ماذا وراء تهنئة الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون المغرب بتأهله للدور النصف نهائي؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي

ماذا وراء تهنئة المغرب بتأهله للدور النصف نهائي؟
من الطبيعي أن يَفرحَ المغاربة بتأهل فريقهم الكروي إلى الدور النصف نهائي وقبلَه إلى الربع والثمن النهائيين، ومن الطبيعي أن تفرح معهم الشعوب العربية والإسلامية والإفريقية، لأن الفوز ولو في كرة القدم، التي ليست في نهاية المطاف إلا لُعبة، كان فرصة للترويح عن النفس وللتفريج عن الكُرَب التي يشتركون فيها، والتي لا تحتاج طبيعتها إلى تفصيلٍ لكونها معلومة لدى الجميع. ولا شك أن لهذا الفوز إيجابيات متعددة وعلى رأسها التحرر من عقدة النقص أمام الغرب في لَعِبه، والذي نتمنى أن يَتبعه تحرر في باقي المجالات الحياتية خاصة فيما يتعلق بالجانب العلمي والثقافي، يُضاف إلى هذا التعريفُ بالقيم الإسلامية ومفهوم الأسرة والعلاقات التي تؤطرها، والتعريف بالقضية الفلسطينية من جهة والتعريف بالمغرب وبثقافته وبالإشهار له من جهة ثانية، دون أن ننسى ما صَاحَب ذلك من تبديد لمجموعة من الخلافات، التي تجد لها أصلا في السياسة، بين أفراد المجتمعات العربية والإسلامية والإفريقية فيما بينها، وربما بينها وبين عدد كبير من أفراد المجتمعات الغربية نفسها. لكن هذا الفوز لا ينبغي أن يُنسينا في السلبيات والمَقالب التي تؤطر سياسة اللعب في حد ذاته بصفة عامة وكرة القدم بصفة خاصة، وقد كُنتُ أشرت في هذا الصدد في مقال سابق إلى استغلال بعض الجهات لمِثْل هذه التظاهرات لخدمة مصالهم وأجنداتهم من خلال تجهيل الناس وعزلهم عن مشاكلهم الحقيقية. والوعي بالسلبيات ليس هدفا في حد ذاته، وإنما يتعين استثماره في إيجاد طرق تجاوزها وتحييدها حتى لا تكون حاجزا أمام المعالجة الفعلية للقضايا الجوهرية التي ترقى بحياة الشعوب والأمم إلى المستوى الذي ترنو إليه، حتى يكون الفوز في اللعب تعبيرا صادقا ومتناسقا مع الفوز والبروز في القضايا المصيرية.
وإذا كان من الطبيعي والعادي أن تَفرح الشعوب وربما حتى بعض أفراد الحكومات بصفتهم مواطنين لا بصفتهم مسؤولين بهذا الفوز، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو ما هي الأسباب التي تكمن وراء تهنئة عدد من المسؤولين ورجال الأعمال للحكومة المغربية ولجلالة الملك على الخصوص؟ أفهم أن يتقدم رؤساء وملوك البلدان العربية والإسلامية والإفريقية بتهنئتهم لملك البلاد، وأتصور أن أسبابهم قد تكون أقرب لتلك التي كانت وراء فرح شعوب هذه الدول، لكن أن يتقدم بها إيلون ماسك، ووزير خارجية الولايات المتحدة… فإن الأمر اختلط علي، ذلك لأني لا أعلم أنهما قاما بتهنئة الرئيس الفرنسي، علما أن كُلًّا من المغرب وفرنسا تأهَّلا لنفس الدور. قد يُقال بأن هناك إعجاب بإنجاز فريق المغرب الذي كان مغمورا لحد الآن، قد يكون هذا صحيحا، لكنه لا يمنع من قراءة الحدث قراءات مختلفة، منها إضمار نوع من الاستهزاء في شكل إطراء، ذلك أنه على الرغم من معرفتي المتواضعة بالأساليب البلاغية، إلا أني أعلم أن هذا الأسلوب معمول به في اللغة العربية، بل حتى في القرآن الكريم كما جاء في قوله تعالى وهو يخاطب المنافقين في الآية 138 من سورة النساء: « بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا » مستعملا البشارة مكان النذارة. ومما يجعلني أتشبث بهذه القراءة هو تهنئة الرئيس الفرنسي لجلالة الملك على الفوز في لعبة بنفس القدر الذي فاز فيها فريق بلاده، في الوقت الذي لا يزال يرفض الاعتراف الصريح بالصحراء المغربية ولا يزال يرفض تسليم التأشيرات لعدد كبير من المواطنين المغاربة. وحتى إذا افترضنا جدلا غياب هذه النظرة، فلا يمكن أن نتصور براءة مُنْطَلَق التهنئة، بل لا بد من وجود أسباب براغماتية وهم من عودونا على ذلك انطلاقا من المقولة التي تُنسب لتشرشل « لا عداء دائم، ولا صداقة دائمة، بل مصالح دائمة ». ولذلك أُقدِّر أن التهنئة تَدخُل في إطار التقرب حتى لا أقول التزلف للمغرب من أجل مصالح إن لم تكن آنية فهي مستقبلية لا محالة، خاصة وأن هناك توقعات بل تأكيدات على امتلاك المغرب لثروات معدنية مهمة للصناعات المستقبلية بالإضافة إلى الثروات الحالية من فوسفاط وسمك وغيرها…
في الأخير أتمنى من المسؤولين المغاربة أن لا يغتروا بمثل هذه التهاني ويجعلوها قاعدة في علاقتهم السياسية مع الغرب، وإنما عليهم القيام بتقليبها من جميع الجوانب، واعتماد الحزم في توجيه هذه العلاقات نحو ما يخدُم المصلحة الوطنية قبل غيرها ومن ثم عدم التعامل العاطفي معها. وقديما قالت العرب « سوء الظن من الحزم » وفي نفس السياق قال الشاعر:
لا تترك الحزم في شيء تحــــــاذره فإن سلمت فما في الحزم من باس
العـجـز ذل ومـا بـالحـزم مـن ضرر وأحزم الحزم سوء الظن بالنـــاس





Aucun commentaire