Home»Débats»عندما يتقاطع الاجتهاد البرلماني مع النسيان السياسي: دفاعًا عن حق المجتمع في مواجهة الإثراء غير المشروع

عندما يتقاطع الاجتهاد البرلماني مع النسيان السياسي: دفاعًا عن حق المجتمع في مواجهة الإثراء غير المشروع

0
Shares
PinterestGoogle+

ذة.سليمة فراجي


يثير سحب الحكومة المغربية الحالية لمشروع القانون تجريم الإثراء غير المشروع، الكثير من التساؤلات حول صدقية الشعارات المرتبطة بمحاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة. ويكشف هذا التراجع – في توقيت دقيق – عن غياب إرادة سياسية حقيقية في تعزيز الشفافية والنزاهة، رغم ما تم ترديده لعقود حول ضرورة تخليق الحياة العامة واستعادة الثقة في المؤسسات.
لقد ظل تجريم الإثراء غير المشروع يشكل مطلبًا محوريًا ضمن توصيات تقارير وطنية، لعل أبرزها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وتقرير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، فضلًا عن الالتزامات الدولية للمملكة في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادقت عليها سنة 2007. وينص الفصل 8 من هذه الاتفاقية صراحة على ضرورة اعتماد تشريعات داخلية لمعاقبة مظاهر الاغتناء غير المبرر، باعتباره قرينة على استغلال المنصب العام لتحقيق مصالح شخصية دون سند قانوني مشروع.
ورغم أن النسخة المحالة سابقًا على البرلمان – والتي بقيت حبيسة الرفوف التشريعية لما يناهز العقد – عرفت نقاشًا مجتمعيًا وقانونيًا واسعًا، فقد كانت تشوبها ثغرات كبرى، سواء من حيث أركان الجريمة، أو آليات الإثبات، أو مدى احترامها لضمانات المحاكمة العادلة. غير أن الحل لم يكن أبدًا في سحب المشروع برمته، بل في تجويده وتحصينه دستوريًا، مع الموازنة بين حقوق الأفراد وضرورات محاربة الكسب غير المشروع.
فمن غير المعقول أن يُحرم المجتمع المغربي من آلية قانونية أساسية لمحاربة الفساد، في وقت تشهد فيه المؤسسات اختلالات بنيوية، ويعاني فيه المواطن من تداعيات هدر المال العام، وضعف الخدمات العمومية، وتآكل الثقة في النخب والمسؤولين. كما أن هذا السحب يكرس مفارقة غريبة: فمن جهة يتم تشديد العقوبات على الفئات الهشة في قضايا بسيطة، ومن جهة أخرى يتم التراجع عن قوانين تهم النخب النافذة وتحصنها من أي مساءلة.
ثم إن توقيت هذا السحب يحمل دلالات رمزية خطيرة، خاصة أنه جاء في سياق إقرار إصلاحات شكلية لبعض القوانين الجنائية، دون أن تمس صلب الإشكاليات المرتبطة بتجريم الفساد والمحاسبة على الاغتناء غير المشروع. فهل يعقل أن يستمر الخطاب الرسمي في التغني بمكافحة الفساد بينما يتم التراجع عن أهم أداة تشريعية لتحقيق ذلك؟ أليس هذا ضربًا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي نص عليه الفصل 1 من الدستور؟ أليس من العبث التشريعي أن يُقبر مشروع قانون ظل ينتظر منذ سنة 2013، بعد توافق نسبي عليه داخل اللجنة البرلمانية؟
إن ما حصل ليس مجرد سحب تقني لنص قانوني، بل هو انسحاب سياسي من معركة الإصلاح، وتنصل من رهان تخليق الحياة العامة، وخذلان لتطلعات شعب بأكمله في عدالة اجتماعية ومؤسساتية. وهو كذلك انتكاسة قانونية تعيد إنتاج الريع والامتياز وتُضعف ثقة المواطنين في العمل السياسي والتشريعي.
لقد أضاعت الحكومة الحالية فرصة تاريخية لتمرير قانون ينسجم مع الدستور، ويستجيب لتوصيات المؤسسات الرقابية، ويرسخ مبادئ الشفافية والمساءلة. وبذلك، يتحول الإثراء غير المشروع من جريمة يعاقب عليها القانون… إلى واقع مألوف يباركه من يستفيد منه ويلوذ بالصمت والتقاعس من عجز عن تمريره ليبقى الضمير الجمعي مثقلًا بحسرة على زمن الإصلاح المؤجل.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. راجين
    28/07/2025 at 17:54

    المعادلة واضحة يا سيدتي. إن الذين أوقفوا مشروع هذا القانون يعني أنهم يحبذون الإثراء غير المشروع ، بمعنى آخر آن ثرواتهم ما كانت لتكون لولا انتهاجهم هذا السبيل.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *