Home»Enseignement»مهلا أيها الاعلام

مهلا أيها الاعلام

0
Shares
PinterestGoogle+

كان علينا أن نعاني عقودا طويلة من عقم الاتصال بسبب احتكار الدولة لمصادر المعلومة في وقت معين، الى درجة أن بلادنا اختارت للجهة الوصية على ،، الأخبار،،وزارة سمتها وزارة الانباء في حقبة من تاريخنا المعاصر.
كانت الرقابة القبلية مسلمة يخضع لها كل المتشغلين بالاعلام ، لا سيما غير الحكومي منه، مما جعل الصحافة ،، التقدمية،، تعاني من الحجز وتتكبد اعباء مادية جسيمة تسببت في توقفها أحيانا كثيرة.
تلك فترة قد خلت ومضت معها وضعية قاتمة، وكان علينا انتظار الثورة الاعلامية القادمة من وراء البحر ليتحرر الناس من وصاية بئيسة أخرست الألسنة والاقلام الشريفة ردحا من الزمن.
لقد خرجت الشعوب عن سيطرة حكامها في مجال الاعلام، وولى زمن الرقابة الى غير رجعة، حيث صار بوسع الانسان أن يتلقف الخبر من مصدره معززا بالصورة متحديا كل الحواجز التي تمترست خلفها بعض الحكومات التي كانت تسعى الى التحكم في توجهات مواطنيها ومراقبة انفاسهم.
ان الفترة التي نعيشها اليوم هي فترة التخمة الاعلامية، حيث تعددت وسائط الاتصال، وتقاربت الشعوب واصبحت تتقاسم الانشغالات، مما أتاح لها أن تؤثر في مواقف حكامها عبر تعبئة الراي العام ودفعه للضغط من أجل تحقيق مكاسب او اتخاذ مواقف.
واذا كان الاعلام قد تحول الى أحسن سلاح لتوجيه السياسات واحداث التغييرات المنشودة هنا وهناك، فانه قد اطلق أيدي معظم الناس لبث السموم وخلط الاوراق.
لعل المتتبعين يذكرون كيف كان الاعلام المصور يمهد الطريق لتبرير الحروب والتدخل في شؤون الغير، وكان ابرز مثال في عالمنا العربي، تلك الحملة المنظمة التي سبقت غزو العراق من خلال الحديث عن امتلاكه لمدفع عملاق ، ومصانع لانتاج اسلحة الدمار الشامل و…الى أن أصبح العدوان يكتسي شرعية دولية باركها العرب قبل الغرب!
لندع أحابيل الاعلام تفعل فعلتها عبر العالم، ولنتأمل حالة الاعلام في بلادنا خاصة في هذه الايام التي أستأسد فيها الجميع لمحاكمة وطن بأكمله بدعوى وجود فساد لم نكتشفه الا منذ بضعة اشهر!
أن الدولة قائمة في المغرب منذ قرون أرست لنفسها تقاليد لا تروق الجميع، لكنها تحتضن الكل، لسبب بسيط وهو ان التناقضات ضرورية ليظل الصراع قائما من اجل تحقيق الأفضل، ولذلك لن يخلو الوطن من مفسدين ومحرومين ومجرمين وكل مكونات المجتمع ولو دبر الشان من طرف علماء الأمة، لأن الخطأ انساني كما قيل.
كانت الامور تمضي عادية في وطن يزخر بخيرات غذائية استثنائية في ظل وجود طبقية اجتماعية صارخة: فمن المقتاتين على الفضلات الى الذين يعافون المنتوج الوطني ويجلبون أغذية من وراء الحدود بعملات ثقيلة، لا يهمهم من هذا الوطن الا ما يقع تحت أيديهم ليتولى الفقراء حمل الهموم الكبرى: فهم الذين ينتجون ويبنون ويحمون الوطن، لكنهم لا يقررون!
هذه امور لا تخفى على احد، وكل الوطنيين الغيورين يفكرون في الوسائل التي من شانها أن تعالج الجروح دون قتل الجسد، وفي مقدمة هذه الوسائل التمكن من وضع الوطن في ايد أمينة يختارها المواطنون بعقلانية كما يحصل في البلاد المتحضرة.
عندما انطلقت الاحتجاجات في الريف، فوجئنا ببعض المنابر الاعلامية تلجأ الى أساليب المكر لتحقيق مكاسب مادية من خلال الاتجار في ماس بعضها حقيقي والاخر مصطنع لتأليب الناس ضد كل شيء في وطنهم حتى حاد الاحتجاج عن أهدافه التي قام من أجلها ليتحول الى صراع بين فريقين: فريق الرفض وفريق المعارضة مما يهدد باحياء النعرات والطائفية لا قدر الله.
ومن الامثلة على ضلوع بعض الاعلام في اساليب المكر، اختيار صور البؤس من هنا وهناك عبر الوطن لاستدرار العطف: فهذه عجوز تعيش وحيدة ، وهذا طفل حافي القدمين، وهؤلاء تلاميذ وجدوا صعوبة في التعامل مع الامتحان، واولئك طلبة يشترطون تقزيم المقرر لانهم قضوا جل اوقات السنة في الاحتجاجات والخطابة الحماسية….
ان من يتأمل ما تنشره بعض وسائل اعلامنا المستقلة خاصة، يخيل اليه وكان بلادنا لم يسبق ان كان فيها فقراء ولا حالات اجتماعية مؤلمة، بل ان كل شيء ظهر فجأة مع تشكيل حكومة جديدة!
ايستطيع احد ان ينكر بان الأسرة المغربية ظلت متماسكة بسبب طبيعتها التضامنية، حيث ظلت هذه الاسرة تعيش ربما من دخل واحد من افرادها فقط، ولم يجرؤ احد على التخلص من والديه كما يحدث الان ليصبحا مادة اعلامية سمجة؟
لقد توحد الخطاب لأول مرة، واصبح الناقمون يتهمون الوطن ومسيريه بدون استثناء لأن الرزق لم يصل الى ايديهم بدون عناء!
لقد اصبحنا امام مطالب نسمع عنها لاول مرة: لماذا لم يمنع وزير الصحة الموت عن المريض الفلاني؟ ولماذا سمح للمرض بأن يقتحم جسد فلانة؟ لماذا يمنع المراقبون المترشحين للامتحان من الغش؟
انه دفتر مطالب جديد فيه املاءات لانهاية لها، ولا يقابلها واجب واحد يستحق المكافاة!
لم نعد قادرين على مواكبة هذه التيارات لأننا تعلمنا أن الواجب نحو الوطن سابق على الواجب نحو النفس.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *