Home»Débats»في الاندفاع وغياب القدوة

في الاندفاع وغياب القدوة

2
Shares
PinterestGoogle+
 

إن من يتأمل حركية المجتمع المغربي الراهنة،لا بد أن يصيبه شيء من الذهول والحيرة.
لقد أتاح الفضاء الأزرق فرصة ليتكلم الجميع دفعة واحدة ونسمع ما يعجب وما يقرف دون أن نحدد هوية المتكلمين في غالب الأحيان.
وهكذت فقد أصبح من البديهيات أن يعلن شخص ما موقفا من مسؤول أو من أي جهة كانت لتتوالى عبارات المؤازرة بغض النظر عن حيثيات الموقف.(كان الله في عون من يستهدف)!
وحتى لا نظل في اطار العموميات،أذكر بحالة الاستاذ الذي عنف تلميذة بمدينة خريبكة، فما أن ظهر الفيديو الذي لن يستسيغه عاقل ،حتى انهالت على الأستاذ كل التهم التي تخطر على البال،وعرضت علينا دروس في التربية والتكوين غابت في نظر منظريها عن الأستاذ المسكين-حتى لا اردد النعوت الرخيصة التي وصف بها-!
وبخصوص هذه الحالة،اعتقد أن من لا يزاول مهنة التدريس هو أخر من يحق له الكلام بشأنه.
ان جل الناس يعتقدون بان الاسر المغربية ترسل الى المؤسسات ملائكة يتعين معاملتها على هذا الأساس!
إن فئة صغيرة من المتعلمين هي التي تنطبق عليها صفات التلميذ المقبل على التعلم بالشروط الدنيا المطلوبة،أما الباقي،فهم كائنات تتوافد على فصول الدراسة وهي مشحونة بشعور الندية مع المدرس الذي ينبغي أن يمتلك جهاز مناعة فولاذي مقابل ردود أفعال التحدي والاستفزاز التي تجعله يسأل الله أن يمر اليوم بأقل الخسائر!
ولعل الهندام المستفز ومحتويات الحقائب الغريبة ،اول ما يشي بسلوك اصحابها ونياتهم العدوانية.
إن بعض المتعلمين يتحدون كل تعليمات الوزارة والمجالس التربوية فيصطحبون معهم الهواتف النقالة الممنوعة بقوة القانون،الى جانب السكاكين وانواع من المخدرات مما يجعل الحصة الدراسية قابلة لكل المفاجات غير السارة مثلما نسمع يوميا.
أما اذا استدعي الاولياء،فانهم يحضرون على مضض وهم متأكدون -سلفا-بان ابناءهم براء من كل ما يلاحظ عليهم فيحولون المدرس والادارة الى معتدين على ابرياء متخلقين بالفضائل التي تلقوها من وسط يحترف الكذب في سلوكه اليومي ويلقي باللوم على الاخرين اسوة بالفكر السائد في الوسط العربي!
لقد تأكد الان بان التلميذة التي عنفها استاذها،هي من هذه الطينة التي تعلمت كيف تتجرأ على رجل منهك استفزته بدرجة فقد معها السيطرة على أعصابه وكان رد فعله منافيا لقواعد التربية في هذا العصر خاصة.
واذا كان تعنيف الأنثى-خاصة-سلوكا منبوذا في كل مجالات الحياة،فانه لا ينبغي أن ننكر بان رجل التعليم قد اصبح في وضع صعب جدا: انه مخلوق مجبر على أن يتجرد من ردود الفعل الطبيعية،ويهيء نفسه لقبول اهانات المتعلمين وذويهم،فاذا حل موعد الامتحانات الاشهادية ولا سيما البكالوريا،فانه مطالب بأن يواجه مترشحين مستعدين لكل اشكال الاعتداء اذا تغلبت الصرامة!
ان هذا الكلام ليس دفاعا مجانيا عن المدرسين،ولكن المطلوب أن يعرف الناس حقائق وخبايا هذا القطاع الذي يترك فيه رجال ونساء للتعليم يواجهون المجهول وحدهم،ليقال في النهاية بان التعليم منحط!
لا أعتقد بأن احدا يتصور مدى الانتشاء الذي يحس به رجل التربية حينما يجد نفسه محاطا بمتعلمين يقظين متحمسين للتحصيل،يوفرون الاجواء التي تدفع مدرسهم ليعطي أكثر مما في طاقته…لكن هل مازال مجتمعنا ينتج هذه الطينة من الاطفال التي تعلمت احترام الاخرين وحب الوطن وقيمه؟
انه سؤال موجه للذين يندفعون ولا يستجلون خبايا الامور،والذين نطلب منهم ان يفسروا للناس لماذا يخرب ابناؤهم الملاعب والممتلكات،ولماذا يخربون مقاعدهم في الفصول ويبذلون ما في وسعهم لعرقلة الدروس واهانة المربين؟
لنترك رجال التعليم يواجهون مواقف لم تخطر على بال احد في الماضي،ولا احد يقف الى جانبهم عندما تنتصر الجهات الوصية لسلسلة الحقوق التي تتسع يوميا لفائدة المتعلم،بينما يتوالى تضييق الخناق على المدرسين ،وهي معادلة تفرض وقفة تأمل وبحث عن الخلل،لنترك ذلك لننظر في سلوك أشخاص يفترض أن يقدموا لنا القدوة في الكلام والسلوك والتحليل.
ان اول منبر كان قمينا بانتاج الفكر الرصين الذي يسمو باخلاق المواطن وسلوكه،هو البرلمان الذي يعتبر واجهة الدول التي تسوق درجة رقيها،فاذا برلماننا يتحول في وقتنا الراهن الى حلبة صراعات مزيفة يؤججها اشخاص كان من المفروض أن يتركوا الساحة بعدما شاركوا في تدبير الشان العام فساهموا في افساده،وللتغطية واستبلادنا ،فانهم يستعيرون اساليب النساء في الحمامات،حيث ينزل مستوى الخطاب الى الحضيض فنسمع ساقط الكلام في مؤسسة مخصصة للادمغة التي تصنع القرارات الرصينة وتنشر الفكر المرجعي للأجيال،لكن من هؤلاء من يبلع لسانه ليرينا بطنه أو من تستعرض اردافها وهي تغط في نوم عميق،وما شهدنا الا بما راينا!
وختاما للخوض في هذا الموضوع المتشعب والذي لا ينتهي،أود أن اذكر بمستوى بعض ذوي البذلة السوداء او القضاء الواقف بلغة اهل الميدان،والمناسبة هي ملف محاكمة الصحفي توفيق بوعشرين.
لقد حظي هذا الملف باهتمام كبير لأن المتهم كان يوجه انتقادات لاذعة للمسؤولين الى درجة انه استقطب العديد من الموالين له حتى انفجرت قنبلة مدوية حولت هذا الصحفي الى شخص ربما لن يتخلص من ثقل ما نسب له ولو قضى بقية حياته في معبد هندي مهجور!
لم تقل العدالة كلمتها النهائية،لكن المتتبع لن تنطلي عليه بهلوانية بعض المحامين الذين-ربما -كانت حساباتهم مرتبكة،
لذلك تجردوا من رزانة رجل القانون ليوظفوا السوقية واسلوب العامية.
ان السيد محمد زيان الذي كان يقول ذات يوم بانه يستطيع تغيير وجه المغرب بعشرة اجراءات خلال حملته الانتخابية-التي لم يعلل سبب فشله في تحويلها لصالحه-قد خيب أملنا فيه وفي الصورة التي كان يسعى الى الظهور بها،وذلك في مناسبتين متقاربتين:
لقد تبنى ملف متزعم حراك الريف وحاول ان يستأثر بالنجومية فيه لكنه لم ينجح،ثم مالبث ان تبنى ملف بوعشرين وخاض بصدده تنافسا اعلاميا مثيرا حتى ملأ الساحة ضجيجا،لكن زلة لسانه هذه المرة لا يوازيها في وزنها الا وزن المؤخرة التي قاس بها الامور في شهر التوبة دون اعتبار لاخلاق ملايين المغاربة الذين تعسف على صيامهم بعدما خرج لسانه من عقاله!
كنا فيما مضى نحتار في اختيار القدوة بين مسؤؤولين في قطاعات مختلفة ،وبين فنانين ومثقفين ، لانهم كانوا موجودين فعلا، فاذا هؤلاء يتحولون الى أشخاص عاديين جدا ليس بينهم من يستحق أن يكون بين احلام ابنائنا،فهذا فنان يتجرأ على نبي،وهذا مثقف يدافع عن الافطار العلني،وهذا محام يدخل نابي الكلام في قاموس المرافعات…
دلونا من فضلكم على قدوة نحيل عليها ابناءنا الذين استعبدهم الفايسبوك فلم يعد أحد يشكل استثناء في المجتمع يسوغ الالتفاف حوله.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.