Home»Débats»كيف أفهم الاستغناء عن مهرجان الخمر بالدار البيضاء

كيف أفهم الاستغناء عن مهرجان الخمر بالدار البيضاء

1
Shares
PinterestGoogle+
 

بسم الله الرحمن الرحيم

كيف أفهم الاستغناء عن مهرجان الخمر بالدار البيضاء

الحسن جرودي

سمعت من أحد الإخوة الأفاضل أنه قد تم الاستغناء عن تنظيم مهرجان الجعة بالدار البيضاء، وذلك استجابة للاحتجاجات التي عجت بها وسائل التواصل الاجتماعي والتي صاحبت إعلان خبر قيام هذا المهرجان.

ونظرا لأنني متأكد من مصداقية الأخ ومن تأكده من الخبر قبل أن يزفه، فإني صدقته، لكن ذلك لم يمنعني من طرح مجموعة من التساؤلات، أهمها أنه إذا كان الاستنكار الذي عبرت عنه وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص تنظيم المهرجان المعني أدى إلى التراجع عنه (أو تأجيله)، فهل هذا يعني أن كل ما يتم استنكاره واستقباحه من طرف المجتمع يتم التراجع عنه، أم أن الأمر « فيه إن » كما يقال. ألم يسبق الاستنكار والاحتجاج من خلال هاشتاغ « 7 دراهم للكازوال و8 دراهم للبنزين » عن ارتفاع الأسعار بصفة عامة وأسعار المحروقات بصفة خاصة، ومع ذلك لم نر تراجعا عن الأسعار التي لا زالت ملتهبة. ألم يتم فيما قبل « مقاطعة » بعض محطات البنزين ومجموعة من المنتجات؟ ومع ذلك فبمجرد مرور العاصفة  عادت الأمور إلى أصلها، وكأن شيئا لم يكن، ألم يتم التنديد سرا وعلانية بما تُطالب به مجموعة من الجمعيات المحسوبة على المجتمع المدني، بخصوص رفضها لأحكام الشريعة الإسلامية واستبدالها بأحكام بشرية يراد لها أن تكون كونية، من مثلية وحرية تملُّك الجسد وتغيير أحكام الميراث…لكن لا حياة لمن تنادي، ألا يتعلق الأمر بانحناء المعنيين للعاصفة ثم العودة للبروز من جديد؟.

وإذا كان تنظيم مهرجان الخمور يندرج ضمن مشروع شامل يتمثل في تحييد الشريعة الإسلامية في المجتمع المغربي، فالسؤال الذي يطرح نفسه، هو لماذا تم اقتراح فكرة مهرجان الخمر في هذا الوقت بالذات، والبلد يعاني من احتقانات في مجالات متعددة، ألم يكن هذا مقصودا عملا بالمقولة الشعبية القائلة « اضَّرْبوا لْراسوا يَنْسى رَجْلِيه » بمعنى أنه حتى يتم التخفيف من حدة التركيز على مشاكل الغلاء بصفة عامة وارتفاع أثمان المحروقات بصفة خاصة في الوقت الذي لا يجد فيه مُبَرِّرُ ارتفاع ثمن النفط على المستوى العالمي أية مصداقية؟

إن ما يجعلني أتشبث بهذا الطرح المتمثل في تسليط الضوء على مسألة ثانوية وتغليفها بغلاف الأولوية، هو النتائج التي يمكن أن تترتب على احتمالات استثمار ردود أفعال المجتمع إزاءها، بحيث إذا كانت ضعيفة فَبِهِ ونعمت، ويكون ذلك مدخلا للتطبيع مع بند من بنود المشروع دون مشاكل، أما إن دلت الاحتجاجات على استجابة عالية، فسيتم إما سحب البند أو تأجيله إلى حين، ليتم من خلال ذلك تحسيس المحتجين على أنهم حققوا انتصارا، في الوقت الذي تم فيه تمرير ما هو أهم منه، ألا وهو الاحتفاظ بالأسعار في مستواها وربما أمور أخرى لا نعلمها. ومن بين المؤشرات الدالة على ما أقول، هو أنه في الوقت الذي تم فيه تركيز الانتقادات على أشخاص معينين في الحكومة السابقة، تم تمرير أمور من الخطورة بمكان، كما كان الشأن على سبيل المثال لا الحصر بالنسبة لقانون تعميم تدريس اللغة الفرنسية، والقانون المتعلق « بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي »… والبقية تأتي.

أقول هذا وأنا أطرح التساؤل التالي: إذا كان سحب أو تأجيل مهرجان الخمور أمر إيحابي في حد ذاته، فيبدو أنه من المشروع التساؤل عن القيمة المضافة لمنعه في مدينة معينة والبلاد تنتشر فيها الحانات ومحلات بيع الخمور حتى العادية منها بجميع أرجائها، ألا يعني ذلك أنها تضفي نوعا من المصداقية على الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية؟  ثم إذا كان المسؤولون يأخذون فعلا برأي الشعب، ويحرصون على إبراز أهمية هذه الشريعة كما ينص عليها الدستور، فما الذي دفع بهم إلى تبني فكرة المهرجان أصلا، وهم يعلمون علم اليقين أن الفكرة مرفوضة من أساسها، أليس حريا بهم أن يتراجعوا عن كل ما لا يمت إليها بصلة، ابتداء بالمنع الكلي للخمر، وليس فقط التراجع عن المهرجان الذي يُفترض أن يُقام مرة في السنة في الوقت الذي تُسلَّم فيه تراخيص عديدة لحانات وخمارات تدوم طول السنة. ألا يكفي هذا ليكون مؤشرا دالا على ما ذهبتُ إليه من أن المنطق المتحكم في هكذا تصرفات هو اعتماد بعض الأحداث بالونات اختبار لقياس مدى تقبل أو عدم تقبل المجتمع للتطبيع معها، ليتم استثمارها في السياق العام بناءً على النتائج المتوصل إليها.

في الأخير أقول بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تبخيس وعي المجتمع ببعض المظاهر الخطيرة التي يُبتلى بها من حين لآخر، كما لا يمكن إلا أن نثمن التعبير عن رفضها واستهجانها بمختلف الطرق المسموح بها ولو في حدها الأدنى، إلا أنني أريد أن ألفت الانتباه إلى ضرورة قراءة الأحداث في سياقها العام وعدم الاكتفاء بردود الأفعال المباشرة من خلال التصدي لظاهرةٍ قد تكون مُصطنعة وأقل أولوية من الظواهر المُحايِنة لها، ومن ثمة الاكتفاء بمعالجة الجُرح الخفيف الذي في الرأس وإغفال معالجة الجرح الأعمق الذي في الرجل والذي قد يؤدي إلى بترها لا قدر الله، وبذلك نكون قد سقطنا في تجسيد مقولة « اضَّرْبوا لْراسوا يَنْسى رَجْلِيه ».

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.