نسيت أن نفسي ألد أعدائي(4)
.إن مصدرها، وبكل تأكيد، هوا لنفس الأمارة بالسوء.بدليل قوله تعالى : { وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي } (سورة يوسف آية 53). و قوله :{ قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي } (سورة طه آية 96 ) وقوله { فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين } (المائدة 30) . لقد بين القرآن الكريم، أن النفس تمر بثلاثة مراحل: أولا ها الأمر بارتكاب المعاصي والمنكرات، وكل القبائح، والنهي عن الطاعات ،وكل المروءات. – كما سبقت الإشارة إلى ذلك -. لكن كيف يمكن لنا أن نميز بين الشر الصادر منا، والذي نكتسبه بفعل إيحاءات، ووسوسة الشيطان؟ وبين الأعمال الشريرة التي تصدر منا، بفعل هوى النفس، وميلها للغرائز الحيوانية المشبعة بالملذات ،المعنوية والحسية .؟
إن عمل الشيطان مقيدا بالوسوسة أثناء الغفلة والنسيان، للخطيئة وعقابها.فهو يزين ،يوحي ، يوسوس، يغري، يفتن،يعد ، يكذب يغوي، ينزغ… ولكن تنفع معه الاستعاذة بالله. أما النفس فهي تنفر من التكاليف ، وإتيان الطاعات ، وتحب الاشتغال بالباطل ،ولا تشبع من الملذات . تأتي الشر،وتعصي الله ،مستهينة ومستصغرة لذنوبها ، دون نسيان، ولا غفلة، من صاحبها ، وبإسرار منها . مع التقدير الكامل لعظمة الذنب، وللعقاب المترتب عنه، وبعلم وفهم، لشرع الله وشريعته، ولأوامره ونواهيه …ولا تنفع معها الاستعاذة بالله .وإنما ينفع معها شغلها بطاعة الله، والخوف منه، ونهيها عن الهوى، ومخالفتها وعصيانها. { ..فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى } (سورة النازعات آية 50-51) .ويقول الإمام البصيري : ( وخالف النفس والشيطان واعصهما // وإن هما محضاك النصح فاتهم )
إن التعاون المتين بين النفس الأمارة بالسوء ، والشيطان على الفساد والإفساد ،محدود بحدود الحياة الدنيا، أما في الآخرة ، فيكفر كل منهما بالآخر ، ويلعنه. بل ويومئذ يخطب الشيطان في أتباعه متبرئا منهم جميعا قائلا لهم:- كما ذكر ربنا على لسانه –
: { إني كفرت بما أشركتموني من قبل}( سورة إبراهيم آية 22) { كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين } .(الحشر آية 16)
إن النفس الأمارة ، في تصوري ليست شريرة بذاتها، و طبيعتها. بل هي مزدوجة الطبع، خيرة وشريرة في نفس الوقت . تملك من القدرات والإمكانيات، ما يجعلها تميل إلى الفضائل أو إلى الرذائل بنفس النسب. فالنفس تملك قوة غريزية بهيمية، حيوانية يحكمها منطق اللذة أو اللبيدو . كما تملك أيضا قوة العقل والفكر، الذي به تتم معرفة الخير والشر، ويميز بين والحق والباطل. يقول الدكتور محمد فاروق النبهان : […ولهذا فإن النفوس تقبل التغيير عن طريق التربية.والنفس التي تملك قوة الغريزة المسيطرة، تملك في نفس الوقت، قوة الفكر والتمييز.وبفضل هذه القوة تنصرف النفوس ،إلى السيطرة على قوة الغرائز، معتمدة في ذلك على القوة العقلية المدركة التي تصارع، قوة الغريزة البهيمية وتسيطر عليها بالإرادة. (أثر التربية الإسلامية في السلوك الاجتماعي- كتاب دعوة الحق العدد 4 ص 38-39-السنة 1999 ) ومن ثم فهي قابلة بكل تأكيد للتوبة والإصلاح . يقول الدكتور محمد فاروق النبهان :[النفس الإنسانية في نظر بن مسكويه جوهر بسيط ،غير محسوس بشيء من الحواس ، وتختلف النفس عن الجسم في قابلية النفس تصور الأشياء المتناقضة والمتعارضة ،ولا تقبل الأجسام ذلك ،إلا بعد زوال صورتها الأولى ، ولهذا فإن النفوس تقبل التربية والتغيير والتبديل والإصلاح والتكوين ، ولا تقبل الأجسام أي تغيير في شكلها. إلا بعد زوال الصورة الأولى لها .] ( مرجع سابق ص 79) . وقد تنتبه هذه النفس إلى غفلتها، وسوء تصرفها، وتتوب إلى ربها، فتعود باللوم على صاحبها لشدة ندمها ، فتحاسبه على عدم فعل الخير، والإكثار منه، وعلى فعل الشر، وعدم الإقلاع عنه .{ولا أقسم بالنفس اللوامة ..{القيامة 2) .يتبع
Aucun commentaire