Home»Débats»من المطالبة بالمساواة إلى البحث عن التمييز الإيجابي؟

من المطالبة بالمساواة إلى البحث عن التمييز الإيجابي؟

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

من المطالبة بالمساواة إلى البحث عن التمييز الإيجابي؟

من المسلم به أن تمرير خطاب معين لا يمكن أن يتأتى إلا إذا توفرت مجموعة من الشروط في المعنيين بعملية التمرير، أهمها الإيمان بالفكرة أو الأفكار التي يتضمنها الخطاب والاعتقاد بوجاهتها، ثم امتلاك الأدوات المعرفية والحجاجية لإقناع المستهدف أو المستهدفين منه، وعند انتفاء بعض هذه الشروط أو كلها لدى بعضهم، تجدهم يلجؤون إلى الاحتماء ببعض المصطلحات الرنانة التي توحي بكونهم مقتنعين بمضمون الخطاب ومستوعبين له بالقدر الذي يسمح لهم بالترافع في شأنه. فهذا يُقدم نفسه بأنه دكتور دون أن يُطلب منه ذلك، بغض النظر عن طبيعة الدكتوراه وكيفية الحصول عليها، وذاك يستهل خطابه بعبارة بَيَّنَتْ بعض الدراسات أنَّ…دون الإفصاح عن طبيعتها ومدى استيفائها لشروط الدراسة العلمية الموثوق بها، ناهيك عن أولئك الذين يحتمون بالمواثيق الدولية والقيم الكونية.

سبب هذه المقدمة هو إصرار مجموعة من الجمعيات على تمرير نسخة مشوهة من خطاب العلمانية دون نتيجة تذكر، وذلك بسبب عدم توفرهم على آليات الإقناع من جهة، ولأنهم عبارة عن أبواق تردد بِغَبَاء ما تمليه عليهم المنظمات الأممية ومنظمات حقوق الإنسان، التي لم يعد خافيا على أحد، من هم المحركون لها من خلف الستار وأحيانا من أمام الستار كما حصل مؤخرا مع البرلمان الأوروبي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الأرضية التي يشتغلون فيها غير صالحة لزراعة مثل ما يَدْعون إليه من جانبين: الجانب الأول تشريعي ويتمثل في طبيعة الدستور الذي ينص على أن الإسلام دين الدولة، والجانب الثاني بَشَريٌّ يتجسَّد في طبيعة المواطن المغربي، الذي حتى وإن بدى أحيانا أنه يُفرِّط في بعض الثوابت، مما قد يُخيَّل لبعض العلمانيين أنه استعدادٌ للانخراط في مشروعهم، فإنه سرعان ما يعود إلى رشده في أول فرصة تضطره إلى الحسم في طبيعة الممارسات التي تناسب معتقده الفطري الذي لن يكون سوى الإسلام، الأمر الذي يؤدي به إلى القطع مع كل ما يتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف إن بشكل كلي أو بشكل جزئي حسب عزيمته وحسب ما تمليه الظروف التي تحيط به.  ولنا في قدامى اليساريين خير مثال على أن الرجوع إلى الفطرة هو الأصل، ولا أحتاج للتذكير بأسماء عدد من المثقفين المرموقين أمثال محمد عمارة، وفاضل السامرائي وغيره كثير، لأننا لا نعدم أمثلة في أحيائنا ومساجدنا للذين كانوا بالأمس يطبِّلون للماركسية والاشتراكية حتى أصبحوا بين عشية وضحاها من المُدمنين على صلاة الصبح وتلاوة الحزب الراتب وحضور وتتبع المحاضرات والدروس التي تتوخى الموضوعية في إبراز الدين الإسلامي على حقيقته الخالية من كل الشوائب والمعتقدات الباطلة التي يُراد إلصاقها به ظلما وعدوانا.

أعود فأقول، ولأن هؤلاء لا يؤمنون في قرارة أنفسهم بما يَدْعون إليه، ومن ثم لا يمتلكون الحجج الكافية، ولا يمكن أن تكون كافية مهما بلغت، فإن البعض منهم يحاول على سبيل المثال لا الحصر تمرير خطاب المساواة بين الرجال والنساء دون سند قوي، كما هو الشأن بالنسبة للتي لجأت في مقال نُشر بتاريخ 21 يناير 2023 بإحدى الجرائد الإلكترونية المعروفة إلى تصدير مقالها بالجملة التالية: « قدمت دراسة حديثة توصيات عديدة تروم النهوض بعمل النساء في مهنة الصحافة » لتقوم بعد ذلك بالإفصاح عن هوية صاحبة الدراسة بوصفها « منسقة الهيئة المغربية للصحافيات الشابات المنبثقة عن المنتدى المغربي للصحافيين الشباب »، مع العلم أنه إذا كان من الضروري التعريف بصاحبة البحث فليكن انطلاقا من طبيعة البحوث والأعمال التي قامت بها في المجال، وما عدا ذلك فلا يعدو أن يكون لغوا لا غير، ولا يمكن أن يكون له أي تأثير على الواقع.

بعد ذلك انتقلتْ مباشرة إلى جرد مجموعة من وصايا البحث المزعوم أذكر منها:

  • « تشجيع المرأة الصحافية على تقلد مناصب المسؤولية التي تكون عادة حكرا على الرجال، والإشراف على مهام الإدارة بشكل مناسباتي للتحفيز المعنوي والاختبار، إلى جانب إتاحة الفرصة للمرأة الصحافية لشغل مهمة رئاسة التحرير وإدارة النشر، حتى تسهر على تجويد ظروف عمل الصحافيات لكونها الأكثر دراية بمعاناتهن ».
  • « المساواة في الأجور »، وأيضا « التمييز الإيجابي لصالح المرأة الصحافية بخصوص التكاليف مراعاة لخصوصيتها، مع تخفيف ساعات العمل للأمهات خلال الثالث سنوات الأولى بعد الوالدة ».
  • « مراعاة خصوصية الصحافيات خلال العمل، لا سيما التغطيات الميدانية (خصوصا خلال أيام الدورة الشهرية) »
  • « تمكين الصحافيات من التكوينات في الصحافة الجديدة وفي كيفية حماية أنفسهن داخل المؤسسة الإعلامية، واعتماد مقاربة النوع في الاستفادة من التكوينات الموجهة لصالح الصحافيين باسم المؤسسة الإعلامية ».

وفيما يلي قراءة مقتضبة لهذه التوصيات:

  • فيما يتعلق بالتوصية الأولى، وفي إطار مطلب المساواة بينها وبين الرجل، أتساءل عن كيفية تشجيع المرأة، والكل يعلم أنه ابتداء من ولوج معهد الصحافة على سبيل المثال لا الحصر وانتهاء بالحصول على منصب شغل، فإن الأمر يتم عبر مباريات لا تُميز من حيث المبدأ بين الذكر والأنثى، إلا ما كان من بعض الحالات الاستثنائية، التي يكون فيها التمييز لصالح الأنثى إذا اعتبرنا تلك الطرق اللاأخلاقية التي يعرفها الجميع.
  • وفيما يتعلق بالمساواة في الأجور، فلا أعرف مهنة من المهن العمومية التي يتميز فيها الرجل عن المرأة، عكس ما يقع في بعض المهن الحرة خاصة المهن المرتبطة بالبناء أو الفلاحة التي لا توجد فيها « صحافيات يدافعن عنهن »، مع العلم وأنا أعرف ما أقول، أن الأعمال التي تُسند للرجال ليست في الغالب هي التي تسند للنساء دون أن ننسى أن الأجور متدنية في كلتا الحالتين. ثم كيف يستقيم مطلب المساواة في الأجور مع « التمييز الإيجابي للمرأة الصحافية « 
  • أما فيما يخص مراعاة خصوصيات الصحافيات، فكيف لهذا المطلب أن يستقيم في ظل مطلب المساوات؟ أعتقد أن أقل ما يقال عن هذا المطلب أن فيه قلة حياء من جهة ولا يتماشى مع أدنى مستويات المنطق الأرٍسطي من جهة ثانية.
  • وبخصوص عملية التكوين في الصحافة، فالبحث المشار إليه يُطالِب بتكوين الصحافيات في كيفية حماية أنفسهن داخل المؤسسة الإعلامية وكأنهن يَلِجن إلى غابة وليس إلى مؤسسة محترمة، وهو ما يُعتبرُ إساءة لها، مما يتطلب من صاحبة « البحث » الاعتذار عن مثل هذا الكلام الغير مسؤول، كما يطالب باعتماد مقاربة النوع في الاستفادة من التكوينات الموجهة للصحافيين، وهنا أتساءل هل تقبل الباحثة باعتماد مقاربة النوع عندما يتعلق الأمر بالتكوين الميداني على جبهات القتال مثلا أو تدريبات التحقيق في كيفية تدبير المغاربة لمعيشتهم اليومية في العالم القروي خاصة في هذه الأيام المثلجة، أم أنها تريد اعتماد مقاربة النوع فقط عندما يتعلق الأمر بالسفريات والتكوينات التي تجرى في فنادق 5 نجوم؟

في الأخير أقول للباحثة ولصاحبة المقال ولأمثالهن من المنتميات لتلك الجمعيات المعروفة بتوجهاتها العلمانية على الطريقة المغربية التي تتصف بالانتهازية، فتطالب في نفس الوقت بالمساوات وبالتمييز المسمى إيجابيا جورا ودون خجل، وأهمس في آذانهن أنه لا يمكن لأحد مهما صَلُحت نيته أن يكون أحرص على مصلحتهن من الذين خَلقهن لأنه الأعلم بتكوينهن الفيزيولوجي والنفسي، ومن ثم فإن كن يردن تمييزا إيجابيا حقيقيا فعلين أن يَتَوَخَّيْنَه في دينهن الذي يتميز بالعدل المطلق حين يسوي بين المرأة والرجل في أمور ويميز بينهما في أمور أخرى. وما وُرُودُ كلمة عدل ومشتقاتها في القرآن الكريم 28 مرة ويسندها في ذلك ورود كلمة قسط التي تكافئ كلمة عدل 25 مرة إلا دلالة على شمولية العدل للمساواة، علما أن هذه الأخيرة ومشتقاتها لم ترد سوى مرة واحدة وأنها لا تتعلق بالمساواة بين البشر وإنما بمساواة زبر الحديد بين الصدفين كما ورد في سورة هود: » آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا »

وأختم بالقول بأن الله الذي من أسمائه الحسنى وصفاته المثلى العدل، خلق الذكر والأنثى للتكامل والتساكن وليس للتناقض والتناحر مصداقا لقوله تعالى في الآية 189 من سورة الأعراف « هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا » وفي الآية 21 من سورة الروم، « وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » صدق الله العظيم.

 

 

 

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *