Home»Débats»تدبير التعددية والانفتاح من داخل قلعة النقابة الوطنية للتعليم العالي

تدبير التعددية والانفتاح من داخل قلعة النقابة الوطنية للتعليم العالي

0
Shares
PinterestGoogle+

بقلم: بلقاسم الجطاري
يسجل متتبع الشأن النقابي الجامعي بالمغرب إسهابا في الحديث عن موضوع الانشقاق الذي طال النقابة الوطنية للتعليم العالي، حتى أن القارئ الغرير يخاله أمرا غريبا عن مجتمعنا وبيئتنا، دخيلا إلى ثقافتنا وسلوكنا السياسي والنقابي، مع أن تاريخ المغرب المعاصر يحتفظ بمظالم هذه البلوى وشرورها الكثيرة التي عصفت بالأحزاب والنقابات على حد سواء، إلى حد يدفعنا إلى القول أن الانشقاق في المغرب هو القاعدة المطردة، وأن الاستثناء أن ترى تنظيما يصمد المنخرطون فيه في سفينة واحدة، رغم العواصف والأنواء.
موضوع الانشقاق هذا استجلب نقاشا حادا، اختلفت معه مواقف المتتبعين بين مؤيد له، يرى فيه حركة تصحيحية لمسار منحرف يراد تقويمه، وبين معارض يرى فيه حركة تأزيمية ستزيد من أفول جاذبية العمل السياسي والنقابي وإضعافهما، والدخول في دوامة العبث واللامعنى؛ لأن الانشقاق لا يمكن أن يقود، بداهة، إلى التمكين والتصليب. والتجارب ماثلة أمامنا، لا تحتاج منا إلا نصيبا قليلا من التدبر والتمعن.
إن استقراء الإكراهات السياسية والاجتماعية الكبرى للمغرب المعاصر، يدفعنا إلى القول أن المشاريع التي ترفع شعار التجديد في ذاته مطلوبة بلا شك، بل ومطلوبة باستعجال. ونحن نقر بداية، بهذا الخصوص، أن تصورنا لموضوع  تدبير التعددية من داخل النقابة الوطنية بالجامعة المغربية بالذات، مندرج في قلب هذا الهاجس الكبير، أي هاجس تجديد الآليات، وتحديث البنيات والوظائف.
هل يمكن اعتبار التعددية الحزبية مدخلا حقيقيا لتدبير التعددية والانفتاح من داخل النقابة الوطنية للتعليم العالي ؟ أو بعبارة أخرى، كيف السبيل إلى التعامل مع التعددية بوصفها واقعا سوسيولوجيا مشروعا ومقبولا من طرف الأساتذة الجامعيين والوزارة الوصية على حد سواء؟
إن مسألة تدبير التعددية تطرح أمامنا أسئلة عميقة أخرى تتفرع عن هذا الإشكال، وهي أسئلة تحوم حول الخصوصية النقابية الجامعية، وتستدعي تأمل جملة من القضايا التي نعرضها تباعا:
– إن مسألة الخصوصية النقابية الجامعية أضحت تطرح ظواهر اجتماعية وثقافية غريبة وغير مسبوقة. ولذلك يلزم توخي الكثير من الحذر من الاكليشيهات المضللة حين نكون بصدد القيام بهذا التشخيص.
– ثمة متغيرا على قدر كبير من الأهمية في التحليل السوسيولوجي الاستراتيجي للحقل النقابي، أو بعبارة أدق لأوضاع نقابية خاصة ومحددة. هو مسألة التدبير النقابي لهذه الأوضاع، فما يهم هذا النوع من التحليل ليس رصد صخبها الإعلامي وأحجامها الكمية، لأن العمل النقابي لا ينضبط لحساب صارم يشتغل بطريقة رقمية.
–  ما يهم هذا التحليل هو الحقل النقابي لا النقابة ذاتها، ولكن رصد الوسائل التي يتم بها تخطيط قواعد اللعب الاجتماعي والبيداغوجي والسياسي داخل الحقل النقابي الوطني.
–  يقتضي الأمر كذلك وضع المنتوج النقابي في قلب الحياة الجامعية، أي في قلب الحقل التواصلي الذي ينهل من داخله الفعل الثقافي أشكاله وعلاقاته المختلفة.
–  في زمن التعددية الحزبية يكمن الطابع المعقد والمخادع للظاهرة النقابية في صفتها التواصلية المزدوجة. فهي من جهة تقنية تواصلية حادة تمتلك قدرات لا محدودة على التوسع الأفقي والعمودي الذي يمكن رصده بأدوات القياس السوسيولوجي، ومن جهة أخرى مادة تواصلية لزجة وزئبقية تنفلت عن مجال نظر العين المنهجية.
– إن النقابة هي الحارس الاستراتيجي للتضامن السوسيو-مهني للأساتذة، غير أن محاصرتها بسيل من الاكراهات الاجتماعية والسياسية، جعل نجاحها متعذرا بالوسائل والتقنيات القديمة، وأصبح مطلوبا الانفتاح على ذهنيات سياسية ونقابية جديدة تطور الأداء النقابي، وتوسع من دوائر تأثيره كما وكيفا.
– إذا أردنا وصفا حقيقيا كان علينا الإنصات إلى قلعة النقابة الوطنية كما ترى هي ذاتها، لا كما يراها الساعون إلى تحنيطها بوشاح الشعارات الجوفاء والجامدة.
لقد كنا إلى عهد قريب نعتقد أن نقابة التعليم العالي في مأمن من التجاذبات الهدامة والتيارات الجارفة، بسبب يقيننا بحكمة قواعدها المناضلة التي حضنت هذا الصرح الذي بنته الأجيال المتعاقبة منذ 1969؛ تلك التي ترسخ في وعيها الجمعي أن النقابة إرث جماعي ساهمت في صناعته النخب المثقفة بجميع مشاربها السياسية والإيديولوجية ومرجعياتها الثقافية، ومن ثم فهي ليست مجال مزايدات، ولا محل نقاشات ديماغوجية، لكن يبدو أن فئة من الأساتذة يملكون رأيا مختلفا تماما عما كنا نظنه، والدليل خروج عدد من المهللين لخبر الانشقاق، كما لو أنه فتح عظيم، وهؤلاء في الحقيقة لا يستشعرون خطورة المرحلة، ودقة المنعطف الذي وضعوا فيه أنفسهم، ولهؤلاء نقول إن النقابة الوطنية أمانة في عنق هذا الجيل الذي وجب عليه الحرص عليها، واستحضار مسيرة الصمود والمقاومة التي أبداها الرعيل الأول في وجه العواصف زمن الرصاص، حيث كانت أم الوزارات تتربص بالعمل النقابي، وتسعى إلى إضعاف وهجه، وتفكيكه بما تملك من قوة ولوجستيك. دون أن تجد إلى ذلك سبيلا.
إن النقابة الوطنية للتعليم العالي، ورغم الأخطاء التي ارتكبت من قبل بعض من تحملوا المسؤولية فيها، ظلت تدافع عن الجامعة العمومية، جامعة أبناء الشعب والطبقة الكادحة، وستظل تدافع من خلال قواعدها عن وظيفة الجامعة الأساسية التي هي نشر العلم و المعرفة، ضد التوجهات الليبرالية الجديدة التي تحاول فرض رؤيتها التجارية بخصخصة الجامعة تدريجيا باعتبارها  مقاولة  يجب أن توضع في خدمة الاقتصاد والطبقات الرأسمالية.
علينا أن نطالب كقواعد نقابية بحوار وطني ديموقراطي حول رهانات النقابة في القرن الواحد والعشرين، بعيدا عن كل تعصب مقيت أو مصلحة شخصية عابرة؛ لأن مستقبل الجامعة المغربية أصبح على المحك. والسؤال الذي قد يطرح هو:
هل نحن في حاجة فعلا إلى نقابة جديدة ؟ هل انتهت سبل الحوار وأغلقت الأبواب، وأصبح الانشقاق هو الملاذ والمخرج، وتفريخ النقابات هو الخلاص؟ أليس من الأجدى أن ندعو إلى كلمة سواء، ونفكر مليا قبل فوات الأوان في إيجاد حل لإيصال هذه السفينة إلى شط الأمان، بدون أن نفرط في وحدتنا التي هي سر قوتنا، ولا في هذا الصرح الذي بناه أسلافنا لبنة لبنة، وصار فخرا للأجيال المتعاقبة؟
قد يقول البعض أن القانون الأساسي للنقابة الوطنية للتعليم العالي لم يعد يستجيب لتطلعات المرحلة الراهنة، وأنه يشكل عقبة في طريق خلق الأرضية التوافقية بين الاتجاهات المختلفة داخل الجامعة المغربية، ولهؤلاء نقول أن المؤتمر الاستثنائي هو محطة المكاشفة وتقديم الاقتراحات والتصورات للآليات التي يجب أن تشتغل بها النقابة الوطنية للتعليم العالي، من خلال صياغة قانون أساسي جديد أو بتعديل بعض بنود القانون السابق، خصوصا وأن المادة الثالثة منه تنص على أن الحياة الداخلية للنقابة الوطنية تنبني على مبادئ: الديموقراطية والتضامن والعمل الجماعي « الذي يكفل المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المنخرطين ».
هذه المادة تدفعنا على سبيل المثال إلى التفكير في مسألة التمثيلية الجهوية داخل الأجهزة النقابية الوطنية بما في ذلك اللجنة الإدارية والمكتب الوطني، وذلك لفتح باب العمل التشاركي، وتحديد معايير هذه التمثيلية التي يمكن  أن تكون على أساس مراعاة عدد المؤسسات الجامعية، أو بحسب القطاعات المختلفة « علوم إنسانية، علوم محضة… »،  أو بحسب الانتماءات السياسية، أو بحسب المحاصصة.
إن المؤكد أن قاعدة المبادرة الأساسية هي ضمان النوايا الحسنة، فبتوفرها تتوفر البدائل والحلول، والعبقرية المغربية ليست عاجزة عن تدبير الخلافات مهما عظمت، ولهذا نكرر ونقول إن الانشقاق ليس هو الخيار الوحيد المتاح، وأن سياسة الهروب إلى الأمام ليست حلا، بل هي صرخة مكابرة سرعان ما ستخبو، وستظهر عندئذ الورطة التي وقع فيها السائرون في هذا الطريق.
إن الجامعة المغربية ليست في حاجة الى ظهور هيئة نقابية جديدة لاعتبارات كثيرة، يمكن استقصاؤها بقليل من النباهة، وإذا كان لا بد من التذكير بهذه الاعتبارات، فإننا نجملها في ما يلي:
–    الأطر الجامعية لا يشكلون قوة عددية مقارنة بالقطاعات الأخرى.
–    نسبة كبيرة من الأطر ستصل الى سن التقاعد في أفق 2020.
–   عدم تعويض الأطر المتقاعدة بخلق مناصب جديدة.
–   تراجع الهم النقابي لدى شرائح واسعة من موظفي التعليم العالي.
–  دخول فئات جديدة إلى الحقل الأكاديمي (الأساتذة العرضيون، الطلبة الباحثون المدرسون…).
لذا فالحفاظ على وحدة الكيان النقابي ضرورة تستلزمها التحديات الراهنة التي تواجهها الجامعة المغربية بكل مكوناتها، من قبيل الإجهاز على التعليم العالي العمومي والسير به نحو الخوصصة، وكذا انفراد الجهات الإدارية بتدبير الشأن التعليمي وخطط الإصلاح، وعدم الإشراك الفعال للمتدخلين الآخرين، ومنها هيئات التدريس، ثم احتدام الصراع السياسي والإيديولوجي داخل الساحة الجامعية ودخوله مسارات مقلقة من العنف الطلابي المتبادل بين الفصائل، علاوة عن تدهور وضعية الشغيلة الأكاديمية على مستوى الحقوق الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية، إلى جانب تعرض النخب الأكاديمية لسلسلة من المضايقات (إدارية، أمنية، طلابية، مجتمعية…) وغيرها، خاصة مع سير الوزارة الوصية نحو نهج التقليص من قوة النخب الأكاديمية عدديا وقانونيا من خلال سياسات التوظيف الجديدة واللجوء إلى الساعات المؤدى عنها. تلك بالذات هي حالة الجامعة المغربية والحقل  النقابي الوطني للتعليم العالي اليوم، وهي حالة تقتضي وضع الحسابات الحزبية الضيقة جانبا، والانخراط في طريق رص الصفوف بكثير من الذكاء  والحكمة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *