الذي ليس سوى المملكة المغربية، بهدف تصدير الأزمات البنيوية وإخفاء فشل النظام العسكري في تحقيق التنمية، رغم ما تتوفر عليه الجزائر من إمكانيات مادية وموارد طبيعية هائلة.
وقد بلغت الدناءة بالإعلام الرسمي أن تطاولت قناة « الشروق » الموالية للنظام العسكري الجزائري في أحد برامجها الأسبوعية عام 2021 على شخص العاهل المغربي محمد السادس، عبر تجسيده في دمية كرتونية، مما استفز مشاعر المغاربة من طنجة إلى لكويرة، حول هذا التصرف المنحط، الذي لا يمت بصلة لميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة والإعلام، ويتعارض مع مختلف المواثيق الوطنية والدولية، بما فيها ميثاق أخلاقيات مهنة الصحافة الجزائري الصادر في 13 أبريل 2000، الذي يلزم الصحافيين الجزائريين في المادة 12 منه، بتجنب الترويج للعنف ونشر الحقد والكراهية…
بيد أن ما لم يكن يتوقعه حتى أكبر المتفائلين في أوساط السياسيين ومتتبعي الشأن العام المغاربي وغيرهم من المواطنين الجزائريين والمغاربة على حد سواء، هو أن يصحو يوما ضمير الإعلام الجزائري في شخص قناتين رسميتين. إذ أنه وفي تطور لافت شرعت قناتان جزائريتان كانتا خاضعتين لأوامر « العصابة الحاكمة » خلال العقود الماضية، في تغيير قواعد اللعب المعتادة دون سابق إشعار خلال هذه الأيام الحارة من فصل الصيف، كاشفة عن الهوة العميقة بين الواقع المأساوي للشعب الجزائري من حيث تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانهيار القدرة الشرائية لدى الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وعما يدلي به الرئيس الصوري « تبون » أحيانا من تصريحات هوجاء، إذ لم ينفك يزعم في أكثر من لقاء أن بلاده التي يطلق عليه اسم « القوة الضاربة »، تمكنت من تحقيق « نجاحات غير مسبوقة » خلال عهدتيه السابقة والحالية.
فالضمير فضلا عن كونه ذلك الصوت الخفي داخل وجدان الإنسان، هو كذلك جزء من مكونات الجنس البشري، يتضمن مخزونا من المبادئ الأخلاقية، إذ بواسطته يمكن التمييز بين الجيد والقبيح، وبين الشر والخير، وبين الظلم والعدل. ويمنح صاحبه المعنى الحقيقي للحس بالمسؤولية، ويشعره بالراحة دون تأنيب كلما أصاب في إنصاف المظلوم، ويعاتبه كلما أخطأ وانحاز للظالم المستبد. ويرى الفيلسوف الفرنسي « جان جاك روسو » في تعريفه للضمير: « أن الدافع الأخلاقي الحقيقي، هو الضمير الذي يدفعنا إلى حب العدالة والتحلي بالأخلاق الحميدة، والرغبة في العمل على تعزيزهما، وأن التقدير العقلاني يوجه الضمير ليقوم بتنزيل تلك الأخلاق التي أوجدها الرب في العالم » لكن كابرانات العسكر الجزائري، استطاعوا بما لديهم من قوة المال والسلاح أن يضعفوا الضمائر في الداخل والخارج، لأنهم يدركون جيدا ما للضمير من مهمات حيوية في حماية القيم الإنسانية وصونها.
ذلك أنه وفي تحول يعتبره بعض المحللين السياسيين والمعارضين الجزائريين « انقلابا صامتا » داخل الإعلام الجزائري، بينما يراه البعض الآخر صحوة ضمير متأخرة ما لم تكن هناك أهداف سياسوية غير معلنة، حيث بدت الإشارات الأولى لهذا التغيير الطارئ والمفاجئ عبر إقدام قناة « النهار » يوم 20 غشت 2025 بتزامن مع تخليد المغرب الذكرى 72 لملحمة ثورة الملك والشعب، على نشر خريطة المغرب كاملة خلال نشرة أحوال الطقس دون أي بتر ل »الصحراء الغربية » التي صرف الكابرانات ملايير الدولارات في دعم ميليشيات البوليساريو الانفصالية، من أجل اقتطاعها من المغرب. وهي الخطوة التي بالإضافة إلى كونها كشفت عن هشاشة البروباغندا، خاصة أنها جاءت من أحد أبرز أبواق النظام العسكري غير الشرعي، أثارت موجة عارمة من الاستهجان، ووصفها بعض المراقبين بأنها تجسد رسالة واضحة دونما حاجة إلى أي تأويل آخر عدا أنه إعلان عن تراجع الولاء التقليدي للنظام الحاكم، وليست مجرد خطأ فني كما قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين من أتباع « عصابة شنقريحة ».
وعلى بعد ساعات قليلة، وفي تمرد مماثل أبت قناة « الشروق » إلا أن تذيع هي الأخرى على أنظار مشاهديها « ربورتاجا » حيا وصادما من سوق « سوريكال » بالعاصمة الجزائر، أماط اللثام عن معاناة المواطنين الجزائريين واستيائهم العميق من الارتفاع المهول لأسعار الفواكه والخضر واللحوم، التي أضرت كثيرا بقدرتهم الشرائية وخاصة بالنسبة للطبقتين الفقيرة والمتوسطة، ناهيك عن النقص الحاد في السلع الأساسية، وهي حقائق جاءت بها القناة للكشف عن تناقض الأرقام الرسمية مع الواقع اليومي وتفنيد تصريحات الرئيس الجزائري، الذي ما انفك يدعي بأن الجزائر حققت « قفزة نوعية » في الإنتاج الفلاحي…
إننا إذ نثمن عاليا ما أبانت عنه القناتان الجزائريتان « النهار » و »الشروق » من جرأة في الجهر بحقائق الأمور التي ظل النظام العسكري الجزائري حريصا على محاولة إخفائها والتعتيم عنها، سواء فيما يتعلق بقضية « الصحراء الغربية » التي أصبحت مغربيتها تحظى في السنوات الأخيرة بزخم كبير من الدعم الدولي المتزايد، أو بخصوص غلاء الأسعار وتدهور الأوضاع في الجزائر، فإننا نأمل أن تمتد صحوة الضمير إلى باقي المسؤولين في مختلف الميادين.
اسماعيل الحلوتي





Aucun commentaire