Home»Débats»VIDEO العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة: تميز المغاربة بالدبلوماسية الدينية

VIDEO العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة: تميز المغاربة بالدبلوماسية الدينية

8
Shares
PinterestGoogle+

أعدها للنشر: أحمد الجبلي
لقد تميزت ندوة الدبلوماسية الدينية وتحديات الأمن والاستقرار الإقليميين  بحضور العلامة النحرير سيدي مصطفى بن حمزة، أشهر علماء المغرب وعضو المجلس العلمي الأعلى، الذي ألقى كلمة في الموضوع اعتبرت إشراقة أنارت العقول وكشفت المستور حتى يعلم القاصي والداني أن لإسلام دين تواصل بامتياز، وقد حث على ذلك القرآن الكريم، وفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عمليا حيث كان يبعث رسلا وسفراء إلى أقطار الأرض معرفا بالإسلام وداعيا إليه، وقد اقتبس العلماء من بعده أفياضا من سيرته العطرة وتواصله الجم، فانتشروا في أقطار الأرض رحلا وسفراء يتواصلون مع العالم الخارجي دون تردد أو خوف.
ونحن إذ ننشر هذه الكلمة الطيبة مكتوبة، إنما نبتغي بها التيسير على طلبة العلم، حتى يقتبسوا منها ما شاؤوا نظرا لما حملت من نوادر ونكت ولطائف ومعلومات عز ما يجدونها في المكتبات المتاحة.
وبعدما سلمت له الكلمة انطلق فضيلته يقول:
إن البلاغة هي مراعاة مقتضى الحال، فقبل الوقت لا تكون الكلمة بليغة، وبعد الأوان لا تكون كذلك، لأن الكلام البليغ هو الكلام الذي يأتي في وقته. ولهذا نقول هذا الكلام في وقت نلتقط فيه إشارة من قيمة ما يفعله أمير المومنين وهو في إفريقيا منذ مدة بعيدة. هذا الجهد يجب أن نتماهى  معه ثقافيا، وأن نوجد لها حاضنة من الشعب المغربي ومن إخواننا الأفارقة. لأننا نعود الآن إلى وصل ما أمر الله به أن يوصل من العلاقات التي قطعت ومزقت بسبب إهمال سياسات سابقة. إننا الآن نلتقي ونحتضن ونعانق ونرحب بإخواننا الأفارقة ونناقشهم ونتحدث إليهم لأن هذا الاتجاه هو الاتجاه الصواب، لأن اللقاء والتجمع هو منطق المستقبل. وأمير المومنين إذ يرجع إلى إفريقيا فإن في ذلك شيئا مهما جدا، ونحن نرى أن العالم يجتمع حول نفسه بل إنهم يضعون لأنفسهم حدودا.  وهي حدود أساسا دينية. فأوربا كما يقول ميتيران هي حدود المسيحية. و هناك جهات أخرى لها حدود من ثقافات أخرى لا أريد أن أتحدث عنها.
إننا الآن أمة واحدة، وإفريقيا التي أهملت واستغلت ونهبت يجب أن تعي الآن لحظتها.
وبما أن الذي نتحدث عنه هو الدبلوماسية وهي وسيلة أو أداة لتحقيق التواصل والتعارف والالتقاء، وقد تكون وسيلة رسمية أو شعبية أو وسيلة فئوية من أجل إحداث التواصل. أستطيع أن أقول لكم: إذا وجدت على وجه الأرض أمم وشعوب تؤمن بالتواصل وباللقاء فليست هذه الأمة غير الأمة الإسلامية. أي: إن أمتنا أمة متواصلة ملتقية، فهذا اللقاء ليس اختيارا ظرفيا، وإنما هو نابع عن دعائم وأسس ثقافية تدعو إلى ذلك. فالله تعالى يدعو المومنين إلى ألا ينغلقوا فقال: ( قل سيروا فانظروا كيف بدأ الخلق)  فالله تعالى دعا المومنين إلى أن يسيروا، لا يتحجروا أو يخافوا من الآخر، فهم يسيرون بحكم هذه الدعوة، وفي ظروف خاصة، يعتب القرآن الكريم على الذين لم يهاجروا إذا كانوا مضطهدين  (إن الذين توافهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها)  إنها دعوة إلى الهجرة، وهو ما لم يستطع الأوربيون أن يستوعبوه خصوصا مع موجات الهجرة  التي أصبحت هاجسا  وتحدث نقاشات على مستوى الغرب. إذا فهذا هو الأصل. ثم إن الإسلام  أصَّلَ أصلا لا وجود لنضير له في أي ثقافة، وهو أنه اعتبر السير في الأرض والالتقاء مع الآخرين عملا مشروعا يقتضي أن يساند. فمن مصارف الزكاة يوجد هؤلاء الذين سماهم الله تعالى أبناء السبيل،  (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) وابن السبيل هو إنسان مسافر أو مهاجر انقطعت به السبل، فلا يتنكر له الإسلام بل يخصص له من الزكاة رصيدا ليواصل مسيرته، لأن هذا المسار من شأنه أن يخلق الالتقاء فترتقي الحضارة ويتم تبادل التجارب.
إن الإسلام وحده دون غيره هو الذي جعل للسياحة مصدرا ثابتا في الزكاة هو مصدر أبناء السبيل، وهذا شيء يدعونا إلى أن نحيي كثيرا من الأصول التي بسببها كان المسلمون يهاجرون ويسافرون. فكل مسلم مطالب أن يسافر على الأقل مرة في عمره إلا إذا منع من ذلك بسبب عجز، أي هو مطالب أن يزور بيت الله الحرام لأن الحج فرض مرة في العمر على الأقل، والحج سياحة وسفر طويل. المسلمون مطالبون، كذلك، بأن يسافروا من أجل طلب العلم، فميزة العلم عندنا نحن الأمة الإسلامية أن الرحلة جزء من الطلب، وقد قيل لأحمد بن حنبل هل يطلب الإنسان العلم في مكانه أو يسافر؟ فقال: » إنه لابد أن يسافر » إن العلماء قالوا بأن من ليست له سفرة ورحلة في طلب العلم لا يعتبر من أهل العلم، لأنه لم ير العلوم في جهاتها. وهكذا نجد أسبابا شرعية كثيرة كانت تجعل العالم الإسلامي عالما متحركا يمور ويتحرك والرحلة فيه كانت مركزية بامتياز.
وهناك سند آخر للدبلوماسية الحقيقية وهي دبلوماسية رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد كان صلى الله عليه وسلم يرسل أناسا كانوا يسمون في بعض الكتب رسلا ويسمون سفراء، وكان عليه السلام يختارهم بعناية فائقة، وقد اختار دحية الكلبي المعروف بحصافته وجماله، وكانت مهمة هؤلاء السفراء هي تبليغ الإسلام للآخرين، وحينما خاطب دحية الكلبي القيصر قال له: أطرح عليك سؤالا، أنت ترى أن عيسى إلاه؟ فهل كان عيسى يصلي أم لم يكن يصلي؟ قال: كان يصلي، قال فلمن كان يصلي إذن؟ فقال له: إني أدعوك لكي تصلي لمن كان يصلي له عيسى. بمعنى أنه يعيده إلى العبادة الأصل. ومن السفراء الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراء ذوي أصول إفريقية، وعندما تحدث أصحاب السير عن عبادة بن الصامت، قالوا كان رجلا أسود شديد السواء. وفي بعض المرات حاول البعض تغييره كسفير، فقالوا: لا نغيره فهذا سفير اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يحدثكم ولذلك ناقشهم وقال لهم كلاما جميلا إذ كان يقول: إن الله لم يشرك أحدا في خلقك، فلا تشرك أحدا في عبادتك له، وهذا كلام منطقي. وهنا أحيل إلى كتاب أحد علماء المغرب وهو كتاب التراتيب الإدارية لعبد الحي الكتاني وقد خص فصلا كاملا في الجزء الثاني بالسفراء وذكر العديد من الجزئيات المتعلقة بهم.
إننا نحن الأمة الإسلامية أهل سبق في التواصل مع الآخرين، وتواصلنا تمليه أصول في ديننا، وبكثرة ما تحدثت الكتب الإسلامية عن هذا التواصل يصعب حصرها أو عدها أو استقصاؤها، ولدينا في الغرب الإسلامي كتب كثيرة تحدثت عن هذه الرحلات السفارية، فالعلم عندنا، في جزء منه، مرتبط بهذه الرحلات من ذلك رحلة ابن رُشيد السبتي، التي كتبت عنها وألفت مجلدات، وقد أنجز عنها أحد أساتذة جامعة محمد الأول بوجدة بحثا قيما وله تحقيق لبعض هذه الرحلات، وهو الأستاذ أحمد حدادي رحمه الله.
وحينما تأخذون لأبي سالم العياشي رحلة الموائد وهي تعتبر أصلا من أصول المعرفة، وكيف كان الناس لا يكتفون بالأخبار بل كانوا يجمعون الشعر والفوائد والنكت، وكانت السفارات هاته تحمل في نفس الوقت إجازات العلوم، فيجيز أحدهم أحد العلماء، ومن علمائنا الذين ذهبوا من الغرب الإسلامي بقي بن مخلد وقد سافر من الأندلس عبر المغرب ثم ذهب إلى  الشرق، إلى العراق، طالبا للحديث، حيث وجد أحمد بن حنبل  أسيرا ومحاصرا بسبب قضية خلق القرآن، فاضطر إلى أن يزور أحمد بن حنبل في شكل متخفي فلبس لباس المتسولين، فكان يمر ويسأل بالأبواب، حتى إذا وصل بيت الإمام أحمد يطرق بابه كأنه يريد العطية فيدخل فيأخذ منه الحديث.
وأقول للإخوة الأفارقة إن من علماء إفريقيا الذين عَرَّفوا بإفريقيا وبالمغاربة أيضا، عالم كبير كان في المغرب حيث استقدم في عهد أحمد المنصور السعدي وهو أحمد باب التامبوكتي الذي وضع كتاب « الابتهاج »  وعرف فيه بالعديد من العلماء المالكية، ومن أهم مصادر تراجم المالكية هذا الكتاب الذي يعود لأحمد باب التامبوكتي. فتامبوكتو كانت حاضرة علمية وأسهمت مع المغرب من حيث العلم والمعرفة.
وكان من علمائنا الذين برعوا في هذا الأمر رجل آخر هو محمد بن الحسن الوزان، والذي ولد سنة 838 في آخر حياة المسلمين في غرناطة،  أي ولد قبل سقوط غرناطة بأربع سنوات، وهو رجل مغربي أمازيغي زناتي أندلسي فاسي، وقد يكتب في اسمه الحسن الوزان الفاسي على سبيل الاختصار وتعبيرا عن مرحلة من مراحل حياته.
عاشت أسرته في غرناطة، وبعد سقوط غرناطة جاء إلى فاس فسكن بها، واشتغل في إدارة الملك محمد الوطاسي الملقب بالبرتغالي، وكان مغرما بالسفر فسافر إلى إفريقيا أولا،  وتحدث عن 15 مملكة من مماليك الغرب الإفريقي، وجمع ذلك في كتاب سماه:  » وصف إفريقيا »  وهو كتاب مهم في وقته ويعد وثيقة مهمة في وصف إفريقيا وقد عرفه مارمون وغيره، أي إن إفريقيا لم تكن كما يتصور الناس، أي كانت فيها مماليك ومنها مملكة سنغاي التي كانت لها علاقة بالعلويين في المغرب، كما كانت بينهم وبين المغاربة صلات. وبعد جولاته الإفريقية توجه محمد بن الحسن الوزان إلى مصر ومنها إلى اسطنبول ثم أقفل راجعا، لكن في طريقه وقع لسفينته عطب فأسر قرب جزيرة جربة بتونس، فأخذه القراصنة البرتغال ثم قدموه للبابا في إيطاليا، فعرف البابا قيمته وحاول أن يقربه إليه، وعمده في ساحة القديس بطرس، على أساس أنه أصبح مسيحيا، وبقي هناك إلى أن أطلق البابا صراحه قبل أن يفارق الحياة.  فجال إفريقيا ودخل إيطاليا فتعلم الإيطالية كما تعلم بعض اللغات، وأصبح يدرس اللغات الأجنبية في إيطاليا. إن ميزة هذا الرجل أن له فضلا كبيرا على العالم لأنه كان طريق الأوربيين إلى معرفة الحضارة العربية، ولم يعرف الأوربيون الحضارة العربية إلا من خلال هذا الرجل لأنه أطلعهم على نفائس المكتبة الإسلامية.
ويذهب بعض الباحثين إلى أن هناك رجلين يعتبران جسرا بين المسلمين والغرب وهما محمد بن الحسن الوزان، وابن ماجد الملاح الذي علمهم كيف يمرون عبر رأس الرجاء الصالح. وبعدما نجا محمد بن الحسن الوزان  من الأسر عاد إلى فاس وعاد إلى دينه وإسلامه.
وفضلا عن محمد بن الحسن الوزان، عندنا علماء كثر، وإنما سأتحدث عن علماء هذه الجهة الشرقية  التي نوجد فيها، والتي يجب أن نظهر معالمها، وقد كانت مثابة من مثابات المعرفة، خصوصا في فجيج. ففجيج ليست واحة للنخيل كما يتصور الناس، بل كانت بها مكتبة تسمى دار العدة ملأها صاحبها عبد الجبار الفجيجي ب 400 حمل من أحمال الجمال من الكتب، جيء بها من فاس ومن الشرق، وفيها كتب لم تكن موجودة مثل « سر صناعة الإعراب » لابن جني،  وهو كتاب لا يوجد منه إلا نسخة واحدة في المشرق، ونسخة أخرى بفجيج بهذه المكتبة.
وفجيج اتصلت من قبل بمالي، لأن العديد من أهلها ذهبوا إلى مالي فأخذوا معهم بعض الكتب، وكتب أخرى أخذت، وقد كتب أحد الباحثين  يصف وصفا دقيقا كيف أخذت هذه الكتب وكيف رحلت إلى جهات أخرى، ومن الكتب التي وجدت في دولة الاتحاد السوفياتي سابقا كتاب حول الصيد لعبد الجبار الفجيجي وهو كتاب يتحدث عن كيفية صيد الصقر ( le Faucon  )، وهو كتاب ترجم وحقق من طرف المرحوم عبد الهادي التازي.
وأذكر رحالة من وجدة، أي من هذه الجهة ولا يعرفه أحد بالتأكيد، وهو يوسف بن عابد، ويحقق اسمه بقولهم: يوسف بن عابد الإدريسي الفاسي، وهو يوسف بن عابد النجادي، ولذلك عندما نتحدث عن الفقيه النجادي فالمقصود به يوسف بن عابد. ولد بمنطقة شمال وجدة، تسمى الفيضة، أي فوق بني درار بقليل، ويتحدث عن أصله وعن أبيه حيث توفي، ولقد تعلم وحفظ القرآن هنا ثم انتقل إلى فاس ومكناس، وطاف بالجنوب المغربي ليستقر به المقام في اليمن بحضرموت. وقد اشتغل هناك مدرسا ثم قاضيا، له كتاب سماه « ملتقط الرحلة » وأدعو كل الباحثين أن يهتموا بهذا الكتاب الذي حُقِقَ تحقيقا رذيئا، لأن مجموعة من الأمكنة بها نوع من التحريف، ولذلك يحتاج إلى تحقيق جيد. فهذه إذن رحلات دبلوماسية، والذين شرعوا هذه الرحلات كانوا علماء بالأساس، ومنهم من كان ينتمي إلى الطرق الصوفية، ففي مرحلة ما كان قد أفتى بعض علماء المغرب بسقوط الحج عن المغاربة نظرا للأخطار التي كانت تعرفها المسالك والطرق المؤدية إلى الحج. فكان أحد العلماء وهو أبو محمد صالح الماجري من أهل آسفي، قد أسس طريقة فأصبح الذين ينتسبون إليه يلتزمون بأداء مناسك الحج، وبما أن الحج قد انقطع، عمد هذا العالم إلى إحياء فريضة الحج وذلك بوضع رُبُط في اتجاه الحج هي عبارة عن محطات أمان يقيم بها الحجاج ليسلموا إلى أن يصلوا إلى بيت الله الحرام. فأحيى من جديد هذه الرحلة الشرعية حتى قال بعض العلماء عنه:  » فبفعل أبي محمد صالح حج كل عاجز وقادر ».
وكان هذا من عبقرية هذا الرجل أن ألهمه الله أن يحيي هذا الركن من أركان الإسلام بهذه الطريقة. وإن كانت هناك إجراءات أخرى اتخذها المغاربة لتحقيق استمرارية هذه الرحلة.
المهم هو أن التواصل كان دائما قائما بسبب هذا السند الشرعي، وأرجو أن تكون هذه محطة جديدة لنلتقي مرات أخرى مع كل الناس مع المسلمين وغير المسلمين. حتى يعلم العالم أننا دعاة سلام، فنرد الناس إلى الصواب مسلمين كانوا أم غير مسلمين، وحتى نقول أن البشرية لا يصلح لها إلا أن تنسجم وتأتلف، وأن يؤمن الناس بخصوصيات الناس والديانات والأفراد، أما أن يقول أحد أن كل مشاكل الدنيا إنما جاء بها المسلمون فهذا خطأ، وهذا عنف أيضا. ونحن ندين كل أنواع العنف، ونعبر عن رفضنا العنف بالكلمة الطيبة والنقاش والحوار لنقول بأن الإسلام الذي نتحدث عنه لا صلة له بالعنف.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *