وقرَّر تِبون ألا يعتذر

رمضان مصباح الادريسي
رئيس بدون شعب:
« كنا شعبا بدون رئيس ، فأصبح لنا رئيس بدون شعب »‘
لا أبلغ من هذه اللافتة التي تجهش بالسخرية ، فوق راس طفل جزائري، بالعاصمة؛ في حراك الجمعة الأولى التي أعقبت « الخميس الأسود » :12/12/2019؛حيث استعيدت العهدة الخامسة من مهاوي الهزيمة ،ومشانق الحراك ؛وانفتح صندوق « بندورا » الانتخابي عن بوتفليقة آخر باسم عبد المجيد تِبون(الكسرة أسلم).
بفارق كون الأول كان بحضور قوي في مؤسسة عسكرية ، اشترى منها صولاتٍ من نفوذها ؛والثاني لن يجد ما يشتريه ،اذ لا شيء من سطوة العسكر معروضا للبيع لفائدة ساكن قصر المرادية الجديد ،والذين سيعقبونه، الى أن تغور آبار النفط والغاز.
وهل يبيع من امتدت حملته الانتخابية العسكرية ، داخل الثكنات ،أزيد من تسعة اشهر، استعرض فيها، بالولايات العسكرية، كل ما خف وثقل من أسلحته ؛لمن لم تزد حملته المدنية البئيسة –مع غيره من المترشحين المقبولين -عن أيام معدودة، لم يتجاوز جمهوره فيها المئات؟
حتى الحديث عن « رسكلة » نظام بوتفليقة غير دقيق ؛لأن عشرة أشهر من الحكم العسكري الصرف، المنتصب مُخوِّنا ومهددا ومعتقلا، أنست الكل في الهوامش المدنية التي كانت متاحة للرئيس السابق ؛ولم يعد أمام الجديد الا أن يثني على عسكرية الدولة ،التي حالت دون انهيار المؤسسات.
وقد سار ،بالفعل، في هذا الاتجاه حينما شكر ،في ندوته الصحفية الأولى كرئيس منتخب – في من شكر -الفريق قايد صالح على كل جهوده السياسية والعسكرية والأمنية .
شكر خلا من أدنى إشارة الى قطب الرحى في الحراك كله :رغبة الشعب ،وهو مصدر كل السلط ،دستوريا، في « دولة مدنية ،ماشي عسكرية ».
وحتى لا يتميز الرئيس المدني بشيء – ولو مجرد ندوة صحفية تصفيقية ان لم نقل صفيقة– سارع الفريق قايد صالح الى احدى ثكناته ، ليثني عليه ويشهد بأنه أهل لقيادة البلاد؛ لكنه ثناء يتضمن « نحن هنا ،والكلمة الأخيرة لنا »؛ ولو أنه يدرك حق الادراك أن تِبون لن يجادل في شيء من أمور النظام العسكري الذي أرساه هواري بومدين.
لقد اختارت المؤسسة العسكرية مرشحها وحصنته ، بحرصها على ألا يكون ممن يُحتمل أن يرضى به الحراك الشعبي ؛مخافة « فرنكشتان » يستقوي بالشارع بعد الفوز ويتمرد على صناعه.
ومن هنا التشهير الرسمي باختراق حملة المترشح علي بن فليس من طرف « عميل مزعوم لجهات خارجية »؛ مخافة رجحان كفته ؛وهذا ما انتبه له هذا المرشح ،وندد به ،لكن في الوقت الميت.
حينما صرح المجاهد لخضر بورقعة ،منذ شهور، بأن مرشح قايد صالح موجود ،فلم يكن يعني غير عبد المجيد تِبون ؛ومن يومها وهذا الثمانيني المريض في السجن ،رغم كل نداءات تحريره الوطنية والدولية.
ولعله(تبون) كان يمارس مواجهة الحراك، ضمن جنرالات المربع الأول؛ لأن تصريحه بخصوص الصحراء المغربية ،ومطلب فتح الحدود ؛وبدعته السياسية التي تطالب المغرب بالاعتذار للجزائر (اعتذار الحمل للذئب) بدت رسمية جدا ،وغير متوقعة من مرشح للرئاسة يفترض فيه فتح الأبواب وانعاش الآمال المغاربية، ولو زلفى.
فوز بطعم الاحتلال:
قبل صدور تعليمات الكشف عن المخرجات الكمية للانتخاب ؛كما جرى التلاعب الشنيع والفضائحي بها ؛ استقر بدون شك في ذهن الفاعل العسكري والسياسي الأول أن:
1.حراك عشرة أشهر أفضى ،فعلا- من حيث ضعف المشاركة الصارخ – الى الإطاحة بالانتخابات، داخليا وخارجيا؛ ولا مجال للكشف عن الأرقام الحقيقية، حفاظا على استمرار العسكرية وريثة النظام المنهار.
2.الحراك القبائلي ارتقى بالرئاسيات الى مستوى الاستفتاء على تقرير المصير ؛اذ نسبة التصويت التي كادت تنعدم تماما مرعبة فعلا للنظام ؛ولعل لمهاجمة واعتقال حاملي الرايات الأمازيغية دخلا في كل هذا السقوط المدوي للنظام.
3. حراك الجالية بالخارج ،خصوصا في فرنسا ،تجاوز مجرد انتخاب رئيس ،الى حمل دول الاستقبال على التشكيك في مصداقية النظام الجزائري ككل ؛ولعل « ماكرون » وهو ينتقي تعبيرات خشبية محددة – بدل التهنئة – في أول تعليق له على انتخاب تِبون ،كان يستند الى ما رُفع اليه من تقارير عن تطورات مقاطعة الجالية الجزائرية بفرنسا.
ولا شك أن هذا الفاعل العسكري السياسي فكر، أيضا، في ما اسداه أفراد الجيش الوطني الشعبي من خدمة انتخابية للنظام ،حفظت له قطرا ت من ماء الوجه.
ولا شك أنه أثنى على خدمات جبهة « بوليساريو » ،المباشرة وغير المباشرة في ولاية تندوف ؛حيث ارتفعت نسبة المشاركة؛ اسوة بباقي مناطق الفقر الصحراوي الجزائري..
وفي هذا مفارقة وتقويض لكل المفاهيم والتوقعات المتعلقة بالفقر؛ ففي الجزائر فقط يستقيم أن ينْظم فقراء الصحراء « السائلون والمحرومون » الى النظام؛ ضدا على مناطق وحواضر الرخاء التي انتفضت ضده .
استعادة نهج الانقلاب على النتائج:
في أرشيف الجنرالات توجد سابقة الانقلاب على انتخابات البلديات في يناير 1992 ؛التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ ،وما جرى بعده من حل هذه الجبهة التي أتت بها تعددية الرئيس الشاذلي بنجديد المعزول.
ورغم الفوارق بين الأمس واليوم فان الجنرالات النافذين ،اليوم، سلكوا نفس النهج الانقلابي ،فقرروا صباغة النتائج بلون الانتصار الساحق لمرشحهم على المترشحين الآخرين ،وعلى –وهذا هو المهم –المقاطعة الحراكية التي سجلت نسبة مهولة، غير مسبوقة دوليا.
حتى ومئات الآلاف يصرخون في المدن باسقاط الرئاسيات ، وبالنسب الحقيقية؛ فان المستبدين « جعلوا أصابعهم في آذا نهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا »
ألا يعني هذا إعادة احتلال جزائر الشعب من طرف جيشها ، المنقلب على الشرعية الثورية ؟
من ثورة المليون شهيد دموي، في مواجهة محتل الأمس الى قرابة العشرين مليون شهيد حراكي ؛ بحت حناجرهم ،لشهور، من أجل دولة مدنية ،ذات شرعية تاريخية ودستورية ؛ومن أجل انتخابات حقيقية تؤسس لجمهورية جديدة بالفعل .
هم شهداء بالمعنى الذي يجعل المواطن المسلوب الكرامة والحرية مواطنا ميتا ،مقتولا .
لو لم يكن هناك مواطنون احياء ، ما اندلعت الثورة ضد المستعمر ؛فأي فائدة في المواطن الميت ؟
وما تبقى من رمق ستجهز عليه الصفاقة التي ظهر بها الرئيس المنتشي – في الندوة الصحفية- وهو يصر على كون الشعب الجزائري هو الذي صوت عليه بنسبة فالقة .
وامعانا في التنكيل ، ومن قلة الحياء، قرر أن يمد أياديه للشعب الحراكي ،محاورا ؛بعد أن غرز الاسفين في صدره.
ألا تعتذر يا تِبون لشعب رائع مسالم ، وأنت القادم فوق الدبابات ؛و المولع بالاعتذارات ؟
الى متى ستظل بدون شعب؟ وهل تأمن ركوب الأسد الى هذا الحد؟




Aucun commentaire