عملية المغادرة الطوعية في قطاع التعليم والحيف الصارخ
وجهة نظر
عملية المغادرة الطوعية في قطاع التعليم والحيف الصارخ
سلمى المعداني
1
ـ العبث بالمساطر والقوانين
إذا كانت الاستفادة من المغادرة الطوعية رهينة بموافقة الإدارة، وإذا كانت من بين الفئات المعنية أطر التدريس الذين يزاولون هذه المهمة والمتوفرون على 21 سنة من الخدمة الفعلية بالنسبة للمدرسين ، و 15 سنة بالنسبة للمدرسات، فلتشرح لنا اللجنة المشرفة على عملية المغادرة الطوعية في نيابات التعليم والأكاديميات لماذا سمحت بالاستفادة لفئة أطر التدريس الذين لايزاولون هذه المهمة ولم يقوموا حتى ب 10 سنوات من الخدمة الفعلية في الأقسام، لماذا متعت بالاستفادة من التعويض أطر التدريس الذين قضوا مدة طويلة بدون مهمة داخل الإدارات؟ ولماذا حرمت هذه اللجن الفئة المستوفية للشروط ومنحت الموافقة السريعة لأولئك الذين لايستوفون أي شرط، اللهم 21 سنة من التقاعس وأكل السحت؟
ولماذا حرمت من الاستفادة من عملية المغادرة الطوعية المدرسين الفعليين الذين تجاوزوا الخمسين سنة وقضوا أزيد من ربع قرن في الأقسام؟ بكل بساطة لقد غيرت هذه اللجن الشرط بعكسه، فأصبح شرط الموافقة على المغادرة الطوعية في النيابات والأكاديميات. »المدرسون الذين لا يزاولون مهمة التدريس بصفة فعلية«. ماذا يسمى هذا التصرف في قواميس القانون؟ لكم يا أيها المسؤولون عن تطبيق القوانين واسع النظر
.
2
ـ العبث بمصلحة الوطن
أصيبت مؤسسات تعليمية عليا بنزيف حاد حين غادرها طوعيا أزيد من 50٪ من أطرها العليا؛ كهولا و شبابا، فأغلقت وحدات وشعب ومسالك بكاملها بين ليلة وضحاها
.
يبدو جليا إذن أن البلد ليس بحاجة لا لأطباء ولا لأساتذة جامعيين ولا لمدراء ومسيرين ذوي خبرة، ولكن البنيان سينهار إذا ما استفاد من عملية المغادرة الطوعية مدرسو اللغات والعلوم، سنهم يناهز الستين سنة، قضوا أزيد من ثلاثين سنة داخل الأقسام. يحاربون الجهل، فشاءت الأقدار أن يهزمهم الجهلاء والمتجاهلون بعد عمر من الجهاد الأكبر. ببساطة، ألقيت مسؤولية التعليم الجسيمة على كاهل الكهول، وتمنعوا يا أولي الألباب- أما الأدهى من هذا ذاك، فهو كون مدرسين، اختبأوا منذ زمن داخل مراكز عليا وإدارات تابعة للتعليم هربا من الأقسام ومتاعب التلاميذ ووجع الدماغ…، فجازتهم الإدارة على تقاعسهم وعلى هروبهم من المسؤولية وعلى أكلهم السحت حين سمحت لهم بالاستفادة من »الانطلاقة« الغريبة المريبة، فزادتهم سحتا على سحت مع رسالة شكر وامتنان
.
هذا ما يجري الآن في أجمل بلد في العالم – أي نعم- إننا لسنا في عالم كافكا، بل هذا واقع يتجاوز كل ما تخيله كافكا في روايته الشهيرة
. « Le procés »
3
ـ الحكم بالموت البطيء على مدرسات ومدرسين كونوا عدة أجيال.
مدرسات ومدرسون لم يشفع لهم سنهم المشرف على الستين ولا سنوات العمل الفعلية المناهزة للثلاثين. كيف يعقل أن تقرر لجن في نيابات التعليم وفي الأكاديميات ألا يستفيد من عملية المغادرة الطوعية المدرسات والمدرسون الذين قضوا أكثر من ربع قرن يمارسون مهنة التدريس بصفة فعلية، وفي نفس الآونة تقوم هذه اللجن بمحاباة من هربوا من مسؤولية التدريس بل وبمكافأتهم بمنحة معتبرة؟
إن ما نعاينة بالواضح والملموس أن هذه اللجن تجازي متقاعسين لم يؤدوا أدنى خدمة لهذا الوطن، بل الأدهى. أكلوا أموال الشعب لمدة سنوات، ثم تحرم جنودا قدموا خدمات جليلة وكونوا أجيالا ومن حقهم تغيير نوعية نشاطهم. أيسمح قانون الوظيفة العمومية بهذا التمييز وبهذا الحيف الصارخ، فيُحرم مدرسٌ يعمل بجد يجبر على الأعمال الشاقة والموت البطيء بينما يستفيد مدرسون، لا مهمة لهم تذكر، من امتيازات لمجرد أنهم لا يمارسون التدريس؟ أهذه حجة قاطعة في المساطر القانونية المنظمة للوظيفة العمومية؟ أم هي شبهة وتمويه لدر الرماد في العيون؟ 4 ـ رفض تطبيق مذكرة إعادة الانتشار على المتقاعسين تكريسا للمغادرة المعنوية
.
هذا هو بيت القصيد. إن الكل يسمع بهذه المذكرة منذ عقود. ولحد الآن، لا تتوفر أي إدارة على الشجاعة والنزاهة الكافية لأجرأة مضمون هذه المذكرة التي لا تطبق إلا على من لا سند له في مراكز القرار
.
يدعي المسؤولون عن تدبير الموارد البشرية في النيابات وفي الأكاديميات أنهم مجبرون على الاحتفاظ باحتياط كاف فيما يخص هيئة التدريس، ويشتكون من هاجس الدخول المدرسي ومن نقص في الحاجيات
.
كفى ضحكا على الذقون – عوض أجرأة مذكرة إعادة الانتشار بطريقة موضوعية وممنهجة تقوم النيابات والأكاديميات بتعبئة احتياطي من هيئة التدريس مكون من كهول على وشك التقاعد الكامل، سيغادرون الوظيفة العمومية بعد 4 أو 5 سنوات. هذا، إذا لم يأت المَلك عزرائيل ويعفي هؤلاء المعذبين في الأرض من ملاقاة »المدبرين« المتجاهلين للمصالح العليا للوطن. إن المسؤولين عن تدبير الموارد البشرية يتوفرون على احتياطي جد مهم. والكل يعلم ان مراكز ومؤسسات تكوين أطر التعليم ومراكز البحث العليا والإدارات التابعة للوزارة مكتظة بمدرسين وبمدرسات لامهمة لهم تذكر في الإدارات التي عينوا فيها منذ زمن، وإن هذا لغني عن كل تعليق
.
ثم إن عدم تطبيق إعادة الانتشار كان وما زال في حد ذاته تشجيعا على المغادرة المعنوية. فمن غادر القسم واختبأ في إدارة بدون مهمة، غادر معنويا وظيفته القانونية بموافقة ومباركة إدارته. أما الآن، فبعد هذا التمادي في تجاهل هذه المذكرة، وبعد مكافأة آكلي السحت بالاستفادة من عملية المغادرة الطوعية، غار الجرح واستفحل النزيف لأن اللجن في النيابات والأكاديميات تقوم حاليا بتكريس المغادرة المعنوية بشكل صارخ
.
5
ـ انطلاقة وتأهيل الطفيليات والمضاربين
أمن لم يعمل طول مدة توظيفه قادر على إنجاز مشروع بناء؟ إن الطفيلي لن يتحول إلا إلى مضارب أو سمسار. إن الهدف الثاني من عملية »الانطلاقة« التي تشرف عليها وزارة تحديث القطاعات هو التحفيز على إنجاز مشاريع مقاولات صغرى أو متوسطة بمساعدة من طرف الوزارة في إطار شراكة مع وزارة الصناعة والتجارة وتأهيل الاقتصاد
.
لاشك في أن الموظف الذي تخلى عن واجبه وسمح لنفسه ولمدة طويلة بالتمتع بمرتب تدفعه له الخزينة العامة من أموال الشعب، سيدخل سوق السماسرة بمجرد حصوله على التعويض وسيشجع على المضاربات وبالتالي سيزيد من نسبة التضخم المالي. إنه كارثة، سواءداخل الإدارة أو خارجها
.
يا أيها المشرفون عن هذه »الإنطلاقة« في النيابات والأكاديميات، فباستثناء فئة قليلة من الموظفين النزهاء المؤهلين لإنجاز مشاريع بناءة، إنكم فتحتم القماقم وأطلقتم عنان العفاريت والمردة الذين سيدمرون اقتصاد البلاد. فالقاعدة العامة هو أنه من عمل بجد في الوظيفة العمومية هو المؤهل لتنفيذ أو للمساهمة في مشروع هادف، والملاحظ خاصة أن الذين مارسوا مهمة التدريس لمدة طويلة بمجرد ما تمنح لهم الفرصة والوسائل يوظفون كفاءاتهم بمهارة في عدة ميادين. فلماذا إذن التغاضي عن ماهو معقول وموضوعي؟ أهول جهل بالمسلمات؟ أم هو تلاعب بمصلحة البلد وجري وراء المصالح الشخصية الدنيئة؟
.
هذه وجهة نظر أستاذة التعليم العالي يمكن أن تفتح نقاشا واسعا بين من يهمهم الأمر
.
بخط اليد
بين عبد السلام وجاك
أجمل ما في قانون الرياضة ، كانت رياضة جماعية أو فردية ، هو الاعتزال عن الميدان في الوقت المناسب . ذلك أن الرياضي يتخلى عن نشاطه حينما يبدأ يشعر أنه غير قادر على الاستمرار في العطاء ، فينسحب ليترك مكانه للوجوه الجديدة
.
حبّذا لو كان نفس الأمر يسري على مجالات أخرى ، ومن بينها المجال السياسي على الخصوص الذي يشبه حَلَبَة عريضة طويلة كلها حواجز وعراقيل ، يشتعل فيها رأس الشاب شيبا ويقرع ، ويتمزق حذاؤه في الطلوع والهبوط حتى لا نقول في النضال ، ولا يراوح مكانه القاعدي وكأنه مشدود إليه ، إلى أن يأتي من يحمل خبر »المناضل الذي قضى بعد حياة حافلة بالعطاء في صمت ونكران ذات .. وما بدّل تبديلا …« إلى آخر الأسطوانة
.
…
جريدة العلم
Aucun commentaire