Home»Débats»في بيتي متقاعد: همسةٌ في الآذان

في بيتي متقاعد: همسةٌ في الآذان

2
Shares
PinterestGoogle+

كمال الدين رحموني

يثير بعض المختصين في العلاقات الأسرية معاناة كثير من الزوجات من مرحلة تقاعد الأزواج التي تكون محفوفة بمشكلات وخلافات جديدة. ولمقاربة هذا الموضوع لا بد من التنبيه إلى ما يلي:
.1 التمييز بين ما أتوقعه وبين ما أتمناه: فالتوُّقعات تكون مسبوقةً بالإعداد لها، أما المتمنيات فهي أحلام قد تتحقّق أولا تتحقّق، وفي الغالب الأحلامُ تعاكس الواقع، ومن ذلك مثلا أنْ تتوقّع الزوجة أن زوجها المتقاعد سيُعوّضُها سريعا عن الابتعاد عنها حين كان منهمكا في العمل، وسيُولِيها والأبناءَ اهتماما أكثر، لأنه لا يحسّ بالتّقصير، فقد كان يقضي أغلب وقته في عمله بل ويعتبر ذلك إنجازا كبيرا، لأن الأسرة كانت تجني من ذلك دخلا ماديا واعتبارا معنويا، أما حين يصل مرحلة التقاعد فلا يعتبر ذلك تغيرا حاصلا، اللهم على مستوى مساحة الزمن التي كان يقضيها في العمل. ومن الأشياء التي يذكرها المختصون أيضا أن كثيرا من الزوجات لا يُدركن أن الأزواج تعتريهم حالاتٌ من الارتباك النفسيِّ الطبيعيِّ، وأحيانا قد تتحول إلى أزمات نفسية: بعضُ الأزواج يتخلّصُ منها بسرعة، وبعضُهم يعاني منها طويلا، وطبيعيٌّ أنّ مَنْ يتعافى من أزمةٍ سريعا يحتاج إلى فترة نقاهة حتى يستعيد وضعَه الطبيعيَّ، فلا يُتوَقَّع منه تعاملٌ أفضلُ مع محيطه أو شركائه، بل قد يشتدُّ عليهم أحيانا أو ينعزل طلبا للسلامة وتجنّب الاصطدام.
.2 لماذ يتغيّر الوضع في مرحلة التقاعد ؟
التغيُّر الإجباري في نظام الحياة، وانخفاضُ الدَّخلِ الماديِّ بعد التقاعد: وربما مع وجود رصيد ماليِّ مُدَّخَر، يندفع بعض المتقاعدين إلى القيام بنشاط ما، فنظُنُ -نحن- أنه بدافع الرغبة في هذا الدّخل الماديِّ، والحقيقةُ أنها رغبة في تفادي التغيّر الحاصل في نظام حياته، مع الإقرار أنّ منهم من يلجأ إلى البحث عن عمل لتأمين مصاريفه التي أصبح دخلُه التقاعديُّ لا يكفي. ولذاك ينبغي أن تفهمَ الزوجة هذا الوضعَ الجديدَ بتأثيراته، فتتجنّبَ التأفُّفَ والغضبَ، وتتفادى النصائح المباشرة، وتحرصَ على أن تبقى أمورا خاصة لا تسمح لأحد باقتحامها، وتستمع لزوجها بصبر وهدوء. كما يُنْصَحُ أيضا بعدم مقاطعة الزوجة لزوجها أو الاحتجاج عليه ولو بالتعبير عن ذلك بملامح الوجه، وحتى إذا تضايقت من كلامه غير المنطقيِّ ولم يعجبها، فلا تخبره بذلك، لأنّ إخباره في حينه قد يؤدي إلى العناد، خاصة إذا وجّهت له كلاماً يَفهَمُ منه أنه لم يَعُدْ مَـحَلَّ ثقتها وتقديرها كما كان من قبل. كما تُنصَح زوجة المتقاعد بالقول الرصين، كأن تقول له مثلا:  » خُذ وقتاً كافياً وفكِّرْ بالأمر، استرحْ جيداً، اجمع المعلومات، وإني واثقة أنك ستفعل الأفضل…. » . مثلُ هذه العبارات، تُجَنِّبه التوتُّرَ والانفعالَ وتدفعه إلى التفكير، مع اختيار الأوقات المناسبة لأنها جزء مهم في بلوغ الهدف.
3. الزوج المتقاعد ليس ضيفا
يقول بعض المختصين: إن بعض الزوجات تتضايق كثيرا بما يعتبرنه تدخُّلا للزوج المتقاعد في  » مملكة » الزوجة ( شؤون البيت ، المطبخ …)، وكأنه ضيفٌ وليس رجلَ البيت والمسؤول عن الأسرة، ولتبرير ذلك تقول بعض الزوجات:  » وأين كان قبل أن يتقاعد؟ لأنّ طبيعة عمل الزوجة واستئثارَها بشؤون البيت يجعل بينها وبين البيت لُـحْمة يصعُب تقاسمها بين طرفين، طبعا هذا يصدُق على الزوج الذي ظل بعيدا عن شؤون البيت، -على عكس بعض الأزواج الذي ظل مرابطا ومحافظا على القيام بأعمال هي من صميم مهام الزوجة من باب التعاون على البر والتقوى. والجواب عن سؤال: أين كان قبل أن يتقاعد؟ : كان يعمل لتأمين حاجات الأسرة المادية، فهل يليق أن يُقالَ له: « انتهى عملك »، أو » لا نريد أن تُغيّر أيَّ شيء بحياتنا »، أو « التفت لشؤونك » ( ادّيها غي فْسوق راسَكْ)،  » أنت تريد إلغائي ( كاعْ ما حاسَبْنيشْ)  » ،  » أزواجُ صديقاتي لا يفعلون مثلك »،.. ». مثلُ هذه العبارات، -أنا متأكد- أنّ بعض الزوجات لا تقولها اقتناعا، وإنما في لحظة غضب متراكم، أو في لحظة سهو ونسيان، أو حين تظهر مشاكل جانبية، أو…، لكن مع ذلك فإنّ الزوجَ المتقاعدَ يفهم منها رسالة واحدة، هي:  » أنه أصبح ضيفا ثقيلا زادت ضيافته عن مدتها ( والله يرحَمْ مَنْ زارْ وخَفَّفْ »، مع التنبيه إلى أنّ كل ما يُبديه الزوج المتقاعد من ملاحظات ليس سيئا دائما، ولذلك لماذا لا تجرِّبُ الزوجة أن تشكره بلطف بدون مبالغة أو حساسية مفرطة في التعامل، لأنّ تدخّل الزوج المتقاعد في شؤون البيت ليس دليلاً على  » فشلها في إدارة المنزل »، وإنما تعاونٌ وتقاسمٌ، وأجملُ من ذلك كلِّه: تعبيرٌ عن الحب الخالص بينهما، فالكمالُ لله، وأما البشر فيحتاج أن يُكمِّلَ بعضُهم بعضاً. وهناك دائماً مساحات ذكية من المرونة ، ولسان حال الزوجة يقول:  » هي مرونة ذكية لتجميل حياتي. »
4. دور الزوجة في تمتين العلاقة مع الوالد المتقاعد:
مما يُذكر هنا، أن الزوجة مصدر العطاء الأول، ولذلك استحقت الاستئثار بالصحبة ثلاث مرات في مقابل واحدة للأب: » أمك، أمك، أمك، قال فمن: قال: أبوك ». وفي مرحلة تقاعد الزوجِ / الوالدِ، تحتاج الزوجة الذكية، والأمّ الحانية، إلى الاضطلاع بتحسين العلاقة أكثر بين الأبناء والأب المتقاعد؛ فهم ربما لم يعتادوا التصرفات الجديدة الصادرة من الوالد المتقاعد، وخاصة فيما يتعلق بأمورهم، أو ما يتعلق بالبيت، فلا تقول الزوجة الذكية لهم مثلا: » تَـحـَمَّلوا والدَكم » ( صْبْروا مْعَ بّاكُم)، هذه عبارة وحدها تُشْعِرُهُمْ بأنهم أيضا ضحايا، وهل يحبُّ أحدٌ أن يشعر بأنه ضحية غير قادرة على « المواجهة »، ولذلك قد :ينفجر » بعض الأبناء في وجه الأب المتقاعد » تعاطفا مع الأم/ الزوجة « المظلومة »، ويسيئون التصرف معه، وإنما الأفضل أن تقول لهم:  » افرحوا باهتمامه بكم، استفيدوا من علمه، من أخلاقه، من قدوته، من خبراته، من تقدير الناس له، من تضحياته الكثيرة،  » الأبُ ما يَبْغي حَتّى واحدْ يْكونْ أَحْسَنْ مَنّو إلاّ وْلادو »،  » وحتى وإن كان يعبّر عنها بصورة لا تعجبكم، فهو لا يغضب عليكم وإنما من أجلكم، ويريد لكم الأفضل » . والزوجة الذكية/ الأم الحانية لا تسمح بأي كلمات مُسيئة للأب حتى لو أخطأ، فليس حقًّا للأبناء أن يحاسبوا أباهم. الزوجة الذكية/ الأم الحانية، عليها أن تحذَرَ حتى في حالة الخلاف الشديد مع الزوج المتقاعد، أن تكون -بقصد أو بغيره- معولا لترسيخ العقوق للأبناء لأن ذلك يؤدي إلى خسرانهم لدنياهم ولدينهم.
5. الانتباه إلى خطأ شائع: تظنَّ الزوجة أن الزوج المتقاعد يحتاج إلى من يملأ له وقته، فتلتصق به ولا تترك له الفرصة لينفرد بنفسه، وتظن أنها تحميه من الشعور بالوحدة، والعكس هو الصحيح، فالأفضل أن تمنحه مساحته الخاصة، وتنشغل عنه بأمورها المعتادة مع حسن التعامل معه وعدم توجيه انتقادات له، فهو ليس طفلَك، بل زوجَك.
6. ماذا يحتاج الزوج المتقاعد من زوجته ؟
– أن تخاطبه بلطف، وتشعره بأنه محل تقدير.
– أن تتجنبَّ الإلحاح لأن له نتائج سيئة.
– التعامل المتوازن غير الزائد وكأنه أصبح عجوزاً.
– تحفيزه بدون مبالغة على ممارسة الرياضة والرجوع إلى هواياته السابقة.
7. المسارعة بخطوات مهمة قبل تقاعد الزوج: (سنوات أو أشهر أو أسابيع)
– تحسين العلاقة معه عاطفياً.
– تحسين صداقتك معه، أو البدء بتكوينها، فالوقت أمامك.
– التعامل معه بود واحترام.
– التوقف عن كل الأمور التي تضايقه حتى لو رأيتِ أن بعضها غير منطقي.
– تجاهل بعض تعليقاته والاستمرار في التودد إليه، لأنه غير معتاد على ذلك.
– عدم اختزال علاقتك به كأب لأبنائك ومُـموِّل َللبيت.
– تصحيح عبارات التواصل: لا تقولي له:  » أدامك الله لأولادك » ( الله يْـــــخَـــــلِّــيــــكْ لَوْلْــــــوْلادَكْ » ، وقولي: « أدامك الله لي ولأولادنا » ‘ الله يْـــــخَـــــلِّــيــــكْ لِيَ ولْــــــوْلادْنــــــــا ».
– الاهتمام بغذائه، بمظهره بالبيت وخارجه، وعدم إهماله.
– الاهتمام بنفسك كزوجة، والاستمرار في كل ما يُسعدك.
– إعانته بدعائك، والدعاء للغير غربون على محبة الخير، فكيف إذا كان الدعاء منك له ويسمعك.
مع دوام المحبة والسعادة الغامرة لكل زوج متقاعد وشريكة حياته.

8. لا تقولي له أو لنفسك أبداً: لقد كبرت، ولا تجبريه على اهتماماتك، وزيدي دوماً من نجاحك وسعادتك كزوجة.

9. استعدي لما بعد التقاعد وزواج الأولاد؛ فستعيشان سوياً فقط، فاصنعي رصيداً جيداً، وسارعي بفعله بتدرج وبلا تعجل للنتائج.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *