Home»Débats»مصداقية الأقلام في موضوعيتها

مصداقية الأقلام في موضوعيتها

0
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
لقد لاحظ العديد من المهتمين بما ينشر في المنابر الإعلامية، ومنها الالكتروني تحديدا، انتشار بعض الكتابات النقدية التي تفتقد إلى أبسط شروط الموضوعية في تعاملها مع قضايا وطنية وأشخاص فاعلين في الساحة السياسية والعلمية والاجتماعية والتربوية…
إن النقد، بصفة عامة، مطلوب لكونه يضفي دينامية خاصة في الساحة الفكرية والعلمية، ومن شأنه أن يغني النقاش ويربي الأفكار، ويضخ دماء جديدة في عالم الفكر والمعرفة. ولكن فقط إذا كان بمنهج يتسم بالحيادية والموضوعية، وقبل كل شيء خاضعا لمعيار قوله تعالى ( لا تقف بما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولائك كان عنه مسئولا) أي إن النقد انطلاقا من سوء الظن معرة، ورمي الناس رجما بالغيب ظلم وعدوان، ولذا وجب التحري في الخبر والتقصي في المصادر مخافة الوقوع في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). إن الأخبار في عهد التكنولوجيا أصبحت مشاعا فاختلط فيها الحابل بالنابل، فصارت المعلومة في اليوم تصدر وتنشر بأصباغ وألوان يضرب بعضها في بعض، مما جعل سوق المعلومة يصطبغ بصبغة العبث، فصار الإنسان يحدث بكل ما سمع أو قرأ، فتحول الفيسبوك إلى وكالة أنباء عالمية يثق فيها المغامرون وعشاق الترويج لكل ما ينشر دون تحمل عناء التحري والتقصي والتثبت.
إن النقد، يتطلب منا، قبل أن نتحدث عن منهجه العلمي البناء والمفيد والذي يمكن أن يترتب عنه تغيير إيجابي فعلا، تحديد الأهداف والغايات التي ترجى من خلال هذا النقد، ولعل كل إنسان إلا وهو يستحضر الدافع والحافز والغاية وهو يستعد للقول الناقد أو للكتابة الناقدة أو للسلوك الذي ينم عن حركة نقدية تجاه شيء ما. فكثير من الناس من ينتقد ليحطم وليهدم وليكشف عورة الآخرين ويبين سوءاتهم أمام الناس غيرة وحسدا ولشعوره بالضعف والضآلة تجاه هؤلاء الذين يتفوقون عليه. إن هذا النوع من النقاد يمكن الحديث عنه ضمن معادلة النقد والثناء، وهي معادلة تزن السلوك القويم وترجح أفضل السبل النقدية الكفيلة بأن تؤدي إلى قبول الآخر بالنقد وبالتالي إلى إحداث التغيير. فالإنسان عندما يقرأ مقالا أو يسمع محاضرة أو يتابع خطابا، يمكن أن يكون أحد هذه الأصناف الأربعة: فهو إما لا يوجه نقدا ولا يثني ثناء، وهذا إنسان أراح واستراح وهو قد أدخل نفسه في دائرة الحياد أي لا تعقيب ولا رأي  مع أنه ربما يكون قد احتفظ بملاحظاته لنفسه. وإما لا يحسن إلا الثناء فتراه يثني ويعيد الثناء بفرح وغبطة لأنه معجب بما قاله المحاضر أو كتبه الكاتب أو أنجزه السياسي. وإما ينتقد ولا يثني وهو هنا قد ركز على السلبيات التي رآها في الآخر أو في كلامه أو في كتاباته. وإما يمزج بين الثناء والنقد، أي يكون موضوعيا بحيث لا يمكن ألا تكون هناك أشياء إيجابية في مقال الكاتب أو كلام المحاضر أو إنجازات السياسي..ولهذا بدأ بالثناء والشكر على المعلومات المفيدة وعلى الجهد المبذول إلا أن هناك أمورا  يختلف فيها مع الكاتب أو المحاضر.. أو يبدأ بذكر ما أنجز في ميدان الاقتصاد والسياسة والقانون والصحة وما شابه، على أساس أنه من أهم المؤشرات على الصدارة في حصد أصوات الناخبين هو حصول إنجازات وإلا هو اتهام لشعب بأكمله ونخب واعية مثقفة وطبقة متوسطة بالعمى والجهل والغباء. فبهذا المنهج في النقد نجعل الآخر يتقبل نقدنا ويعي بأنه نقد موضوعي وبناء. وكل نقد لا يركز إلا على السلبيات ويضخم منها فهو نقد مرفوض جملة وتفصيلا..وهو كنقد فقط يترجم عقلية صاحبه ويفضح مشاعره تجاه الآخر. فمن ربيع المستحيلات ألا يوجد شيء يستحق الثناء في مقالات الآخرين أو في كلامهم وأعمالهم ومشاريعهم حتى ولو كانت نقطة واحدة بيضاء وسط سواد مظلم لابد من التركيز عليها وإبرازها والثناء عليها قبل أن نقوم بتوجيه نقدنا.
هناك قواعد مهمة في تعليم الإنسان كيف يتعامل مع الآخر سواء مع كتاباته  ككاتب أو كلامه كمحاضر أو إنجازاته كسياسي..أو في أي وضع كان. ومن هذه القواعد هناك قاعدة تقول:  » أنت أنا » أي أنك ترى نفسك عندما ترى الآخرين، وبمعنى آخر فما يغضبهم يغضبك وما يفرحهم يفرحك وإذا كنت تريد لنفسك أن يتعامل معك بنقد مع الثناء حتى تشعر بالراحة والرضا وأن الآخر لم يبخسك حقك في جانب الصواب الذي كان معك. فعليك أنت كذلك أن لا تبخس حق الآخرين في الثناء وذكر إيجابياتهم قبل توجيه النقد. فكما لا تريد هذا فكذلك هم لا يريدونه. فمن غير المستبعد أن يجد مفكر ما أو كاتب ما نفسه على رأس هيئة مسؤولة، وحينها سنرى كيف سيكون شعوره إذا ما أبخست إنجازاته، وعطلت مشاريعه، وحقرت أفكاره، أو تعومل معه بشكل يفتقد إلى الموضوعية والحياد.
كما يعني أن تفرح بإنجازاتهم لأنها إنجازاتك وأن تغفر أخطاءهم لأنها أخطاؤك أنت..وبهذا فكما تريد أن يتعامل مع أخطائك بتفهم فعليك أنت كذلك أن تتعامل مع أخطائهم بتفهم. ومن السلبيات التي تجعلنا لا نبال بالنقد حتى مع الثناء أو حتى ولو كان نقدا صادقا وموضوعيا وبناء هو اعتبارنا لأفكارنا بأنها لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها..أي قمنا بتحويل أفكارنا إلى قوانين ومقدسات..وهذا خطأ يتسبب لصاحبه بعدم قبول النقد البناء ويجعل الإنسان تأخذه العزة بالخطإ. إن أفكارنا حتى ولو كانت صحيحة فمن الممكن أن نخطئ في توصيلها للآخر وبالتالي سيحكم عليها انطلاقا مما سمع وفهم.. ولذا فأي تعصب لأفكارنا سيكون ضربا من الجنون واغتيالا للعقل الذي يقر بأن الإنسان تعتريه العوارض كالعياء والتعب والغفلة والسهو وكل ما يمكن أن يجعله في حالة يكون فيها قليل التركيز والضبط مما يؤثر سلبا على طريقة إيصاله لأفكاره والتعبير عنها. ولهذا لقد صدق الإمام الشافعي عندما قال: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب..وهذا المنهج من شأنه أن يجعل صاحبه بعيدا كل البعد عن التعصب، وأقرب إلى قبول  احتمال أن تكون أفكاره خاطئة لأنه مجرد إنسان ضعيف لا ينزل عليه الوحي أو أنه لا ينطق عن الهوى. فكثير من الأفكار التي تبين لنا، بعد مدة، بأنها خاطئة بعدما كانت في مرتبة الحقائق. وقد نندم عنها في وقت لا ينفع فيه الندم، والمصيبة العظمى هي أننا سنكون مطالبين يوم القيامة بتهييء جواب شافي كافي عن كل ما ادعيناه وافتريناه ونقلناه، وهذا سبب إضافي يدفعنا للإقلاع فورا عن التعصب للفكر والآراء، ويشجعنا على قبول الآراء المخالفة، ويطرح علينا الاستعداد عن العدول عنها كلما تبين لنا أنها خاطئة وتستحق التخلي عنها وتبني غيرها. كما يدفعنا إلى المزيد من الموضوعية عندما نتوجه بسهام النقد للآخرين حتى ولو كانوا  خصوما لنا في الثقافة والفكر والمرجعية.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *