Home»Débats»ماذا بعد الفرنسة والخوصصة؟

ماذا بعد الفرنسة والخوصصة؟

0
Shares
PinterestGoogle+
 

بسم الله الرحمن الرحيم

ماذا بعد الفرنسة والخوصصة؟

تابعتُ باهتمام بالغ فقرتين من الندوة الصحفية التي عقدها السيد وزير التربية الوطنية بخصوص الدخول المدرسي للموسم الدراسي الحالي بحيث يمكن تلخيص أهم ما ورد فيهما فيما يلي:

  • الأقسام (يقصد المسالك) الدولية قبل القانون الإطار جاءت استجابة لطلب الأسر.
  • تم العمل ابتداء من سنة 2013 بهذا النموذج على المستوى التأهيلي في ست مؤسسات علما أن العملية في البداية كانت انتقائية إلا أنه نظرا للطلبات المتزايدة للأسر تم ابتداء من سنة 2015 توسيع النموذج.
  • تم تنزيل العملية بالمستوى الإعدادي نظرا لنجاحها بمستوى التأهيلي.
  • تم الشروع في هذه العمليات (المسالك الدولية) قبل مجيئي السيد الوزير، وكل ما قام به هو مسايرة ومواكبة هذه المبادرة المهمة التي استجابت لطلبات الأسر.
  • بعد مجيء القانون الإطار تم التنصيص في المادة 2 منه على إمكانية تدريس المواد العلمية باللغات الأجنبية.
  • تم تبرير التدريس باللغات الأجنبية (اللغة الفرنسية) بوجود شرخ بين التعليم الثانوي والتعليم الجامعي بالنسبة للمسالك العلمية مما يؤدي حسب السيد الوزير إلى هدر جامعي كبير وتوجيه حاملي البكالوريا العلمية نحو مسالك العلوم الإنسانية عوض المسالك العلمية، ليخلص إلى وجوب خلق نوع من التجانس بين اللغة المستعملة في الثانوي وفي الجامعي.
  • استثنى إدراج الحديث عن تعريب الجامعة في معالجة إصلاح التعليم مُعتبرا إياه سؤالا جديدا قديما.
  • لبناء نموذج ناجح أكد على توفر شرطين أساسيين هما: تمكُّن الأساتذة من تلقين المواد العلمية باللغات الأجنبية (اللغة الفرنسية)، والتوفر على الكتاب المدرسي باللغات الأجنبية في العلوم مشيرا بأن الوزارة بصدد الاشتغال عليه.
  • أقَرَّ بعدم إمكانية تعميم النموذج في غياب توفر الوسائل، مشيرا إلى استدراك ومعالجة ما أسماه باجتهادات شخصية على مستوى مديرتي الصويرة ومراكش.
  • وجوب مساهمة القطاع الخاص في تعميم التعليم في المناطق القروية والشبه القروية من خلال رصده لمِنَح بالنسبة لأطفال الأسر المعوزة مقابل تقديم الدولة لتحفيزات تَحَفَّظَ عن الإفصاح عنها لأن ذلك لا يتم إلا بإصدار الحكومة لمرسوم في الموضوع مُكتفيا بتقديم بعض الأمثلة كالتحفيزات الجبائية أو الاستفادة من قطع أرضية أو استعمال المؤسسات المغلقة.
  • ضرورة تواجد أبناء الأسر المعوزة في القطاع الخاص لخلق نوع من « الاختلاط الاجتماعي » الذي عبر عنه السيد الوزير « بواحد la mixité sociale « .

وردا على تصريحات السيد الوزير أقول ما يلي:

  • إن القول بتوسيع النموذج ابتداء من الموسم 2014/2015 وعدم اعتماد الانتقائية غير صحيح، بدليل أن المذكرة الوزارية رقم 14.369 بتاريخ 06 يونيو 2014 تشترط في قبول التلميذ الذي تَقَدَّم بطلبٍ في الموضوع أن يكون ضمن الفئة التي يتم انتقاؤها على أساس معدل النقط التي حصل عليها في عدد من المواد حسب طبيعة الشعبة؛ فمثلا بالنسبة للجذع المشترك علمي فإن المعدل يُحتسب بتحديد وزن 50% لكل من اللغة العربية والرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة والأرض دون احتساب المعامل، فيما يُحدد وزن 50% للغة الفرنسية، وبما أن عدد المقاعد كانت محدودة فإن الفئة التي ولجت هذا المسلك كانت من خيرة التلاميذ، الأمر الذي لا يُستغرب معه حصولهم على النتائج الجيدة التي تم استغلالها ليقال أن التجربة كانت ناجحة، وهذا غير صحيح لأن العينة لم تكن عشوائية كما هو متعارف عليه، وهذا أمر لا أظن أنه يغيب عن السيد الوزير ولا عن مساعديه، مما يجعل من احتمال النية المبيتة أمرا واردا.
  • إذا سلمنا جدلا بأن تعميم الفرنسة جاء استجابة لرغبة الأسر، وهذا غير صحيح لأنها في حكم المُكره، فبماذا يمكن أن نبرر رغبة الوزارة في زرع التعليم الخصوصي بالمجال القروي؟ أهي إمكاناتهم المادية القوية، أم هي الوطنية المفرطة للقطاع الخاص الذي يوجد رهن الإشارة للمساهمة في تنمية القطاعات الهشة؟ أم هو تمسك الدولة بمجانية التعليم اتجاه شريحة الفقراء والمحتاجين على وجه الخصوص؟ … أيمكن البناء على وعود قد تَصدُق وقد لا تصدُق سواء من قِبَل الوزارة أو من قبل القطاع الخاص للزج بالعالم القروي في دوامة لا شك أنها ستكون أشد وطأة مما هي عليه في العالم الحضري؟
  • بخصوص القانون الإطار أُذكِّر السيد الوزير بأنه تم إصدار مذكرات التدريس بالفرنسية قبل إصدار هذا القانون، وهو ما يوحي بأنه لا يعدو أن يكون ذرا للرماد في الأعين وتغطية قانونية على أمر كان مفعولا، والكل يعلم الطريقة التي تم بها التصويت على هذا القانون.
  • أما التهرب من الكلام عن تعريب التعليم العالي في إصلاح المنظومة التربوية، فهذا خلل منهجي جوهري يبرهن بالملموس على انحيازه للفرنسية، وإلا فإن التعامل العلمي مع تحديد لغة التدريس، بالرغم من وجود أو عدم وجود القانون الإطار، يقتضي جرد ثم معالجة جميع المتغيرات التي يمكن أن تؤثر وتتأثر بهذا التحديد. والسؤال هو: هل يؤثر التدريس بالمؤسسات الثانوية بالعربية فعلا على التعليم الجامعي؟ مع العلم أن السؤال في حد ذاته فيه نظر إذا ما أخذنا تجربة مدارس محمد الخامس بالرباط في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات حيث النتائج التي كان يحصل عليها تلاميذ هذه المؤسسة بكلية العلوم كانت ممتازة مقارنة بنتائج الذي درسوا بالفرنسية، وحتى إذا سلمنا بفرضية السيد الوزير فإن هناك احتمالان الأول هو فرنسة ما قبل الجامعة والثاني تعريب التعليم الجامعي، فلماذا تم اختيار الاحتمال الأول دون الثاني خاصة وأن الأمر يتعلق فقط ببذل مجهود إضافي من قبل أساتذة الجامعة؟ أم أن السيد الوزير من الذين ليس لهم الوقت الذي يمكن إضاعته في تعلم لغة أصبحت متجاوزة؛ ولعل هذا ما يفسر لجوءه إلى الفرنسية والدارجة في خطبه، بل وعجزه عن قراءة كلمة عربية فصيحة وهو وزير للتربية الوطنية في دولة لغتها الرسمية هي العربية.
  • أما فيما يتعلق بالتأكيد على تواجد أبناء الفقراء في المدارس الخصوصية لخلق ما أسماه ب: «mixité sociale» فكيف يمكن إيجاد هذا « الاختلاط الاجتماعي » على افتراض أن أبناء الفقراء سيلِجون المدارس الخصوصية دون مقابل علما أن هذا في حده ذاته عامل من عوامل الإحساس بالدونية، إذا علمنا أن أطفال الأغنياء يأتون إلى المدرسة في سيارات فاخرة وهواتف من آخر الموديلات و… بينما يأتي أبناء الفقراء بلباس رث وبطون فارغة في أغلب الأحيان. أليس من الأجدر بالسيد الوزير والحكومة بصفة عامة أن تعمل على تفعيل مجانية التعليم كما هي متعارف عليها دوليا، بتوفير كل الشروط المادية والمعنوية لتمكين أبناء الفقراء من تعليم وتربية في المستوى المطلوب.
  • وأخيرا وليس آخرا سؤالي للسيد الوزير لماذا الاستعجال بتنزيل « النموذج » كما أسماه، قبل أن تتوفر الشروط؟ علما أن الاستعجال سمة ثابتة في جميع الإصلاحات التي قامت بها الوزارات المتعاقبة، أليس من الرشد التريُّث إلى حين توفير الوسائل؟ من تكوين متين للأساتذة وتوفير الكتب المدرسية وكذا التوجيهات التربوية للتخفيف من حدة المشاكل التي تعرضت لها الأطر التربوية بالخصوص من أساتذة ومفتشين خلال التجربة الأولى حيث وجدوا أنفسهم يُترجمون إلى الفرنسية توجيهات وكتب كانت قد تمت ترجمتها بالأمس من الفرنسية إلى العربية، وكذلك لقطع الطريق على سماسرة الكتب الذين استغلوا الفراغ لفرض أثمنة غالبيتها تفوق القدرة الشرائية لعدد كبير من شرائح المجتمع.

ختاما بودي أن أعرف الخطوة المقبلة بعد أن تتبين الوزارة بأن لا الفرنسة ولا الخوصصة من شأنهما إصلاح المنظومة التربوية، لأنهما لا تنطلقان من المقومات المادية والروحية للمجتمع المغربي، اللهم إلا إذا كان مفهوم الإصلاح عند الوزارة يختلف عن مفهومه عند المجتمع الذي لا شك أنه يطمح من ورائه إلى تكوين جيل معتز بثوابته وقادر على الإبداع خارج قوقعة الاستلاب التي أصبحت تسيطر على عقول وأفئدة جزء كبير من شبابنا.

الحسن جروديِ

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.