هل يمكن تدارك انهيار منظومتنا التربوية ؟؟؟
مما جاء في الأثر أنه ما خلق الله داء إلا وخلق له الدواء. فبعدما حصلت القناعة لدى الجميع سواء كانوا مسئولين أم أهل اختصاص واهتمام أم عامة الناس بأن منظومتنا التربوية أصابتها علة بشهادتنا الداخلية وشهادة غيرنا الخارجية لا بد من طلب الدواء لهذه العلة ؛ ولا بد من إمكانية وجود هذا الدواء بموجب قانون مقابلة الدواء للداء في الناموس الإلهي . وتبقى المشكلة فقط في وصف الدواء المناسب للداء بعد التشخيص . أما إذا ما استمرت قناعة البعض بأن منظومتنا بخير وعافية؛ وأن القضية لا تعدو تقرير صندوق النقد الدولي المغرض الذي يستهدفنا لسبب من الأسباب فلا حاجة لطرق هذا الموضوع جملة وتفصيلا.
علة منظومتنا التربوية وباختصار شديد ودون خوض في التفاصيل والجزئيات والأسباب والمسببات والمسئوليات الأخلاقية وغير الأخلاقية تكمن في كون منتوج هذه المنظومة البشري لا يستجيب لحاجيات المجتمع. فالقانون الطبيعي الذي لا خلاف حوله ولا يتناطح فيه كبشان كما يقال و الذي يحكم كل الكائنات هو ارتباط وجود الأشياء بالحاجة إليها لتسير الحياة سيرها الطبيعي. فإذا ما كانت منظومتنا التربوية تمدنا بمنتوج لا يلبي حاجيات تقتضيها حياتنا فمعنى ذلك أنها مصابة بعلة . ومن المعلوم أن وجود الأشياء دون حاجة إليها يعني غياب الغايات والأهداف وبالتالي غياب التخطيط. والتخطيط بطبيعته مرتبط بالزمن؛ فمن التخطيط ما يصلح للمدى القريب ومنه ما ينفع للمدى المتوسغ ومنه ما هو صالح للمدى البعيد. وهذه الأنواع من التخطيط مرتبطة جدليا ببعضها حيث يؤثر كل نوع في الأخر سلبا وإيجابا . فالمنظومات التربوية في كل بلاد الدنيا تمد المجتمعات بالرأسمال البشري الذي يصنع التنمية بكل أوصافها المادية والمعنوية.و هذا الرأسمال شبيه بالرساميل المادية لأنه يستثمر ويعود بالأرباح على المستثمرين ؛ فإذا زلت قدم التخطيط لهذا الرأسمال فشل الاستثمار.
وكل الأمم تربط منظومتها التربوية بحاجياتها مما يؤثر في مسار هذه المنظومة بشكل دائم ومستمر.فأهل الاختصاص في التخطيط يضعون نصب أعينهم حاجيات المجتمع بعد ضبطها بدقة لا يمكن أن تكون دقة متناهية بطبيعة الحال ؛ وإنما تكون قريبة من المعقول والمنطقي والممكن ساعة تناولها في الحاضر مع احتمال تناقص هذه الدقة نظرا للطوارئ غير المتوقعة في المستقبل . ولهذا وجد التخطيط على مستويات زمنية متفاوتة طولا وقصرا.
فالمجتمعات تعبر عن حاجياتها في وقت معين إلا أن هذه الحاجيات تتغير مع مرور الزمن مما يجعل مهمة التخطيط التي هي التنبؤ صعبة نظرا للتغييرات التي تطال الحاجيات باستمرار.
ومن أجل توضيح مبسط لعلاقة المنظومة بحاجيات المجتمع نقدم الطرح التالي:
لنفرض أن حاجيات المغرب المستقبلية وفق الخطط إما العشرية أو الخمسية هي حاجيات مقدرة تقديرا كميا معينا ؛وهي بطبيعة الحال غير متوفرة ؛ فإن التخطيط يتدخل لتكون هذه الحاجيات متوفرة مئة بالمئة في المدة الزمنية المحددة سواء كانت عشرية أو خمسية ؛ فالنقصان أو الزيادة في النسبة المئوية معناه زلة التخطيط ؛ وهو خطأ التوقعات.
فكثير من المهتمين بشأن المنظومة التربوية المعتلة يفكرون في إصلاح آني وهو غير متأت إطلاقا. فإذا ما كانت الرغبة صادقة وأكيدة في علاج المنظومة فلا بد من حصر الأجيال المتمدرسة باعتبارها المنتوج أو الرأسمال البشري في الفترة الراهنة ؛ والبدء بالتخطيط لكل فوج من الجيل الواحد ؛ علما بأن الجيل الواحد يتضمن أكثر من فوج لمدد زمنية معلومة .فالجيل الدراسي الواحد يقدر بما يزيد قليلا عن عقدين من الزمن . والخطط المحددة زمنيا سواء كانت خمسية أم عشرية أم غير ذلك داخل عمر الجيل الواحد تحدد أفواج الجيل الدراسي الواحد . فالجيل الدراسي الذي سيلتحق خلال هذا الموسم 2008 سيكون منتوجا صالحا للاستثمار ابتداء من سنة 2017 باعتبار الشهادة التعليمية الثانية ؛ وابتداء من 2020 باعتبار الشهادة التعليمية الثالثة ؛ و2023 فما فوق باعتبار آخر شهادة تعليمية ؛ لهذا على التخطيط أن يضبط حاجيات المجتمع من المنتوج الأول على المدى القصير ؛ ومن المنتوج الثاني على المدى المتوسط ؛ ومن المنتوج الثالث على المدى البعيد ؛ وهذه الأنواع من المنتوج كلها أفواج من جيل دراسي واحد ؛ علما بأن الأجيال الدراسية تتداخل بحكم تعاقبها .
فما حصل لمنظومتنا هو توفر فائض المنتوج الذي لا يستجيب لحاجيات المجتمع مما يعني فشل تنبؤات التخطيط للمرحلة الراهنة. والخطأ الجسيم الذي يرتكبه بعض من يريد حل مشكل فائض المنتوج هو التفكير في إيقاف عجلة الزمن التي تدور بتعاقب الأجيال والأفواج ؛ مما يعني حل مشاكل أفواج وأجيال على حساب أخرى. صحيح أن أخطاء التقديرات والتنبؤات التي يقع فيها التخطيط نظرا لطوارئ غير متوقعة قابلة للمعالجة ولكن هذا لا يقف حجر عثرة دون عمل التخطيط الروتيني. فالمنظومة كالجسم إذا ما أصيبت بنزلة خفيفة كان العلاج علاج نزلة فقغ أما إذا أصيبت بعلة خطيرة فلا بد من علاج مناسب للعلة الخطيرة. فوجود بطالة آنية هو عبارة عن نزلة خفيفة لها وصفة دوائها ؛ ولكن إذا ما صارت البطالة هي منتوج المنظومة المستمر فالقضية أكبر من النزلة ولها وصفة خاصة بها .
إن ما يمكن أن يسمى ميثاقا وطنيا لمعالجة المنظومة التربوية وليس لإصلاحها إذ الإصلاح لفظة مضللة لا تعكس العلة الحقيقية هو ميثاق حقيقي وليس مجرد نقل من النقول الكندية أو غير الكندية المستنسخة مع المسخ المحلي تضطلع به نخبة تزعم أن لها التمثيلية الحقيقية للمجتمع والمشروعية وهو أمر غير صحيح ؛ وتتقاضى عليه أجرا ليصير في النهاية عملية مقامرة تغامر برأسمال لا يقدر بثمن. ميثاق علاج المنظومة هو ميثاق الجميع قد يصل الأمر إلى حد الاستفتاء في شأنه على غرار الاستفتاءات المصيرية ؛ ويكون ميثاق شرف تلتزم فيه كل الأطراف بتحمل مسئوليتها الكاملة ذلك أن أصحاب القرار وباستشارة أصحاب التخطيط والخبرة والاختصاص يصارحون الأمة بالحاجيات وفق المدد الزمنية ليتم توجيه المنتوج صوبها بدقة ؛ ويكون من حاد عن الوجهة مسئولا مسئولية مباشرة لا بد لها من جزاء. فإذا ما افترضنا أن المغرب خطط لمحاصرة الأمية بشكل كامل سنة كذا ؛ فإن الأمر يصير ملزما للجميع بحيث يعتبر من عطل مشروع محاصرة الأمية في الموعد المحدد وفق ما خطط له مع توفير شروط الانجاز مجرما يعاقب بموجب القانون وبلا هوادة.
إن منظومتنا تعاني من علة الهدر على عدة مستويات ؛ والمسئولية لا تقع على جهة دون أخرى بل هي مسئولية أطراف عدة عند التقصي والبحث لهذا لا بد من خطوة ميثاق الشرف قبل ميثاق العلاج ؛ ولا مبرر لعقلية التملص من مسئولية الفشل ؛ والإقبال على النجاح ؛ فكم من فئات اجتماعية تظن أنها بعيدة عن مسئولية فشل المنظومة التربوية معتقدة أن المنظومة شأنا لا يعنيها والحقيقة أنها من أسباب الفشل؛ فالآباء والأولياء مثلا غير المنخرطين في شأن المنظومة والذين يغيبون ساعة الحرث والبذر والسقي ولكنهم يحضرون ساعة جني الثمار كما جاء في كتاب الأستاذ بوكماخ رحمه الله في حكاية الديك الرومي التربوية الهادفة يعتبرون داخل دائرة المسئولية عن فشل المنظومة لأنه لا يوجد ميثاق شرف يقيدهم ؛ ولا يعرضون على قانون يسمى قانون محاسبة الإهمال والذي يطالبون به عندما يتعلق الأمر بغيرهم من الشركاء.
إن الطريق إلى علاج المنظومة شائك وغير معبد ويتطلب تعبئة شاملة كاملة وتضحيات جسيمة لا يضطلع بها من يفكر في مصلحة شخصية ضيقة ؛ أو في دعاية استهلاك آني رخيصة إنها عملية إنقاذ داخل قاعة إنعاش بأقل عتاد وتجهيز ولكن بإرادة تفوق الجبال طولا وتخرق الأرض عرضا؛ وصدق من قال:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم // وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها// وتصغر في عين العظيم العظائم
6 Comments
اننا لا زلنا ننتظر ردة الفعل من الجهات المسؤولة في هذا الشأن ،قلت في تعليقاتي السابقة حول هذا الموضوع ان التعليم في خطر وفق ممارساتنا اليومية ووفق التقارير الأخيرة .
مع هذا السكوت لا ننتظر الا تدخل صاحب الجلالة لتنصيب هيئة عليا كهيئة الانصاف والمصالحة وليست كالمجلس الأعلى للتعليم الذي لم نره على أرض الواقع.
ننتظر لجنة من الحكماء والعقلاء والنزهاء الوطنيين الغيورين على اليلاد والعباد ،لتيدأ مشاوراتها في وضع خطة لتحليل ما وقع وما يجري في مجال التعليم (التشخيص) وذلك باشراك الجميع دون استثناء وليتحمل كل وحد مسؤوليته حتى نخرج للعالم تصورا وطنيا وليس استنساخ النماذج التي لم تصلح حتى في الدول التي نمت فيها .
رحم الله أحمد بوكماخ .
قلت سابقا هناك التلميذ ــ الكتاب المدرسي ــ المدرس ـــ الفضاء المدرسي (الحجرة ـــ الساحة ــ القاعة متعددة الوسائط ــ المرافق الصحية ــ المطاعم المدرسية ـــ الملاعب الرياضية ــ الخزانة المدرسية ـــ …….) ـــ المؤطر التربوي ــ الطاقم الاداري ـــ جمعية الآباء ـــ الطرق والمناهج التربوية ـــ الادارة التربيوية (النيابةــ الأكاديمية ــ الوزارة الوصية ) ـــ الأهداف والغايات الكبرى للتعليم (ما بعد التمدرس) …………هذه وغيرها من النقط التي يمكن أن نحللها بتأن وبعمق وأن نتفق بشأنها ونخرج بميثاق مشترك جماعي ،أما اذا قزمنا النقاش حول نقطة واحدة فقط فسندور في حلقة مفرغة ولن نصل الى نتيجة ونضيع الجهد والطاقات كما ضيعناها في السابق.
وفقنا الله واياكم لما فيه الخير والصلاح « ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا « صدق اللع العظيم .
سؤالي : هل هناك فعلا نية صادقة لاصلاح التعليم عند هؤلاء ام هي تزجية وقت فقط ؟
الحل الوحيد للخروج من المازق هو خوصصة التعليم حتى لا يدخل اليه كل من هب ودب.يؤدي الاباء مقابل ضمان الجودة الحقيقية .هكذا نقضي على الساعات الاضافية وتظهر جليا الادوار.دور المدرس المفتش المدير.ومن لم تكن له الكفاية المهنية اما التقاعد الطوعي او الاضطراري.
إن المسألة التعليمية لا تعالج بهذا المنظور. فالتعليم مسألة تهم المجتمع أكثر مما تهم الدولة. وعلينا كمجتمع أن نعمل على صيانة أي مكتسب يهم المستقبل التعليمي لبلادنا وليس من حقنا أن « نتشفى » فيما يقوم به أي مسؤول. لذا، فالمرجو تحميس المجتمع من أجل النهوض بأوضاع التعليم ضدا على إرادة المسرولين ومهما كان فشلهم واضحا. وبجانب هذا يجب أن نعي أن الالتفاف حول إصلاح التعليم يهم كل مكونات المجتمع وليس مجالا للصراع إلا فيما يخدم الصالح العام.
المنظومة التربوية تم التخطيط المحكم لضربها في العمق نهاية السبعينات وقد نجح المخطط بكل المقاييس .لأن العالم في >لك الوقت كانت تتجادبه قوتين رئيسيتين : الرأسمالية و الاشتراكية. وكان التعليم هو الممون الرئسي للحقل السياسي. وما دام التعليم يرجح كفة الاشتراكية بالدرجة الاولى فلا بد من تقزيمه و تلجيم العاملين به و تشويههم و اضعافهم و التحكم فيهم وخلق مشاكل و همبة لهم للتخلص من تأثيرهم على الساحة السياسية الوطنية. و لقد نجح المخطط بالكامل فقد تحول رجل التعليم من نمودج يقتدى به في الاخلاق و العفة و القناعة و التضحية و المسؤولية والنضال الحققي الى ما هو عليه اليوم « و استحي ذكر مواصفاة رجل التعليم اليوم ».وهذه السياسة افرزت رجل تعليم من الدرجة الصفر لا يومن حتى بامكانية الاصلاح همه الوحيد هو الجانب المادي و ليكون بدون انتاج. فأين الاستاذ الذي كان ضميره هو المراقب الوحيد له. اليوم اصبحت المطالب لا تحصى فكل فئة ترى انها متضررة و لا احد يفكر في الضرر الدي يلحق التلاميذ و هم يجب ان ستمتعوا بعلى درجة من الاهتمام في المنظومة التربوية لانه من اجلهم تتواجد المنظومة. فلا احد يبالي بحقوقهم . فرغم ان الوزارة في « حوار » مع النقابات تبتد طرق و اسباب لاعلان عن اضرابات من طرف من هب ودب و نجد رجل التعليم ومن باب الانتهازية يهرول لخوض اي اضراب معلن و البعض في اضراب مستمر و الدليل ان نتائجنا اصبحت مفضوحة. ولا نستغرب ان يضرب رجال التعليم مستقبلا ت حتى لو اعلنت الاضراب نقابة في الصيد البحري او البري او الجماعات المحلية او غيرها .المهم ان نجد مبررا ….واما هذا الوضع اقول ان اصلاح المنظومة التربوية دون الاعتراف بأنه تم التخطيط لكي تصل الى ما وصلت اليه هو من باب المستحيلات . والاعتراف يفرض و ضع خطة بالمكشوف لجبر كل الاضرار و اخطرها التدجين الذي لحق برجل التعليم والذي نراه اليوم لا يفرق بين الحق و الواجب وتحول من نمودج النضال و التضحية الى المرتزق المنافق يتربص بتلامذته و او ليائهم و ينتمي الى اكثر من نقابة ليس للنضال لكن للحماية ……….
لا يمكن. لا يمكن.