المحافظة على الماء مسؤولية من؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
المحافظة على الماء مسؤولية من؟

تبدو الإجابة الفورية على هذا السؤال بديهية، إذ لن تجد عاقلا يقول بغير تحميل المسؤولية للجميع، ومع ذلك فالواقع يبين أن هناك من يتصرف وكأن الأمر لا يعنيه، أو لأنه يعتقد في قرارة نفسه أنه يقتصد في استعماله للماء، إلى أن تبهظه الفاتورة في آخر الشهر، بحيث تجده يختلق الأسباب، وهو ينسى أو يتناسى الكمية التي يستعملها هو وعائلته للاستحمام حين يَترك الصنبور الرشاش مفتوحا طوال مدة الاستحمام ، ناهيك عن الاستعمال المفرط له في تنظيف البيت، وغسل الأواني مع ترك صنبور المطبخ مفتوحا أثناء مختلف عمليات التنظيف…، وقد يُلاحظ في بعض الحالات استعمال أنابيب الرش لتنظيف الرصيف، علما أنه يمكن الاكتفاء بدلو من الماء للاستحمام ، وثان في المطبخ، وثالث للرصيف أو السيارة إن تَطلَّب الأمر ذلك*.
ومما لا شك فيه، هو أن وراء هذا النوع من التصرف مبررات يُحتمى بها، كأن يقول المعني بأنه حر في تصرفه، ما دام يؤدي مقابلا ماليا من ماله الخاص، أو لأن الثقافة التي تربى فيها لا تسعفه في الاكتفاء بكميات قليلة منه في الاستعمالات اليومية، إلى آخر ما يمكن أن يُختلق من مبررات لا تزيد الأمر إلا تعقيدا.
وإذا كان هذا هو حال المواطنين المعنيين بهذه الآفة، فإني أزعم أن السبب الرئيسي يكمن في غياب ثقافة الاقتصاد، ليس في الماء فحسب، بل في جميع أوجه الاستهلاك، التي تمثل الثقافة الإسلامية قمتها يا حسرتاه، ذلك أن القرآن الكريم والسنة النبوية يحثان على عدم التبذير في كثير من الآيات والأحاديث، كقوله جل علاه في سورة الإسراء: ﴿ وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) ﴾ وكقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد عندما مر به وهو يتوضأ: « لَا تُسْرِفْ فِي الْمَاءِ، فَقَالَ: وَهَلْ فِي الْمَاءِ مِنْ إِسْرَافٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ ».
قلت إذا كان هو حالنا وجُلنا على علم بموقف الإسلام من التبذير والإسراف، فما هو حال المسؤولين على عملية توفيره وتزويد السكان به، إذا كانوا هم أنفسهم من المساهمين في تبذيره بكفية مباشرة. ففي الوقت الذي يجدُّون في توعية الناس بالحفاظ عليه من خلال عملية الإشهار في مختلف وسائل التواصل، تجدهم يتقاعسون في الإسراع بإصلاح القنوات والأنابيب التي تتعرض للإتلاف لسبب من الأسباب، مما ينتج عنه ضياع كميات كبيرة من الماء في الأزقة والأرصفة لمدد طويلة ومتكررة، وهو ما تمت معاينته ولا زالت تتم إلى حدود كتابة هذه السطور بحي الفتح (لازاري)، وأخص بالذكر ذلك العطب الذي وقع بجوار مسجد الإيمان لمرات عديدة، وفي كل مرة يتم « إصلاحه » بعد أن يقوم أحد جيران المسجد بإبلاغ المصلحة المعنية، يعود العطل بعد مدة قصيرة، وبحدة أكبر، وكانت آخر عملية إصلاح له صبيحة يوم السبت 15/07/2023، ومما أثار انتباهي في عملية الإصلاح معاناة ذلك العامل المسكين الوحيد الذي لا يملك من والسائل اللوجستيكية سوى معول وفأس، ولست أدري كيف تمكن في الأخير من إصلاح العطب، وليس لي إلا أتمنى أن يكون هذا هو الإصلاح الأخير على الأقل في هذا المكان.
في الأخير أقول بأنه لا ينبغي غمط المجهودات التي يقوم بها موظفو الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بوجدة بمختلف مستوياتهم، وإنما أهدف من خلال هذا المقال إلى تنبيههم بأن حث المواطن على عدم تبذير هذه المادة الحيوية، في الوقت الذي يلاحظ فيه هذا الأخير نوعٌ من « عدم الجدية » في التعامل مع عملية إصلاح الأعطاب، التي تكون سببا في ضياع كميات كبيرة منها، غالبا ما تكون نتيجته عكسية، علما أن الله تعالى ينهى عن عدم مطابقة المقال للحال كما هو منصوص عليه في الآية 44 من سورة البقرة:﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾والآية 2 من سورة الحجرات:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾. لهذا أقترح إحداث آلية للتعرف على أماكن الأعطاب دون انتظار إخبار المواطن العادي الذي غالبا ما تغيب عنده ثقافة الاتصال بالجهات المعنية بأي حدث كان وإخبارهم به، وتخصيص التجهيزات الكافية والحديثة لإصلاحها، والتقليص من مدة الإصلاح مع التركيز على نوعيته.
* هذا المقال يقتصر على الأحياء الشعبية التي ينحصر استعمالها للماء في الضروريات.
الحسن جرودي





Aucun commentaire