Home»Débats»عمال النظافة ما لهم وما عليهم

عمال النظافة ما لهم وما عليهم

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

عمال النظافة ما لهم وما عليهم 

الحسن جرودي

عندما نتأمل في مهن وحرف الناس وفي اختلافها، يبدو لنا أن بعض الحرف أفضل من البعض الآخر، وربما لهذا السبب تجد الناس يتسابقون في الظفر بالتي يظنون أنها الأحسن، ومن ثم يحصل التفاخر الذي قد يصل إلى حد التعالي الذي يُنتج حزازات وربما خصومات تؤدي في غالب الأحيان إلى التخندق في فئات حسب طبيعة هذه المهن، فتجد فئة الأطباء وفئة المهندسين، وفئة رجال السلطة، وفئة الأساتذة، فئة الفلاحين، فئة التجار، فئة المياومين، فئة الأغنياء، فئة الفقراء…مما يؤدي ببعض هذه الفئات أو لِنَقُل بعض أفرادها إلى سلوك مجموعة من الممارسات التي يعتقدون أنهم يعبرون من خلالها عن أفضلية وسمو فئتهم على الفئات الأخرى، فهذا من خلال لباسه، وذلك من خلال سيارته وآخر من خلال مسكنه…

ولا شك أن هذه الممارسات مرتبطة بالمجتمعات الإنسانية قديمها وحديثها، ففي القديم يخبرنا القرآن الكريم برفض قوم نوح اتِّباعَه بسبب أن مُصدقيه كانوا من أراذل القوم، مصداقا لقوله تعالى: « قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (الشعراء111)  » وباعتبار فرعون أنَّ توليه ملك مصر يعطيه من الامتيازات ما يجعله يستغني عن الإيمان بموسى عليه السلام، مخاطبا قومه في تعال واضح كما جاء في قوله تعالى: « وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (الزخرف52) »

ومضمون الخطاب في الوقت الحالي يبقى هو نفسه حتى وإن اختلف منطوقه، بحيث تجد لدى عدد من الفئات مجموعة من المؤشرات الدالة على احتقار فئة أو فئات أخرى، وذلك إما لأنها أكثر مالا، أو علما، أو سلطة أو جاها…

والدافع وراء كتابة هذا المقال هو الاحتقار الذي تتعرض له فئة من أفراد المجتمع، ويتعلق الأمر بعمال النظافة، حتى أنك تجد أن أبا يوبخ ابنه الذي لم يحصل على معدلات مرتفعة بقوله « واش بغيت تولي زبال »، ثم من خلال التحدث لبعضهم، تبين أن تعامل بعض الأفراد معهم لا يخلو من الازدراء في نفس الوقت الذي هو منهمك في كنس الرصيف المقابل لبيته. وأنا أتساءل عن السبب في هكذا تصرف، خطرت ببالي الآية 20 من سورة الحديد حيث يقول جل شأنه: « اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ » حيث التفاخر والتكاثر من سمة الحياة الدنيا، وقد  يقول قائل إذا فلا عيب في ذلك، علما أن الله فضل بعضنا على بعض في الرزق مصداقا لقوله تعالى في الآية 71من سورة النحل « وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ». إلا أن المتأمل في صفَتَيِ العدل والحكمة لله تعالى لا يمكن أن يقف عند هذه القراءة المُختزَلة، وإنما عليه أن يبحث عن الحكمة أو الحِكم من التمييز بين البشر في الرزق (بمفهومه العام) الذي هو سبب التفاضل والتفاخر. من هذا المنطلق، ومن منطلق أن الحياة الدنيا لا تعدو أن تكون متاعا للغرور، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو أن الرزق مادة للابتلاء والاختبار كلٌّ حسبما رُزق، وأعَمُّ منه أن الله تعالى خلق الموت والحياة بكل ما فيهما للابتلاء، مصداقا لقوله تعالى في الآية 2 من سورة الملك: « الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ». ولكن كيف يمكن أن نفهم الابتلاء عندما تكون مواضيع الاختبار مختلفة، وهنا رجعتُ إلى بعض التفاسير المتعلقة بالآية 71 المشار إليها أعلاه، وأعجبتني قراءة الشيخ الشعراوي لها حيث تجاوزَ حصر مفهوم الرزق في الغنى والفقر إلى كل ما أوتي الإنسان من مواهب مادية كانت أو معنوية، مشيرا إلى أن ليس هناك في الآية تصريح بالبعض الفاضل عن البعض المفضول، ومن ثمة ما ينبغي فهمه هو أن كلُّ بعضٍ فاضلٌ في ناحية ومفضول في ناحية أخرى، وأن العلاقة بين البشر ليست علاقة تفاضل، وإنما علاقة حاجة جعلها الله بين البشر يُسخِّر من خلالها بعضُ البشر للبعض الآخر، بحيث ميز كلُّ بعضٍ بعناصر قوة يحتاجها البعض الآخر، فيما خصه بعناصر ضُعفٍ يحتاج فيها للآخرين مصداقا لقوله تعالى في الآية 32 من سورة الزخرف: « أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ». ويخرج بخلاصة مفادها أن هناك تكامل بين البشر في الرزق من المنطلق القرآني بحيث » مجموع كلَّ إنسان يساوي مجموع كلِّ إنسان »

انطلاقا مما سبق  يجدر بكل من يتخذ القرآن منهجا في حياته ألا يغتر بما فضله الله به على الآخرين ويتخذه مطية للتكبر عليهم والسخرية منهم كما يؤكد ذلك مرة أخرى قوله تعالى في الآية 11 من سورة الحجرات: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ… »، وقوله صلى الله عليه وسلم:  » لا يَدخُل الجنَّة مَن كان في قلبه مثقالُ ذرَّة من كبرٍ » بقدر ما يتعين عليه أن يتدبر في حكمة الله من ربط البشر ببعضهم البعض من خلال تكاملهم في الحاجات، ومن ثم فلا أفضلية للطبيب على الممرض ولا للمهندس على العامل البسيط ولا لصاحب سلطة على من لا سلطة له ولا لأي كان على عامل النظافة ولا على غيره من البسطاء، ومن ثمة فلا مبرر في مجتمع يدين بالإسلام أن يُحتقر فيه إنسان بسبب حرفته وأن يُزهد في مُرتَّبه انطلاقا من تصنيف الحرف إلى شريفة ووضيعة عدى معيارين أساسيين هما الحِّلَّة والحِرمة من جهة، والإتقان من جهة ثانية، بحيث كل ما كان حلالا ومُتقنا فهو شريف، وكل ما كان حراما أو غير متقن ولو كان حلالا فهو وضيع. وقد يقول قائل ليس مَن سَهِر الليالي في الدراسة والتحصيل كغيره ممن لم يفعل ذلك، نقول له قد يكون ذلك صحيحا، لكنه ليس مُبرِّرا في أن يأخذ الأول كل شيء ولا يترك للآخر سوى الفتات مع الاحتقار والازدراء، بل على الكل أن يعي بأنه من واجب الأمة أن يتمتع العامل البسيط ومن ضمنه عامل النظافة بالحد الأدنى من الأجر الذي يضمن له ولعائلته حياة كريمة دون احتقار ولا نظرة دونية، علما أن حاجة المجتمع لعامل النظافة لا يمكن الاستغناء عنها وهي أشد من حاجته لكثير من المهن التي يعدُّ أصحابها أنفسهم بأنهم من أفضلية وعلية القوم.

فيما يلي رابط لتفسير الشيخ الشعراوي للآية 71 من سورة النحل:

 

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *