الجزائر بين مزيد من عسكرة الحياة السياسية وتراجع فعاليات الحراك الشعبي
بقلم .. عمر الطيبي (*)
تحل الذكرى الثالثة لانطلاقة الحراك الشعبي السلمي واوضاع الجزائريين التي انتفضوا من اجل تغييرها ابتداء من 22 فبراير 2019 لا تزداد، وعلى جميع المستويات، الا تأزما وسوءا عما كانت عليه أيام بوتفليقة، وذلك في الوقت الذي يفترض فيه استكمال نظام الجنرالات لتنفيذ المخطط، الذي قرصن بموجبه بعض شعارات نشطاء « الحراك المبارك »، ليصنع منها ما سمي ب »الجزائر الجديدة » وبالتالي الاستجابة لمطالب الشعب الاساسية، او كما ادعى.
كان آخر استحقاق في تنفيذ هذا المخطط الذي اطلقه النظام تحت سلطة رئيس الاركان السابق قايد صالح هو تسمية الرئيس تبون مؤخرا للثلث الرئاسي لمجلس الامة، وقبله اجراء الانتخابات البلدية منتصف الصيف الماضي، وذلك في ختام مسلسل بدأ باختيار عبد المجيد تبون رئيسا للبلاد خلفا لعبد العزيز بوتفليقة، وتعديل الدستور واجراء انتخابات تشريعية بعد حل البرلمان
.
بطبيعة الحال لم تجر هذه الانتخابات في جو صحو ولا تمت في سماء صافية وانما تخللتها خروقات مفضوحة وتزوير كبير، على خلفية مقاطعة شعبية شاملة وغير مسبوقة، وقد ترافق ذلك مع صراعات حادة وتبادل للمواقع بين أجنحة النظام ما بين زنازين السجون وكراسي السلطة، كما جرت في ظل حملات قمعية متواصلة في صفوف المعارضين ونشطاء الحراك انتهت بتفكيك النواة الصلبة لهذا الحراك وكسر شوكتها، بصورة لا أظن أنه ما يزال بمقدورنشطاء الحراك السير بعدها على نفس النهج النضالي الذي ساروا عليه حتى الان .. وقد كان القضاء على الحراك هو بالضبط ما سعى نظام العسكر لتحقيقه من وراء تنفيذ مخطط « الجزائر الجديدة ».
أما على مستوى الحياة السياسية للبلاد فقد جاءت نتائج تنفيذ استحقاقات « الجزائر الجديدة » كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وعوض أن يسفر ذلك عن الاستجابة ولو في الحد الادنى لمطالب الحراك الرئيسية، كما ترجمها شعار « دولة مدنية لا عسكرية »، كأن يتم مثلا تعزيز دور المؤسسات المدنية في صنع القرار، أسفرت الاجراءات التي نفذها النظام عن مزيد من عسكرة الحياة السياسية والنكوص بها الى ما قبل » القوس الديموقراطي » الذي فتح لفترة محدودة في عهد الشاذلي بن جديد بفعل انتفاضة أكتوبر1988، حينما تمت الاستجابة لبعض المطالب المتعلقة بالتعددية الحزبية وحرية التعبير.
هكذا تم تحجيم دور الاحزاب السياسية وخاصة الحزبين الرئيسيين في البلاد، جبهة التحرير والتجمع الوطني الديموقراطي، وجرى الحد من تاثيرهما في التوجهات السياسية الرسمية وعلى مستوى اسناد الوظائف والمسؤوليات السياسية، حتى أن الجنرال قايد صالح لم يختر عبد المجيد تبون رئيسا للبلاد الا بعدما تخلى عن انتمائه لجبهة التحرير، وفي المقابل تم رد الاعتبار لجنرالات فرنسا قتلة العشرية السوداء، وعلى رأسهم خالد نزار وتوفيق مدين وعبد الكريم مجاهد، بحيث تم اعفاء اثنين منهم من تنفيذ الاحكام العقابية الثقيلة التي صدرت في حقهم بتهم تتعلق بالفساد، واعيدوا جميعهم وبكل بساطة الى مواقع نفوذهم السابقة، وقد تم ذلك بعدما تم اسناد منصب رئيس الاركان للجنرال السعيد شنقريحة وهو ليس سوى احد المرؤوسين والشركاء الاساسيين لهؤلاء في ارتكاب مذابح العشرية السوداء.
في اطار اعادة هيكلة النظام العسكري وتقوية قبضته الثقيلة على العباد والبلاد، كما سبقت الاشارة، اسند للرئيس تبون لعب دور الواجهة المدنية لهذا النظام، وهو الدور الذي فهمه على اساس انه يتمثل في تلميع وتسويق صورة ايجابية عن نظام الجنرالات، وذلك على أساس نموذج لجزائر ماضوية ومتخيلة تعود لفترة ما قبل التسعينات، جزائر بمقدورها، حسب تصريحاته المتكررة، استعادة مجدها الغابر ك »قوة اقليمية ضاربة يعترف بها العالم كله ما عدا أبناءها »، وكفاعل ديبلوماسي استثنائي في الساحة الدولية تنشد الكثير من الدول، وخاصة الافريقية منها، تدخله ووساطته لمعالجة القضايا الساخنة على مستوى العلاقات الدولية.
بيد أن أخطر دور أسند لتبون في اطار اعادة هيكلة نظام العسكر والسعي الى تأبيد وجوده هو التكفل بتأجيج العداء للمغرب لدرجة غير مسبوقة، وصلت الى حد قطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، ومنع الطيران المدني والعسكري والحامل للترقيم المغربي من التحليق في الاجواء الجزائرية، مع رفض اية وساطة لاصلاح ذات البين بين الطرفين، ومن الواضح أن اعلان معاداة المغرب بهذه الحدة يتجاوز مجرد العمل بتوصية ماكيافيلي للانظمة المهددة بالزوال بضرورة اختلاق عدو خارجي لشغل المواطن عما يفعله الحاكمون، الى جعل هذا العداء شرط وجود لهذا النظام نفسه، بحيث لايسقط الا اذا سقط العداء للمغرب ومعه تبنيه للمشروع الانفصالي في الصحراء المغربية، والعكس بالعكس.
لقد تفرغ حكم العسكر الجزائري خلال السنوات الثلاث المنصرمة لممارسة هوايته المفضلة في العداء للمغرب وأيضا لتصفية الحراك وضرب اي امكانية للتغيير المدني في البلاد، مستغلا في ذلك الوضع الاستثنائي الذي فرضه نفشي جائحة كوفيد على المجتمع، ما يفسر تهديداته المتكررة لجاره الغربي، والقائه لاكثر من ثلاثمئة من نشطاء الحراك والصحافيين والحقوقيين في غيابات السجون، وفرار أعداد أكبر منهم الى خارج البلاد، بينما ترك في المقابل الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب الجزائري تتعفن « على راحتها »، وحتى الجهود التي بذلها لتلميع صورته على المستوى الديبلوماسي، باءت كلها بالفشل على الواجهات العربية والافريقية والدولية، وانفضحت مقاصدها تماما.
والحالة هذه فانه واذا لم يسارع نشطاء الحراك ومسؤولو التنظيمات المعارضة والفاعلون الحقوقيون وقادة الرأي، الى تقييم تجربة الحراك الشعبي، واستخلاص الدروس الضرورية منها لتصحيح المسار النضالي، واذا لم يعملوا على توحيد الصفوف ضمن اطار تنظيمي موسع، والتوافق على قيادة جماعية وبرنامج انقاد موحد لتأطير كفاح الشعب الجزائري في افق اقامة نظام مدني ديموقارطي يمكن الشعب الجزائري من تقرير مصيره بنفسه وبالتالي مصالحة محيطه المغاربي، فان النهج الذي يتبعه نظام العسكر حاليا سيقود البلاد وبكل تأكيد نحو التفكك والانهيار مع كل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر على الامن والسلام في المنطقة المغاربية برمتها.
الرباط في 2022/ 02/ 22
(*) كاتب صحافي متخصص في الشؤون العربية والمغاربية
Aucun commentaire