Home»Débats»الآثار السلبية لغياب التربية الأسرية والتربية المؤسساتية وقد عجزتا معا أمام هيمنة وتحكم الشارع في سلوك الناشئة المتعلمة

الآثار السلبية لغياب التربية الأسرية والتربية المؤسساتية وقد عجزتا معا أمام هيمنة وتحكم الشارع في سلوك الناشئة المتعلمة

0
Shares
PinterestGoogle+
 

الآثار السلبية لغياب التربية الأسرية والتربية المؤسساتية  وقد عجزتا معا أمام هيمنة وتحكم الشارع  في سلوك الناشئة المتعلمة

محمد شركي

عبارة :  » والده أو والدته من أطيب خلق الله  » نسمعها كثيرا عندما يستدعى أولياء أمور المتعلمين المشاغبين من طرف المسؤولين التربويين لإبلاغهم بما يصدر عن أبنائهم من شغب قولا أو فعلا أو هما معا  لا يصدر إلا عمن لا خلاق لهم .

وهذا الأمر يقتضي الكشف عن هذا الذي صار ظاهرة حيث يشاد بأولياء أمور المتعلمين في حين يذم أبناؤهم الذين لا تنطبق عليهم قاعدة :  » هذا الشبل من ذاك الأسد  » . ولا شك  اختلاف سلوك الأبناء عن سلوك الآباء يعتبر مؤشرا على اختلال التربية الأسرية التي لم يعد لها تأثير في الأبناء ، وكأن الآباء قد استسلموا وسلموا فلذات أكبادهم لانحراف الشارع  .

 ومعلوم العلاقة بين الناشئة يحكمها منطق التأثر والتأثير أو بعبارة أخرى العدوى ذلك أنه لا يظهر نوع من  أنواع اللباس أو شكل من أشكال الحلاقة أو سلوك معين يتجلى في أقوال أو أفعال … إلا وانتشر بين هذه الناشئة انتشار العدوى . وحين تسأل الناشئة عن سبب إقبالها على التأثر السريع بما يظهر بينها من تلك الأمور لا تجد تبريرا سوى القول إن الجميع يفعل ذلك، الشيء الذي ينطبق عليه ما يسمى  » بعقلية القطيع  » .

وإذا كان وراء ارتداء الناشئة أنواعا معينة من اللباس أو اختيارها أشكالا من الحلاقة يعزى إلى تأثرها بالمشاهير في عالم الرياضة أو الفن ، وهي تتخذ من هؤلاء مثلها الأعلى ، وتتابع أخبارهم بنهم ، وتعرف عن حياتهم الشخصية ما لا تعرفه عن مقرراتها الدراسية ، فإن ما يسجل على سلوكها من انحرافات تعكسها أقوالها أو أفعالها في الشوارع أو في محيط المؤسسات التربوية أمر يثير الاستغراب إذ لا يمكن أن يعزى ذلك إلى تقليد المشاهير كما  يقلدونهم في لباسهم وحلاقتهم ، وإن بعض هؤلاء لا خلاق لهم ، ولا يصلحون قدوة  للناشئة  بما يروج عن حياتهم الخاصة من انحرافات.

وليس لهذه الناشئة سوى ثلاثة أماكن ترتادها البيوت والمؤسسات التربوية والشارع . وإذا كانت أولياء الأمور والمربون  يعبرون عن سخطهم من السلوكات المنحرفة  الصادرة عن هذه الناشئة ، فإن  أصابع الاتهام  حتما توجه إلى الشارع الذي لا ضوابط تحكمه كما هو الشأن بالنسبة للأسر والمؤسسات التربوية.

وإذا كانت سلوكات الناشئة المنحرفة تعزى إلى ما يوجد في الشارع ،فمن هو المسؤول عن ذلك ؟ وكيف يملك قوة التأثير فيها ؟ والجواب هو أن قابلية هذه الناشئة للتأثر السريع وغير المبرر يلعب دورا كبيرا في انحرافها الذي لا تعتبره هي  انحرافا بل تراه تحقيقا لذاتها ووجودها . وقد يكون الطرف المؤثر فيها على مستوى السلوك نموذجا فاشلا في دراسته يتحول إلى بطل في الشارع يروي للناشئة المتعلمة  ما يعتبره مغامرات وبطولات وهمية حين كان متمدرسا ،ويقص عليها بفخر واعتزاز وبأسلوب ساخر تخلفه الدراسي وممارسته للغش ، وتحرشه بالمدرسين  وسوء الأدب معهم ، وتعاطيه للممنوعات داخل فضاء المؤسسات التربوية …. إلى غير ذلك ، وهي تتابع حكاياته بشغف وإعجاب وتراه قدوة  يقتدى به في  بطولاته الوهمية ، ويستطيع أن يؤثر فيها تأثيرا عجيبا ،فتتقمص شخصيته ، وتحاكيه في أقواله التي تكون في الغالب كلاما بذيئا وفاحشا  يثير فيها الضحك وفي نفس الوقت تراه  تمردا وتجاسرا بطوليا لأنه يتحدى الأعراف والقيم والأخلاق ، وهكذا تنتقل عدوى بذاءة القول وفحشه بين الناشئة ، ويصير هو ما يطبع خطابها الذي يستغربه  أولياء الأمور حين تستدعيهم المؤسسات التربوية لتخبرهم بتداوله بين أبنائهم  .

ومع مرور الوقت صارت بذاءة القول وفحشه عملة رائجة تتعامل بها الناشئة المتعلمة دون شعور بأدنى حرج . وتعكس الكتابات على جدران المؤسسات التربوية تطبيعها مع تلك البذاءة وذلك الفحش . وإلى جانب شيوع بذاءة القول وفحشه لدى هذه الناشئة المتمردة على قيمها الأخلاقية ، تصدر عنها أفعال التخريب بكل أشكالها بحيث لا تمر بشيء من جماد أو نبات  أو غيره إلا نالت منه ، وهي تعتبر ذلك بطولة  وقد تشبعت بتقليد النموذج السيء المتمرد والثائر الذي بخوض حربا على المجتمع لتبرير فشله . وقد يرتكب هذا النموذج ما يفضي به إلى الإصلاحيات ، فيقضي فيها بعض الوقت ليعود إلى الشارع  دون إصلاح يقص على الناشئة المعجبة به بطولات من نوع آخر وحكايات مع الجانحين والمجرمين  وحراس الإصلاحيات . وقد يخرج وقد أدمن على تعاطي المخدرات والمسكرات ليصير مروجا لها بين الناشئة يرتزق بها حتى أنها بدأت تغزو الفضاءات التربوية والبيوت أيضا ، وصارت بعض الأسر تعاني الويلات من سقوط أبنائها ضحايا التخدير والسكر والعنف .

ومعلوم أن اختراق عالم المحرمات بالنسبة للناشئة  يعتبر بالنسبة إليها تحد  وتمرد وبطولة وإثبات للذات لهذا تستهويها وتستميلها .

ومما زاد الطين بلة شيوع وسائل التواصل بشكل غير مسبوق وقد استحوذت على الناشئة وصرفتها عن تحصيلها الدراسي ، وصارت هذه الناشئة تجيد استعمالها  بشكل غريب ، وتصل إلى كل المواقع بما فيها الإباحية والخطيرة التي تفضي إلى ما لا تحمد عقباه .

وفضلا عن الانصراف الكامل  لهذه الناشئة إلى  تلك الوسائل  حتى وهي على الموائد وفي أسرة النوم ، وداخل الفصول الدراسية ، تستميلها لعبة كرة القدم  التي  صارت تلعب كل يوم ، ولم يعد  لعبها مقتصرا على عطلة نهاية الأسبوع وقد كثرت أنواع بطولاتها وكؤوسها ، وغالبا ما تجرى مبارياتها في الأوقات الحساسة والمهمة أوقات المراجعة والتحصيل ، وتستمر إلى أوقات متأخرة من الليل ،وتستغرق أيضا حيزا زمنيا معتبرا من أوقات الخلود إلى النوم والراحة .

ومع استفحال موضوع انحراف الناشئة المتعلمة فإنه  لا يؤخذ مع شديد الأسف مأخذ الجد سواء بالنسبة للأسر التي استسلمت للأمر الواقع أو بالنسبة للمؤسسات التربوية أو بالنسبة للجهات المسؤولة عن هذه الناشئة التي هي رأسمال الأمة المعرض للضياع ، وضياعه إنما هو ضياع وإفلاس الأمة كلها  .

ولا بد أن تتحمل الأسر مسؤولية تربية أبنائها منذ نعومة أظافرهم بعيدا عن أساليب إفسادهم بالدلال والدلع ، كما أنه لا بد للمؤسسات التربوية أن تقوم بدورها في الحفاظ  على التربية المؤسساتية التي يجب أن تكون عبارة عن بوتقة تنصهر فيها سلوكات الناشئة  لتكريس تربية واحدة نموذجية على الأقل داخل تلك المؤسسات .

 ولا مفر من تنسيق حقيقي ومستدام بين الأسر والمؤسسات التربوية من أجل مواجهة انحراف الشارع الذي صار يصول ويجول ، وقد أفسد الناشئة. وليس هذا وقت رفع الأسر والمؤسسات التربوية أيدها استسلاما أمام انحراف الشارع المهيمن على الناشئة  والمؤثر فيها بشكل فظيع.

ولا يجب الاستهانة بجهود الأسر وجهود المؤسسات التربوية ، ذلك أن هذه الأخيرة ومن خلال إجراءات قد تبدو غير ذات جدوى يمكنها أن تقوم اعوجاج الناشئة  تدريجيا ، ذلك أن الأسر من مسؤوليتها تقنين استعمال الناشئة وسائل التواصل الاجتماعي  بمنعها منها خلال ما يمكن تسميته بالوقت المقدس وهو وقت التحصيل والمذاكرة ، ومن خلال تقنين الفرجة الكروية ، ومن خلال تقنين خروجها إلى الشوارع  خصوصا حيث توجد عدوى السلوكات المنحرفة .

أما المؤسسات التربوية  فقد تستخف هي الأخرى بأمور تراها غير ذات أهمية أو جدوى من قبيل إلزام المتعلمين بالاصطفاف دخول وخروجا  من وإلى الفصول الدراسية كما كان ذلك معروفا من قبل وفي جميع المستويات ودون استثناء ، وبعملية إلزامهم بزي موحد  أو وزرات  على الأقل ، وبالصرامة اللازمة في ذلك ، وهي أمور في غاية الأهمية لأنها تجعل الناشئة تدرك معنى الانضباط داخل المؤسسات التربوية على غرار الانضباط في كل أنواع المؤسسات الأخرى في المجتمع .

وعلى الوزارة الوصية على قطاع التربية أن تتراجع عن أسلوب التأديب المعتمد حاليا والذي كرس الدلال والدلع لدى الناشئة وساهم في إفساد طباعها  ، وصارت تتجاسر على المربين بشكل غير مسبوق . ومعلوم أن تأديب المتعلمين من مقومات هويتنا وثقافتنا الإسلامية وله أساس شرعي لا يجب تجاهله تحت ذريعة مسايرة الأغيار ممن تختلف ثقافاتهم عن ثقافتنا . ولقد ألزمنا شرعنا الإسلامي بمسؤولية تربية ناشئتنا وهي مسؤولية تبدأ عند الأسر في البيوت ، وتستمر عند المربين  في المؤسسات التربوية .

ولا جدوى  أو فائدة في تبادل تهمة التقصير في تربية الناشئة بين الأسر والمؤسسات التربوية ، وعليها جميعا أن تشمر على ساعد الجد لإنقاذ هذه الناشئة من الضياع على مستوى القيم والأخلاق ، والذي يؤثر على كل جوانب الحياة. ولا يمكن أن ينتظر من ناشئة ضاعت تربيتها التربية السليمة أن تضطلع بما سيناط بها من مهام ومسؤوليات في المستقبل، ذلك أن من ساءت تربيته في صغره ازدادت سوءا في كبره ، ومن شب على شيء شاب عليه كما يقال.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.