Home»Débats»قانون عدنان

قانون عدنان

0
Shares
PinterestGoogle+

رمضان مصباح الادريسي

ان الذين يخوضون اليوم في نقاش الإعدام ، مصرين على موقفهم الداعي الى حذفه كلية من القانون الجنائي المغربي، وليس تعطيله فقط ؛ يصدرون عن قناعات حقوقية مستوردة؛ توفرت كل شروط نضجها في بيئتها؛ وأهمها شرط البديل التقويمي الفعال ،للسلوك الاجرامي؛ الذي لا يجعل عدم انفاذ الإعدام ،في من ثبتت في حقه الدرجة القصوى للإجرام العمدي ، مجرد مغامرة قضائية بحقوق الضحايا وذويهم ،وبأمن المجتمع وطمأنينته.
و حتى في وجود هذا البديل ،تتمسك بعض الدول، ذات الأنظمة القضائية القوية ، بعقوبة الإعدام؛ مقدمة حق المجتمع في بتر أعضائه المستفحلة المرض ، على حق العضو في العلاج ،مهما كان الداء.
ينتمي حق المجتمع هذا الى الحقل العرفي الثقافي ، أكثر من انتمائه الى الحقل القانوني.
انه حق ثابت وقوي ، ومصدر قوته العرف ،وهو يعتبر مصدرا من مصادر التشريع؛ بل هو أقواها ؛لما يدلي به من ممارسات موغلة في التاريخ ،قد يكون حمورابي أول من قننها.
وعليه فمنطلقات نقاش الإعدام – لدى عصيد وغيره -كما نتتبعها اليوم ؛ على خلفية إجرامية سادية بشعة ؛لا تشرق فيها غير روح الطفل عدنان الذي اختطف من أيدينا جميعا، ولم يترك لنا غير دموع الحسرة، منطلقات مغلوطة ،ان لم أقل متحذلقة تبحث عن حضور مثير ؛مهما يكن ما تركبه .
ان الغضب الشعبي ،في طنجة وفي كل ربوع الوطن ،يفسر باستعادة قوية ومباغتة لعرف قصاصي موغل في القدم ؛دون أن يكون المصدر هو الدين دائما ؛وهو شديد الوضوح في هذا الأمر.
نعثر في الدراسات –خصوصا الكولونيا لية – التي تمحورت حول القبائل المغربية، العربية والأمازيغية, على حالات متعددة لإنفاذ الأعراف القبلية ، قصاصا من الجناة وغيرهم.
يذكر « أوغيست موليراس  » ،مثلا، أن قبيلة الزكارة ،وقد اعتبرها لادينية ،كانت تلزم من يحدث عاهة أو عجزا بدنيا لأحد – إضافة الى العقوبة المالية المقررة عرفا – أن ينجز له كل أعماله الفلاحية والرعوية .
أما ان قتل فيقتل.
والأمثلة كثيرة لنفاذ العرف القبلي المغربي،في هذه المصادر وغيرها.
ان موقف المغاربة الغاضب ،اليوم، من تعطيل تنفيذ أحكام الإعدام ،أقوى من أي نقاش حقوقي مستورد ،لا يمكن أن يفهم – اعتبارا لمستوى نضج المجتمع – الا كتفضيل لحياة المجرم على حياة الضحية، الناصعة البراءة.
موقف شعبي قوي لا يمتح من العرف المغربي فقط، بل من انتفاء شرط البديل الفعال بالكيفية التي بينت:
فالمؤسسة السجنية المغربية ،رغم كل التحول الذي تعرفه ،جراء توالي أجيال من الحقوق الإنسانية، لم ترق بعد الى مستوى تحقيق مخرجات كاملة التقويم والتهذيب ،يستحيل معها العَوْد..
بل أضحى العود ،أحيانا،مفخرة لبعض عتاة الجانحين، والمجرمين ،يعددون تجاربهم معه وكأنها رتب عسكرية رفيعة.
ومن ملاحظاتي ،في البادية ،تبين لي أن الخارج من السجن ،تظهر عليه النعمة مقارنة بشظف العيش الذي ترك عليه عائلته وأصدقاءه.
ولنا أن نتصور نفسية مجرم رفعَ عنه اجرامُه هذا الشظف ،وكل كد فلاحي وغير فلاحي من أجل رزقه.
بل قيل لي بأن بعض الشباب يسعون الى السجن سعيا ،من أجل الحصول – في ما بعد – عن « تريبورتور  » يسلم لهم هدية لتيسير اندماجهم في المجتمع من جديد.
يضاف الى هذا استحضار الحق في العفو ،ربما حتى قبل ارتكاب الجرم؛اذ غدا هذا الحق مُفعلا بقوة .
لقد تتبعت أخيرا شريطا تبكي فيه الضحية ،المصابة بعاهة، فرحة غريمها الذي أطلق سراحُه ،بعفو،قبل استكمال عقوبته السجنية.
وتتبعنا أخيرا حالة الأخ الذي قتل أمه ،ومكنه العفو من قتل أخيه.
يضيع كل ما يتضمنه العفو الملكي من رحمة نبيلة وسامية ؛ حينما يستفيد منه من لم يزده السجن الا تمرسا وخبرة ؛لأن المدرسة السوداء للجريمة ،أقوى داخل السجن من المدرسة البيضاء للتقويم والتهذيب وإعادة الادماج.
كيف نُغفل كل هذا وننصرف الى نقاش حقوقي مترف ،يتوجه الى الخارج الحقوقي للظهور بمظهر حاملي المشعل ؟
وأحينا تنعدم اللباقة لدى البعض ليوصف المطالبون بالإعدام بالحمقى.
من العاقل يارجل؟ أهو المجرم؟
كيف ندير الظهر لأم عدنان وأبيه ،وللمواطنين الذين هيجتهم بشاعة الجريمة، ونخلع على المجرم بردة الحق في الحياة.
كيف نقنع روح عدنان بأن كل الألم الذي عاناه ،وصولا الى الذبح،لا يجب أن ينتقص من حق المجرم في الحياة؟
وحقه في التقويم والتهذيب واستهلاك غذائه من مال دافعي الضرائب؛ وقد يتزوج وينجب على هواه.
بناء على كل هذا أرى أن على مشرعينا – مهما يكن رأيهم في عقوبة الإعدام – أن يفردوا جرائم الاختطاف والاغتصاب والقتل ؛ خصوصا في تعلقها بالأطفال ،بقانون خاص بعنوان كبير سيحمده المغاربة جميعا: قانون عدنان.
تتدرج العقوبات في هذا القانون، حسب الجرائم ،وصولا الى الإعدام النافذ، وليس المعطل.
وأقترح أن يستثنى المحكومون ،وفق قانون عدنان، من مسطرة العفو.
هذا أقل ما يمكن فعله ،ليصبح اسم عدنان رادعا ،وليس مجرد فريسة مستسلمة.
وبهذا نخلد اسمه حاميا للطفولة البريئة اليوم وغدا.
رحمك الله أيها الطفل البريء الذي توهم أن كل الكبار مثل أبيه ؛ولا يمكن أن يصدر عنهم غير العطف والحنان.
وفي انتظار « قانون عدنان »؛ حافظوا على أبنائكم ،كما تفعل اللقالق في القنيطرة:
لا تعشش الا فوق أعمدة الضغط الكهربائي العالي.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *