Home»Débats»أهي الجهوية الموسعة أم هو أكل الثوم بفم مديري الأكاديميات؟

أهي الجهوية الموسعة أم هو أكل الثوم بفم مديري الأكاديميات؟

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

أهي الجهوية الموسعة أم هو أكل الثوم بفم مديري الأكاديميات؟

وجه السيد مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الشرق بتاريخ 13 يونيو 2019 إلى السادة المديرين الإقليميين بجهة الشرق مراسلة في موضوع تعميم تدريس الرياضيات والعلوم في سلكي التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي باللغة الفرنسية، أَقْتَطِف منها ما يلي « يشرفني إخباركم أنه تقرر ابتداء من الموسم الدراسي 2019/2020 تعميم تدريس الرياضيات والعلوم (الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة والأرض) باللغة الفرنسية بالنسبة للسنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي وبمستوى الجذع المشترك من التعليم الثانوي التأهيلي. » مرجعه الوحيد في ذلك الاجتماع التنسيقي الجهوي بتاريخ 23 ماي 2019 وبرنامج عمل الأكاديمية لتنزيل مشروع « تعزيز التحكم في اللغات الأجنبية ».

بعد القراءة الأولية لهذه المراسلة خطر ببالي تعليق عفوي مفاده، إما أن الوزارة أرادت أكل الثوم بفم مديري الأكاديميات، وإما أن الأكاديميات الجهوية أصبحت تتمتع بين عشية وضحاها بصلاحيات الجهوية المتقدمة حتى لا أقول الجهوية الموسعة؛ ذلك أن أمر حسم لغة التدريس أمر سيادي يحتاج إلى استقلال في القرار السياسي، فهل غاب هذا الأمر عن المسؤولين الجهويين؟ وهو ما أستبعده، أم أن هناك تعليمات يتعين تنفيذها حتى وإن فاحت أفواه الإدارة الجهوية برائحة الثوم والبصل النيئ؟

 من خلال تتبع ما يقع في الساحة الوطنية أكاد أجزم، وأرجو أن أكون مخطئا، أن هناك تقاسم للأدوار بين السياسيين والإداريين، ذلك أنه في الوقت الذي نلاحظ  فيه شدا وجذبا بين الفرق السياسية بالبرلمان بما يبدو معه أنه من الصعب تمرير القانون الإطار الخاص بالتعددية والتناوب اللغوي في الوقت الحالي، نلاحظ في نفس الوقت أن السيد وزير التربية الوطنية سائر في تمرير المخطط الفرنكفوني بصفة عامة ومسألة التعددية والتناوب اللغوي بصفة خاصة، حيث قام خلال الموسم الفارط بتمرير إلزامية تدريس اللغة الفرنسية في جميع مستويات التعليم المدرسي من خلال الإصدار الصريح للمذكرة 123/18، ويقوم اليوم  بتوريط الأكاديميات في إصدار مذكرة جهوية تدعو إلى تعميم تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، حتي يُخيل للمُطَّلع عليها أن هناك استقلالا تاما عن المصالح المركزية، أو أن الموضوع عادي لا يحتاج إلى كل هاته الأهمية وهاته الضجة، وأن حله متيسر على المستوى الجهوي. والسؤال المطروح إذا ما نظرنا إلى الموضوع من هذه الزاوية هو ما فائدة المصادقة على القانون الإطار؟ ثم إذا افترضنا عدم مصادقة البرلمان عليه، فهل سيتم التخلي عن مشروع الفرنسة؟ بالطبع لا. من هنا يبدو أن التراجع عن التوافق الحكومي المتعلق بالمصادقة على هذا القانون يأتي ضمن مسرحية محبوكة بين الوزير وبين أطراف نافذة في البرلمان؛ ذلك أنه إذا افترضنا أن المصادقة تمت في وقتها، فإن احتمال وقوع اختناق مجتمعي يصبح جد محتمل، ومن ثم كان لا بد من إعطاء الانطباع بأنه ما لم تتم المصادقة على القانون فليس هناك أي تغيير، بينما الواقع هو إعطاء الفرصة كاملة للوزارة لتمرير مضمون القرار عمليا، حتى إذا استقرت الأمور على الوجه المخطط له، تم استدعاء البرلمان ليَبْصم على أمر قد دُبِّر بدهاء، وآنذاك سيوضع الجميع أمام الأمر الواقع ويصبح التعامل معه كأنه قدرا مقدورا، على غرار ما طالبت به النائبة البرلمانية بضرورة التشريع لتعميم الإجهاض لكون الزنى والرضائية و…أصبحا واقعا لا يرتفع.

من خلال ما سلف يلاحظ إذن أن إقحام الأكاديميات في موضوع بهذا الحجم يمكن إدراجه فيما أسميته بأكل الوزارة الثوم بفم الأكاديميات، بحيث عوض أن تتحمل المسؤولية لوحدها، يتم توزيع وزرها على مختلف الجهات وتصعب معه عملية المحاسبة، على غرار فكرة عمر بن هشام الذي اقترح إضاعة دم الرسول بين القبائل، تفاديا للفتنة.

والمتفحص للمذكرة يمكن أن يقف على مجموعة من الاختلالات سواء تعلق الأمر بالشكل أو بالمضمون:

فمن ناحية الشكل يلاحظ أن رأسية المذكرة تغيب فيها المرجعية الوزارية، مع أنه من المتعارف عليه استحضار هذه المرجعيات في حالات غالبا ما تكون تقنية أو حتى هامشية، فكيف بموضوعِ بهذه الأهمية وهذه الحساسية أن تُغيَّب فيه المرجعية الوزارية ويُكتفى فيه بالإحالة على المجلس التنسيقي الجهوي وبرنامج عمل الأكاديمية؟

أما من ناحية المضمون فيمكن الإدلاء بالملاحظات التالية:

  • بتعميم مذكرة التدريس باللغة الفرنسية، تكون الأكاديمية قد أَخَلَّت بمبدأ جوهري ألا وهو حق التلاميذ وأوليائهم في اختيار لغة التدريس، خاصة وأننا أصبحنا نُروج للتعدد اللغوي والتمكن من اللغات الأجنبية، بالإضافة إلى حالة التنافي مع المذكرة الوزارية رقم 14 – 396 بتاريخ 6 يونيو 2014 في موضوع مسطرة التوجيه إلى المسالك الدولية للبكالوريا المغربية التي تنص على أخذ رغبة التلاميذ بعين الاعتبار سواء تعلق الأمر بتوجيههم نحو مختلف الشعب المتوفرة أو في اختيار لغة التدريس، لتأتي بعد ذلك مرحلة انتقاء التلاميذ حسب مجموعة من الشروط المنصوص عليها والتي لا حاجة لذكرها في هذا المقام وإنما حسبنا إبراز هذا التناقض بين مذكرة وزارية يفترض أن تكون هي الأصل وبين مذكرة جهوية ينبغي بطبيعتها أن تكون هي الفرع.
  • إن الإشارة إلى الاجتماع التنسيقي مرجعا في إصدار المذكرة لا يحيل على طبيعة الشريحة التي حضرته ولا على اختصاصاتها، خاصة وأن الخطاب الموجه للسادة المديرين الإقليميين الذين يُفترض أن يكونوا شركاء أساسيين بالإضافة إلى مجموعة من الفاعلين من مفتشين بمختلف فئاتهم، وممثلي أولياء التلاميذ، عبارة عن إخبارهم بتعميم تدريس المواد العلمية، ثم تكليفهم بالقيام بمجموعة من المهام والإجراءات لا غير، فأين التنسيق إذن ومن هم هؤلاء المنسقون الافتراضيون؟
  • يبدو أن الهدف من تعميم تدريس المواد العلمية هو التمكن من اللغة الفرنسية، وليس العكس حيث كان يروج بأن اعتماد الفرنسية يساعد على استيعاب المواد العلمية بشكل أفضل، وهوما يبدو واضحا من منطوق الفقرة التالية: » وبهدف تقوية التمكن من اللغات الأجنبية قصد الارتقاء بجودة التعليم والتعلم بالمسالك الدولية (خيار فرنسية)، يشرفني إخباركم أنه تقرر… » وعندما تتحول المادة العلمية إلى خادمة للفرنسية، فسلام على المنهج والتفكير العلميين.
  • إن طلب المذكرة من السادة المديرين الإقليميين تنظيم لقاءات لمختلف الفاعلين التربويين من أجل تحسيسهم غير ذو فائدة، وإنما الأفيد هو الأخذ برأيهم من خلال تنسيق فعلي عوض التنسيق الذي لا تحمل منه المذكرة سوى مرجعها، ذلك أن الآباء ورؤساء المؤسسات التعليمية والمفتشين وأطر التوجيه لا يحتاجون إلى تحسيس بشيء قد حُسم مسبقا، وإنما يحتاجون إلى من يأخذ برأيهم في موضوع هم الأولى بالحسم فيه.
  • إذا افترضنا أن عملية التحسيس تمت بالشكل المطلوب، فهل تتمكن الأكاديميات من توفير العدد الكافي، من الأساتذة المتقنين للفرنسية مع العلم أن رمي الكرة في مرمى المفتشين باستعمال عبارة « استكمال تكوين أساتذة المواد غير اللغوية »، لأنه من غير المعقول أن تسند لهم مهمة التكوين في مادة غير واضحة المعالم وبدون مراجع ووثائق رسمية، في الوقت الذي كان يفترض أن يتم الاعتماد فيها على التكوين الأساسي وبالتدريج.
  • ثم ماذا عن المراجع والكتب المدرسية، التي لا يمكن بدونها أن تنجع العملية باستثناء عمليات الترقيع على غرار تلك التي قام بها مُرغَمُون، ألائك الأساتذة الذي أُجبروا على التدريس خلال السنوات الماضية للمسالك الدولية، مع وجود فارق جوهري هو أن هؤلاء كان لهم رصيد مهم في التدريس باللغة الفرنسية. ثم ما مصير الكتب التي بذلت فيها جمعيات الآباء مجهودات مادية كبيرة لِتجدها بين عشية وضحاها غير صالحة؟

في الختام أود أن أشير إلى أن التسرع قد أصبح من سمات كل التغييرات حتى لا أقول الإصلاحات التي تقوم بها وزارة التربية الوطنية، وهذا مؤشر كاف للإخفاقات المتتالية، وأكاد أجزم أن هذا الإصلاح مآله الفشل لأنه لا ينطلق لا من الإمكانيات ولا من الاحتياجات الحقيقة للمجتمع، وإنما يسعى لإرضاء أجندات سياسية ويلبي إكراهات خارجية هدفها الإبقاء على تخلفنا الذي يضمن لها مصالحها. والمسؤولون أنفسهم يعلمون هذا أكثر من غيرهم إلا أنهم يداهنون ويراوغون، وبذلك يساهمون في إطالة طريق الحق الذي لا بد من الرجوع إليه طال الأمد أم قصر عن طريق الإتيان البيوت من أبوابها التي لا يمكن أن تكون سوى أبواب الالتزام بمقومات الأمة المنصوص عليها في الدستور، وفي الاعتماد على النفس دون أن ننتظر من أحد أن يكون أحرص منا على مصلحتنا، مسترشدين بقول الشافعي رحمة الله: إذا ما أتيت الأمر من غير بابه ***** ضللت وإن تقصد إلى الباب تهتدي.

الحسن جرودي

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *