ترگى وساي………قرية الجمال في الجنوب المغربي
تعتبر ترگى وساي، من بين جماعات إقليم كلميم الشهير بتسمية 'باب الصحراء'، أهم جماعة مؤهلة لتلعب دورا سياحيا كبيرا بالنظر للمؤهلات الطبيعية والتاريخية والاجتماعية ، وتقع جماعة ترگى وساي شمال شرق مدينة كلميم وعلى بعد 30 كلم منها، وتنتمي هذه الجماعة قبليا للنفوذ الترابي لقبيلة اصبويا الموجودة في النفوذ الترابي الإداري لإقليم تزنيت، في حين تنتمي جماعة ترگى وساي إداريا لإقليم كلميم،
أصل التسمية:
"ترگى وساي" اسم أمازيغي مركب ومعناه بالعربية جنان أو ساقية الرمت، والرمت هو نبات شوكي يعرف بالاخضرار طول فترات السنة، وتعرف هذه الرقعة الجغرافية لدى السكان المحليين باسم أساكا، ومعناها بالأمازيغية الفج أو أيسر الطرق لمكان معين.
المجال الطبوغرافي:
من الناحية الطبوغرافية يسيطر على هذه المنطقة الطابع الجبلي بنسبة تصل إلى 65%وهذه الجبال هي امتداد لنهاية سلسلة الأطلس الصغير، وتتشكل قاعدتها الصخرية من الكرانيت والكلس والرصاص، وتعتبر قمة جبال الأجواد كأعلى الارتفاعات المطلة على تركى وساي بحوالي 800م ، في حين تبقى المظاهر الأخرى عبارة عن سفوح ضيقة وهضاب تتخللها أخاديد وتقطعات لروافد مائية تختلف في عمقها وانتشارها.
المناخ:
تتميز المنطقة بمناخ شبه صحراوي مطبوع بقلة التساقطات، وارتفاع نسبي في درجة الحرارة، كما تتعرض المنطقة أيضا لبعض المؤثرات البحرية مما يرفع من نسبة الرطوبة، الحاجز الجبلي الممتد على طول الجهة الشرقية لترگى وساي يجعلها شيئا ما في مأمن من المؤثرات الصحراوية ورياح الشرقي.
الغطاء النباتي:
يتميز الغطاء النباتي لترگى وساي بوجود مجموعة من الأحراش والنباتات الشوكية أهمها شجرة الأركان والمستعملة غالبا في مجال الحطب والبناء واستخراج زيت الأركان، وكذلك نبات السدرة المستعمل خصوصا في مجال تسييج الحقول والممتلكات، إضافة إلى الدغموس المعتمد غالبا كغداء للنحل، ويتميز عسل النحل الذي يتغذى على هذه النبتة بارتفاع الجودة كما يوظف أيضا إلى جانب الشبارتو والشيح في مجال الطب التقليدي، غير أن المنطقة مشهورة عامة بالصبار الذي تعددت مؤخرا مجالات استغلاله ما بين الأكل والعلف والطب والتزيين ....،
السكان:
ينتمي أغلبية سكان ترگى وساي لقبيلة اصبوية المكونة من أربعة أفخاذ هم :
إذ ياكو وأيت ياسين، وإذ عبلا أبراهيم، وأزناكة، وقد كانت المنطقة سابقا تعرف كثافة سكانية كبيرة، غير أن غياب البنيات التحتية كالماء والكهرباء والطرق والتمدرس ... عجل بهجرة مجموعة مهمة من السكان في اتجاه مدينة كلميم والمدن الجنوبية وكذا أوروبا، وقد أظهرت ذلك بوضوح نتائج إحصاء سنة 1994، والذي حدد عدد السكان في 1406 نسمة منهم 3 أجانب.
غير أن السنوات الأخيرة وبعد المجهودات التي أصبح يقدمها المجتمع المدني بالمنطقة والمتمثلة أساسا في الدخول في شراكات مع الدولة تمخض عنها ربط المنطقة بالطريق الرئيسية التي تجمع بين الجماعة ومدينة كلميم، وكذا بعض لوازم الاستقرار، بدأت المنطقة تتغير في عيون أهلها من منطقة طرد لمنطقة جدب واستقرار.
المعطيات السياحية الطبيعية للمنطقة:
تتميز جماعة ترگى وساي بمجموعة من المعطيات الطبيعية السياحية الواعدة بالعطاء والقادرة على تقديم الإضافة للمنتوج الجهوي السياحي والوطني، ومن ضمن هذه المعطيات لابد من الإشارة إلى ما توفره جبال لجواد من انحدارات وعرة يمكن استثمارها في مجموعة من الرياضات الجبلية كالتسلق مثلا، كما تتميز جماعة ترگى وساي بوجود واد دائم الجريان تصب فيه مجموعة من الأودية الموسمية المهمة كواد صياد واد بوكيلا، وواد أم العشائر إضافة إلى واد ثلاثاء اصبوية وأودية أخرى لحظية صغيرة، وقد أعطى طابع الخضرة سحرا خاصا للمكان حيث تطغى على جميع المصطبات المحاذية للوادي أشكالا مختلفة من المزروعات شكلت ولمدة طويلة مصدرا غزيرا لعيش فئة عريضة من سكان قبيلة اصبوية، ومن أهم المزروعات الطبيعية
بترگى وساي، والخالية من كل أنواع أدوية المعالجة المعتمدة بالمناطق الأخرى، نذكر بالخصوص الخضر والتين والدرة، إضافة إلى بعض المنتوجات المستعملة في الصناعة التقليدية كالقصب والسمار المستعمل في صناعة الحصير التقليدي.
كما أنه لابد من الإشارة إلى كون مصب واد ترگى وساي المعروف محليا بواد أساكا يمثل فضاء مهما وجذابا لسياحة الاستجمام وممارسة مختلف الرياضات البحرية المتنوعة وكذلك صيد الأسماك بالبحر والوادي، دون إغفال هواية القنص، كما يستجيب المجال وبشكل مميز لاهتمامات المولعين بالسياحة البيئية (خاصة الطيور المهاجرة) وبعض الزواحف النادرة المستفيدة من ضعف الكثافة السكانية بالمنطقة، إضافة إلى مجموعة من الحيوانات المهددة بالانقراض كالأروي .....
المعطيات الاجتماعية:
لقد لعب موقع ترگى وساي الجغرافي سابقا ما بين القبائل الصحراوية المعروفة بالترحال والقبائل الأمازيغية التي يغلب على طبيعتها الاستقرار، انصهار عدة مجموعات ضمن ما يعرف حاليا بقيبيلة اصبوية، وقد أسس اختلاف أصول السكان، إلى وجود لهجتين داخل القبيلة: الحسانية ويعتمدها كلغة للتخاطب حوالي 75 من سكان القبيلة والمنتمين في أصولهم لقبيلة أولاد دليم، والجزء الباقي يعتمد الأمازيغية كلغة للتواصل، وقد تولد عن هذا الاندماج فلكلورا غنيا ومتميزا يطلق عليه الهدرة، والمعتمد على أليات الدفوف والمزمار والغناء بلهجة عربية، كما يتواجد بالمنطقة لونا أخر من الفلكلور ويطلق عليه سكان المنطقة "گنگا" وهو تراث ذو أصول افريقية ويوظف من قبل ذوي البشرة السوداء المستقرين بالقبيلة، ويعرف في مناطق أخرى وخاصة لدى الأمازيغ بفن اسمگان.
ومن مميزات المنطقة أيضا لا بد من الحديث عن نظام السقي الذي يعتمد على وسيلة تقسيم الماء على خمسة فؤوس، ومعناها عدد الأشخاص الذين تطوعوا في البداية لاستصلاح أراضي المنطقة وتطويعها، ويقسم الفأس بمفرده إلى عدة ترام وهو مصطلح أمازيغي ومفرده ترمت أي الحصة أو الحصص، كما أنه لا يمكن إغفال هندسة البناء التقليدية التي ترتكز على الطوب والقصب، غير أن البناء الإسمنتي بدأ يفرض نفسه ويغير من معالم البناء خاصة بعد تحسن ظروف المعيشة لجزء مهم من السكان، إضافة إلى ما ذّكر من المعطيات الممهدة لقيام سياحة حقيقية بالمنطقة، لا بد من الحديث عن خصال الكرم وحسن الضيافة والاستقبال المندرجة ضمن أهم محددات الشخصية لدى أفراد قبيلة اصبوية. وقد تحدث عن ذلك بإسهاب العلامة والمؤرخ عبد الرحمان بن زيدان صاحب (إتحاف أعلام الناس بجمال حاضرة مكناس الجزء الثاني)الجانب التاريخي).
إن ما توفره المنطقة من كهوف بجبال الأجواد وما تحتوي عليه من رسومات لدليل واضح على أقدمية المنطقة، وأهميتها لدى الباحتين والمهتمين، كما تحتضن جماعة تركى وساي قلعة بوجريف التي شيدها الفرنسيون أثناء فترة الاستعمار، وكذلك قلعة سيدي يانو التي بنيت من طرف الاسبان، وقد اعتبرت هذه القلع أثناء الاحتلال مصدرا للرعب والخوف، وسجون للمناضلين ومقرات لتتبع ومراقبة فصائل المقاومة بالمنطقة، واعتبارا لأهميتها لدى المعمرين والباحثين الأجانب خاصة، فقد عمد أحد المستمرين الفرنسيين إلى إنجاز مشروع استثماري مهم قرب قلعة بوجريف، وتجدر الإشارة أيضا إلى كون موقع قبيلة اصبوية عامة المحاذي للمحيط الأطلسي شكل تهديدا حقيقيا للدولة المغربية إبان التوسع الاستعماري الأوروبي خلال القرن التاسع عشر،وذلك لوجود مجموعة من المراسي الطبيعية تكونت بفضل الخلجان التي تطبع المنطقة في كل من اركسيس و سيدي وارزك و وواد أسكا، ومجالات استغلال هذه المراسي الطبيعية سياحيا متعددة ومتنوعة بين الرياضات المائية والترفيهية والرياضات الشاطئية....
ومن المؤهلات المدعمة لوجود سياحة متطورة بالمكان لا ينبغي استثناء عامل القرب من مشروع محطة الشاطئ الأبيض المندرج ضمن المخطط الحكومي الرامي إلى استقطاب 10 ملايين سائح في أفق سنة 2010، وذلك بإنجاز خمس محطات سياحية كبرى ومن ضمنها الشاطئ الأبيض الذي حددت طاقته الإيوائية في 26 ألف سرير، و قصد تفعيل منتوجنا السياحي و استغلال إمكانياتنا المتاحة بشكل صحيح معقلن لابد من التفكير في خلق مجموعة من الأسس من الشروط الضرورية، ونخص بالذكر ما يلي:
-دعم جماعة ترگى وساي لبناء مخيم سياحي يستجيب لكل الضروريات بفم واد أياكا.
-دعم البنيات التحتية بجماعة ترگى وساي،
-وضع حد لتصريف مياه الصرف الصحي بواد صياد أحد روافد واد أسكا لضمان استمرارية
الثروة السمكية بالوادي وكذا سلامة الحيوان والإنسان،
-تكثيف الدعاية والترويج للمنطقة قصد إثارة انتباه المستثمرين.
- تشجيع مؤسسات القرض الصغرى لتشجيع المواطنين على إحياء بعض الصناعات
التقليدية التي أوشت على الانقراض،
-ضرورة انفتاح وكالة التنمية للأقاليم الجنوبية على مثل هذه المناطق لدراسة لجعلها قادرة على استغلال إمكانياتها.
ما سلف بمثابة بطاقة تعريف لقرية تركى وساي ونواحيها إسهاما في تنوير ذوي الاهتمام بما تحبل به المنطقة من موارد قابلة للاستثمار ومؤهلات جمالية لم تفسدها يد إنسان......فهل يستلهم الإنسان من ذلك أفكار خلاقة لإبداع مشاريع تخلق الثروة وتحمي الروعة في مكان كهذا.........
ملحوظة1: للإطلاع أكثر على هذه المعلومات التاريخية ومحاولات انجلترا التسلل عبر ممثلها كرتيس بأركسيس لابد من الرجوع إلى مجموعة من المراسلات المتبادلة بين كل من السلطانين الحسن الأول وابنه مولاي عبد العزيز من جهة، وقائد قبيلة اصبوية الحسن بن عليات وابنه القائد البشير من جهة أخرى.وكذلك بعض المراجع القليلة جدا لمؤلفين كجرمان عياش والمختار السوسي.
ملحوظة 2: بالنسبة للمراسي الطبيعية فقد كانت وسيلة المستعمرين في الاتصال بالسكان المحلين، والتوغل لداخل التراب المغربي، ولمواجهة هذا التهديد الخارجي المتنامي والراغب في استمالة وتأليب السكان على المخزن، عجل المولى الحسن الأول إلى زيارة المنطقة في 28 شعبان سنة 1299 الهجرية، لتوطيد الصلات وتجنيد أبناء القبيلة والقبائل المجاورة لمراقبة الشواطئ وتخصيص مؤن تصرف لهم من مدينة الصويرة بشكل منتظم.
إعداد: أحمد مروان باحث في التاريخ والجغرافيا
تنقيح وتصرف د.محمد النجار باحث في العلوم السياسية
شكر خاص لرئيس جمعية الصداقة للتنمية والتعاون عبد الله سمعين
Aucun commentaire