Home»Débats»لم يخبرونا بهذا قبل الزواج

لم يخبرونا بهذا قبل الزواج

3
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
في أحد مراكز التوجيه والاستماع قمت بتتبع دقيق لمشاكل عائلية يعيشها أزيد من مائة وأربعين رجلا في علاقتهم بأزواجهم، وبعد نقاش طويل ومدارسات متكررة، كانت أهم الخلاصات أن الأزواج اختاروا نصفهم الآخر، في البداية، على أساس توقعات مثالية، وكلما تقادم الزواج تم الاصطدام بالواقع بكل أزماته ومشاكله وتعقيداته. حيث تنتهي مرحلة التدثر وراء الكلمات المعسولة والمشاعر الفياضة والهدايا الثمينة، وتبدأ مرحلة الاكتشافات العميقة وإزالة الأصباغ والأقنعة، فتظهر أمور جديدة غريبة ومواقف مختلفة تختلف كلية مع ما كان متوقعا أو، على الأقل، كان الصبغة الأولى التي على أساسها تم الارتباط.
لقد اقتنعت جميع العينات، مناط المدارسة، وليس الدراسة، بأن رؤيتهم للزواج وهم شباب تختلف كلية عن رؤيتهم له بعدما تجاوزوا الخمسين سنة. وفي سؤال طرح على جميع الحالات المعروضة وهو: « هل لو عاد بك الزمن كنت ستقترن بنفس السيدة التي هي الآن زوجته وأم أبنائك؟ »
ربما قد يعجب القارئ إذا قلنا له أن جميع الحالات المعروضة قد أجابت ب « لا »، وهذه الأجوبة كانت عبارة عن أرضية حيوية لمدارسة الأمر وتقليبه على جميع أوجهه كمحاولة، ليس للوصول إلى حل ناجع يعيد الدفء إلى هذه الأسر ويجمع الشمل من جديد، أو من أجل إيجاد سبل إقناع كل طرف ليكون كما كان أول الأمر، على الأقل، أو أن يكون متسامحا ومتغافلا، وإنما لمعرفة إن كان السن الذي يختار فيه الرجل زوجته كافيا من حيث النضج والمعرفة والخبرة بالنساء ليختار اختيارا صائبا وفق معايير مضبوطة تقيه من الوقوع فيما سيقع فيه وهو ابن الأربعين سنة أو الخمسين أو الستين.
أولا نحن لسنا مركز بحوث ودراسات ولا مركزا نفسيا متخصصا، ولكن كمكز تكوين متخصص في التنمية البشرية ويقوم بالتأطير التربوي والاجتماعي والعلمي وله صولات متواضعة في التوجيه الأسري، أمكنتنا التجربة والبحث والاطلاع والتعامل مع مختلف الشرائح الاجتماعية على اكتساب تجربة مكنتنا من تحقيق مكاسب لصالح الأسر بتفادي تصدعها وانفراط عقدها وضياع أبنائها.
لا جدال في أن شابا ابن الثمانية عشرة سنة أو العشرين أو حتى الثلاثين لا يملك من الخبرة والتجربة ما يخول له القراءة الصحيحة لشخصية الفتاة التي سيرتبط بها، ولا أن يفهم ويدرك حقيقة العديد من السلوكات والخلال التي تتحلى بها وما يمكن أن يترتب عنها فيما بعد لخطورتها وانعكاساتها السلبية على الأسرة والأبناء، كما لا يملك أدنى علم أو دراية بما يجعل هذه الفتاة مؤهلة لتتحمل مسؤوليتها كاملة داخل الأسرة.
واستفادة من كل التجارب الفاشلة التي تمت مدارستها، وحتى نسهم عمليا في تقليص الفجوات وتدويب الأزمات بإذكاء الوعي المطلوب واستحضار المعرفة المفقودة استدراكا لما فات بما هو آت، لجأنا إلى وضع برامج تكوين للشباب قبل الزواج.
في بداية هذه البرامج تتم مطالبة الشباب بملء استبيان حول الزواج وأول سؤال يطرح عليهم هو: ما معنى الزواج في رأيك؟ أو بمعنى آخر: أنت مقبل على الزواج، أي من المفروض أن تكون مقبلا على شيء تعرفه، فما هو الزواج إذن؟ فلا يمكن، بتاتا، تصور نوع الأجوبة التي تلقيناها، فإحداهن قالت: « الزواج هو ملابس مختلفة وأسفار » وقالت أخرى: « أهم شيء في الزواج هو أنني سأتحرر من قيود الوالدين » وقال أحدهم: « المهم أن أكون معها لا يفرقنا سوى الموت » وقال آخر: « الزواج متعة جنسية يحتاجها الجسد »…
فإذا كانت الأسرة، بحق، تعتبر أهم خلية مجتمعية في البناء الحضاري ومعملا فعالا أو مدرسة تخرج لنا الطلاقات البشرية التي ستقود المستقبل، فكيف سيكون مستقبل مجتمع أهم عنصر في الأسر التي تكونه يعتبر الزواج عبارة عن أسفار وملابس، أو هو الهروب من سلطة الأبوين، أو هو زنزانة تجمع بين اثنين في سجن مؤبد. أو يختزله بين رجليه؟
إن خطورة الأمر، والحالة هاته، على المجتمع يجعل من الدولة شريكا فعالا ومعنيا مباشرا بنتائجه التي تنعكس على البناء المجتمعي ككل وترهن مستقبل الأمة للمجهول. ولذا، إذا كانت الدولة لا تسمح لأي أحد بأن يزاول أي وظيفة دون تكوين أو الحصول على شهادة تمكنه من الحق في الممارسة والعمل والتصرف، فإن الزواج يعد أهم مؤسسة مجتمعية، وأهم مدرسة لتخريج القيادات، لكن يشرف عليها جهلة لا خبرة لهم ولا تكوين. إن الدول التي تخاف على مستقبلها أصبحت لا تعقد قرانا لأي أحد دون حصوله على شهادة التدريب والتخرج يتلقى فيها كل ما يحتاجه ليكون مسؤولا ملما بما لا يجب جهله.
وإذا كان الإنسان يعد أصعب الكائنات على الإطلاق وأعقدها، فكيف نطالب بالشواهد والتكوين من أجل تسيير آلات في معمل، ولا نطالب بها من أجل تسيير الإنسان الذي هو أهم عملة في بناء الأوطان.
إن من شأن جميع الدول أن تتدخل كلما رأت عواقب أفعال ما تعود بالضرر عليها وعلى مستقبلها، إن الحكومة الفينزويلية عندما رأت أن أبناء شعبها يحتاجون إلى الرفع من مستوى ذكائهم لعلمها أن لا مستقبل للأغبياء، عمدت إلى تأسيس وزارة سمتها « وزارة الذكاء » جعلت على رأسها أحد الخبراء في الموضوع وهو الدكتور لويس ألبرتو مع توصية كي تعمل وزارته على الرفع من مستوى الذكاء لدى أبناء الشعب، وكذا فعلت ألمانيا حين لجأت إلى تأسيس وزارة أسمتها « وزارة العائلات » عندما رأت أن شبابها يعزف عن الزواج وأن بهذا الفعل سيكون مستقبل ألمانيا في مهب الريح.
إننا في بلادنا لا نحتاج إلى تأسيس وزارات متخصصة في تكوين الشباب قبل الزواج حفاظا على الأسرة المغربية، لأننا أصلا نملك العديد من الوزارات التي لها علاقة مباشرة بالأسرة كوزارة الثقافة التي نسائلها ما حظ الأسرة من البرامج الثقافية التي تشرف عليها، ووزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، التي هي أصلا وزارة خاصة بالأسرة ولكنها تعمل على تغييب التقعيد لأساسيات وأبجديات وجبت معرفتها بالنسبة للشاب والشابة قبل تأسيس أسرة. ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي اختزلت مهمتها في مراقبة الأئمة والمرشدين والخطباء ومعاقبة من له حساب على الفايسبوك، في الوقت الذي كان من الممكن أن يكون لها دور حاسم في بناء وتكوين الشباب والشابات على مبادئ وقيم الإسلام حتى تصير القاسم المشترك والمؤشر في الفهم والمعيار للتمييز بين الخطء والصواب، فتكون هذه المبادئ وهذه القيم ضمن نسق روحي تربوي ثقافي متكامل يعتمد على نفس المرجعية التي يتبناها الزوجان حتى تصلح لتكون حكما يتم الإذعان له والاحتكام له بلا جدال.
فهل ليس في الإمكان أن تقوم هذه الوزارة بدورها بما أن الشاب والشابة، نظرا لصغر سنهما، لا يتوفران على خبرة ورؤية واضحة لما يجب أن يتوفر في الآخر حتى يتم الاقتران به، وهي التي تملك العلاج الناجع في معالجة اختلال عدم توفر التجربة والقدرة على التمييز لدى الشاب والشابة، لأنها هي التي تعلم أكثر من غيرها بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختار لهما وفق معايير مضبوطة ودقيقة ومن شأنها أن تحدد ماهية كل واحد منهما، فنجده عليه الصلاة والسلام، بشكل عام، قد حدد المعايير الأربعة التي تستدعي الرجل ليختار زوجته وهذه الأربعة هي المال والجاه والجمال والدين.
وهي تعلم أن اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين على باقي المعايير الأخرى له دلالات كثيرة منها:
– أن صاحبة الدين على نفس المرجعية والرؤية والتصور، أي هي تعي جيدا أن الزواج غير مختزل في متاع من الدنيا قليل كالملابس والأسفار، بل هو رسالة ومسؤولية، والذرية فيه لها مفهوم واحد هو الامتداد الطبيعي لهذه الرسالة (يرثتي ويرث من آل يعقوب) والأنبياء لا يورثون درهما ولا دينارا.
– تعي أن الزواج من أعظم العبادات مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم:  » دينار تنفقه في سبيل الله، ودينار تنفقه في تحرير رقبة، ودينار تتصدق به على مسكين، ودينار تنفقه على أهلك، أعظمها أجرا الذي تنفقه على أهلك » وعند الترمذي: « إذا تصدق المسلم بصدقة على أهله وهو يحتسبها كتبت له صدقة » « وقوله عليه الصلاة والسلام: « حتى النطفة يضعها الرجل في رحم زوجته صدقة »
– تعي أن المال والسيارة والفيلا ليسوا أهم شيء يتم اختيار الزوج من خلاله، وذلك لعلمها بأن الزواج باب من أبواب الرزق مصداقا لقوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم)
– تعي أن المتزوج معان من عند الله ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث كان حق على الله أن يعينهم: المكاتب يريد الأداء، والمجاهد في سبيل الله، والمناكح يريد التعفف »
– وتعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها خير النساء إذا نظر إليها زوجها سرته وإذا غاب عنها حفظته في ماله وعرضه، لا تدخل أحدا يكرهه لداره ولا تفشي له سرا، تترقب موضع عينيه، يحصن بها فرجه ويغض بها بصره.
فهل تأخذ وزارة الأوقاف زمام المبادرة وتلعب دورها الحقيقي إذا أرادت أن تكون الأسر في هذه البلاد أسرا متماسكة قوية تشكل أهم محضن لبناء قيادات المستقبل، رجال أقوياء أمناء لهم تكوين شرعي صحيح يتأسس على الوسطية والاعتدال ويؤمنون بقيم التسامح والحوار وينأون عن كل ما يعود بالضرر على الوطن والمواطنين بل وعلى كل إنسان على هذه البسيطة مهما كان دينه وعقيدته.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. عكاشة أبو حفصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة .
    27/02/2019 at 11:51

    كنت سعيدا جدا و أنا أتصفح هذه المقالة الجميلة التي تمسنا وتمس الأسرة في العمق .
    قالوا اسيادنا لولين * زواج ليلة تدبيرو عام * بمعنى أن المقبل على الزواج يجب أن يستعد له الإستعداد الجيد و الكافي قبل الاقدام على هذه الخطوة ، خطوة التناسل والتكاثر . كان أباؤنا يقمون بتزويج أولادهم وبناتهم بدون اختيار مسبق لا من الزوج الشاب ولا من الزوجة الشابة . وكان الاستئدان يكون بالصمت بالنسبة للمخطوبة كموافقة على الزواج …
    أعجبت كثيرا بكل ما جاء في المقال وخاصة فكرة وضع برنامج لتكوين الشباب المقبلين على الزواج كخطوة مهمة في انجاح هذا التاسيس المبني على الميثاق الغليظ تحت شعارتكون اسرة متماسكة مبنية على المودة والرحمة . ان فترة الخطوبة غير كافية للاكتشاف الكل على حقيقته . وستظهر الايام ما كان محجوبا بين الطرفين و الاسرتين المتصاهرتين . ففترة الخطوبةوتبادل الزيارات ليظهر كل واحد على حقيقته بدون قناع بعد ارتفاع المتطلبات ، الواجبات والمشاغل …
    أعود لاقول لابد من وضع برنامج تكويني للمقبلين على الزواج من أيام الخطوبة الى الولادة الاولى وما اكثر الخطوات التي ينبغي التمرس عليها نظريا بدا من المصاريف الذي يتحملها الزوج لوحده ولا مانع بالتعاون بدون اجبار لان الزوج هو المنفق بطبيعة الحال . كيفية الدخول الى المطبخ واعداد الوجبات ؟ ، ولا مانع من ان يتعاون الزوج في التهييئ والتقديم ؟ ، وليس مجبر كما سبق . التنظيف وما إلى ذلك . كيفية استقبال الزوج بعد العودة المنهكة من العمل؟ . التدرب على استقبال الضيوف على اكمل وجه . التدرب على العلامات الاولى للحمل ، كيفية التعامل بين الزوج والزوجة اثناء هذا التغيير . الوحم كيفية الاعداد لاستقبال المولود ذكر كان أم انثى . كيفية تأسيس الركن الذي سيعيش به في حظن الوالدين . الانتقال من مرحلة العزوبية والخطوبة الى الولادة والتي اتمنى ان تكون طبيعة كما كانت امهاتنا بدون تدخل مقص الطبيب . كيفية التعامل مع المولود في ايامه الاولى … كم كنت احب رائحة زيت الزيتون الممزوجة براحلة الاطفال وحليب الامي الطبيبعي . كيفية التعامل مع المولود في حالة ارتفاع الحرارة وكيفية قياسها ؟؟؟ . متى يسرع به الى الطبيب ؟؟؟ متى يختن الذكر . التهييئ للذهاب الى الروض ثم المدرسة … التخطيط العائلي وووو
    هذاجزء من الكل جزء من الحياة التي أتمنى أن تمر بسلام وبلاطلاق كما تحمل اباؤنا بعضهم البعض دون شقاق ولا نفاق ولا شعودة . اتمنى ان يتطرق اشتاذنا احمد لأطفال ما بعد الطلاق وخاصة منهم المحرمون من صلة الرحم سواء من طرف الاب او الام ويبقى السؤال المطروح في هذا الموضوع هل يوم واحد في الاسبوع كافي كحق للزيارة بالنسبة لاطفال ما بعد الطلاق ؟؟؟ .
    اقف هنا والسلام عليكم ورحمة الله .

    أبو حفصـــــــــــــــــ*عكاشة*ـــــــــــــــــــــــة .

  2. متتبع .
    28/02/2019 at 08:36

    يا سي احمد بيني وبينك ’ احنا اشداد غير في البندير والزغاريت و اشياء اخرى لا داعي لذكرها ’ … اما التخطيط في الزواج ، فنحن بعيدون كل البعد عنه . وعندما يقع الفأس في الرأس لا ينفع الندم . بالله عليكم الم تسمعنوا انها تقول للزوج ايام الخطوبة ’ انعيش معاك على لقسم الله – الخبز و الشاي – ’ آه يتمسكنوا حتى يتمكنوا ، وبعدين اراك لفراجة . انا لا اتكلم على العروسة فقط ولكن هناك ازواج طماعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى . واذا اختل التوازم وقع الطلاق وما له من تابعات على الازواج والاطفال ان وجدوا . هناك من هو ليس اهلا للزواج ويتزوج لايام معدودة ثم يطلق ليثبت الرجولة وما هو برجل لان الرجل هو الكلمة والصدق واحترام الميثاق الغليظ . اما ان تشتري الاسم ليقول عنك انك فحل – رجل – وبعدين تطلق فهذا العمل ليس من شيم الرجال والرجولة وللاسف الشديد قد يقع الطلاق بمباركة الاسرة و الله يستر وخلاص خاصة اذا كانت الام هي الامرة الناهية في البيت …
    على اي مشكور سي جبلي على هذا الموضوع الذي يمس الواقع والى فرصة قادمة بحول الله .

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *