حزب العدالة والتنمية / النص الكامل للتقرير السياسي المقدم امام أعضاء المؤتمر التاسع المنعقد ببوزنيقة ـ الرباط يومي26 و 27 ابريل 2025

الفهرس
المحور الأول- سياق دولي متقلب وتحولات كبرى برهانات حضارية ومسؤوليات وطنية متعاظمة 4
أ- قضايا الأمة وفلسطين وطوفان الأقصى 5
ب- قضية الصحراء المغربية والوضع المغاربي ومشاريع التجزئة 8
ج- القضايا العادلة للأمة والإنسانية وتحطيم القيم وتفكيك الأسرة وسياسات التغول الاقتصادي العالمي 9
أولا – دفاعا عن الهوية الإسلامية والأسرة والتعليم والثقافة: 12
أ- مراجعة مدونة الأسرة ومعركة المرجعية الدينية والدستورية والوطنية 13
ب- هوية التعليم وجودته ولغة التدريس والتعليم العتيق 15
ج- الوقوف في وجه سياسات ثقافية وإعلامية شاردة وتراجعية وتغريبية 16
ثانيا- دفاع مستمر عن كرامة المواطن والعدالة الاجتماعية: 17
أ- مواجهة التنزيل المعيب لورش تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية 17
ب- الوقوف في وجه ضرب القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار 20
ج- التنبيه لتفاقم البطالة وتدهور التشغيل 20
أ- التحذير من الإصلاحات المعطلة لكل من المقاصة والتقاعد 22
ب- التنبيه للتنزيل الخاطئ للسياسة الضريبية وميثاق الاستثمار وضرب المنتوج الوطني 23
ج- التحذير من استنزاف المالية العمومية وتفاقم الاستدانة وانحراف التمويلات المبتكرة 25
د- التنبيه للمس بمقومات الأمن الغذائي 25
رابعا: خدمة الفساد والريع ومناهضة مؤسسات مكافحته 26
أ- فضح تضارب المصالح وصفقة تحلية مياه البحر بجهة الدار البيضاء سطات 26
ب- التنبيه لتفاقم الريع والخضوع للوبيات المصالح في المحروقات والأبقار والأغنام 27
ج- خطر استهداف مؤسسات مكافحة الفساد وعدم تطبيق توصياتها 28
خامسا: عدم الوفاء بالوعود وفشل التواصل 29
المحور الثالث- معركة الديموقراطية والكرامة 32
أ- هشاشة ديموقراطية وتراجعات صعبة 32
ب- الانتخابات والحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية ولصلاح عميق 34
ج- انتكاسة حكومية في ظل مبادرة ملكية سامية أعادت الأمل 35
أ- أسس الانطلاقة الجديدة للحزب 37
ب- حصيلة مشرفة في الحكومة وفي الجماعات: في التسيير وفي المعارضة 38
ج- مهام كبيرة ومسؤوليات وازنة 39
يلتئم المؤتمر الوطني العادي التاسع لحزب العدالة والتنمية تتويجا لمسار تصاعدي من الاستنهاض الحزبي والتدافع السياسي في سياق سياسي وطني ودولي صعب ومتغير ومنتج لتحديات كبرى ومصيرية، وبتأثيرات بالغة على مستقبل حزبنا ووطننا وأمتنا بل والبشرية جمعاء.
ولئن كان التقليد السياسي المتعارف عليه هو أن يرصد التقرير السياسي المقدم للمؤتمر حصيلة عمل الحزب بين المرحلتين الفاصلتين بين المؤتمر الأخير والمؤتمر الحالي، فضلا عن تحديد مواقف الحزب من مستجدات الراهن واختياراته السياسية للمرحلة المقبلة، إلا أن التقرير السياسي المقدم اليوم أمام المؤتمر الوطني التاسع للحزب يتجاوز ذلك بفعل السياق الاستثنائي الذي ينعقد فيه وما يعتمل فيه من مخاطر وتهديدات وما يُحَتِّمُهُ ذلك من استحقاقات على حزب العدالة والتنمية، تتجاوز تدبير الاستحقاقات الحزبية العادية والمواعيد الانتخابية إلى ما هو أكبر وأهم ليقوم الحزب بالأدوار الدستورية والوطنية المطلوبة.
فضلا عن ذلك، فإن هذا التقرير يعد وثيقة سياسية، تقدم تشخيصا مسؤولا للوضع الراهن، وتحديد أعطابه، واستعراض آفاق تطورها، ومسؤولية الحزب في المساهمة في تجاوزها، وفق ما تقتضيه خطورة وتحديات المرحلة وما تستلزمه من قوة ومسؤولية وصراحة ووضوح.
كما أن هذا السياق يفرض أيضا عدم الانطلاق في هذا التقرير من الوضعية التي كان عليها الحزب بعد نكسة انتخابات شتنبر 2021 ورصد عناصر التقدم أو المراوحة مقارنة معها، باعتبار أننا اليوم أمام تحولات كبرى تجعل مما حصل قبل أزيد من ثلاث سنوات ونصف مسألة ثانية خاصة وأن جهود وأداء الحزب قواعد وقيادة وبمواقف شاهدة مكنت من تجاوز تلك المرحلة، حيث استعاد معها الحزب قوته نسبيا وبرزت فعاليته كحزب مؤثر وفاعل في الحياة السياسية، مضطلعا بدور ريادي في المعارضة، ومفشلا مناورات تحجيم الحزب وعزله وإضعافه.
و يتضمن هذا التقرير أربعة محاور أساسية:
محور أول، عالج تحولات ومستجدات السياق الخارجي وانعكاساتها على القضية الوطنية والقضية الفلسطينية؛
ومحور ثان، تضمن تشخيصا لتحديات الوضع الوطني في مختلف المستويات سواء منها تلك المتعلقة بالهوية الوطنية، أو بالإشكالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنموية، ورصيد معارك الحزب في مواجهتها ومبادراته طيلة المرحلة السابقة؛
ومحور ثالث، خصصه التقرير للوضعية السياسية وتحديات الاختيار الديموقراطي واستحقاقاته الانتخابية والحقوقية؛
ثم محور رابع وأخير، ذو طابع مستقبلي يهم مهام المرحلة ومسؤولية الحزب على ضوء خلاصات المحاور الثلاث الآنفة وذلك وفق رهان مركزي هو ما لخصه الشعار المركزي للأطروحة السياسة للحزب: « النضال من أجل مصداقية الاختيار الديموقراطي وكرامة المواطن ».
المحور الأول- سياق دولي متقلب وتحولات كبرى برهانات حضارية ومسؤوليات وطنية متعاظمة
يشهد العالم اليوم تحولات جيو استراتيجية كبرى انطلقت مع طوفان الأقصى المبارك، و قبلها الحرب الروسية الأوكرانية وتزايدت وتيرتها مع سياسات الإدارة الأميركية الجديدة، والتي نتج عنها إرباك كلي للعالم، وأصبح العالم يعيش بدون قواعد ثابتة، بل حيثما ظهرت المصلحة الأمريكية وفقا لرؤية الرئاسة الجديدة تنشأ قواعد جديدة، وكانت نتائج ذلك في جولة جديدة من مشروع الإبادة الصهيونية المستمرة للشعب الفلسطيني من خلال السعي إلى تهجيره وعملية محرقة متواصلة مع عدوان شامل ليس على غزة أو الضفة الغربية أو لبنان أو سوريا بل عدوان يستهدف الأمة العربية والإسلامية ككل، ورفعت معه شعارات إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات مع دعم غير مسبوق من الولايات المتحدة الأمريكية التي نزلت بثقلها لدعم مشروع التهجير ومعه دعم مشروع توسيع تراب الكيان الصهيوني، واعتماد منطق الإكراه والابتزاز في إحياء مشروع اتفاقات ابراهام وجعلها غطاءا للمشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة، بغرض احتواء وإضعاف الدينامية الدولية التي شهدتها المرحلة الأولى من معركة طوفان الأقصى طيلة أزيد من سنة بقرار الإدانة الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية ضد الكيان الصهيوني وحركية الاحتجاجات الطلابية والمدنية في الجامعات والمدن الأمريكية والأوروبية، والضغط على الكيان الصهيوني للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق للنار، لتنطلق بعد ذلك مرحلة جديدة بدأت مع التنصل من هذا الاتفاق وإطلاق عملية محرقة نازية في غزة مع عدوان صهيوني على سوريا وعلى الشعب اليمني والتهديد بإشعال حرب إقليمية شاملة بمنطقة العربدة والانتهاك السافر لكل ما تعارفت عليه البشرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بما يجعلنا نشهد حالة علو صهيوني مدعوم أمريكيا.
وهي تحولات متسارعة بدينامية تصاعدية تزيد من حدتها تطورات المواقف والقرارات الأمريكية ومنها رفع الرسوم الجمركية على العالم، وفرض سياسات جديدة تجاه الناتو وعودة لغة القوة والإهانة لرؤساء الدول والابتزاز والمصالح الفجة ومنطق الغلبة في العلاقات الدولية، حيث دخلت البشرية مرحلة اختلال كلي في التوازنات الدولية فتحت الباب للاضطراب والغموض وعدم الاستقرار أمنيا وسياسيا واقتصاديا، في ظل تطلع قوى دولية ممثلة في الصين والهند وروسيا إلى احتلال موقع في منظومة صنع القرار الدولي وما يعنيه ذلك من توترات وصدامات مع الرؤية الأمريكية الجديدة وفي ظل تراجع الدول الأوروبية وهشاشتها سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
في ظل هذا الوضع، يقع العالم الإسلامي مع تفاوت بين دوله في وضع المتفرج والخاضع بل وأحيانا المستسلم لآثار هذه التحولات، فوجود الثروات الطاقية الأساسية فيه وموقعه الجغرافي وسط ممرات النقل البحري والدولي بين الأسواق العالمية وإمكاناته البشرية الواعدة، وقبل ذلك توفره على عقيدة صلبة مستندة على الإسلام وما يمثله من أساس المقاومة الممكنة لفائدة البشرية ككل وليس فقط الأمة العربية والإسلامية في مواجهة مشاريع استهداف مقدرات وثروات الشعوب وسيادة الدول وضرب منظومة القيم والأخلاق والسعي لتفكيك الأسرة وإشاعة التفسخ والإباحية، فضلا عن وجود المشروع الصهيوني في قلب العالم الإسلامي واستهدافه لفلسطين والقدس والأقصى وتوسع عدوانه ليشمل دول الجوار، بما يجعلها بؤرة صراع حضاري مستمرة إلى غاية إحقاق الحق وإقامة العدل بمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة وإنهاء الاحتلال الصهيوني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
إن البشرية اليوم في مفترق طرق مصيري، أصبحت معه دول مهددة بفقدان سيادتها ومقومات وجودها، وتحمل المسؤولية اليوم يقتضي مقاومة هذه النزعة الأمريكية التحكمية والاستعلائية والمعادية لمصالح الشعوب، وأن نرفع أصواتنا عاليا ونناضل لما فيه مصلحة أمتنا ودولتنا وحزبنا وقبل ذلك البشرية جمعاء دفاعا عن استقلال القرار الوطني والحق في الاحتكام إلى مرجعيتنا الإسلامية والإنسانية ورفض كل استعمار، وهو ما يفرض إعادة الاعتبار للإنسان كمصدر قوة حقيقي، باعتبار أن الإنسان المائع والمتحكم فيه والمفتقد لأساس عقدي وأخلاقي موجه لا يمكن الرهان عليه لضمان استمراريتنا كأمة وكدولة في ظل الصراع الحضاري والسياسي المحتدم عالميا، ولنا في وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 وما تبعها من تعبئة وطنية كبيرة لمواجهة الاستعمار وفرض الاستقلال عبرة لكل متخاذل في مواجهة المنطق الاستعماري الجديد.
- لقد كان حزبنا سباقا وقبل طوفان الأقصى إلى تحمل مسؤوليته في التعبير عن الموقف اللازم إزاء السياسات الصهيونية الجديدة وخاصة مع حكومة مجرم الحرب نتنياهو بعد انتخابات نونبر 2022 بالكيان الصهيوني، ثم انخرطنا وبكل طاقاتنا في مواصلة نصرة المقاومة الفلسطينية ودعم صمود الشعب الفلسطيني في غزة ورفض مشروع التهجير وإدانة توسيع العدوان إلى الضفة الغربية ثم لبنان واليمن وسوريا، حيث سجل طوفان الأقصى ثباتا استثنائيا وأسطوريا للمقاومة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني مع تضحيات عالية قوامها ما يناهز 60 ألف شهيد ضمنهم حوالي 17 ألف طفل و13 ألف امرأة ودك مدن بأكملها في غزة، واستشهاد قيادات سياسية وعسكرية من الصف الأول في المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها الشهيد القائد إسماعيل هنية والشهيد البطل يحيى السنوار تقبلهم الله جميعا في الصالحين، وهي دروس في المقاومة والثبات والتضحية قدمتها فلسطين للبشرية ككل في الدفاع عن الحق وعن المقدسات.
- ورغم العلو الصهيوني المسنود أمريكيا خاصة ودوليا عامة، فلابد من أن نسجل موقف القمة العربية الاستثنائية بالقاهرة التي رفضت التهجير، وهي نقطة ضوء في مسار عام اصبحت فيه الأمة العربية لا حول ولا قوة لها ومسلوبة الإرادة عاجزة عن إيقاف عدوان استمر أزيد من سنة ونصف مع تواطؤ دولي ودعم أمريكي مفضوح وفج، لكن العزم الأمريكي على التهجير يفرض مواقف أكثر حسما ووضوحا في رفض ومواجهة هذه الخطة الاستعمارية والعنصرية والاستيطانية، باعتبار أن إقدام أمريكا عليها هو بمثابة إعلان حرب على الأمة العربية والإسلامية وعدوان صريح عليها وانتهاك لكل القرارات الدولية منذ 1948. ويقيننا في نصر الله عز وجل أولا، ثم في صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته ثانيا في إفشال هذه الخطة ودفنها، كما أفشلت ودفنت قبلها خطط عديدة.
- إن الولايات المتحدة الأمريكية بالخصوص تتحمل المسؤولية المادية والمعنوية الكاملة والمباشرة والأولى وهي تتدخل بطريقة مباشرة وميدانية في حرب الإبادة الجارية في غزة وتصر على خطة التهجير وتعطل باستخدامها اللاأخلاقي في كل مرة لـ « حق » النقض ضد قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بالرغم من تحريك الأمين العام للأمم المتحدة للمرة الأولى ومنذ عقود للفصل 99 من ميثاق الأمم المتحدة لينبه مجلس الأمن أن ما يقترفه العدو الصهيوني بلغ حدا غير مسبوق أصبح يهدد حفظ السلم والأمن الدوليين، وبالرغم أيضا من القرار التاريخي وغير المسبوق بإصدار المحكمة الجنائية الدولية في 21 نونبر 2024 لمذكرتي الاعتقال في حق مجرمي الحرب -رئيس وزراء الكيان الصهيوني ووزيره في الدفاع-، بسبب وجود ما اعتبرته المحكمة « أسبابا منطقية للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة ».
- كما نقدر في هذا السياق مرة أخرى مبادرات ومواقف جلالة الملك حفظه الله، رئيس لجنة القدس، في رفض العدوان والدعوة لإنهائه وإرسال المساعدات الإنسانية، وتخصيص منح إضافية لفائدة الطلبة الفلسطينيين المنحدرين من قطاع غزة، المسجلين في الجامعات والمعاهد العليا المغربية، فضلا عن المواقف المتميزة التي أكدها في خطابه السامي أمام الدورة الاستثنائية للقمة المشتركة لمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية في 11 نونبر 2023 بالرياض، أو في رسالتيه الساميتين الموجهتين بتاريخ 29 نونبر 2023 و26 نونبر 2024 إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير قابلة للتصرف، بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني والتي أكد فيها على « ضرورة التوصل إلى الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار بقطاع غزة، ووضع حد للاعتداءات المتكررة على السكان الآمنين بالضفة الغربية ومدينة القدس » و »رفض كل تهجير للمواطنين الفلسطينيين، وكذا الالتزام التام بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني »، وتأكيد جلالته في عدة مناسبات على موقف المغرب الثابت لدعم القضية الفلسطينية، والتي كان آخرها تأكيد جلالته في خطاب العرش على أن: » الاهتمام بالأوضاع الداخلية لبلادنا، لا ينسينا المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني الشقيق. » وكذا تأكيده في مناسبات عدة على أن المغرب يضع القضية الفلسطينية في نفس مستوى القضية الوطنية.
- وهنا لابد أن نسجل أيضا وبكل فخر واعتزاز المواقف الشامخة للشعب المغربي الذي وكعادته أثبت مرة أخرى التزامه الثابت والراسخ في دعم القضية الفلسطينية إذ لم تتوقف وإلى الآن وخلال كل أسبوع منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى وحرب الإبادة الجماعية التي يمارسها العدو الصهيوني النازي ضد إخواننا في غزة، لم يتوقف عن تنظيم الفعاليات التضامنية المتواصلة والمسيرات الوطنية الحاشدة دعما للمقاومة الفلسطينية الباسلة والمنددة بالاحتلال الصهيوني ومجازره الهمجية والمطالبة بوقف التطبيع.
- إن خيارنا الراسخ والثابت في الحزب أن نصطف إلى جانب المقاومة الفلسطينية فنحن منها وإليها، وهو اصطفاف تفرضه حقوق الدين والأخوة والإنسانية والحق الفلسطيني الثابت وغير القابل للتصرف في تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهو انحياز ضد تحالف قوى الاستعمار إلى جانب الاحتلال الصهيوني الإحلالي النازي، وهو انحياز لمقاومة مشروعة ضد الاحتلال الغاصب، تحكمها وتحركها وتضمنها الشرائع والقيم والمبادئ الدينية والأخلاقية والقوانين الدولية والإنسانية التي انتصرت لها دائما البشرية في جانبها المضيء عبر تاريخها.
- وكحزب نؤكد وكما كنا دائما أننا سنظل دائما ضد التطبيع وأنه وبغض النظر عن الإكراهات التي دفعت دولتنا للسير في اتجاه استئناف العلاقات مع دولة الاحتلال الصهيوني، فإن ذلك لا يمكنه أن يغير موقفنا ورفضنا للتطبيع مع كيان عنصري وغاصب واستيطاني يحتل أرضنا ويستبيح دماء إخواننا الفلسطينيين ويسعى إلى تهجيرهم من أرضهم ويعلن علنا عن نيته وقراره حرمانهم من حقهم في إقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
- ولا نتردد اليوم في التعبير عن المواقف اللازمة والقيام بما ينبغي القيام به، إنصاتا وتفاعلا مع الموقف الشعبي الرافض للكيان الغاصب وتصحيحا لما سبق أن صدر من الحزب عند توقيع الاتفاق الثلاثي، ونؤكد مرة أخرى وبوضوح أن الوقت حان لإغلاق مكتب الاتصال الصهيوني كما حصل في نهاية سنة 2000 عندما تم الاعتداء على المسجد الأقصى، ونجدد الدعوة اليوم إلى إيقاف مسار التطبيع وتجميد كل الاتفاقيات مع العدو الصهيوني وإنهاء كل شكل من أشكال التعامل معه، ومواجهة الاختراق الصهيوني المتصاعد لبلادنا مع بعض الجامعات المغربية والقطاع الخاص والمؤسسات الثقافية والفنية وحل ما يسمى زورا لجنة « الصداقة » البرلمانية مع الكيان الصهيوني الغاصب، ونعتبر أن الواجب يتطلب رفع مستوى المواجهة والتأطير الشعبي في المرحلة المقبلة من أجل هذه الأهداف.
- كما نذكر أنه وتطبيقا للموقف المبدئي للحزب الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، صوتت المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بمجلس النواب ضد الاتفاق بشأن التعاون الاقتصادي والتجاري، والاتفاق بشأن الخدمات الجوية؛ بين المغرب والكيان الصهيوني، كما رفضت العضوية فيما سمي « لجنة الصداقة البرلمانية المغربية – « الإسرائيلية » »، ودعت إلى حلها، كما عبر الحزب عن استنكاره الشديد لزيارة « رئيس الكنيسيت بالكيان الصهيوني » لمجلس النواب المغربي، واعتبر هذه السابقة الخطيرة تشكل – بما للبرلمان من قيمة رمزية باعتباره يمثل سيادة الأمة ويعبر عن الإرادة الشعبية – استفزازا لمشاعر الشعب المغربي وإساءة واضحة لمواقفه الثابتة الرافضة للتطبيع مع هذا الكيان المحتل.
- ونجدد بالمناسبة موقفنا لما حصل في سوريا بعد عقود طويلة من الاستبداد والقهر والظلم والتهجير الذي طال الملايين من أشقائنا في سوريا، والتي تمكنت بفضل الله عز وجل، ثم بفضل صبر وصمود الشعب السوري، وفصائل المعارضة السورية من إنهاء هذه الفصول المظلمة من تاريخ سوريا، وهي مناسبة لنجدد فرحنا بخلاص الشعب السوري الشقيق والأبي من القهر والطغيان، ولنجدد تهنئته بتحقيق حريته واستعادة عزة ومجد دولته، والتخلص من نظام مستبد أذاق الشعب السوري الويلات والإهانة لعقود طويلة، ومتمنياتنا بالنجاح لقيادة الثورة في تأمين نجاح المرحلة الانتقالية بوطنية وتعقل وروية، وتثميننا لحرصها على وحدة البلاد وجمع الكلمة وضمان انخراط الشعب السوري بمختلف مكوناته، كما نجدد إدانتنا القوية لاستغلال العدو الصهيوني الغادر والجبان لهذه الظروف.
- وعلى مستوى قضيتنا الوطنية الأولى، قضية الصحراء المغربية ومعها سبتة ومليلية والجزر المحتلة، نؤكد موقف الحزب المنخرط تحت قيادة جلالة الملك في تأكيد وتثبيت مغربية الصحراء، ونعتبر أن مقترح الحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية تحت سيادة المغرب وفي إطار وحدته الترابية، هو الحل الوحيد والنهائي، باعتباره مقترحا يستند على العقد الشرعي ممثلا في البيعة التي تربط ساكنة الصحراء وقبائلها بالدولة المغربية منذ قرون، وأيضا في الحقائق التاريخية لعلاقة الصحراء بباقي مناطق المغرب منذ نشأة الدولة المغربية، والتي أكدت فلسفة الدولة الموحدة مع تمكين الجهات من التدبير الحر لشؤونها، والمدعمة بالمعطيات الجغرافية والروابط الاجتماعية التي تقف في وجه الاختراق الاستعماري والانفصالي، مما جعل من هذه القضية في جوهرها نزاعا إقليميا مفتعلا.
- وهنا لابد من التنويه والتثمين بما شهدته هذه القضية من تطورات دالة على طريق الحسم النهائي لهذا الملف في إطار المسار الوحيد المعتمد داخل الأمم المتحدة والمتمثلة في المواقف الإيجابية لعدد من الدول الأساسية كإسبانيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وقبلهم الولايات المتحدة الأمريكية، في مقابل المأزق الوجودي الذي يعاني منه الطرح الانفصالي، وهو ما يكشف عنه تفاقم اليأس في مخيمات تندوف في مقابل المجهود الوطني المبذول لتحقيق التقدم التنموي للأقاليم الجنوبية واندماج ساكنتها في تدبير شؤونهم، وهو ما يفرض تقوية الجبهة الوطنية الداخلية لصيانة المكتسبات ورفع مستوى التصدي لسعار الانفصال ومحاولاته اليائسة.
- وفي هذا الإطار، يؤكد الحزب انخراطه الدائم والقوي إلى جانب القوى والهيئات والمؤسسات الوطنية تحت قيادة جلالة الملك حفظه الله في معركة الدفاع عن القضية الوطنية الأولى لجميع المغاربة، وطرح مبادرة مسؤولة على قاعدة الحوار لاسترجاع مدينتي سبتة ومليلة والجزر المحتلة، كما يقتضي التعبئة واليقظة المستمرة للتصدي لخصوم وحدتنا الترابية ومواجهة المناورات والحملات المغرضة ومواصلة كسب المزيد من الاعتراف بمغربية الصحراء، وجلب المزيد من التأييد والدعم لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد على طريق الحسم النهائي لهذا النزاع المفتعل.
- وهي مناسبة لتوجيه نداء جديد لقادة الانفصال ورعاتهم بالجزائر بطي هذه الصفحة ولم الشمل والتوجه نحو المستقبل، وتوجيه دعوة خاصة للأشقاء في الجزائر إلى تغليب منطق الحكمة وروابط الأخوة والكلمة السواء والتعاطي الإيجابي مع اليد المدودة لجلالة الملك، واستحضار ما يجمع بين الشعبين الشقيقين من روابط الدين واللغة والتاريخ والجوار والمصالح المشتركة في مواجهة عالم يموج بالتحديات والمخاطر، وهو ما يفرض شرعا وعقلا ومصلحة التعاون وتكاثف الجهود لمصلحة الشعبين الشقيقين ومصلحة شعوب المنطقة، وتجنب الفرقة والصراع التي لن تفيد سوى أعداء أمتنا وشعوبنا ومنطقتنا.
- كما نود في ختام هذا المحور تأكيد الإشادة الكبيرة للحزب بيقظة وجاهزية القوات المسلحة الملكية بقيادة القائد الأعلى رئيس أركان الحرب العامة جلالة الملك وكل القوات الأمنية في الرد بحزم وفاعلية على كل الاستفزازات والمغامرات التي يقوم بها بين الفينة والأخرى الانفصاليون بعد خيبات الأمل المتتالية، ووضعهم المأزوم في المخيمات وعلى الصعيد القاري والدولي وذلك بعد إعلانها وقف العمل باتفاق وقف إطلاق النار في نونبر2020.
إن السياق الدولي الجديد أشر على دخول البشرية مرحلة جديدة سمتها استهداف استقلال القرار الوطني للدول والشعوب ، وما يعني ذلك من رفض وجود مؤسسات ديموقراطية قوية، مما أنتج حالة ارتداد عام في المنطقة لصالح نزوعات السلطوية والإقصاء، وتحكم في أنظمتها وسعي لاستنزاف وسلب ثروات الشعوب، بما يؤشر لنمط جديد من الاستعمار، ورافق ذلك على المستوى الاقتصادي صعود موجة ليبرالية متغولة في ظل تحولات ديموغرافية نمت معها مطالب الشباب في الشغل وازداد معها الضغط على الموارد الطبيعية، وتقوى ذلك بتحولات سلبية قيمية وثقافية مع صعود سياسات دولية جديدة متسمة باستهداف الأسرة والقيم المرتبطة بها وتغول قوي لجماعات الضغط الداعية لمنظومة قيم استهلاكية فردانية إباحية تستغل الأدوات والوسائط الرقمية للضغط والتوجيه والتطبيع مع هذه المنظومة، وصياغة القناعات والتوجهات والتأثير في السلوك والمواقف والاختيارات السياسية والقيمية والاستهلاكية للأفراد والمجموعات، فضلا عما أفرزته هذه الأدوات من قدرات في التلاعب بالشعوب واستهداف السيادة الوطنية واستقلال قرار الدول.
تبعا لما سبق، فإن حزبنا معني بالاصطفاف مع القضايا العادلة للبشرية وحقها في عالم مبني على العدل والرحمة والتعاون والحق في العيش الكريم في أمن وسلام، عوض الأفق المظلم المبني على الظلم واستباحة الشعوب ونهب ثرواتها، وخاصة في عالم الجنوب في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، كما أن بلادنا معنية وبشكل مصيري بمجموع هذه التطورات باعتبار تناقضها الوجودي مع الرهانات الأجنبية في التدخل في القرار الوطني وسيادة الدولة الوطنية، وتفكيك الأسرة وتحطيم منظومة القيم الإنسانية لصالح المادية والفردانية والإباحية المعاكسة للفطرة البشرية، وتفرض علينا طبيعة الحزب وهويته ومرجعيته الاصطفاف إلى موقع المقاومة في دعم السيادة الوطنية ومواجهة المشروع الصهيوني، وفي مواجهة تغول الليبرالية المتوحشة، وصيانة استقلال القرار الوطني والتصدي لمشاريع التقسيم والتفكيك ودعم توجهات التماسك الأسري والأخلاقي للمجتمع.
إن خلاصة العناصر الثلاث أعلاه، تحتم على الحزب تحمل مسؤوليته الكاملة وما يستلزمه ذلك من مبادرات وتضحيات من أجل صيانة مناعة المغرب وصموده في وجه محاولات الاستهداف الخارجي، واعتماد المواقف اللازمة سواء إزاء الاستهداف الذي تعرفه الأمة العربية-الإسلامية وخاصة مع طوفان الأقصى ونتائجه، أو سواء مع تجدد مخاطر المس بوحدة الشعوب واستقرارها وضمنها قضية الصحراء المغربية أو سواء مع استهداف نظام الأسرة والقيم في مجتمعاتنا، وهي محاور ثلاث كبرى لعمل الحزب في المرحلة المقبلة.
المحور الثاني- ريادة حزبية في خوض معارك كبرى دفاعا عن الهوية الوطنية والتنمية الاقتصادية والعدالة والاجتماعية
في ظل هذا السياق الحضاري والدولي والإسلامي والعربي والمغاربي الجديد، نقف في هذا المحور الثاني على استعراض تحديات الوضع الوطني وما شهدته المرحلة من معارك كبرى بقيادة ومبادرة استباقية لحزبنا أفشلت بفضل الله ثم بفضل عزيمة وعمل قيادته وهيئاته ومناضليه مشاريع تحجيم الحزب ومحاصرته مجتمعيا وعزله حزبيا وإغراقه في الانشغالات الضيقة ذاتيا وشيطنته إعلاميا بما يخدم استكمال استراتيجية تصفية وجوده وفعاليته السياسية بعد انتخابات شتنبر2021.
فحزبنا كان وينبغي أن يظل دائما حزب مؤسسات ومواقف ومبادرات لا حزب مواقع ومكتسبات، وهو التوجه الذي أطر أداء الحزب من خلال سلسلة من المواقف إزاء قضايا عدة، في مواجهة فشل الحكومة التدبيري والتواصلي وكذا في ظل تراجع عمل أغلب الجماعات الترابية وتدهور غير مسبوق لأخلاقيات تدبير الشأن العام وتفاقم الريع وتضارب المصالح في عمل الأغلبية الحكومية والبرلمانية والترابية التي أفرزتها انتخابات 08 شتنبر 2021، حيث تصدر حزبنا للمعارضة لسياساتها وبرامجها. وإلى جانب أدائه المتميز في المرافعة من أجل نصرة الشعب الفلسطيني ومقاومته قبل وبعد طوفان الأقصى، انخرط الحزب في سلسلة معارك همت مواجهة:
- محاولات استغلال مراجعة مدونة الأسرة للمس بالمرجعية الإسلامية للمجتمع والدولة وخدمة سياسات تضرب الأسرة في الصميم وتحاول إشاعة الفاحشة من خلال السعي لرفع التجريم عن العلاقات غير الشرعية.
- العجز عن مواجهة موجة الغلاء واستسلام الحكومة بشكل ظاهر للوبي المحروقات ورفضها تنزيل توصيات مجلس المنافسة.
- فشل الحكومة في الوفاء بوعودها وبالالتزامات البرنامج الحكومي في مقابل محاولات تشويه حصيلة حزبنا في الحكومة والتنكر اللاأخلاقي لمشاركة الحزب الأغلبي في الحكومتين السابقتين، وتشويه إصلاح نظام المقاصة مع الاستفادة في نفس الوقت من ثمراته ومن الهوامش المالية المهمة التي وفرها لتمويل السياسات والبرامج الاجتماعية.
- الإجهاز على العديد من المكتسبات الاجتماعية النوعية (نظام المساعدة الطبية، دعم الأرامل، المنح الحامعية، دعم تيسير…)، وإقصاء ملايين المستفيدين من نظام المساعدة الطبية عند إرساء نظامي امو تضامن وأمو شامل واستهداف القطاع العمومي الصحي والتمكين لقطاع صحي ريعي جديد.
- مواجهة الجمع بين الثروة والسلطة وسياسات تضارب المصالح وخاصة في صفقة تحلية مياه البحر في الدارالبيضاء مع رئيس الحكومة وتفشي الريع من خلال أنظمة دعم غير راشدة وآخرها دعم الأبقار والأغنام والذي كلف أزيد من 13 مليار درهم، وضرب الإنتاج الوطني عامة خدمة للوبي المستوردين.
- الدفاع عن المرافق العمومية بفعل الأزمات المفتعلة في قطاعات الصحة والتعليم بسبب قرارات ارتجالية وفوقية دون تشاور مع الفاعلين أو وفاء بالالتزامات السابقة، مما أدى الى نشوب العديد من الاحتجاجات المتتالية التي شهدها البلاد في مختلف القطاعات والتي خلفت حالة توقف بعض الخدمات والمرافق الحيوية، ولم يتوان الحزب في التعبير في حينه عن انشغاله ورفضه الكبيرين إزاء ضعف الكفاءة وقصور الأداء وفشل التواصل الحكومي، والذي عمقه النهج الانتظاري المتفرج للحكومة إزاء التوترات والمشكلات الاجتماعية والتنموية والتدبيرية وما حمله ذلك من مخاطر تهدد السلم والاستقرار الاجتماعي.
- تعميق الإفساد الانتخابي والتردد في تكريس الاختيار الديمقراطي، في ظل تكريس هيمنة تيار سياسي وإيديولوجي معين على جل المؤسسات الدستورية الاستشارية بشكل لا يراعي التمثيلية السياسية والتعددية والتوازن المجتمعي والفكري والسياسي والانتخابي والنقابي والمدني، وإشاعة خطاب أحادي في المشهد الإعلامي وعودة سياسات الإقصاء وضرب التعددية الإعلامية، وسيادة الحزبية الضيقة في التعيينات في مناصب المسؤولية، وفقدان مصداقية المباريات العمومية بعد فضيحة فساد مباراة المحاماة والتي كانت محط طعن وتشكيك واحتجاج وشبهات فساد وتنازع المصالح، والتي رفضت الحكومة ترتيب الآثار السياسية الناجمة عنها واتخاذ قرار سياسي مسؤول يرد الاعتبار والثقة في المؤسسات، من خلال إعمال المبدأ الدستوري القائم على ربط المسؤولية بالمحاسبة وما يترتب عليه من استقالة الوزير أو طلب إعفائه، وصولا إلى إلغاء نتائج هذه المباراة وإعادة تنظيمها، ولاسيما على إثر خلاصات وتوصيات مؤسسة الوسيط، والتي شكلت إدانة صريحة ومباشرة لوزير العدل وللحكومة.
لقد أكدت هذه القضايا والمواقف حاجة بلادنا إلى حزب وطني مستقل معتز بمرجعيته الإسلامية ووفي لثوابت الأمة الجامعة ومدافع عن قضايا الوطن والمواطنين بقوة وإنصاف واعتدال واستقلالية، وسنقف بتفصيل دقيق على مختلف المعارك الآنفة ومسؤولية الحزب في التصدي لاستحقاقاتها.
أولا – دفاعا عن الهوية الإسلامية والأسرة والتعليم والثقافة:
إن الانطلاق من المرجعية الإسلامية وفق رؤية مجددة ومنفتحة هي أساس وجود الحزب وسر نجاحه، وهي قبل هذا وذاك حق من عند الله، يقتضي تقوية التمسك بها، وقبل ذلك هي أساس وجود المغرب كدولة موحدة ومستقرة منذ ما يزيد على 12 قرنا والتفريط فيها هو مقدمة لخدمة أجندات تفكيك المغرب وضرب وحدته واستقراره، وهو ما يقتضي من الحزب مواصلة تحمل مسؤوليته إلى جانب كل القوى الخيرة وفي إطار إمارة المؤمنين في الدفاع عن الهوية الاسلامية للمغرب ومواجهة كل محاولات اختراق مجتمعنا وفرض أجندات ومواضيع تتنافى مع مرجعية أمتنا وضمنها التصدي للمد الاباحي الجديد الهادف لخدمة أجندات معادية لقيمنا وهويتنا، وتجلى ذلك في سلسلة محطات أهمها:
اعتبر الحزب قضية الأسرة أولى الأولويات وأم المعارك، وتجند لها منذ ربيع سنة 2022 وإلى غاية اليوم حيث تميزت هذه المرحلة بتدافع متصاعد حول موضوع مدونة الأسرة في مواجهة توجهات غريبة وتغريبية جسدتها مواقف وزير العدل ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي اعتبر الحزب آنذاك أنها ستؤدي في محصلتها -إن بلغت مداها- إلى تفكيك الأسرة وضرب مقومات تماسكها وتيسير شروط فسخ وانحلال عقدها، واتخذت لذلك أهدافا منها محاولة التهوين من سمو المرجعية الإسلامية للمغرب ومحاولة تهميشها، واعتماد منظور غربي للعلاقات الأسرية والاجتماعية محكوم بمنطق المساواة الميكانيكية والعمياء، والصراع والتنازع، وهو ما جسدته المذكرة التي قدمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمام الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، وبرز أيضا في تصريحات ومواقف وزير العدل بخصوص رفع التجريم عن العلاقات الجنسية خارج الزواج والمسماة زورا الرضائية وتيسير شروط حصولها، والتي اعتبرها الحزب مضامين مرفوضة ومناقضة للهوية الإسلامية وللثوابت الدستورية والتأطير الملكي لمشروع مراجعة مدونة الأسرة، فضلا عن كونها مناقضة للقناعات وللمصلحة الحقيقية للمجتمع المغربي المسلم، وصدرت عن الحزب في هذا الصدد مواقف ووثائق مرجعية تمثلت في ثلاث مذكرات: أولاها المذكرة التي قدمها أمام الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، وثانيها المذكرة التي بعثها لنفس الهيئة للرد على المقترحات المعلنة من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ثم المذكرة الخاصة بالتوجهات المعلنة حول المراجعة في دجنبر، كما نظم الحزب في هذا الموضوع مهرجانا خطابيا وطنيا بالدار البيضاء في 03 مارس 2024.
كما استندت رؤية الحزب على أن مدونة الأسرة، باعتبارها قانونًا ليس كغيره من القوانين، وورشًا مصيريًا يهم المجتمع والأسرة بجميع مكوناتها زوجا وزوجة ووالدين وأطفالا…، وباعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع، لا يمكن أن تُحسم تعديلاتها عبر الأغلبية العددية مهما بلغ حجمها، وإنما هي قضية جوهرية ومصيرية تعني المجتمع برمته، والذي ينبغي أن يحسمها هو مدى التزامها بالمرجعية الدينية والدستورية والوطنية، كما أكدها جلالة الملك، أمير المؤمنين، في أكثر من مناسبة، ومدى تحقيقها للمصلحة الفضلى للمجتمع، والمتمثلة في تشجيع الزواج الشرعي والحفاظ على الأسرة ووحدتها واستقرارها ودوامها.
وقد مرت هذه القضية بمحطات قبل أن تصل إلى مرحلة الإعلان عن التوجهات الكبرى لمراجعة مدونة الأسرة، والتي أثمرت محطاتها الأولى حسم قضية المرجعية الإسلامية وسموها، وهو مكسب ينبغي تثمينه وتقدير الدور المفصلي لجلالة الملك أمير المؤمنين في تثبيت ذلك والذي ما انفك يؤكد على ضابط ثابت » لا أحل حراما ولا أحرم حلالا » وعلى ضرورة « صيانة تماسك الأسرة واستقرارها »، وأيضا تثمين دور المجلس العلمي الأعلى والسادة العلماء ومكانتهم المعتبرة لدى المجتمع المغربي المسلم مع تجديد الدعوة إلى الانخراط من قبلهم في هذا الورش بالشرح والتفسير والبيان لرفع كل لبس وضمان انخراط المجتمع وتعزيز ثقته والمساهمة في نجاح هذا الورش المجتمعي الهام، وخاصة ما يهم المسائل الشرعية التي حسمها ورفضها المجلس العلمي الأعلى باعتبار أنها تتعلق بنصوص قطعية لا يجوز الاجتهاد فيها.
إلا أن المعركة لم تنته بعد حيث نعيش اليوم فصلا جديدا من فصولها مع الإعلان عن المضامين الرئيسية لمراجعة مدونة الأسرة في الوقت الذي تزال التحديات المرتبطة بالآثار والملآلات السلبية لبعض المقترحات مطروحة، وتتطلب معالجتها على المستوى التشريعي، وهو ما يحتم مواصلة التدافع والنضال من أجل إقرار مدونة للأسرة تشجع الزواج الشرعي وتحافظ على وحدة الأسرة واستقرارها ودوامها باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع، ذلك أن المصلحة تقتضي التمحيص والتدقيق القانوني للمقترحات المعلنة أو التي سيعلن عنها، ودراسة ومراعاة الأثر بخصوص المسائل الشرعية التي استجابت لها لجنة الفتوى، أو تلك التي أعطت فيها حلولا بديلة، وذلك أخذا بعين الاعتبار المخاوف الكبيرة التي أثارتها لدى عموم المواطنين، ليس بالنظر إلى جانبها الشرعي، وإنما بالنظر إلى مآلاتها ونتائجها السلبية والخطيرة على تكوين الأسرة ودوامها واستقرارها، باعتبارها مؤسسة تقوم أولا وأساسا على المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف والمكارمة، ولا ينبغي لها أن تتحول إلى شركة تجارية مبنية على المحاسبة والمشاححة المفضية حتما -في حالة الأسرة- إلى تفاقم ظاهرة العزوف عن الزواج، والصراع والنزاع المؤدي إلى تضاعف حالات الطلاق، وهو ما يتعارض مع مقاصد الشريعة التي تهدف إلى تشجيع الزواج والتماسك الأسري بما يحصن المجتمع ويقوي نسيجه وسواده، لاسيما في ظل النتائج المقلقة التي أسفر عنها الإحصاء العام للسكان والسكنى، ولاسيما تلك المتعلقة بتواصل انخفاض معدل الخصوبة وتباطؤ معدل النمو السكاني، وهو ما يستلزم تيسير سُبُل الزواج والحرص على وحدة الأسرة وضمان استقرارها ودوامها.
ولهذا، على الحزب أن يواصل عمله الذي بدأه منذ سنوات للتواصل والدفاع بقوة عن تشريع يحترم المرجعية الدينية والدستورية والملكية لهذه المراجعة، ويستجيب لتطلعات المواطنات والمواطنين، ويعالج المخاوف الكبيرة التي أثارتها لديهم بعض المقترحات بالنظر لآثارها السلبية والخطيرة على تكوين واستقرار الأسرة والمجتمع، وأن يقاوم الانحراف محاولة البعض السقوط في استنساخ مرجعيات أجنبية، غريبة كليا على مرجعية مجتمعنا ودولتنا، والتي لا تضع الأسرة ضمن أولوياتها، وتتجاهل آثارها السلبية وخطورتها الكبيرة على استقرار الأسرة وقوة المجتمع وصموده في وجه التحديات والصدمات التي تواجه بلدنا، وهي تحيد بالإصلاح عن أهدافه ومرجعيته نحو تبني توصيات دولية في اتجاه محاولة إبعاد المرجعية الإسلامية وعلمنة نظام الأسرة وخدمة سياسات تفكيكها وإضعافها وتحقيق ما تم الفشل فيه قبل حوالي عشرين سنة، وخاصة في مطالبها الداعية إلى إلغاء تجريم الزنا أو ما تسميه زورا العلاقات الرضائية، وإقرار النسب للطفل المولود خارج إطار الزواج الشرعي، وتجريم الزواج في سن مبكرة بالرغم من تأطيره القانوني والقضائي، وإباحة الإجهاض تحت مسمى حرية التصرف في الجسد رغم ما فيه من مس صريح بحق الجنين في الحياة، والسعي لإقرار ما تدعيه مساواة في الإرث رغم وجود نصوص قرآنية قطعية وصريحة في نظام الإرث. وحذف المادة 400 من مدونة الأسرة القائمة على تأكيد اللجوء إلى المرجعية الإسلامية في حالة الفراغ التشريعي، وعدم السماح برفع دعاوى ثبوت الزوجية، وقبول الزواج مع غير المسلم تحت دعوى المساواة.
لقد أهدرت بلادنا أزيد من أربع سنوات أي ما يناهز الولاية الحكومية الحالية من زمن عشرية إصلاح التعليم بفعل سياسات اتسمت بالتخبط ورفض التعاقد الوطني على الرؤية الاستراتيجية المعتمدة من قبل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والقانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، ومحاولة فرض رؤية جديدة تحت مسمى « خارطة الطريق 2022 – 2026″، ومسمى « المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار- 2030″، خارج هذه المرجعية التشاورية والقانونية، مما أدَّى إلى أزمةٍ حادَّةٍ وبدون أفُقٍ أدخلت الحكومة إليها المدرسة العمومية ومعها الجامعة، وكان من أولى نتائج خارطة الطريق هذه اعتماد نظام أساسي لموظفي التربية الوطنية لم يأخذ بعين الاعتبار وعود برامجها الانتخابية وبرنامجها الحكومي ونتج عنه توقف الدراسة لشهور بين 2023-2024، و تأخرت في سحبه بعد المماطلة دون اعتبار لمستقبل 7 ملايين من الأطفال في المدرسة العمومية، فضلا عن توترات في قطاع التعليم العالي مما أدى إلى تغيير وزاري، وهي أزمة كشفت عنها المؤشرات الدولية بعد الإعلان عن نتائج التقييم الدولي في الرياضيات والعلوم « تيمس » نهاية سنة 2024 بعد احتلال المغرب للرتبة الأخيرة أو ما قبل الأخيرة في الترتيب العالمي، حيث فقد أزيد من 67 نقطة في بعض الحالات، مما يعني تعميق أزمة هذا القطاع وفقد عناصر القوة المتبقية رغم المجهود المالي المبذول منذ أزيد من عقدين.
ونعتبر أن التخبط الكبير الذي طبع تنزيل الحكومة للهندسة اللغوية بالمنظومة التعليمية، والسعي لفرض هندسة لغوية خارج الإطار الدستوري والقانوني، عبر سياسة الأمر الواقع الذي يكرس هيمنة اللغة الفرنسية كلغة للتدريس ويهمش اللغة العربية والإجهاز على عدد الساعات المخصصة لها في التعليم لصالح لغة أجنبية رغم الأثر السلبي على مردودية التعليم مع المعاناة الكبيرة لناشئتنا من حيث الفهم والتحصيل، وضدا على الدستور الذي يبوئ اللغة العربية المكانة اللائقة بها كلغة رسمية للدولة.
وهو ما يتطلب معالجة الأمر من خلال تبني هندسة لغوية منسجمة مع أحكام الدستور وميسرة لسبل الفهم والتحصيل باعتماد اللغة العربية كلغة للتدريس، مع الانفتاح على مختلف اللغات الأجنبية وبالأساس اللغة الإنجليزية، بما يعالج الاختلالات والصعوبات الكبيرة التي يعاني منها المتعلمون والتي برزت بشكل واضح في الترتيب المتدني لمنظومتنا التعليمية.
ولعل من القضايا التي ينبغي الوقوف عندها هو موقف الحزب في قضية اللغة العربية وما أدى إليه من التراجع عن التعريب لصالح الفرنسية، فهو موقف خاطئ نقولها بكل شجاعة ومسؤولية، خاصة ونحن نعيش اليوم تبعات تطبيق هذا القرار وهو ما أدى للإجهاز على عدد الساعات المخصصة للغة العربية في التعليم لتصبح نصف عدد ساعات اللغة الفرنسية، في وقت نعتبر فيه اللغة العربية لغة القرآن وجزءا من ثوابت الحزب التي لا ينبغي التنازل عنها أو التفريط فيها، وتبعا لذلك سنظل كحزب ندافع عن اللغة العربية في كل وقت وحين ونبذل كل ما في وسعنا لنصحح هذا الخطأ ولنعيد الاعتبار لها مهما كلف ذلك الثمن.
كما نستنكر بهذه المناسبة وبشدة الدعوات والهجومات التي استهدفت مادة التربية الإسلامية والتعليم العتيق، في حين أنها مادة أساسية وواجبة في المناهج والبرامج الدراسية في بلدنا باعتباره دولة إسلامية وباعتبار الإسلام دين الدولة وباعتبار الهوية المغربية تتميز بتبوؤ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء، كما نص على ذلك دستور المملكة.
ولابد هنا من تجديد الرفض لاعتبار الحكومة 30 سنة كسن أقصى للولوج إلى الوظيفة التربوية بحجج غير معقولة ودون أي سند يذكر من الناحية الدستورية والقانونية والمهنية، وهو شرط عزز حالة من اليأس لدى الشباب بحرمانهم من حقهم في المشاركة في المباريات العمومية، وحرم المنظومة التربوية من مجموعة من الطاقات الشابة والمتمرسة، من جهة أولى، ورفض سيادة الزبونية والحزبية في التعيينات الجامعية؛ والترخيص للجامعات الخاصة وفق معايير المحسوبية والولاءات الحزبية؛ والإقصاء الممنهج لبعض مكونات الجامعة المغربية وخاصة في التعيينات، كل هذا يشكل إرباكا وتهديدا حقيقيا لاستقرار وإصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي من جهة ثانية.
وإلى جانب التراجعات والتحديات الآنفة، سجلنا طيلة السنوات الأربع التحول المتسارع على مستوى السياسة الثقافية الجديدة التي اتبعتها حكومة 08 شتنبر والتي تكشف عن انحراف خطير يهدد بموجة استيلاب حضاري وثقافي وأخلاقي، هذا بالإضافة إلى ما طبع منظومة الدعم العمومي بهذا القطاع من تسيب وغياب المسؤولية وفقدان الحكامة الجيدة، حيث أصبح الدعم العمومي يعطى بدون رقابة ولا حس سياسي أو أخلاقي لأفلام تناهض هويتنا الحضارية والثقافية ووحدتنا الوطنية.
وهو دعم يقوم على أساس سياسة يطبعها التخبط والارتجالية والخضوع لرغبات لوبيات المصالح وجماعات الضغط الإيديولوجية ذات الرهانات الثقافية الأجنبية أو التجارية الربحية القائمة على التمييع والانحلال والتنكر للهوية الإسلامية للمغرب، وترميز نماذج تافهة والتمكين لها في الإعلام العمومي وفي برامج المسابقات التلفزيونية والمهرجانات العمومية، وإغداق الأموال العمومية عليها في مقابل إقصاء وتهميش المثقفين والفنانين الملتزمين بالهوية والثوابت الوطنية الجامعة.
والخلاصة التي ينبغي التنبيه إلى مخاطرها، هي أن السياسة الثقافية لهذه الحكومة تكرس التفاهة والابتذال -مثلما ما حصل من احتفاء من طرف وزير « الثقافة » ببعض رموز التفاهة والابتذال في المعرض الدولي للكتاب- ولا علاقة لها بالنهوض الثقافي والأدبي والفكري، ولا صلة لها بخدمة الثقافة المغربية الأصيلة التي يجسدها النبوغ المغربي في كثير من المجالات الإبداعية، ولا تساهم في الرقي بالذوق الجماعي لعموم الشعب المغربي ولا سيما الشباب منهم.
ثانيا- دفاع مستمر عن كرامة المواطن وعن العدالة الاجتماعية:
شكل محور الدفاع عن حماية اجتماعية شاملة وفعلية وذات أثر وفقا لما نص عليه القانون الإطار 9.21 للحماية الاجتماعية لمارس 2021 أحد محاور الاشتغال الحزبي ذات الأولوية القصوى وذلك بعد تتالي المؤشرات على تراجعات كبرى عن المكتسبات المحققة منذ 2012 بعد تعميم نظام المساعدة الطبية – الراميد- وهي تراجعات أصبح معها المواطنون يقارنون بين اليوم والبارحة، وأضحوا يترحمون على الأمس عندما كانت هناك حكومة تشبه الناس وتتكلم معهم بلغتهم وتحمل همومهم، وتتفاعل مع قضاياهم وتتواصل معهم بصراحة ووضوح وبلسان مبين، وذلك رغم المحاولات العديدة للحكومة وأغلبيتها ورئيسها وأبواقها الإعلامية لاستدعاء العدالة والتنمية في كل مرة للتنفيس عن الفشل والعجز الذريع في مواجهة تدبير الشأن العام وإيجاد الحلول المناسبة.
إن إرساء مشروع تعميم الحماية الاجتماعية والدعم الاجتماعي المباشر يبقى مشروعا وطنيا كبيرا ممتدا في الزمن، والذي ما كان له أن يرى النور لولا توفيق الله عز وجل، ثم تبني جلالة الملك حفظه الله ودعمه له، ثم الإصلاحات الهيكلية الجريئة التي أقرتها حكومة العدالة والتنمية والتي وفرت له الإمكانات المالية اللازمة، وقد سبق أن شكل أحد عناصر البرنامج العام للحزب ودافع عنه الحزب باستماتة وشرع في تنزيله من موقعه في الحكومة عبر دعم الأرامل والمطلقات والزيادة المهمة في عدد المستفيدين وفي الميزانية المخصصة للمنح الجامعية، وتوسيعها لتشمل طلبة التكوين المهني، والزيادة في عدد المستفيدين وفي الميزانية المخصصة لبرنامج تيسير لدعم التمدرس…، فإن الحزب وهو يُقَدِّرُ هذا التوجه الاستراتيجي، يدعو إلى الانخراط في توفير شروط نجاحه، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بمعايير الاستفادة، وعتبة الاستفادة المرتفعة، وتعبئة الموارد اللازمة للتمويل وضمان استدامتها، وتدبير العلاقة مع البرامج الأخرى، وحكامة هذا النظام، والشفافية والإنصاف المطلوبين، وهو ما يدعو إلى تعبئة وطنية شاملة لإنجاحه وضمان استدامته.
وقد أفضى تقييمنا وتتبعنا للتنزيل المتخبط لورش تعميم الحماية الاجتماعية على الوقوف على اختلالات كبرى تمثلت في:
- المس بحقوق الأرامل والأيتام وذلك بعد التوقيف المؤقت لدعم الأرامل على إثر قرار اعتماد السجل الاجتماعي الموحد أو إقصاء بعضهم أو تقليص مبلغ الدعم بعد اعتماد المؤشر والعتبة.
- إخراج ملايين المواطنين والمواطنات من الاستفادة من نظام المساعدة الطبية « راميد » على إثر تحويل المستفيدين من هذا النظام إلى نظام التأمين الإجباري عن المرض « تضامن »، حيث أصبحوا بدون تغطية صحية وتركوا لمصيرهم رغم مطالبة الحكومة بتوضيح مآلهم.
- الإقصاء من الدعم الاجتماعي المباشر ومن التغطية الصحية التضامنية نتيجة مجموعة من الشروط والمساطر والمؤشر والعتبة المعتمدة.
- عدم الحفاظ على الحقوق المكتسبة بخصوص دعم الأرمل والمنح الجامعية وبرنامج تيسير وبرنامج مليون محفظة.
- غياب تصور واضح لضمان استدامة تمويل هذا الورش الاستراتيجي، والاعتماد على موارد استثنائية المتمثلة في مداخيل ضريبية غير مستدامة والتمويلات المبتكرة غير المؤطرة قانونيا والمحدودة زمنيا.
- التنصل من التزام الحكومة الواضح والصريح في البرنامج الحكومي بإحداث « مدخول كرامة » لفائدة المسنين ممن تبلغ أعمارهم 65 سنة فما فوق ويعيشون في ظروف هشاشة وتحويل نقدي لهم حده الأدنى 1000 درهم بحلول سنة 2026، والشروع اعتبارا من الفصل الرابع لسنة 2022 بتحويل مبلغ شهري يبلغ 400 درهم عبر التغطية عليه بالحديث عن استفادة الأسر التي تأوي مسنين من الدعم الاجتماعي المباشر، وهو أمر مختلف تماما لا من حيث شروط الاستفادة ولا من حيث المبلغ المخصص له.
- استمرار شرائح واسعة خارج التغطية الصحية حيث ووفقا لتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في نونبر 2024 فإن 8,5 مليون أي حوالي ربع الساكنة لا يستفيدون إلى الآن من التغطية الصحية، إما لأنهم غير مسجلين أصلا (5,5 مليون) أو لأنهم غير قادرين على الأداء وبالتالي فإن حقوقهم مغلقة (3 مليون)، وذلك بعد مرور ما يناهز سنتين على الأجل الذي حدده القانون-الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية لتوسيع التغطية الصحية الإجبارية بحلول نهاية سنة 2022، وليتمكن 22 مليون مستفيدا إضافيا من الاستفادة من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض.
ولهذا يؤكد الحزب اليوم على وجوب:
- الحفاظ على كل الحقوق المكتسبة للمستفيدين الحاليين من مختلف البرامج القائمة أو السابقة (راميد؛ الأرامل؛ تيسير، مليون محفظة، المنح الجامعية…).
- تصحيح المسار الخاطئ في تدبير عملية تحويل المستفيدين من نظام المساعدة الطبية « راميد » إلى نظام التأمين الإجباري عن المرض « تضامن » والذي يتم بفاتورة تفوق أربع مرات فاتورة استشفاء 60% من المستفيدين سابقا، حيث ترتب عن هذا التحويل تحمل الدولة لمبلغ سنوي قدره 9,5 مليار درهم لفائدة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مقابل التكفل ب11 مليون مستفيد ومستفيدة فقط، في مقابل المبلغ السنوي الذي كانت تتحمله الدولة في السابق برسم نظام المساعدة الطبية « راميد »، والذي ورغم بلوغه أوجه في 2022، لم يتعد 2 مليار درهم ويستفيد منه 18,44 مليون مستفيد ومستفيدة.
- تجاوز المقاربة المحاسباتية والتقنية والميكانيكية الصِّرفة التي تؤدي إلى إقصاء وحرمان مجموعة من الفئات الهشة من الاستفادة من دعم وبرامج كانت تستفيد منها في السابق، وذلك تحت عنوان خادع يدَّعي « تجويد آليات استهداف الفئات المستفيدة ».
- استعجالية اعتماد وتنزيل تصور واضح لضمان استدامة تمويل هذا الورش الاستراتيجي.
وفي هذ الباب، لا بد من التذكير على الخصوص بما دأب عليه رئيس الحكومة وبعض الوزراء -رغم تنبيه الحزب لهم مرارا- في محاولتهم التغطية على فشلهم في التنزيل الصحيح لورش تعميم الحماية الاجتماعية، على ترديد مجموعة من المغالطات والأكاذيب المفضوحة في تصريحاتهم داخل وخارج البرلمان بكون الحكومتين السابقتين لم تصدرا النصوص القانونية والتنظيمية المرتبطة بتنزيل ورش تعميم الحماية الاجتماعية.
والواقع خلاف هذه المغالطات، ذلك أن انطلاق هذا الورش بدأ مع اعتماد حكومة العدالة والتنمية الأولى، في 2016، للقانون رقم 98.15 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض وللقانون رقم 99.15 بإحداث نظام للمعاشات الخاصَّيْن بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، واللذان توجا بالقانون الإطار للحماية الاجتماعية الذي اعتمد في 2021 الذي اعتمد في عهد حكومة العدالة والتنمية الثانية، والتي أصدرت على إثره مجموعة من المراسيم التطبيقية 21 مرسوما وقبلها 9 قوانين، كما أن مجموعة من المراسيم التي اعتمدتها الحكومة الحالية يعود الفضل في إعدادها والتفاوض بشأنها مع الفئات المعنية للحكومة التي سبقتها، وقد وجهت المجموعة النيابية للحزب يوم 27 يناير 2025 رسالة تضمنت ملحقات هذه القوانين والمراسيم إلى رئيس الحكومة في جلسة نيابية علنية، وللأسف لم يصدر أي رد رغم مرور ما يناهز ثلاثة أشهر.
ومن مؤشرات التخبط وسياسة التأزيم، ما شهدته سنة 2024 من أزمة غير مسبوقة في قطاع الصحة العمومية سواء على مستوى الكليات العمومية للطب والصيدلة أو على مستوى المستشفيات والمرافق الصحية العمومية، في الوقت الذي تزدهر فيه الكليات الخاصة للطب والصيدلة، وكذا بعض شبكات المصحات من نوع خاص والتي أصبحت تتمدد بشكل سريع، حيث عشنا شبح سنة بيضاء هددت مصير أزيد من 25.000 طالب وطالبة على مستوى كل الكليات العمومية للطب والصيدلة، ومعه التوقف المتكرر للخدمات الصحية بالمستشفيات نتيجة غياب التعامل السياسي الاستباقي والناضج والمسؤول.
ولم يتم تجاوز هذه الأزمة التي دامت ما يناهز السنة إلا بعد التعديل الحكومي عبر حل كان مطروحا أشهرا عديدة واقترحه الحزب عدة مرات قبل اعتماده، لكن تعنت وزير التعليم العالي المقال وتخلف رئيس الحكومة عن تحمل مسؤوليته الدستورية والسياسية في حسم التناقضات داخل الحكومة أطال الأزمة دون سبب موضوعي.
ونجدد في الحزب موقفنا المحذر من سياسات التأزيم في القطاع الصحي العمومي بكل مكوناته على مستوى التكوين والتداريب والخدمات، وهو ما يجعل المواطنين أمام خيارين صعبين، إما التخلي عن الاستشفاء أو اللجوء المجبر إلى صنف جديد وغير طبيعي برز مؤخرا في القطاع الصحي الخاص، بتوجهات تجارية وربحية وريعية معلنة تتطور بسرعة خيالية وبشكل غير معقول على شكل شبكة مصحات عابرة للمدن أصبحت في وضع هيمنة على القطاع الصحي بشقيه العام والخاص، تجذب المرضى عبر مختلف الوسائل بما فيها حملات الإشهار ضدا على القانون وفي انتهاك صارخ لمقتضيات مدونة أخلاقيات المهن الصحية، وفي تنافس غير قانوني وغير شريف مع باقي مكونات القطاع الصحي الخاص العادي والطبيعي من عيادات ومصحات.
لقد اقتربت الولاية الحكومية من الانتهاء وما يزال عنوانها الأبرز هو تفاقم موجة الغلاء التي تشمل معظم المواد، والغذائية منها على وجه الخصوص، كتعبير جلي عن فشل الحكومة الذريع وقصور أدوات التدخل الحكومي في الحد من الارتفاع المهول والمستمر للأسعار، وحالة الاستسلام الحكومي أمام جماعات المصالح وخاصة العاملة في قطاع المحروقات وسلاسل الوساطة والتصدير. مما جعل الخيار الوحيد أمام المواطنين هو تقليص نفقاتهم والحد من الحاجيات الأساسية، بعد أن تُرِكُوا فريسةً للوضعيات الاحتكارية والجشع.
نتج عن ذلك أدنى مستوى للثقة عند الأسر منذ سنة 2008، وبروز أثار عكسية لإجراءات الدعم والإعفاء من رسوم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة في قطاع اللحوم وأيضا الدعم الموجه إلى النقل الطرقي والعمومي، وفي الوقت نفسه تروج الحكومة لخطاب مسؤولية الحكومات السابقة بسبب رفع دعم المقاصة، رغم أن الحل السهل والمنسجم مع هذا الخطاب هو إعادة الدعم إلا أن ذلك رفض بسبب من الإمكانات المالية التي وفرها هذا الإصلاح من أجل تنزيل ورش الحماية الاجتماعية.
على خلاف الوعود التي تضمنها البرنامج الحكومي، فإن الفشل الأكبر الذي يحسب للحكومة، هو تفاقم معدل البطالة الذي تجاوز 13%، وهي نسبة لم يسجلها المغرب منذ 2000، وعجز الحكومة عن الوفاء بإحداث مليون منصب شغل صافي على الأقل خلال ولايتها، وتراجع نسبة مساهمة النساء في سوق الشغل إلى أقل من 19% مقابل تعهد الحكومة برفعه إلى أكثر من 30%، وتزايد عدد الشركات المفلسة والتي بلغت 12.397 سنة 2022 و14.245 سنة 2023، ومن المتوقع أن تبلغ أزيد من 14.600 سنة 2024.
إن هذه النتائج المقلقة هي:
- نتائج طبيعية لآفة الريع والجمع بين المال والسلطة وجعل هذه الأخيرة في خدمة جماعات المصالح المحدودة، والاستئثار بفرص الاستثمار والإنتاج والصفقات العمومية والمشاريع الكبرى ضدا على عموم المقاولات الوطنية، وما ينجم عن كل هذا من تبديد الثقة وخلق أجواء من الانتظارية والإحجام والإحباط لدى الفاعلين الاقتصاديين والمقاولين.
- وهي أيضا نتيجة طبيعية لسياسة الحكومة الحالية المعاكسة للاستثمار وللنمو وللتشغيل، ولضعف استباقيتها وتأخرها الكبير في إرساء « التعاقد الوطني للاستثمار »، الذي نادى به جلالة الملك منذ أكتوبر 2022، والتأخر الكبير في تفعيل نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، ونظام الدعم الخاص بتشجيع تواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي.
- وهي أيضا نتيجة طبيعية لاستهداف برنامج المقاول الذاتي بإجراءات ضريبية جديدة تراجعت عن المكتسبات المسجلة بعد أن تجاوز عدد المسجلين 300 ألف مستفيد مع الحكومتين السابقتين.
- وهي أيضا نتيجة طبيعية لإرباك ومزاحمة الحكومة لبرنامج « انطلاقة » الذي سبق وأعطى انطلاقته جلالة الملك في 2020 والذي خلق دينامية في صفوف الشباب وحقق نتائج مهمة، حيث بادرت الحكومة لتطلق في 12 أبريل 2022 برنامجا جديدا شبيها ببرنامج « انطلاقة » سمته « فرصة » وخصصت له ميزانية بمبلغ 1.25 مليار درهم، وأسندت الإشراف عليه لوزيرة السياحة ومهمة تدبيره للشركة المغربية للاستثمار السياحي وهما وزارة ومؤسسة لا اختصاص لهما ولا علاقة لها بمثل هذه البرامج، حيث ومنذ انطلاقه، تم اختيار 12.500 مستفيد وإلى حدود الآن مازال هناك تأخر في صرف الدعم والتمويل بالرغم من أن المستفيدين أجبروا على الإدلاء بعقود الكراء وإحداث المقاول الذاتي، كما أطلقت برنامج « أنا مقاول »، وقبله أطلقت الحكومة برنامج أوراش على سنتين وخصصت له ميزانية قدرها 2.25 مليار درهم، وكل هذه البرامج وبالإضافة إلى كونها لا تأخذ بعين الاعتبار البرامج الناجحة القائمة وتدعمها بل تربكها وتزاحمها، فإنها تطرح أيضا سؤال الهشاشة والاستمرارية وشبهات الزبونية التي تخيم على تنزيل هذه البرامج عبر جمعيات معينة أو على مستوى الجماعات الترابية.
وهنا لابد أن نسجل انه وبعد تأخر كبير وانتظار طويل أفرجت الحكومة مؤخرا عن خارطة طريق فارغة للتشغيل، متراجعة بذلك عن التزامها بإحداث مليون منصب شغل خلال هذه الولاية الحكومية، ورفع مستوى نسبة نشاط النساء إلى 30 في المائة، حيث حددت أهدافا جديدة تتجاوز الولاية الحكومية الحالية وتلغي التزامات البرنامج الحكومي، كما نسجل الضعف الشديد لمضامين هذه الخارطة بالرغم مما سبقها من حملات التبشير والترويج، حيث لم تأت هذه الخارطة بجديد بقدر ما أنها تعتمد أساسا على برامج ومؤسسات دعم وتنشيط التشغيل التي أنشأتها الحكومات السابقة.
وإذا كانت هذه النتائج تكرس التأخر الكبير الذي يعرفه تفعيل برنامج دعم المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة لأزيد من سنتين على صدور القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار، فإن هذه الخارطة تعتمد المزيد من البيروقراطية على مستوى حكامتها وتضخم المتدخلين وكثرة اللجان، وهو ما سيؤدي حتما إلى مزيد من التعقيد والتأخير، عوض التبسيط والتيسير، كما أنها تكشف هاجس الاستغلال والتنافس الانتخابي بين مكونات الأغلبية الحكومية، وهو ما عبرت عنه مواقفها وبلاغاتها التي أكدت انزعاجها وتخوفها بخصوص الوزراء الذين أسندت إليهم مهمة تنفيذ هذه الخارطة وتوزيع الدعم العمومي على المستفيدين منها، وذلك بسبب تغليب وزراء من حزب رئيس الحكومة وتغييب آخرين.
ثالثا: الفشل في تحقيق وعود التنمية الاقتصادية وضمان المنافسة الشريفة وربح رهان السيادة الصناعية والأمن الغذائي
وعلى صعيد ثالث، فإن الفشل الحكومي برز بشكل أكثر حدة وعلى خلاف المتوقع بحسب تركيبتها ووعودها، في المجال الاقتصادي والتنموي، سواء بعجزها عن مواصلة وليس إطلاق الإصلاحات الكبرى وخاصة المقاصة والتقاعد، أو في السياسية الضريبية والجمركية أو في الاستثمار والمالية العمومية.
لقد التزمت الحكومة بمواصلة الإصلاحات الكبرى ذات العلاقة بكل من المقاصة والتقاعد، بما يحفظ للمالية العمومية توازنها ويمكن من ضمان تمويل برامج الحماية الاجتماعية ومخصصات الاستثمار العمومي ويحفظ حقوق المتقاعدين في المستقبل، حتى لا يقع الاضطرار لعدم صرف معاشاتهم أو إيقاف الاستثمارات.
ونحتاج هنا للتذكير بأنه لولا العمل الجاد والمسؤول والشجاعة السياسية لحكومة العدالة والتنمية الأولى لما تمكنت اليوم هذه الحكومة من التوفر على 100 مليار درهم من اعتمادات مالية بفضل إصلاح نظام المقاصة، وهو الإصلاح الذي حاولت هذه الحكومة في البداية التبرؤ منه قبل أن تجد نفسها مضطرة أن تعلن أنها لا يمكنها أن تتراجع عنه وإلا فلن تجد ما تمول به برامج وسياسات واستثمارات عمومية أساسية وهامة وستضطر الى وقف تمويل الاستثمار والتعليم والصحة وورش تعميم الحماية الاجتماعية.
وفي الوقت الذي كان من المنتظر أن تعمد الحكومة إلى بلورة إصلاح طموح وشجاع ومسؤول لاستكمال إصلاح منظومة المقاصة أعلنت الحكومة عن التقليص الجزئي من الدعم الموجه لقنينات غاز البوتان برسم سنة 2024، باعتماد منهجية ترقيعية في إصلاح صندوق المقاصة وتعمدها الخلط بخصوص هذه الزيادة بين المقاربة السابقة لحكومة العدالة والتنمية الأولى ومقاربة الحكومة الحالية للإصلاح، وقد كان واضحا:
- افتقاد هذه الحكومة للشجاعة السياسية ولمبادئ الشفافية والمسؤولية، حيث لجأت إلى إصدار بلاغ غير موقع ويوم عطلة (الأحد 19 ماي 2024) مكتفيا بحمل وسم وزارة الاقتصاد والمالية (مديرية المنافسة والأسعار والمقاصة)، ولم تشر نهائيا إلى الاتفاق الذي عقدته في أكتوبر 2023 مع صندوق النقد الدولي، والذي يتضمن دعما ماليا مقابل مصفوفة من الشروط من بينها التزام الحكومة برفع الدعم عن غاز البوتان، واكتفت بالإحالة على القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية، وتعمدت هذه المرة ذكر تاريخ صدوره في الجريدة الرسمية (23 مارس 2021) لربطه بالحكومة السابقة.
- اعتماد مقاربة تهدف أساسا إلى تكريس الريع والفساد واستدامة استفادة النافذين من صندوق المقاصة وعلى رأسهم رئيس الحكومة الذي توجد شركته في وضعية هيمنة على سوق الغاز بالمغرب بجميع سلاسله انطلاقا من موانئ المملكة إلى آخر منزل على التراب الوطني « الاستيراد، والتخزين، وملئ القنينات، والتوزيع… »، حيث ستجمع هذه الشركة بين الاستفادة من الزيادة في أسعار القنينات -الذي يكتوي منه المواطن- مباشرة من جيوب المواطنين، والاستمرار من ريع الاستفادة من الدعم من الميزانية العامة على حساب المواطن أيضا باعتبارها من أموال دافعي الضرائب.
وهي مقاربة تقف على النقيض من مقاربة العدالة والتنمية والتي ما فتئ الحزب يدافع عنها بخصوص إصلاح صندوق المقاصة. وذلك أولا بالقطع النهائي مع الريع والفساد والاستفادة غير المستحقة من صندوق المقاصة. وثانيا تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الدعم المباشر للفئات الهشة وتوجيه الدعم نحو الفئات المستحقة. وثالثا، استعادة التوازنات المالية لتوفير الاعتمادات المالية الكافية لضمان استدامة صرف أجور الموظفين وتمويل نفقات الاستثمار والقطاعات والبرامج الاجتماعية.
ومن جهة أخرى، وبخصوص إصلاح أنظمة التقاعد، وعلى خلاف الوعود المتكررة والمؤجلة من سنة إلى أخرى منذ حلول هذه الحكومة بخصوص إصلاح أنظمة التقاعد، ما زال الإصلاح في قاعة الانتظار رغم النزيف الذي تعرفه صناديق التقاعد خاصة الصندوق المغربي للتقاعد حيث حصل تأجيل الإصلاح مرة أخرى بالرغم من تراجع رصيد احتياطيات الصندوق المغربي للتقاعد إلى 65،8 مليار درهم، مما سيؤدي إلى نفاذه في أفق2028 وستكون الدولة مضطرة إلى توفير 14 مليار درهم سنويا للوفاء بالتزاماتها اتجاه المتقاعدين.
وفي هذا الصدد، لابد من التذكير بتخلف الحكومة عن إنجاز الإصلاحات الحقيقية في هذا المجال، إذ أن تشجيع الاستثمار لا ينتهي بإصدار ميثاق الاستثمار ونصوصه التطبيقية، ولكن يتطلب امتلاك الحكومة للشجاعة السياسية لمعالجة الاختلالات والعراقيل التي نبه إليه جلالة الملك حفظه الله في خطابين متتاليين ودعوة جلالته بالخصوص، في خطاب العرش لسنة 2022، الحكومة والأوساط السياسية والاقتصادية، للعمل على تسهيل جلب الاستثمارات الأجنبية، التي تختار بلادنا في هذه الظروف العالمية، وإزالة العراقيل أمامها، وتأكيد جلالته على « إن أخطر ما يواجه تنمية البلاد، والنهوض بالاستثمارات، هي العراقيل المقصودة، التي يهدف أصحابها لتحقيق أرباح شخصية، وخدمة مصالحهم الخاصة. وهو ما يجب محاربته ».
كما نسجل أن الحكومة تفتقد للإرادة السياسية وتلاحقها شبهة تنازع المصالح واستغلال النفوذ وهو ما يحول بينها وبين معالجة مثل هذه الاختلالات والعراقيل، لذا نجدها لم تقم لحد الآن بالإجراءات اللازمة لرفعها، بل نسجل أن شبهات الفساد وغياب النزاهة والشفافية في مجال الاستثمار والمال والاعمال وفي الولوج إلى الصفقات العمومية أصبحت تلاحق هذه الحكومة وتزداد يوما بعد يوم.
إن الواقع يكشف عن سياسة ضريبية وجمركية جديدة شكلت انقلابا على السياسة التي اعتمدت في السابق، حيث:
- عمدت الحكومة إلى مضاعفة سعر الضريبة على الشركات الصغرى في قانون مالية 2023، والتي يساوي أو يقل ربحها الصافي عن 300.000 درهم، ورفعه من 10% إلى 20% وخفضت من 31% إلى 20% سعر الضريبة على الشركات المتوسطة التي يفوق ربحها الصافي 1 مليون درهم ويقل عن 100 مليون درهم.
- لكنها اكتفت في المقابل بزيادة 4% فقط في سعر الضريبة على الشركات الكبرى التي يفوق ربحها الصافي 100 مليون درهم، برفعه من 31% إلى 35%، مع تخفيض ب5% من سعر الضريبة المحجوزة في المنبع على توزيع الأرباح، من 15% إلى 10% وهو تعويض لهذه لشركات الكبرى عن هذه الزيادة البسيطة أصلا، فضلا عن كونه سيدفعها أكثر نحو توزيع الأرباح عوض تشجيعها على إعادة الاستثمار.
- تجاهلت الحكومة القانون الإطار للإصلاح الجبائي الذي ينص في مادته الرابعة على تحسين المساهمة برسم الضريبة على الشركات التي تزاول أنشطة مقننة أو في وضعية احتكار أو احتكار القلة ومن ضمنها أساسا شركات المحروقات.
- حيث أوصى مجلس المنافسة باعتبار شركات المحروقات ضمن القطاعات المحمية وبضرورة ملائمة النظام الضريبي المفروض عليها مع النظام المطبق على الأبناك وشركات التأمين على هذه الشركات، واستثنت الحكومة شركات المحروقات من تطبيق سعر 40% الذي فرضته على الأبناك وشركات التأمين، ضدا على القانون الإطار وعلى توصيات مجلس المنافسة.
- تراجع الحكومة عن الإجراءات الجمركية الاستراتيجية والنوعية المتخذة سابقا لحماية الاقتصاد الوطني وتشجيع الإنتاج المحلي ودعم مشاريع تعويض الواردات بالمنتوج الوطني، ومن ضمنها تخفيض رسم الاستيراد من 40% إلى 30 % على المنتوجات التي أخضعت لرسم الاستيراد بهذه النسبة بمقتضى قانون المالية المعدل لسنة 2020، وذلك في قانون المالية لسنة 2024 بدعوى أن رفع هذه النسبة كان مرتبطا بسياق جائحة كوررونا، والهدف في الحقيقة هو خدمة مصالح ضيقة ضدا على المصلحة الاقتصادية الوطنية ومناصب الشغل التي توفرها الصناعة والشركات الوطنية، وذلك في تحلل سافر من التزامات البرنامج الحكومي بتشجيع وسم « صنع في المغرب »، وعزمها على تقليص الاعتماد على الاستيراد، وتتبع الحكومة سياسة طموحة تستعيض عن الوادات بالمنتوجات المحلية، وتروم إنتاجا محليا لما قيمته 83 مليار درهم من الواردات.
- إضفاء الشرعية على ألعاب الحظ وهي القمار البين دون مراعاة الآثار الوخيمة على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للأسر وعلى النشء وأيضا حرمته الدينية وذلك ضدا على الفصل 32 من الدستور.
لقد أصبحت المالية العمومية عرضة لضغوطات كبيرة وغير مسبوقة تُنْذِرُ بتعميق عجز الميزانية والمديونية، وذلك بعد تخلف الحكومة عن إنجاز الإصلاحات الحقيقية فيما يتعلق بالموارد بهدف تنميتها، وخلق موارد مالية جديدة تمكن من ضمان استدامة العديد من النفقات وخاصة كل من ورش تعميم الحماية الاجتماعية أو بنفقات الحوار الاجتماعي، مع غياب أي مجهود جدي لترشيد النفقات.
ومن جهة أخرى، لجأت الحكومة إلى تعميق المديونية إما بطريقة مباشرة حيث بلغت نسبة المديونية 71,6% من الناتج الداخلي الخام بعد أن تم التحكم في نسبة المديونية في الأسبق في حدود تناهز 60% من الناتج الداخلي الخام، باستثناء سنتي 2020 و2021 ارتباطا بجائحة كوفيد، وتكشف المؤشرات عن تفاقم حجم المديونية بما يناهز 200 مليار درهم خلال الثلاث سنوات من عمر هذه الحكومة، وهي زيادة كبيرة وغير مسبوقة، بالرغم مما توفر لهذه الحكومة من موارد ضريبية استثنائية وبحجم غير مسبوق، وبالرغم من لجوء الحكومة بشكل كبير للتمويلات المبتكرة التي بلغ حجمها أزيد من 85 مليار درهم خلال الثلاث سنوات الأخيرة، إلا انها وعوض ان توفر أو تستخدم هذه العوائد الضريبية الاستثنائية لتسريع وتيرة خفض الديون إلى مستويات ما قبل الجائحة، واصلت سياستها الإنفاقية بدون حساب.
كما انها من جهة أخرى واصلت اللجوء وبشكل كبير إلى ما سمي بالتمويلات المبتكرة دون استحضار المخاطر الناجمة عن اللجوء المكثف إلى هذا النوع من التمويلات عند نفاذها وبالنظر للنفقات والتحملات الناجمة عنها مستقبلا، وذلك رغم التنبيهات المتكررة الصادرة عن الحزب، وكذا تلك الصادرة عن المنظمات المالية الدولية بهذا الخصوص.
ونعتبر أن من الجوانب الخطيرة في التدبير الحكومي الراهن هو مسها بمقومات الأمن الغذائي ودخولها في منطق مزايدات تهم الأمن المائي والطاقي للبلاد، في وقت تعتبر هذه المجالات موضوع استراتيجيات كبرى عابرة للحكومات.
وعلى خلاف الخطاب الحكومي حول تدبير إشكالية نقص الموارد المائية، فإن تحركها كان متأخرا في توفير التمويلات اللازمة وتسريع المشاريع الجارية، ولم ينطلق إلا بعد التوجيهات الملكية بهذا الخصوص في خطاب جلالة الملك في 14 أكتوبر 2022 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية؛ ثم في 09 ماي 2023 خلال ترؤس جلالته لجلسة عمل لمتابعة البرنامج الوطني لإمداد مياه الشرب والري، رغم أنها كانت تتوفر على برنامج كامل وشامل منذ الحكومة السابقة عندما تم توقيع الاتفاقية الإطار الخاصة به في 13 يناير 2020، وأن وزير الفلاحة آنذاك ورئيس الحكومة الآن كان من بين الموقعين على هذه الاتفاقية الإطار، وبخصوص مشروع تحويل المياه، لم يتضمن برنامج عمل وزارة التجهيز والماء برسم قانون المالية 2022 سوى مواصلة الدراسات المفصلة لذلك، واضطرت الحكومة إلى استدراك الأمر في قانون المالية لسنة 2023 ببرمجة 10.6 مليار درهم.
والخلاصة بالنسبة للمستوى الاقتصادي، وعلى خلاف عمليات الدعاية التجميلية حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فإن الواقع ونحن على مشارف السنة الأخيرة من الولاية الحكومية، هو ما يجسده تكريس منطق زواج المال بالسلطة وتضارب المصالح واستغلال النفوذ ومواقع المسؤولية الذي ميز هذه الحكومة، والتراجع عن تعويض الواردات بالمنتوجات المحلية وذلك من خلال تراجع الحكومة وإرباكها لمجموعة من البرامج الاقتصادية الداعمة للمنتوج الوطني وحماية الصناعة الوطنية ولفرص الشغل، وتراجع منسوب الشفافية والمنافسة الشريفة في الاقتصاد الوطني والصفقات العمومية وإشكالية تنازع المصالح وتكريس زواج المال بالنفوذ السياسي في صفقات ضخمة، والمس بمقومات الأمن الغذائي.
رابعا: خدمة الفساد والريع ومناهضة مؤسسات مكافحته
لقد استحقت الحكومة في التاريخ الحديث لبلادنا أن تنعت وبامتياز بحكومة تضارب المصالح واستغلال النفوذ والمنافسة غير الشريفة في الصفقات العمومية والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وذلك بعد فوز فروع شركات تابعة للمجموعة الاقتصادية التي يملكها رئيس الحكومة بصفقة مشروع تحلية ماء البحر بجهة الدار البيضاء-سطات، المتمثل في استثمار يبلغ 6,5 مليار درهم مقابل بيع الماء المحلى للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب لمدة 27 سنة بالثمن الذي عرضه تحالف الشركات الفائز بالصفقة، وكذا في صفقة 2,44 مليار درهم لتموين المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بالفيول الممتاز والعادي، ومواصلة الأرباح الفاحشة على مستوى سوق بيع المحروقات، وذلك في تجل فج لتنازع المصالح وللجمع بين المال والنفوذ السياسي، واستغلال صارخ لحجة دعم وتشجيع الشركات الوطنية والرأسمال الوطني، وهو التوجه الوطني الذي يدعمه الحزب ويشجعه لكن على أساس احترام قواعد المنافسة الشريفة وعدم تركيز الاستفادة من الصفقات العمومية والدعم العمومي على مقاولات بعينها، باعتبار أن المغرب يتوفر على نخبة معتبرة من الشركات والمقاولات الوطنية المؤهلة والقادرة على خوض غمار مثل هذه الصفقات وتنفيذها كما يجب.
لقد كان الأولى أن تتاح لها الفرصة عوض التضييق عليها ومزاحمتها من طرف شركات مملوكة لرئيس الحكومة، وقد خاض الحزب معركة سياسية كبرى في البرلمان وخارجه حول هذا الملف بندوة صحفية كشف فيها وجود تعديل ضريبي وضع على مقاس هذه الصفقة، وخاصة بعد دفاع رئيس الحكومة عن الصفقة من منصة مجلس النواب وطرحها في اللجنة الوطنية للاستثمارات التي يرأسها رئيس الحكومة بهدف الاستفادة من الدعم المالي العمومي، وذلك بالرغم من أن الأمر لا يتعلق باستثمار خاص بل بصفقة مضمونة في إطار الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص.
وما فاقم من هذه الوضعية ترك المواطنين فريسة للوبيات المصالح والمضاربة والجشع والإثراء غير المشروع، والتطبيع مع الريع، وعمق ذلك رفض الأغلبية الحكومية لشكيل لجنة تقصي الحقائق حول شبهات استيراد وتصدير النفط الروسي، وبعدها رفض تشكيل لجنة تقصي الحقائق حول دعم استيراد الأبقار والأغنام واللحوم، وعدم تطبيق الحكومة للتوصيات الأولى لرأي مجلس المنافسة بخصوص الارتفاع الكبير لأسعار المحروقات قبل صدور قراره الأخير، وانتشار فضائح الفساد المالي والتدبيري في العديد من الجماعات الترابية وتوالي المحاكمات بها، في ظل استمرار نهج جديد على مستوى الجماعات الترابية، قائم على تضارب المصالح واستغلال النفوذ والرغبة في مراكمة الثروات على حساب مصالح المجتمع والمواطنين والمواطنات.
لقد أثبت قرار مجلس المنافسة ليوم 23 نونبر 2023 حول الممارسات المنافية للمنافسة بالسوق الوطنية للمحروقات، والاعتراف الصريح لهذه الشركات بذلك عبر قبولها سلوك المسطرة التصالحية ، بما لا يدع مجالا للشك من وجود تواطؤ هذه الشركات وتفاهماتها على حساب المواطنين، وهو ما يستوجب من مجلس المنافسة إبقاء هذه الشركات ومنظمتها المهنية تحت المراقبة اللصيقة بما يلزمها باحترام تعهداتها ويجبرها على تطبيق السعر العادل والاكتفاء بالربح المعقول، والتوقف عن مراكمة الأرباح الفاحشة على حساب المستهلكين والاقتصاد الوطني.
ولقد سجلنا في حينه أن القرار جاء مخيبا للآمال باعتبار أنه طبق الحد الأدنى للغرامة (1,84 مليار درهم بالنسبة لجميع الشركات ومنظمتها المهنية)، وهو مبلغ لا علاقة له بحجم الأرباح التي راكمتها هذه الشركات انطلاقا من الاختلالات والاتفاقات والتحالفات المحظورة قانونا، وتم فيه احتساب المبلغ الأساسي للعقوبة المالية على هذه الشركات بنسبة تناهز 03% فقط، عوض النسبة الأقصى 10%، من رقم المعاملات ذو الصلة بالمخالفة ولم يأخذ بعين الاعتبار مدة ارتكاب المخالفة محسوبة بعدد السنوات؛ والإثراء والمبالغ المحصل عليها دون وجه حق من خلال المخالفة؛ ودرجة تورط هذه الشركات ومنظمتها المهنية في تنظيم ارتكاب المخالفة؛ ومراعاة تناسب مبلغ العقوبة المالية كذلك مع خطورة الأفعال المؤاخذ عليها، وأهمية الضرر الذي ألحقته بالاقتصاد الوطني.
وتكرس ذلك في تدبير ملف دعم استيراد المواشي حيث تم وقف استيفاء رسوم استيراد الأبقار وأضاحي العيد، و »الإعفاء » دون سند قانوني، من الضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد، وصرف دعم مالي لمستوردي الأغنام، عوض صرف هذا الدعم للكسابة ومربي المواشي لتشجيع القطيع الوطني، ولم يكن لكل هذه الإجراءات أي أثر يذكر على أثمنة اللحوم وعلى توفير الماشية آنذاك بأثمنة معقولة في عيدي سنتي 2023 و2024 نتج عن ذلك فقدان المغرب للإنتاج الوطني من الأبقار والأغنام وتعويضه بالاستيراد الميسر بالإعفاءات بما فيها غير القانونية وبالدعم المالي، ليصل مجموع المخصصات المالية ما بين إعفاء جمركي وضريبي ودعم مالي مباشر ما يفوق 13 مليار درهم، استفاد منها وبشكل أساسي بعض الفئات المحظوظة من المستوردين، وإغفال الفلاحين الصغار والمتوسطين والمستهلكين، مع غياب آليات فعالة لضمان استفادة الفئات المستحقة من الإنفاق العمومي الموجه للاستيراد، والذي وبالإضافة لكونه يبدد المال العام دون نتيجة، فإنه يساهم في تركيز جديد للثروة لدى فئة نافذة مرتبطة بزواج المال بالسلطة تستغل كل الوضعيات من أجل مراكمة الثروات على حساب عموم المواطنين والمواطنات وتهدد الفلاحة الوطنية والقطيع الوطني من الأبقار والأغنام…
إن النتيجة المنطقية لهذه المقاربة الجديدة في تدبير الشأن العام والسعي لإنتاج نخب جديدة تزعم القدرة على تجاوز النخبة التي حملها حزب العدالة والتنمية لتدبير الشأن العام، هو حالة تراجع دال وخطير لبلادنا في مؤشر إدراك الفساد، بفقدان المغرب ل13 مركزا من المركز 86 في سنة 2020 إلى المركز 99 في سنة 2024، والأسوأ هو التطبيع مع الفساد والريع واستهداف مؤسسات مكافحة الفساد والحكامة، كالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ومجلس المنافسة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
بالإضافة إلى ازدياد حجم التسيب والزبونية في عملية التعيين في المناصب العليا على مستوى المجلس الحكومي وحملة التعيينات المتتالية التي تتم كل أسبوع وبالجملة وضدا على مبادئ المشروعية والشفافية والكفاءة والجدارة، في ظل سكوت الصحافة والإعلام على هذه التعيينات في الوقت الذي كانت تقيم الدنيا ولا تقعدها بدون وجه حق حول التعيينات في الولايتين الحكوميتين السابقتين، بالرغم من كونها كانت تتم وفق معايير الشفافية والكفاءة والاستحقاق، ثم الفشل الذريع في تقديم نموذج سياسي للكفاءات التدبيرية والتمثيلية النزيهة والقادرة على القيام بواجبها الوطني وخدمة الصالح العام بعيدا عن المحسوبية وخدمة المصلحة الشخصية غير المشروعة، وتسجيل بلادنا لأكبر عدد من المتابعات القضائية للمنتخبين وطنيا ومحليا في التاريخ السياسي لبلدنا.
إن سجل هذه الحكومة سيء في هذا المجال، فقد عطلت اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد، ولم تتفاعل إيجابا مع دعوات الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها لاعتماد قوانين تهم أولا محاربة تنازع المصالح طبقا للفصل 36 من الدستور، وثانيا قانون حماية الموظفين العموميين المبلغين عن أفعال الفساد بالإدارات العمومية، وإصلاح القانون المتعلق بالتصريح الإجباري بالممتلكات، واعتماد تشريع مستقل لتجريم الإثراء غير المشروع لمكافحة الزيادة الكبيرة وغير المبررة في الثروة، وتجريم تسريب المعلومات المتميزة للحصول على الفوائد والامتيازات، والتوسع في تجريم الرشوة الانتخابية، وعوضا عن ذلك لجأت إلى سحب القانون الجنائي وما تضمنه من مقتضيات لمكافحة الإثراء غير المشروع ومعه مشروع القانون الخاص بالاحتلال المؤقت للملك العمومي، وخوض حملات إعلامية ضد الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بلغت حد انسحاب فريق الحزب الأغلبي بمجلس المستشارين من جلسة مناقشة ميزانية الهيئة وتقليص ميزانيتها.
خامسا: عدم الوفاء بالوعود وفشل التواصل
وفي ختام هذا الشق من التقرير السياسي، نسجل أن الحكومة -ولاسيما الحزب الأغلبي- قدمت الكثير من الوعود السخية خلال الاستحقاقات التشريعية والترابية والتي ستظل راسخة في أذهان الناخبين، إلا أننا اليوم ونحن على مشارف نهاية الولاية الحكومية ومن موقعنا في المعارضة الوطنية المسؤولة، نسجل أن الحكومة قد أخلفت وعودها وليس على أدل من ذلك عدم قدرتها على تحقيق التزاماتها العشرة التي تضمنها البرنامج الحكومي، والتي هي كالتالي:
- الالتزام الحكومي رقم 1- الرفع من وتيرة النمو إلى معدل 4% خلال الخمس سنوات، في حين لم يتجاوز متوسط نسبة النمو خلال نصف الولاية الحكومية نسبة 2,8%.
- الالتزام الحكومي رقم 2-إحداث مليون منصب شغل صاف على الأقل خلال الخمس سنوات، في الوقت الذي بلغت فيه البطالة نسبة تفوق 13% وهو أعلى معدل يسجل منذ سنة 2000، كما تم تسجيل رقم قياسي لعدد العاطلين حيث بلغ أزيد من مليون و600.000 عاطل، وفقدان أزيد من 400.000 منصب شغل، كما ان الحكومة راجعت مؤخرا هذا الالتزام وأعلنت عن التزام جديد بإحداث مليون منصب شغل في أفق 2030.
- الالتزام الحكومي رقم 3- رفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30% عوض 20%، وعلى العكس من ذلك فقد تراجعت نسبة مشاركة النساء في سوق الشغل إلى أقل من 19%.
- الالتزام الحكومي رقم 4- تفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة، وعلى العكس من ذلك فقد تم إقصاء 8,5 مليون من المواطنين من الاستفادة من نظام التأمين الأساسي عن المرض « أمو تضامن »، من الذين كانوا يستفيدون سابقا من نظام المساعدة الطبية المجانية « راميد »، وحرمان بعض من كانوا يستفيدون في السابق من برامج اجتماعية مماثلة من الدعم الاجتماعي المباشر أو تقليص مبلغ الدعم (الأرامل، برنامج تيسير، برنامج مليون محفظة، برنامج المنح الجامعية…).
- الالتزام الحكومي رقم 5- إخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة، وعلى العكس من ذلك ارتفع عدد الفقراء من 623 ألف سنة 2019 إلى 1,42 مليون سنة 2022 بمعدل ارتفاع سنوي بلغ 33,7%، وارتفع عدد الأفراد في وضعية الهشاشة الاقتصادية من 2,6 مليون سنة 2019 إلى 4,75 سنة 2022 بمعدل ارتفاع سنوي يبلغ 23,6%.
- الالتزام الحكومي رقم 6- حماية وتوسيع الطبقة الوسطى وتوفير الشروط الاقتصادية والاجتماعية لبروز طبقة فلاحية متوسطة في العالم القروي، في الوقت الذي ساد فيه الغلاء واعتمدت الحكومة سياسات دعم فاشلة ضدا على المنتوج الفلاحي الوطني.
- الالتزام الحكومي رقم 7- تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية إلى أقل من 39% عوض 46,4 % حسب مؤشر جيني، وهو التزام غير صحيح أصلا باعتبار أن هذا المؤشر لم يسبق أن بلغ نسبة 46,4 % .
- الالتزام الحكومي رقم 8- تعبئة المنظومة التربوية – بكل مكوناتها – بهدف تصنيف المغرب ضمن أحسن 60 دولة عالميا (عوض المراتب المتأخرة في جل المؤشرات الدولية ذات الصلة)، في الوقت الذي تراجع فيه تصنيف المغرب إلى الرتبة 154 عالميا من أصل 199 في مؤشر التعليم العالمي
(موقع « إنسايدر مانكي » الأمريكي، المتخصص في التصنيفات والتحليلات) واحتلال المغرب للرتبة الأخيرة أو ما قبل الأخيرة في التقييم الدولي في الرياضيات والعلوم « تيمس » نهاية سنة 2024، حيث فقد أزيد من 67 نقطة في بعض الحالات. - الالتزام الحكومي رقم 9- تعميم التعليم الأولي للفائدة كل الأطفال ابتداء من سن الرابعة مع إرساء حكامة دائمة وفعالة لمراقبة الجودة، في الوقت الذي لم تصل هذه النسبة إلا 80% في الموسم الدراسي 2022-2023 بعد ان انطلقت من 76% في الموسم الدراسي 2021-2022 في عهد الحكومة السابقة. كما عمدت الحكومة مؤخرا إلى تأجيل موعد التعميم إلى 2028 عوض التزامها الأول بسنة 2026 في برنامجها الحكومي.
- الالتزام الحكومي رقم 10- تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، خاصة من خلال إحداث صندوق خاص وضخه بميزانية تصل لمليار درهم بحلول سنة 2025، حيث لم تحدث الحكومة صندوقا خاصا كما التزمت بذلك واكتفت بإدماجه في صندوق مشترك من خلال تحويل صندوق قديم هو: « صندوق تحديث الإدارة العمومية » إلى « صندوق تحديث الإدارة العمومية ودعم الانتقال الرقمي واستعمال الأمازيغية »، كما أجلت التزامها بتخصيص مليار درهم في هذا الصندوق من 2025 إلى 2026.
ومن جهة أخرى، لا بد من التذكير بعدم وفاء الحكومة بوعودها بإلغاء نظام التعاقد وزيادة 2.500 درهم في أجرة بداية مسار الأستاذ، واكتفت بزيادة 1500 درهم.
وكذا، عدم وفاء الحكومة بتوفير « مدخول الكرامة » لمن تزيد أعمارهم عن 65 سنة (400 درهم ابتداء من الفصل الرابع لسنة 2022 وبلوغ 1000درهم شهريا سنة 2026)، والالتفاف عليه عبر منحة شهرية تبلغ 500 درهم ضمن ما سمته الحكومة التعويضات العائلية لأسر تعول أشخاصا مسنين.
المحور الثالث- معركة الديموقراطية والكرامة
لقد تعرض للأسف مسار البناء الديموقراطي لبلادنا في السنوات الأخيرة لهزات شديدة، وشهد تراجعات مست مصداقيته، وأثرت سلبا على ثقة المواطن في الحياة السياسية وتراجعت بشكل كبير الثقة في جدوى المشاركة والتصويت، في الوقت الذي تستند قوة بلادنا وقدرتها على التصدي للتحديات الخارجية ومناورات الاستهداف والتحرش الأجنبي بالسيادة والوحدة الترابية والوطنية على قوة جبهتها الداخلية وتلاحمها، وهي قوة مرتبطة بوجود مؤسسات منتخبة قوية ذات مصداقية تمثل الإرادة الشعبية وتعبر عنها بحرية ونزاهة وشفافية، وليست تعبيرا عن جماعات ضغط لخدمة مصالح ريعية أو لحماية الفساد وتمكينه من الهروب من الحساب.
ومن منطلق الواجب والصراحة، نبه الحزب في حينه عموم المواطنين والمواطنات ونخب المجتمع وقواه الوطنية الحية إلى خطورة سلوك اللامبالاة، لأن المستفيد الأول هو شبكات الريع والفساد والإفساد، والتي يزداد تغلغلها وتغولها كلما ازداد حجم الانسحاب والعزوف، لذا تجد هذه الشبكات والمصالح تستخدم كل الآليات وتستثمر في كل الأساليب التي تؤدي في النهاية إلى إخلاء الساحة السياسية من الأحزاب الجادة والمناضلين الحقيقيين ودفع المواطنين إلى التعميم واليأس وإطفاء جذوة الأمل والتشكيك في دور الاختيار الديمقراطي وأثره على التنمية والعدالة الاجتماعية وتبخيس مكانة المؤسسات وتنفير المواطنين من العمل الحزبي والسياسي ومن السياسيين ومحاولات قتل السياسة وتبخيس معانيها وإضعاف البنية الحزبية وتمييع المشاركة السياسية والعملية الانتخابية، والذي يعززه الانحدار العام للإعلام الوطني وتراجع النقاش العمومي فيه، وانحراف عدد من المؤسسات الإعلامية عن وظائفها النبيلة، وتغول المال السياسي وامتداداته في الصحافة والإعلام كمظهر بارز من مظاهر زواج المال بالسلطة، مع تراجع دور المؤسسات المكلفة بالسهر على احترام أخلاقيات المهنة.
في ظل هذا السياق شكل المؤتمر الوطني الاستثنائي المنعقد بتاريخ 30 أكتوبر 2021 حدثا سياسيا وديمقراطيا بامتياز بالرغم من قساوة نتائج الحزب في انتخابات 8 شتنبر 2021، وكانت محطة مكنت بسلاسة من انتخاب قيادة جديدة لتتحمل مسؤولية مواصلة مسار الحزب، على إثر الاستقالة الجماعية للأمانة العامة، وتأكد ذلك في المجلس الوطني المنعقد في 19 فبراير 2022 الذي دعا كافة أعضاء الحزب ومناضليه وكافة القوى الحية في البلاد إلى مواصلة النضال الديموقراطي ومواجهة محاولات الارتداد عن المسار الديمقراطي وأكد حاجة البلاد إلى إصلاح سياسي حقيقي يخرج البلاد من حالة المراوحة ويكرس الاختيار الديمقراطي بصفة نهائية وحقيقية.
ولقد تمثلت مؤشرات التراجع في عدد من المحطات أهمها:
- تمرير الحكومة بواسطة أغلبيتها البرلمانية العددية لقانون إحداث لجنة مؤقتة لتدبير قطاع الصحافة والنشر، عوضا عن هيئة منتخبة، في خرق سافر لشرطي الديمقراطية والاستقلالية في التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة المنصوص عليه في الفصل 28 من الدستور، وقبله الارتباك الحكومي بخصوص قطاع الصيادلة من خلال اعتمادها لمرسوم بقانون رفضه البرلمان معارضة وأغلبية، وهو ما يكشف عن عودة نزوعات تحكمية وتدخلية تضرب استقلالية الهيئات المهنية.
- متابعة أعضاء في الحكومة للصحفيين والمدونين والتضييق عليهم والسعي إلى بسط الهيمنة والسيطرة على قطاع الصحافة والإعلام وفرض الرأي الواحد بلغت حد استغلال الحكومة للقناتين العموميين ولحدث وطني يتجلى في تنظيم بلادنا لكأ س العالم للترويج لمنجزات حكومية وهمية.
- استمرار التماطل بعد قرار المحكمة الدستورية رقم 23/207 بخصوص القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، مما يجعل هذا القانون التنظيمي المهم في مجال الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، يراوح مكانه وهو يستمر في مسلسل التأخير والتأجيل الذي طبعه منذ البداية.
- مس الحكومة بالمبادئ الدستورية القائمة على ضمان التدبير الحر للجماعات الترابية، وتأمين مشاركة المواطنين في تدبير شؤونهم، حيث تمت المصادقة على القانون رقم 83.21 المتعلق بالشركات الجهوية المتعددة الخدمات، ضدا على مبادئ التدبير الحر والاختصاصات الدستورية الحصرية للجماعات الترابية والقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، وهو ما يشكل تراجعا عن الاختيار الدستوري القائم على اللامركزية وتمكين الجماعات الترابية من القيام بأدوارها الدستورية من خلال تخويلها الاستقلالية الإدارية والمالية وعدد من الاختصاصات الذاتية، وهو ما يؤكد أيضا أن المخرجات المشوهة لانتخابات الثامن من شتنبر 2021، لا يمكن تصحيحها أو تجاوزها بإضعاف اللامركزية والسحب التدريجي للاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية واسترجاعها ضدا على الدستور من طرف الإدارة، بل يبقى السبيل الصحيح هو تكريس وتعميق الاختيار الديمقراطي وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة.
- الإصرار على تمرير مشروع قانون المسطرة المدنية وبعده مشروع قانون المسطرة الجنائية بما يمس مكتسبات دستورية كبيرة ويفقد بلادنا ضمانات المحاكمة العادلة والأمن القضائي والحق في الدفاع.
إن المرحلة تقتضي استئناف مسار البناء الديموقراطي، فلا تنمية بدون ديموقراطية، ولاديمقراطية بدون احترام الإرادة الشعبية، وما سجلته بلادنا في هذه السنوات من عمر الحكومة الحالية أكد بالملموس وأثبت بما لا يدع مجالا للشك فشل وصفة الالتفاف على البناء الديموقراطي باستدعاء نخب المال السياسي، بل وأصبحت الحاجة ملحة لعملية تخليق شاملة ومعها بث دينامية ونفس سياسي وحقوقي جديد واستحضار روح الإنصاف والمصالحة.
وعلى مستوى تدبير الشأن العام والمؤسسات المنتخبة، فإن ما تشهده بلادنا من انتكاسة متفاقمة، وفقدان الثقة في السياسة والسياسيين ، وما عرفته بلادنا بشكل غير مسبوق على مدار الشهور الأخيرة من سلسلة من المتابعات والتوقيفات والمحاكمات المتتالية في حق عدد ممن يتولون مهام نيابية وطنية أو منتخبين ومسؤولين بجماعات ترابية بشبهة جرائم الفساد المالي والانتخابي والاتجار في مواد محرمة قانونا، سببه بالأساس إضعاف الأحزاب الوطنية الحقيقية والمناضلين الحقيقيين والشرفاء من أبناء الوطن، والدفع إلى الواجهة بكائنات انتخابية فاسدة وانتهازية وغريبة عن الجسم السياسي والحزبي، وما رافق ذلك من إفساد انتخابي، وهو ما زرع الشك في العملية الديمقراطية برمتها وأفرغ الانتخابات من وظيفتها النبيلة وأفقدها رمزيتها ومكانتها لدى المواطنين، كل هذا في الوقت الذي بوأ فيه الدستور الأحزاب السياسية مكانة أساسية وأناط بها مهمة تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وتدبير الشأن العام، والتعبير عن إرادة الناخبين؛ كما كرس الاختيار الديمقراطي ضمن الثوابت الأربع الجامعة للأمة المغربية، ونص على أن تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم.
إن هذا الوضع المزري وهذه النتائج المخيبة للآمال وهذا الأداء الحكومي والترابي والسياسي والتدبيري الضعيف والمرتبك على المستويين الوطني والترابي وهذا العدد والحجم غير المسبوق من ملفات الفساد، يقتضي القول والصدع، بكل وطنية ومسؤولية ووضوح وقوة، بأن المقاربة السياسية الخاطئة التي اعتمدت في تدبير مرحلة ما بعد انتخابات 2016، والبلوكاج الذي حصل ثم الإرباك السياسي الحزبي للحكومة المشكلة في أبريل 2017 وفي الإعداد لانتخابات 08 شتنبر 2021 وماتبعها، أدت لإرباك قواعد التعددية الحزبية وإضعاف وتهميش المؤسسات الحزبية الوطنية وبث الشك في نفوس المناضلين وعموم المواطنين من جدوى الانخراط في العمل السياسي والحزبي والاهتمام بالشأن العام ومن جدية وصدقية العملية الانتخابية برمتها، كما أدت من جهة أخرى إلى إرباك المسار الديمقراطي والتنموي والمس بالتراكم الذي حققته بلادنا على مستوى تكريس الاختيار الديمقراطي، مما فتح المجال لزواج المال بالنفوذ السياسي والفساد المالي والانتخابي، ولتصدر المشهد السياسي والحكومي من طرف حكومة ضعيفة سياسيا وغائبة تواصليا وغير قادرة على مواجهة الملفات الاقتصادية والاجتماعية والقطاعية، يطبع عملها التأخر والارتباك وضعف الاستباقية وغياب الحس السياسي، وهو فراغ أدى إلى بروز ظواهر اجتماعية احتجاجية جديدة تربك المشهد السياسي وترفض كل أشكال الوساطة المؤسساتية.
وقد مثلت الانتخابات الجزئية بمكناس أول امتحان للتوجه الجديد للحزب، ولله الحمد، فقد ثبت وعبر بالوضوح اللازم عن رفضه لما حصل فيها وعلى الخصوص بجماعة الدخيسة، وفضح أساليب التزوير واستهداف العملية الانتخابية والتنديد بالخروقات التي مست سلامة العملية الانتخابية، والتي وصلت إلى درجة إغراق صناديق التصويت بأصوات ناخبين لم يدلوا بأصواتهم، وتسجيل نسبة مشاركة عالية غير منطقية ومثيرة للاستغراب، وقد تم في حينه دعوة وزارة الداخلية إلى الالتزام بالحياد وبدورها الذي يحدده القانون وعدم تجاوزه لممارسة أدوار الأحزاب السياسية، وذلك في حدود كونها سلطة مكلفة بالإشراف الاداري والتقني على الانتخابات، وفقا لأحكام الدستور والقوانين المنظمة الانتخابات، وليست طرفا سياسيا يتبنى مواقف سياسية في مواجهة الأحزاب وصلت حد الانزلاق نحو تقييم الخط والخطاب السياسي للحزب والتشكيك في نواياه، في تجاهل لمكانة الحزب وللأدوار الوطنية المقدرة التي قام ويقوم بها الحزب من مختلف المواقع وفي مختلف المحطات، وضدا على المكتسبات الديموقراطية لبلادنا.
إن معركة الديموقراطية اليوم تمر عبر انتخابات نزيهة وشفافة وحرة حقيقة، فقد انتهى زمن التلاعب بالإرادة الشعبية، وفشلت وصفة 2021، ومستقبلنا كبلد رهين بمؤسسات منتخبة مسؤولة وذات مصداقية وبأحزاب مستقلة تشتغل في إطار تعاقد جديد مبني على احترام الدستور، وحماية الحقوق والحريات وضمان استقلال القضاء ونزاهة الانتخابات، وهو ما يتطلب إرادة سياسية وإصلاحا قانونيا وتقينا وعمليا للمنظومة الانتخابية، في غيابها ستضل الممارسة الانتخابية مشوهة وغير صادقة ومحكومة بشبكات الإفساد والتلاعب بالنتائج لمصلحة لوبيات مصالح متنفذة.
لقد سبق للحزب أن نبه إلى مجموعة من القضايا التي تهم مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير وندد بالمنحى السِّلبي وغير الديمقراطي لتدبير شؤون الصحافة عبر اعتماد قانون تراجعي وغير دستوري يُعَيِّن أعضاء المجلس الوطني للصحافة عبر بدعة اللجنة المؤقتة، بعد محاولة مشبوهة لفرض مقترح قانون يهم هذا المجلس، وقد رافق هذا الانتكاس تفاقم حالة التردي الإعلامي ونكوص المشهد السمعي البصري ولاسيما العمومي منه، وغيابه عن القضايا الأساسية والراهنة التي تشغل بال المواطنين والمواطنات، وتخلفه عن تجسيد دوره في خدمة التعددية السياسية والحزبية، وتراجع البرامج الحوارية وإقصاء الفاعلين السياسيين والحزبيين من الخدمات السمعية والبصرية العمومية والخاصة، وصيانة حق المواطن في الخبر وفي الرأي الآخر، وتراجع دورها في دعم الإنتاج الوطني وإشعاع الثقافة المغربية، والتمكين لرموز المس بالقيم المغربية ومرجعيتها، بما يجعلنا إزاء مشهد إعلامي يشتغل في تعارض مع الثوابت الدستورية والوطنية، وكشف كل ذلك عن توجه تراجعي مضاد لنص وروح دستور 2011.
في المقابل، تميزت السنة الماضية -سنة 2024- في مجال الحقوق والحريات بالمبادرة الملكية الكريمة بإعمال العفو الملكي في حق مجموعة من الصحفيين والنشطاء، وهي المبادرة الإنسانية التي لقيت استحسانا وترحيبا شعبيين واسعين، وشكلت انفراجا حقوقيا سبق للحزب أن التمسه في عدة مناسبات، وهي مناسبة لنجدد التماسنا في هذا المؤتمر لتوسيع دائرة العفو الملكي الكريم لكي تشمل الملفات المتبقية.
ونعتبر أن المرحلة تقتضي الدعوة السلطات العمومية والحكومية ومختلف الفاعلين السياسيين والعموميين إلى أهمية الالتزام والحرص على حرية التعبير والصحافة وحماية الصحافيين أثناء مزاولتهم لمهنتهم، واللجوء إلى الآليات التي يضمنها قانون الصحافة والنشر لمعالجة الأخطاء التي تعترض العمل الصحفي، عوض جر الصحفيين إلى القضاء وتجريمهم وتغريمهم.
كما ندعو في هذا الصدد رجال ونساء الصحافة والإعلام والنشطاء المدنيين والمدونين إلى ضرورة الحرص على الربط بين الحرية والمسؤولية، والتزام القواعد المهنية والأخلاقية التي تحكم العمل الصحفي، واحترام الرموز والثوابت والقيم الوطنية والحياة الخاصة والعائلية للشخصيات العمومية، وتوخي المهنية والموضوعية واحترام حق الرد والمبادرة إلى التصحيح والاعتذار في حال التجاوز أو الخطأ.
المحور الرابع- مسؤوليات ومهام واستحقاقات » النضال من أجل مصداقية الاختيار الديموقراطي وكرامة المواطن »
انطلاقا من قراءتنا للمرحلة والسياق العام لها، وما يترتب عليه من مسؤوليات، وتبعا للتشخيص الوطني بكل أبعاده ذات العلاقة بهوية المغرب ومرجعيته الإسلامية، وبتحدياته الاقتصادية والاجتماعية وهشاشة البناء الديموقراطي ونكوصه عن المقتضيات الدستورية، وبناء على المرتكزات المؤسسة للحزب وللعمل المتواصل للحزب من أجل التعبئة الكافية لمواصلة أدواره، فإننا نعتبر أن المرحلة تفرض مواصلة « النضال من أجل مصداقية الاختيار الديموقراطي وكرامة المواطن ».
ذلك أن الحزب تأسس وتطور انطلاقا من ثوابت واختيارات واضحة قوامها أنه حزب وطني إصلاحي ينطلق من المرجعية الإسلامية وثوابت الأمة الجامعة التي يسعى لتمثلها في علاقاته ومسلكياته ومواقفه وأدائه، باعتبارها مرجعية المجتمع والدولة، وأساس الهوية والوحدة والأصالة الحضارية للأمة المغربية؛ كما أنه بُني على اعتبار الملكية الدستورية القائمة على إمارة المؤمنين صمام أمان ووحدة واستقرار، بما يجمع بين الملك أمير المؤمنين والمواطنين والمواطنات من روابط والتزامات البيعة الشرعية ومقتضيات الدستور، وشكلت صيانة الوحدة الوطنية والترابية موجها لعمله، وتشبث بالاختيار الديمقراطي وتعزيز الحقوق والحريات كخط سياسي ناظم له.
كما قام الحزب على ارتباطه وقربه وانشغاله الدائم بهموم وانتظارات المواطنين والمواطنات، والتزامه بالدفاع على قضاياهم المشروعة، وسعيه للمساهمة في رفع تحديات ترسيخ الاختيار الديمقراطي والحقوق والحريات الدستورية والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، بما يوفر شروط الإقلاع الحضاري والنهضة الشاملة لبلدنا وشعبنا، وهو ما قدمت تجربة الحزب في المعارضة أو في الحكومة، وخاصة في العقود الثلاث الماضية شواهد دالة عليه.
وقبل بسط اختياراتنا المستقبلية، نسجل أن الحزب مر في السابق بامتحانات عديدة ومطبات كبيرة منذ انخراطه في الحياة السياسية الوطنية، لكنه صبر وصمد واستطاع بفضل الله، ثم بوحدته وتشبته بمرجعيته ومبادئه ومؤسساته أن يتجاوز وينبعث في كل مرة.
فمنذ 20 عاما على الأقل ومنذ تقدمه الانتخابي في 2002 والحزب موضوع استهداف وشيطنة لم يتوقفا، وبالرغم من ذلك تطور موقع الحزب في الحياة السياسية وهو يواجه هذا الاستهداف ويقف في وجه كل محاولات التحكم بجرأة ومسؤولية وصمود، حتى أصبحنا حزبا رئيسيا استطاع وباقتدار أن يساهم في دعم الإصلاح والاستقرار ببلادنا، وترأس الحكومة لولايتين متتالتين كاملتين، وقاد غالبية المدن الكبرى والأساسية ببلادنا، وأدى أدوارا تنموية طلائعية على مستوى الحكومة والبرلمان ومجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى سواء من موقع التدبير أو المعارضة، وهي حالة فريدة في التاريخ السياسي للمغرب، ثم تلتها النتائج الكارثية وغير المنطقية لانتخابات 8 شتنبر 2021 والتي رُتب فيها الحزب في المرتبة 8 ب 13 مقعدا في مجلس النواب، واعتبر الحزب أن ما وقع يتحمل فيه نصيبه من المسؤولية، وتحملت الأمانة العامة السابقة مسؤوليتها بتقديم استقالتها، وعقد مؤتمر استثنائي قدم فيه الحزب درسا جديدا وفريدا في معالجة المحطات الصعبة التي يمر بها بطريقة مؤسساتية وديمقراطية وأخوية، وقرر طي صفحة تلك المرحلة وتجاوزها والتوجه إلى المستقبل، دون أن يعني ذلك عدم أخذ الدروس اللازمة واستخلاص العبر من أخطائه الذاتية والداخلية بما يضمن نجاح انطلاقة الحزب واستمرار أدائه الإصلاحي، وفي المقابل الوعي بالعوامل الخارجية حيث تم الاشتغال على تصفية الوجود الانتخابي للحزب واجتثاته، ولم تكن النتائج المعلن عنها حصيلة عمل يوم وليلة بل هي محصلة عمل لم يتوقف.
وإن انطلاقة الحزب اليوم، تستند أيضا على حصيلة عطائه طيلة ما يفوق عقدين من الزمن وخاصة طيلة عشر سنوات من العمل الحكومي وكذا في المعارضة، وهي حصيلة مشرفة استطاع الحزب وفي إطار ما توفر له من سلطات واختصاصات وفي إطار الأغلبية التي كان يشتغل ضمنها، القيام بأدوار تاريخية حقيقية لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد، ومن ضمنها:
- المساهمة في صيانة استقرار الوطن والدفاع باستماتة عن وحدته وأمنه، وخاصة خلال الظرفية الصعبة التي شهدتها منطقتنا العربية في الربيع العربي واختفت آنذاك جل الأحزاب والعديد من القيادات وتوارت إلى الخلف، وتحمل الحزب مسؤوليته الوطنية في النزول عند المجتمع والدفاع عن أطروحة الإصلاح في ظل الاستقرار ودعم المبادرة الملكية الشجاعة التي حملها الخطاب الملكي التاريخي ل9 مارس 2011.
- ترافع قوي من أجل الهوية الإسلامية والحماية الاجتماعية ومكافحة الفساد ومناهضة تضارب المصالح.
- إنجاز إصلاحات هيكلية كبرى مؤجلة منذ عقود أنقذت المالية العمومية من الانهيار، وحالت دون تعريض بلادنا لخطر برنامج تقويم هيكلي جديد، عبر إصلاح نظام المقاصة والمعاشات المدنية، وإنقاذ المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب وتعزيز الثقة من خلال النجاح الكبير للمساهمة الإبرائية، فضلا عن الاعتراف القانوني بديون المقاولات وخاصة تلك المرتبطة بالضريبة على القيمة المضافة المتراكمة منذ سنوات، وأدائها.
- إعادة الاعتبار للبعد الاجتماعي في السياسات العمومية من خلال إعطاء الأولوية لدعم الفقراء والعناية بالفئات الاجتماعية الهشة وبالمناطق المهمشة، ليصبح ذلك سياسة دولة من خلال مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، بعد أن تعرض هذا التوجه للهجوم منذ 2013 تحت دعوى مواجهة ثقافة الإحسان، لكن تحقق رغم المعارضة الشرسة نظام دعم الأرامل وتم اعتماد قوانين التغطية الاجتماعية لمختلف الفئات ورفع قيمة المنحة الجامعية وتنزيل دعم المطلقات والأمهات المهملات واعتماد المباريات الخاصة بالأشخاص في وضعية إعاقة والرفع من الحد الأدنى للأجور والمعاشات.
- الأداء المشرف والمتميز لرؤساء ومنتخبي الحزب على مستوى الجماعات الترابية وتقديمهم لنموذج راق في تسيير الشأن العام بنزاهة وشفافية وجدية وتفان وعمل متواصل كل ذلك في حرص على المصلحة العامة وعلى خدمة المواطنين، والحفاظ على المال العام وإنفاقه في أوجه الصرف النافعة.
إن المرحلة المقبلة تقتضي عملا جماعيا من أجل مواصلة « النضال من أجل مصداقية الاختيار الديموقراطي وكرامة المواطن » وهو ما يحتم الاشتغال وفق التوجهات الخمس التالية:
أولا- تكريس المرجعية الإسلامية للحزب عبر:
- تعزيز تشبت وتمثل مناضلي ومناضلات الحزب وقياداته لقيم ومقتضيات المرجعية الإسلامية في الممارسة السياسية والتعاطي مع تدبير الشأن العام.
- الدفاع على الثوابت الوطنية الجامعة للأمة المغربية وعلى المرجعية الإسلامية للمجتمع وللدولة وعلى الهوية الوطنية المغربية في أصالتها الراسخة ووحدتها وتكامل مكوناتها في ظل مجتمع مغربي موحد ومتمسك بمرجعيته وثوابته ومعتز بوحدته وتنوعه، منفتح ومتمسك بخصوصيته وقيمه، في مقابل بعض نزوعات التقسيم ومحاولات فرض نماذج غريبة عن المجتمع المغربي.
- تثمين الأدوار المهمة لمؤسسة إمارة المؤمنين ومكانتها المقدرة في الإشراف على الشأن الديني وتنظيم الفتوى وضمان إسلامية الدولة وحماية هويتها باعتبار جلالة الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية.
- تثمين المرجعية الإسلامية المتجددة باعتبارها رافعة أساسية من رافعات الإصلاح والنهضة وتوجيه السياسات العمومية، وكمرجعية تسهم في تحقيق الأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية والازدهار الاقتصادي، وتأكيدها كمرجعية فاعلة في ضمان الحقوق والحريات الأساسية.
ثانيا- صيانة السيادة الوطنية والدفاع عن الوحدة الوطنية والترابية ودعم القضية الفلسطينية عبر:
- صيانة المكتسبات التي حققتها بلادنا في ملف قضيتنا الوطنية الأولى بقيادة جلالة الملك حفظه الله، ودعم استراتيجية الدولة في الدفاع عن حوزة التراب الوطني وصيانة استقلال القرار الوطني والسيادة الوطنية، وفي اعتبار قضية الصحراء مقياس شراكات المغرب وربط علاقاته السياسية والاقتصادية بطبيعة الموقف من مغربية الصحراء، وأن خيار الحكم الذاتي لأقاليمنا الجنوبية تحت السيادة المغربية هو الخيار الوحيد لحسم هذا النزاع المفتعل.
- دعم القضايا العادلة لأمتنا العربية والإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والاعتزاز والدعم الكامل والقوي للمقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعبية في غزة والقدس والأقصى وكل الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتأكيد على موقف الحزب الراسخ والثابت الرافض لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاشم ومواجهة مسلسل الاختراق السياسي والتجاري والأكاديمي والجامعي والثقافي الصهيوني لبلادنا.
ثالثا- استعادة مصداقية الاختيار الديموقراطي وتعزيز الحقوق والحريات ومكافحة الفساد عبر:
- التنزيل الكامل والأمثل للمبادئ والأحكام والمقتضيات الدستورية في مجال الديمقراطية التمثيلية، بما يمكن كافة المؤسسات المنتخبة من ممارسة اختصاصاتها كاملة ووظائفها المخولة لها بمقتضى الدستور وتحمل المسؤولية السياسية عن البرامج والسياسات والقرارات العمومية وتطبيق ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتفعيل الديمقراطي للجهوية المتقدمة والتنزيل الفعلي للقوانين التنظيمية للجماعات الترابية.
- النهوض بالحقوق والحريات واستكمال باقي المؤسسات الدستورية وتطوير الممارسة الحقوقية، وتكريس فعالية واستقلالية ونزاهة القضاء.
- مواجهة الفساد وتحالف المال والسلطة، ومحاربة الاحتكار والريع وضرب قواعد المنافسة الشريفة واستغلال تضارب المصالح وتركيز الثروة.
- تصحيح المسار السياسي والديمقراطي والحزبي والانتخابي، بما يعزز ويقوي الجبهة الداخلية بأحزاب وطنية جادة ومستقلة ومناضلة، وبنخب ومناضلين حقيقيين ونزهاء.
- الإصلاح الشامل للمنظومة الانتخابية لتوفير كل الضمانات والآليات القانونية والمؤسساتية والتقنية بما يمكن من إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة تعبر عن الإرادة الشعبية وتفضي إلى اختيار مؤسسات منتخبة قوية وذات مصداقية تتحمل المسؤولية السياسية وتمتلك مشروعية التمثيل الديمقراطي، وتعيد الثقة في المؤسسات والعمل السياسي، وتقطع بشكل نهائي مع الإفساد الانتخابي وأثرهما على الاستقرار الاجتماعي وعلى تحقيق التنمية.
- حماية التعددية وتعزيز الاستقلالية ودعم المهنية والحرية في المجال الصحفي والإعلامي، ودعم استدامة النموذج الاقتصادي للجسم الصحفي والإعلامي الوطني ومحاربة التفاهة والابتذال الثقافي والإعلامي والفني.
رابعا- تصحيح مسار النموذج التنموي والنهوض بالأسرة والتعليم عبر:
- النهوض بأوضاع الأسرة والمرأة باعتبارها مدخلا أساسيا للإصلاح والتنمية.
- النهوض بالموارد البشرية وبالرأسمال البشري باعتباره أساس النهضة والتنمية، وخاصة الإصلاح العميق للتربية والتكوين والبحث العلمي وإعادة الاعتبار للخدمات الصحية ومعالجة الاختلالات التي يعرفها تنزيل ورش تعميم التغطية الصحية
- ضمان إنتاج فعلي للثروة وتقسيم عادل لها ولثمارها ما بين عموم المواطنين وخصوصا الفئات الهشة والمجالات المهمشة.
- إرساء قواعد الحكامة الجيدة الضامنة للتنافسية والمنتجة للفعالية والإنتاجية والمشجعة للمبادرة والمقاولة وتفكيك منظومة الريع، ومحاربة حالات تضارب المصالح وتوظيف واستغلال مواقع النفوذ والامتياز وكل الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية.
- إعادة التوازن وإقرار العدالة في توزيع الاعتمادات المالية والاستثمارات العمومية والبنيات التحتية وبرامج التأهيل ومختلف المرافق والخدمات الاجتماعية بين جهات ومدن وقرى المملكة.
- تشجيع الإنتاج الوطني وحماية المنتوج الوطني في كل القطاعات.
- تشجيع التنمية المستدامة وتوفير الأمن الغذائي والطاقي والمائي.
خامسا- صيانة استقلال القرار الحزبي وتوسيع دائرة التعاون عبر:
- تأهيل الذات الحزبية ومواصلة صيانة استقلال القرار الحزبي وتعزيز الديمقراطية الداخلية.
- استعادة المبادرة التواصلية وتعزيز مبادرات التواصل الحزبي والشعبي.
- مواجهة تحديات تحجيم الحزب وتقوية علاقاته مع الفاعلين في الحقل الحزبي.
- توسيع دائرة التعاون والتفاهم مع مختلف الفعاليات السياسية والحزبية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية لتعزيز مصداقية الاختيار الديمقراطي وتسريع المسار التنموي ببلادنا
وختاما
ونحن بصدد انطلاقة متجددة للحزب، لابد من تجديد التقدير لعطاءات وتضحيات مناضلي ومناضلات الحزب ولعموم الشعب المغربي، والتي بتوفيق من العلي القدير كان لها الدور في تقدم حزب العدالة والتنمية كحزب ذي مرجعية إسلامية وطني وإصلاحي ومناضل ومستقل وديموقراطي يرفع لواء العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية.
ومن الوفاء والواجب أيضا أن نستحضر بهذه المناسبة رموز الحزب والحركة الإسلامية الذي قضوا نحبهم خلال هذه المرحلة، وأن نتذكر للعبرة في هذ المقام أخلاقهم الرفيعة وعطائهم وتفانيهم وخدماتهم الجليلة طيلة مسيرتهم الغنية سواء من موقعهم الدعوي أو على مستوى العمل السياسي والحزبي المدني والرسمي، وكلها أعمال وخدمات تأتي امتدادا لعبر جسدها رجال كبار في تاريخ الحزب بدءا من مؤسسه الرجل الوطني الفذ الدكتور عبد الكريم الخطيب ورفيقه في الكفاح الوطني والديموقراطي بنعبد الله الوكوتي، ثم أخونا عبد الله باها ذي العطاء الاستثنائي في مسار الحزب، وغيرهم ممن افتقدناهم من قياديي ومناضلي ومناضلات الحزب رحم الله الجميع وأجزل لهم الأجر والثواب.
وعلى دربهم سيواصل الحزب بإذن الله تعالى مسيرته بعزم وتفان. والله ولي التوفيق.
« وَقُلِ اِعْمَلُواْ فَسَيَرَي اَللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥوَالْمُومِنُونَ
وَسَتُرَدُّونَ إِلَيٰ عَٰلِمِ اِلْغَيْبِ وَالشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ »
سورة التوبة الآية ١٠٦
Aucun commentaire