Home»Correspondants»تدمير سينما باريس ثقب في ذاكرة وجدة

تدمير سينما باريس ثقب في ذاكرة وجدة

0
Shares
PinterestGoogle+
 

عبد السلام المساوي

وأنا صغير ، وأنا تلميذ باعدادية الكندي ، وأنا تلميذ بثانوية عبد الكريم الخطابي…بمدينة الناظور طبعا ،
المدينة التي رضعت حبها في حليب أمي ، غنيت حبها باللغة الأمازيغية في مختلف انتجاتها وتجلياتها…في مرحلة الطفولة ، اذن ، وفي مرحلة المراهقة بشغبها واحلامها، اكتشفت مدينة مغربية وكنت اجهل مدى قربها أو بعدها عن مدينتي..لقد كنا نحيا في عالم منغلق ، ابواب هذا العالم موصدة بفعل شروط ذاتية وموضوعية…تعرفت على مدينة وجدة عبر امواج الاذاعة ، اذاعة وجدة الجهوية ..وتعرفت على وجدة من خلال معلمتين بارزتين دالتين على شموخ هذه الحاضرة العريقة ، ويتعلق الأمر بمعلمة فنية وأخرى تربوية ، سينما باريس وثانوية عمر بن عبد العزيز…تعرفت على الاولى عبر الأثير ، عبر أمواج الاذاعة الوطنية والجهوية…عندما كانت تبث الوصلات الاشهارية والاخبارية المتعلقة بالتظاهرات الثقافية والفنية التي كانت تجوب المدن والأقاليم…وكانت سينما باريس هي الفضاء الذي يستقبل مختلف الأنشطة التي تنظم بوجدة …وهكدا كان يتم تسويق اسم مدينة وجدة من خلال سينما باريس..المكان ، اذن، ليس مجرد مكان ، بل كان رمزا ثقافيا وحضاريا ، رحابا للفن والابداع…وجدة المدينة التاريخية ، الغنية بتراتها وفنونها ، الحية بانتاجاتها وابداعاتها…كانت تفتقر الى فضاءات عمومية لاحتضان الندوات والمحاضرات ، اللقاءات والتظاهرات…العروض الفنية والمسرحية…وكانت سينما باريس تغطي هذا العجز وتعوض هدا الفقر…وهكدا كانت ترحب بأهل الفن والابداع ، رجال  الفكر والسياسة .
سينما باريس ، اذن ، لم تكن مكانا عاديا ، بل كانت معبدا للثقافة والفن…عشقت هده السينما وأنا طفل ، والأذن تعشق قبل العين أحيانا ، عشقتها وكنت أحلم بالصلاة في أحضانها مع الفنانين والمبدعين ، مع المثقفين والمفكرين ….أكتوبر 1980 سيتحقق الحلم ، بل سيصبح واقعا…زرت المكان فوجدته أجمل من الحلم وأبهى من الخيال…هو نادي ومنتدى ، هنا الوعي المؤسس للنضال ، النضال الاجتماعي والسياسي…وهكدا ، وفي سينما باريس ، وفي إطار نادي السينما الذي كان يسهر على تسييره وتنشيطه الاساتذة الفرنسيون بوجدة ، خصوصا اولئك الذين كانوا يشتغلون بثانوية عمر بن عبد العزيز ، شاهدت أفلاما خالدة من حيث الصناعة السينمائية ، الابداع السينمائي والمضمون الانساني….افلاما للعرض والمناقشة …وكانت المناقشة خصبة ومنتجة ، تكشف عن خلفيات الانتاج وأبعاده، المناقشة التي اكسبتنا ثقافة سينمائية، فمداخلات أهل الاختصاص في النقد السينمائي ، الابداع الفني ، الانتاج الفكري والفعل السياسي كانت مدرسة في التربية والتكوين.
في سينما باريس عشقت المسرح من خلال المسرحيات التي كانت تعرض في هذا الفضاء الذي كان يعوض غياب قاعة المسرح بوجدة….دخلت فن المسرح من باب المسرحيات الرائعة ، خصوصا تلك التي ابدعها المسرح العمالي بريادة الراحل الاستاذ محمد مسكين : تراجيديا السيف الخشبي – امراة ، قميص وزغاريد…وأخرى كثيرة….مسرحيات أرخت لمرحلة مضيئة في تاريخ وجدة الثقافي..قمة العطاء الفني….الثقافة سيدة المرحلة والابداع عنوان وجدة.
في سينما باريس تعرفت بالمباشر على كبار الفنانين والمطربين المغاربة ، على رجال الدولة والسياسة ، على رموز النضال والتغيير ، على اعلام العلم والفكر…سينما باريس ، مسار طويل وغني….والان تدمر هذه المعلمة الثقافية ، فجأة تدمر….زمن الثقافة ولى، زمن الابداع اختفى….وانتصر الاسمنت على الفن ، واغتصبت الاحجار الأشجار…وانهارت السينما لتعلو العمارة…إنه زمن العقار….ولنا في الذاكرة عودة الى الانسان ، ورجوع إلى الزمن الجميل…ولنا في مسرح محمد السادس البداية ، لنا الأمل في البقاء والاستمرار.
وإذا كانت سينما باريس استسلمت أمام قوي الهدم ، وإذا كانت ساكنة وجدة وقفت متفرجة وهي تتابع مسرحية محو الذاكرة بشكل دراماتيكي ، معلنة عجزها عن مقاومة سلطة المال….ويسجل التاريخ اقتلاع معلمة ثقافية ، لتتحول الى قصة يحكيها الكبار للصغار…وكانت هنا ، ذات زمان ، سينما باريس….اذا كان هذا هو مصير سينما باريس ، فإن ثانوية عمر بن عبد العزيز ما زالت صامدة شامخة ، بل إنها تزداد صمودا وشموخا….قد يكون الماضي عظيما إنما الحاضر اعظم….ولن تموت ثانوية عمر ،مادام في العالم انسان يتعلم، انسان يفكر…ثانوية عمر التي أعلنت في سنة 1915 ميلاد الانسان في وجدة، في المغرب…هي الماضي والحاضر والمستقبل…ثانوية عمر بن عبد العزيز ، اسم كانت تلتقطه أدناي وأنا انصت للاذاعة الجهوية بوجدة وهي تبث وصلات اشهارية تتعلق ببرنامج المسابقة بين الثانويات…كانت تلتقطه اذناي وينفذ إلى أعماقي ، فارتبطت وجدانيا بهذه الثانوية منذ كنت تلميذا بكوليج الكندي بالناظور….أعجبت بالثانوية فرسمت لها صورة في مخيلتي ، وأعجبت بألقها وتفوق تلاميذها…وكنت دائما أتمنى أن أزورها واتعرف عليها كواقع لا كتصور…..هكذا ، إذن ، تعرفت على وجدة من خلال عنوانين بارزين ، سينما باريس وعمر بن عبد العزيز….

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. T.yahya
    13/05/2016 at 02:43

    على سلامة اﻷستاذ المساوي لقد درستني أم العلوم « الغلسفة » في الباكالوريا سنة 1982 بثانوية وادي الذهب ومازلت أنا و زملائي آنذاك نتذكر إلى اﻵن تلك الطريقة الرائعة التي نورت بها عقولنا وجعلتنا نحب الفلسفة بكل تياراتها.تحياتي الخالصة للأستاذ و دمت مصدرا للفلسفة والعلوم و الثقافة تنهل منها كل اﻷجيال المتعطشة للعلم و المعرفة.

  2. الوجدي
    13/05/2016 at 09:59

    كانت و لم تعد. حينما أصبحت وكرا للدعارة و المخدرات…. للأسف الشديد إشتقنا لتلك الأيام

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.