غزة ليست غزوة للغزاة
غزة ليست غزوة للغزاة
أبو سفر الصرفندي
في زمن التناقض بين حسابات الحكام ومشاعر الشعوب ، قد لا يعرف الإنسان ما هي حسابات الحكام ، ولكنه يعرف ما هي مشاعر الشعوب ويعرف أنها لا يمكن أن تلتقي مع حسابات الحكام ، ولذلك لا يمكن لأي شخص أن يقنع شخصا بأن يتغير سواء بالمنطق والقوة أو بسحر العاطفة ، لأن كل شخص يحرس في داخله بوابة تغيير لا تفتح الا من داخله ، ولذلك بدأ الإنسان الفلسطيني ولأول مرة في حياته يشعر بحريته التامة المطلقة وخاصة عندما واجه الجدار والحصار وقرر أن يحرر صورته من ذاتها لأنه كان يشعر في قرارة نفسه انه غير صادق مع نفسه ، ولأنه كان يشعر أيضا انه عندما كان يبدأ الحديث كان الوضع يخونه وكان اختيار الكلمات يخونه وكان حتى الشخص الذي يصغي إليه يخونه ، ولذلك قرر أن يكون ولأول مرة صادقا مع نفسه ومع غيره وأن يصنع لنفسه بوابة للخروج من الحصار والجدار حتى لا يدع نفسه عرضة للخداع ، لأنه أدرك أن الناس صنفان احدهما يغرق في الطوفان والآخر يغرق في كأس ولذلك قرر أن لايغرق في الكأس وأن يغرق إذا كان لا بد من الغرق في الطوفان ولكن بعد أن يغرق الدنيا كلها قبل أن يغرق ، لأنه قرر أيضا أن لا يسمح لهذا العالم بعد أن يموت أن يستمر في قتله وذبحه المرة تلو الأخرى ، وإذا كان هذا جنون فأهلا بالجنون إذا كان هو الطريق الوحيد للتسوية بين الحق والقوة ، وإذا كان هذا جنون فأهلا بالجنون إذا كان هو الطريق الوحيد في مواجهة الحكام الذين يحملون المصباح للشيطان ، وإذا كان هذا جنون فأهلا بالجنون إذا كان هو الطريق الوحيد في مواجهة الحكام الذين يحملون المباخر بين يدي الإرهابي بوش قاتل أطفال فلسطين والعراق ، وإذا كان هذا جنون فأهلا بالجنون إذا كان هذا هو الطريق الوحيد في مواجهة الحكام الذين تنعدم فيهم صفات البشر ويفتقرون إلى الرحمة والإنسانية ويعيشون كالحيوانات المفترسة التي تبحث عن فرائسها ، وإذا كان هذا جنون فأهلا بالجنون إذا كان هو الطريق الوحيد في مواجهة الحكام الذين رفعهم الحظ ورفعتهم سواعد غيرهم إلى الحكم ، وإذا كان هذا جنون فأهلا بالجنون إذا كان هذا الجنون هو الطريق الوحيد في مواجهة الحكام الذين رفعنهم المخابرات الأمريكية والصهيونية إلى الحكم ، لكن يجب على هؤلاء الحكام الذين يحاصرون غزة أن يعرفوا أن الفلسطينيون يحبون تبعا لأهوائهم الخاصة وإرادتهم الخاصة ويكرهون أيضا تبعا لأهوائهم الخاصة وإرادتهم الخاصة وليس تبعا لأهواء وإرادة إسرائيل آو أمريكا كما يحبون هم وكما يكرهون هم وكما يخافون هم أيضا ، ويجب على هؤلاء الحكام أن يفهموا انه قد يصل الإنسان إلى الحكم بالنذالة ولكنه لا يمكن أن يصل إلى المجد بالنذالة ، وأخيرا وبدون مجاملة أو مصانعة لأن المجاملة والمصانعة هي الجزية التي تدفعها الفضيلة للرذيلة أتمنى على الفلسطينيون أن لا يستمروا في دفع هذه الجزية للأنظمة التي تحاصرهم نيابة عن إسرائيل ، كما أتمنى عليهم أن يطووا مرة واحدة والى الأبد صفحة المجاملة والمصانعة ، لأن الأوضاع الذي وجد الشعب الفلسطيني فيها نفسه هي التي ترسم صورة القواعد الأخلاقية للإنسان الفلسطيني الذي يرفض الاحتلال والجدار والحصار في هذا الزمن العربي الرديء الذي أصبح كل شيء فيه مضحك حتى منظر الدم والدموع .
Aucun commentaire