Home»Débats»حتى لا يتحول التعليم الخصوصي إلى خادم للمشروع الفرنكفوني

حتى لا يتحول التعليم الخصوصي إلى خادم للمشروع الفرنكفوني

0
Shares
PinterestGoogle+
 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

حتى لا يتحول التعليم الخصوصي إلى خادم للمشروع الفرنكفوني

إذا كان موضوع التعليم الخصوصي قد أسال كثيرا من المداد ولا يزال بسبب الإشكالات المتعددة التي يطرحها، فإن التطرق إليه في شموليته في مقال منفرد يبقى صعبا وربما مستحيلا، لذا سأكتفي بالتطرق إلى مدى احتفاظه بالأهداف التي أُنشِأ من أجلها في أول الأمر.

من المعلوم أن التعليم الخصوصي أو ما كان يسمى بالتعليم الحر أثناء الحماية، وخاصة المدارس الحرة الإسلامية المُحدثة من قبل مغاربة مسلمين كان يهدف إلى « الحفاظ على الهوية الوطنية والرفع من الوعي الوطني، كأداة من أدوات التصدي للمخططات الاستعمارية، بشكل يُمكن معه القول بأن هذا التعليم الحر كان فعلا حاملا لمشروع تربوي متميز » (جريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 29/04/ 2010)، فهل لا زال التعليم الخصوصي يحتفظ بنفس الأهداف في وقتنا الحالي أم أنه حاد عنها إلى أهداف أخرى؟

الإجابة عن هذا السؤال ليست بالسهلة، ومع ذلك سأحاول أن أُطِل على الموضوع من زاوية ضيقة تتمثل في الكشف عن طبيعة الأهداف المتوخاة منه في الوقت الحالي، وعن مدى دقة المرجعيات المعتمدة في تحديد برامجه.

فمن حيث الأهداف يمكن أن نستنتج بأنها نفس الأهداف المتوخاة من التعليم العمومي على المستوى النظري، وذلك من خلال التوجهات الملكية التي أكدت غير ما مرة على أن التعليم الخصوصي شريك أساسي في العملية التعليمية وليس منافسا لها، أما من حيث المرجعيات، فيُلاحَظ أنها تتسم بنوع من الغموض، كما هو الشأن على سبيل المثال بالنسبة للقانون 06 الذي يعتبر بمثابة القانون الأساسي للتعليم الخصوصي، حيث ورد في المادة 4 منه: » تلتزم مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي كحد أدنى بمعايير التجهيز والتأطير والبرامج والمناهج المقررة في التعليم العمومي ». في الوقت الذي لم ترد فيه أية إشارة للحد الأقصى الذي لا ينبغي تجاوزه، خاصة فيما يتعلق بالبرامج والمناهج، كما أن المادة 8 تنص على ما يلي: « يمكن لمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي تقديم مشروع تربوي يتضمن على الخصوص برامج ملائمة للتوجهات العامة للنظام التربوي، شريطة أن يهدف هذا المشروع إلى التهييء لنفس الشهادات الوطنية وأن يُعرَض على موافقة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين المعنية، كما يجب على هذه المؤسسات تهيئ تلاميذها وترشيحهم لاجتياز نفس الامتحانات المنظمة لفائدة تلاميذ التعليم العمومي عند نهاية كل سلك تعليمي » ومن المادة 22 نقتطف ما يلي: « تخضع مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي لمراقبة تربوية وإدارية تمارسها الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، وتشمل المراقبة التربوية السهر على تقيد مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي بأحكام المادتين 4 و8 أعلاه، خصوصا فيما يتعلق بمراقبة استعمال الكتب والوسائل التربوية. »

من خلال قراءتنا المتفحصة لهذه المواد الثلاث (4، 8 و22)، نجد أن الباب تُرك مُشرعا أمام التصرف في البرامج والمقررات شريطة الالتزام بمعايير التجهيز والتأطير والبرامج والمناهج كحد أدنى وملائمة التوجهات العامة للنظام التربوي، وهو ما يسمح بإدراج مواد أو كتب غير تلك التي يُلزم بها القطاع العمومي، ومن ثمة فمسألة كون التعليم الخصوصي شريك للتعليم العمومي وليس منافسا له غير صحيحة، ثم إذا كان تلاميذ التعليم الخصوصي يُهيؤون لاجتياز نفس الامتحانات فما الفائدة من جعل برامج ومناهج التعليم العمومي حدا أدنى غير ترجيح كفة التنافس لصالح الخصوصي عمليا؟

إذا سلمنا بسماح النصوص الرسمية لمؤسسات التعليم الخصوصي بإمكانية اعتماد آليات تجعل التنافس في صالحها، فما هي الوسائل المعتمدة في ذلك؟

يبدو أن الاجتهادات تختلف من مؤسسة لأخرى، لكن المشترك بينها هي اعتماد كتب فرنسية غير مقررة، والمشترك بين هذه الكتب هو ثمنها الباهظ من جهة، وترويجها لقيم غربية تتنافى في كثير من الحالات مع قيمنا الإسلامية والوطنية من جهة ثانية.

قد يقول قائل بأن القانون 06 يشترط مصادقة الأكاديمية الجهوية على هذه الكتب وعلى أي تغيير ممكن في البرامج والمقررات، وهذا صحيح على المستوى النظري، لكن على المستوى العملي يُلاحَظ أن هناك كتبا تحمل قِيَما غربية محضة، منها ما هو صريح ومنها ما هو ضمني، دون أن تتعرض للحجز. وقد يكون الأمر راجع في هذا إلى عدم توفر الأكاديميات على أطر مرجعية دقيقة لتقييم هذه الكتب، مما يجعل من مزاجية المكلف بالعملية أمرا واردا، خاصة إذا كانت تتم بشكل فردي، وهوما يستلزم بالإضافة إلى وجود أطر مرجعية دقيقة، تكليف لجن تتكون من كفاءات من مختلف التخصصات التي يمكن أن يتطرق إليها الكتاب، فبالإضافة إلى مختص باللغة الفرنسية يمكن أن تضم اللجنة مختصا في التربية الإسلامية للحكم على طبيعة القيم التي يُروج لها، وآخر في الفلسفة للإفصاح عن التوجُّهات الفلسفية المعتمدة… هذا إذا كانت للكتاب قيمة مضافة بالنسبة للكتب المغربية، أما إذا كان غير ذلك، وهو ما يقر به أغلب مدرسي اللغة الفرنسية، فلماذا كل هذا اللغط الذي يستنزف الإمكانات المادية للآباء خاصة المتوسطي الدخل منهم، ويساهم في إشاعة مظهر من مظاهر التمييز الطبقي بين أفراد المجتمع، الأمر الذي لا يخلو من خلق أزمات نفسية لدى مجموعة من أبناء الطبقات الفقيرة. هذا من جهة، وحتى إذا سلمنا من جهة ثانية بسلامة مضامين هذه الكتب لكونها تُراقَب من قبل الأكاديميات، فإن عملية المراقبة نفسها تحتاج إلى موارد بشرية ومادية تفتقر إليها الأكاديميات، مع العلم أن عدد أطر المراقبة التربوية المتوفر حاليا لا يكفي حتى للقيام بالمهام الروتينية بسبب النقص الكبير الذي استهدفها.

انطلاقا مما سبق أقول إذا لم تكن لهذه الكتب قيمة مضافة فيما يتعلق بالجانب الوظيفي للغة الفرنسية، والذي يُفترض أن يؤخذ بعين الاعتبار في الكتب المغربية، وإذا كانت تمثل عبئا ماديا على مجموعة من الأسر، وتساهم في خلق تمييز طبقي بين أفراد المجتمع، فماذا بقي لها سوى خدمة المشروع الفرنكفوني الذي تظهر ملامحه جلية من خلال مجموعة من المؤشرات التي أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • بث مجموعة من القيم الغربية التي تتنافى مع قيمنا الدينية،
  • جعل أبناء الطبقة الفقيرة يتطلعون إلى الفرنسية على أنها لغة متميزة انطلاقا من الثمن الباهظ لكتبها الذي يُفترض معه أنها تتصف بالجودة، مما يخلق لديهم نوعا من النفور من الكتاب المحلي وتنمية مركب النقص لديهم حيال الكتاب الفرنسي، وإلا فما يضير فرنسا التي تَصرف أموالا باهظة لتوطين الفرنكوفونية من تزويد السوق المغربية بكتب مدعمة وحتى مجانية،
  • هناك مؤشر آخر يرتبط أساسا بعدد من مسؤولي المؤسسات الخصوصية وبمجموعة من أولياء التلاميذ الذين يرتادون هذه المؤسسات يتمثل في اعتمادهم للفرنسية في التخاطب فيما بينهم مع نوع من التعالي والازدراء بالآخرين.

في الأخير إذا كان لا بد من اعتماد التعليم الخصوصي إلى جانب التعليم العمومي، لكونه يساهم في التخفيف من العبء المادي للدولة، فإن هذا لا يعفيه من أن يكون عونا ومساندا لها في بناء القيم الدينية والروح الوطنية على غرار المدارس الوطنية التي ساهمت في تخريج وطنيين ساهموا في استقلال البلاد، بالإضافة إلى اعتماد لغة تسمح بالانفتاح على جل دول العالم، وليس خادما للمشروع الفرنكفوني بموارد بشرية ومادية مغربية محضة. من هذا المنطلق فإن كل من له علاقة بالتعليم الخصوصي مدعو لتحمل مسؤوليته أمام الله وأمام الشعب المغربي في الانعتاق من شِباك الفرنكوفونية، خاصة وأن فرنسا ظهرت على حقيقتها وأبانت عن عدم رغبتها في الانعتاق من سياستها الاستعمارية، من خلال عرقلة كل ما له علاقة بالاستقلال الحقيقي للمغرب، ولعل موقفها المتعنت من الصحراء رغم تأكدها من مغربيتها، لخير دليل على استماتها في ابتزاز خيراتنا المادية واللامادية، وكل هذا والجميع يعلم أن اللغة الفرنسية أصبحت متجاوَزة، وأن مجال استعمالها أصبح منحصرا في بلدان معدودة مع وجود عراقيل لولوجها، ومن ثم فالسؤال العريض الذي يطرح نفسه هو ما الذي يمكن أن يجنيه الطالب الذي يكرس جزءا من عمره للتعلم باللغة الفرنسية ليجد مجال تحركه في آخر المطاف منحصرا في فرنسا أو بلجيكا أو كندا في أحسن الأحوال وذلك شريطة تمكنه من تجاوز تعقيدات التأشيرة التي لا يحصل عليها إلا من أذنت له فرنسا ورضيت له قولا.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.