Home»Débats»سوق مليلية

سوق مليلية

0
Shares
PinterestGoogle+
 

محمد شحلال


تزامن دراسة فوجنا بثانوية عبد المومن بوجدة بداية السبعينات من القرن الماضي،مع وجود معالم ذائعة الصيت بهذه المدينة يومئذ.
كنا نحن-معشر داخليي الثانوية-ننتظر نهاية الأسبوع لنستمتع بخرجات لا تختلف كثيرا عن خرجات السجناء مع فارق في،،دواعي الاحتجاز،،!
وهكذا،كنا نيمم صوب محطة الحافلات القديمة لعلنا نصادف قريبا يزور المدينة، املا في أن ينفحنا ببعض يمكننا من شراء،،كران،،أو الجلوس في المقهى حتى ننتزع شيئا من الاعتبار خارج أسوار الداخلية وروتينها.
على بعد أمتار من محطة الحافلات القديمة والضيقة، والتي كانت تعج بكل أصناف اللصوص والنشالين والمنحرفين كانت تنتصب،،رحبة الحبوب،،يقابلها سوق الخضر،وعلى يسار هذا السوق،كانت تصطف عشرات المتاجر التي أطلق عليها،،سوق مليلية،،.
كانت سوق مليلية رائجة،وظلت تستقطب المتسوقين من داخل المدينة وخارجها، لاقتناء السلع الاسبانية التي كانت تحظى باقبال منقطع النظير.
كانت مواد التنظيف وبعض الأدوية من قبيل أقراص خاصة بعلاج الام الراس، تؤثث رفوف المتاجر ،حيث كانت هذه الأقراص الخضراءالغلاف، تلقى رواجا منقطع النظير، باعتبارها بلسم الرأس الذي لا بديل عنه.
كانت متاجر،،سوق مليلية،،تعرض سلعا عديدة لا توجد في غيرها،لكن هذه المتاجر كانت كذلك تشتهر بعرض سلع قادمة من الجزائر.
لقد كان المهربون من طرفي الدولتين ،يوفرون للزبناء المغاربة صنفا ممتازا من الشاي والدقيق ،وكثير من المواد الغذائية ذات الجودة العالية.
كانت دولة الجزائر تعيش حقبة اقتصادية مزدهرة في تلك السنوات،مما جعل ساستها يقتنون أجود السلع الغذائية من الخارج، لكن،، مافيا التهريب،، كانت تتجر في هذه المواد عبر كل حدود البلاد المترامية الاطراف،وتستبدلها بسلع أخرى يسيل لها لعاب المواطنين هناك،مثل المشروبات الغازية وبعض الملابس.
لا أحد من الجيل الذي عاصر رواج،،سوق مليلية،،القديم،ينفي توفيرها لسلع ذات جودة عالية،وعلى رأسها مادة الشاي التي كانت تباع بالتقسيط،وأذكر أن الكغ ،كان يباع باربعين ده،وهو ثمن لا يتناسب في الواقع مع جودته،مما جعل العديد من المواطنين المغاربة يتجرون فيه ويحققون ارباحا معتبرة.
عندما شرعت في العمل اواخرالسبعينات بنيابة بني ملال،كان زملائي يلتمسون مني اقتناء شاي،،الجزائر،،لفائدتهم بغض النظر عن ثمنه،وكنت اعود خلال نهاية كل عطلة وأنا أحمل متاعا يثير الريبة لولا ألطاف الله التي جنبتني متاهات الرقابة وانا في بداية مشواري.
لم يكن زملائي وحدهم من يعشقون الشاي،،الجزائري،،بل ان والدتي-تغمدها الله بواسع رحمته- كانت تحب هذا المشروب الذي كانت خبيرة في انواعه من خلال حاسة الشم قبل ارتشاف كؤوسه ! وكانت تصنفه بكونه،،شاي الصندوق،،حيث كان هذا النوع من الشاي يسوق فعلا عبر صناديق للجملة،ثم يتم تصريفها حسب الحاجة.
ان شاي،،سوق مليلية،،الأسطوري،لم يكن في الواقع منتوجا جزائريا،وانما كانت الدولة تستورده من بلاد اسيا، كما كانت تستورد الدواء والقمح وغيرها مز جهات أخرى،لكن مافيا التهريب التي ضلعت فيها جهات نافذة،سرعان ما وسعت دائرة الاستنزاف عبر اخراج المواد الاستراتيجية في كل الاتجاهات،قبل أن تعرف البلاد حربا أهلية تراجعت معها طفرة الرخاء التي لم تعمر طويلا.
اضطرت الجزائر الى اعتماد سياسة اقتصاد السوق بعد طول مكابرة،كما تأزمت العلاقة مع بلادنا واغلقت الحدود، مما جعل كل طرف يبحث عن البدائل الممكنة،وهكذا،انتفضت مدينة وجدة على غرار جل المدن المغربية لتجدد حللها،فكان التغيير الذي شهدته لبنة،،زيري بن عطية،،حيث اختفت المعالم القديمة،وتبدلت صورة المدينة،التي اختفى منها الشاي الأسطوري و،، لكنينة الخضراء،،لصالح أسواق ومنتجات غير تقليدية تتنافس فيها السلع التركية والغربية بعدما غزتنا ،،الماركات العالمية،،التي احتلت مساحات كبيرة في كل مدننا الرئيسية،أما الجزائر،فقد صارت تعرض السلاح اكثر مما تعرض السلع،وتوزع الحقد ليسد كل افاق المستقبل أمام شعبين تتسع الهوة بينهما في انتظار هدية من السماء.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.