Home»Débats»مسلك البكالوريا المهنية أو مسلك المتعثرين

مسلك البكالوريا المهنية أو مسلك المتعثرين

0
Shares
PinterestGoogle+

بقلم هشام البوجدراوي

تواجه المسارات المهنية في منظومة التربية والتكوين إكراهات متعددة على مستوى التمثلات الاجتماعية، التربوية والمهنية، حيث ينظر إليها في الغالب باعتبارها ملجأ للتلاميذ الذين لم يوفقوا في مسارهم المدرسي والمنحدرين من أوساط اجتماعية هشة، مما يجعلها توصف كخيار اضطراري أكثر منه توجيهاً واعياً نحو مشروع مهني متكامل. وتتغذى هذه الصورة النمطية من ملاحظات الأطر التربوية حول مستوى المتمدرسين/ت الهزيل ومن ضعف آفاق الإدماج المهني والاقتصادي لخريجي هذه الشعب.

وقد أشار بعض الباحثين، ومن بينهم اللغوي الفرنسي آلان بنتوليلا، إلى أن المسارات المهنية في فرنسا أصبحت تمثل في بعض جوانبها مجالاً يستقطب المتعثرين دراسياً، وهو توصيف يمكن أن يمتد ليعكس بدرجات متفاوتة وضعية الشعب المهنية في المغرب، التي لا تزال تعاني من تحديات حالت دون تحقيق الأهداف التربوية والتنموية التي أُنشئت في الأصل من أجلها.

شهادة للتوظيف أم شهادة متابعة الدراسة؟

تعد مسلك البكالوريا المهنية مساراً دراسياً يمتد على مدى ثلاث سنوات بعد مستوى السنة التاسعة من التعليم الثانوي الإعدادي، ويقدم من خلاله ما يقارب 20 تخصصا، يجمع بين مواد التعليم العام والمهني بالإضافة إلى حصص التطبيق المهني الميداني. ويمكِّن هذا التكوين الطلبة من اكتساب معرفة نظرية ومهارات تطبيقية، تجعل حاملي هذه الشهادة قادرين على ممارسة نشاط مهني داخل المقاولة، مع إمكانية مواصلة دراستهم، خاصة في شعب التكوين المهني أو مسالك التقني العالي.

وقد كان الهدف من إحداث البكالوريا المهنية سنة 2014 هو المساهمة في إدماج الشباب في سوق الشغل، وتشجيع روح المقاولة، وتزويد الاقتصاد الوطني بيد عاملة مؤهلة. غير أن ضعف ثقة المقاولات في هذه الشهادة المهنية، وعدم ملاءمة التكوين مع حاجيات سوق العمل، إلى جانب غياب الدراسات الاستشرافية حول سوق التشغيل، جعل هذه الأهداف محدودة الأثر. وهكذا، ورغم أن هذه الشهادة تتيح نظرياً متابعة الدراسة في التكوين المهني العالي أو بالجامعة عبر مسالك الإجازة المهنية، إلا أنها عملياً تظل أقرب إلى شهادة للتوظيف في مهن متواضعة بأجور ضعيفة تقترب من الحد الأدنى للأجر، مع نسب محدودة فقط من خريجيها الذين يتمكنون من استكمال مسارهم الدراسي العالي.

من إكراهات التكوين إلى صعوبات الاندماج المهني

لا تزال التجربة المرتبطة بالشعب المهنية تواجه عدداً من التحديات البنيوية والبيداغوجية التي تحدّ من قدرتها على تحقيق الأهداف المرجوة. إذ يجد العديد من المتعلمين صعوبة في الحصول على تداريب ميدانية ذات جودة، وحتى في حال توفرها غالباً ما تفتقر إلى التأطير الكافي والمصاحبة التربوية اللازمة. كما يشكل ضعف التنسيق بين الثانويات التأهيلية ومؤسسات التكوين المهني عائقاً أمام انسجام المناهج وتكاملها، وهو ما ينعكس في ضعف المواظبة الدراسية وصعوبات الاندماج في الوسط المدرسي خصوصا بالثانويات. ويزداد الوضع تعقيداً مع محدودية الاعتراف بشهادة البكالوريا المهنية وضعف تقدير كفاءة خريجيها لدى بعض الفاعلين الاقتصاديين. وإلى جانب ذلك، يبرز غياب برنامج دراسي خاص بهذا المسلك في المواد غير المهنية، وضعف التحكم في اللغات الأجنبية، وارتفاع رسوم التسجيل في مؤسسات التكوين المهني، فضلاً عن التباين بين القوانين الداخلية للثانويات ومؤسسات التكوين المهني. كما يلاحظ قصور في حملات التوجيه المهني، التي لا تستند إلى معطيات إحصائية دقيقة حول حاجيات سوق الشغل، إضافة إلى محدودية المصاحبة الميدانية أثناء التكوين وبعد الاندماج في المقاولة.

نحو رؤية إصلاحية

أمام هذه الإكراهات، تبرز الحاجة إلى رؤية إصلاحية متجددة تعيد لشهادة البكالوريا المهنية قيمتها في سوق الشغل، وتجعل من المسار المهني خياراً واعياً ومبنياً على تخطيط تربوي سليم، وذلك عبر إعادة بناء صورته في الوعي المهني المقاولاتي، بعيداً عن الأحكام المتدوالة اجتماعيا، وتحسين جودة التأطير من خلال تكوين أساتذة متخصصين، وإرساء خدمات الإرشاد النفسي والتربوي لمعالجة صعوبات السلوك والانضباط. كما يقتضي الأمر توفير معطيات إحصائية دقيقة وشفافة حول نسب الاندماج في سوق الشغل وآفاق متابعة الدراسة، وتنظيم معارض داخل المؤسسات المهنية لعرض منتجات المتعلمين/ت ومشاريعهم بما يتيح للمقاولات والفاعلين الاقتصاديين التعرف على كفاءاتهم. ومن جهة أخرى، من المهم تشجيع هذه المقاولات على القيام بزيارات دورية للمؤسسات للتعرف على البرامج التكوينية والمساهمة بملاحظاتهم حول تطوير مناهج وبرامج التدريس بما يستجيب لحاجات سوق الشغل. وفي السياق نفسه، يستدعي الأمر تبسيط منهجيات تدريس اللغات الأجنبية وتنمية الكفايات اللغوية للمتعلمين بما ييسر فهم مضامين المنهاج والتفاعل بسلاسة في البيئة المهنية، باستثمار أمثل للغة التخصصية المرتبطة بالمجال المهني، حتى يتمكنوا من اكتساب المصطلحات المهنية التي تؤهلهم للاندماج الفاعل في سوق الشغل.

خاتمة

إن مسار البكالوريا المهنية في المغرب، رغم أهميته كجسر بين التعليم وسوق الشغل، ما يزال يواجه تحديات بنيوية مرتبطة بالتمثلات الاجتماعية والمهنية، وضعف ملاءمة التكوين مع حاجيات السوق، وغياب التنسيق المؤسسي. ولتحويل هذا المسار من « خيار اضطراري » إلى « خيار واعٍ واستراتيجي »، يتطلب الأمر إرادة إصلاحية شاملة تُعيد الاعتبار لهذه الشهادة، وتمنحها مكانة فعلية في السياسات التعليمية والتشغيلية. بذلك، يمكن للبكالوريا المهنية أن تتحول من مسار للمتعثرين إلى رافعة حقيقية للتنمية والعدالة الاجتماعية، وفضاء لإعداد جيل مؤهل، واثق، ومندمج بفعالية في سوق العمل.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *