تهافت مقولة العلمانية في موضوع الحجاب
نقلت وسائل الإعلام العالمية صور مظاهرة نظمتها العلمانية في تركيا ضد قرار عودة المحجبات إلى الجامعات التركية. ومعلوم أن قرار منع المحجبات من الالتحاق بالجامعات يعكس مدى التشنج في العقلية العلمانية في تركيا ضد كل ما له علاقة بالدين الإسلامي . ومنع المحجبات من ارتياد معاهد العلم معناه تشجيع الجهل عن طريق سياسة الإقصاء الممنهجح لمن لا يعتقد اعتقاد العلمانية.
والمضحك في مقولة العلمانية التركية في موضوع الحجاب هو ادعاؤها الخوف من أن يصير الحجاب مفروضا على كل النساء التركيات بسبب قانون السماح لمحجبات بالعودة للمعاهد العلمية . والذي يصدر عنه موقف من هذا النوع يؤكد أنه يسقط طريقته الإقصائية لمن يخالف اعتقاده على غيره. فالواقع هو أن السفور فرضته العلمانية التركية على النساء التركيات تحت ضغط الحرمان من الدراسة والوظيفة؛ لهذا ترى في عودة المحجبات إلى الحياة العامة سواء تعلق الأمر بالدراسة أم بالوظيفة فرضا للحجاب على غرار فرض العلمانية للسفور بالإكراه.
والعلمانية التركية من أسوأ نماذج العلمانية السيئة أصلا حيث تعتمد على قوة العسكر لفرض إرادتها على الأتراك؛ كما أن الجيش التركي يعتبر حامي حمى العلمانية في تركيا. والمعادلة المتناقضة في مواقف هذه العلمانية هو مخالفة الشعار للواقع. فالعلمانية التركية وغير التركية لا تفوت فرصة دون التبجح بصيانة الحريات العامة ؛ بل أكثر من ذلك تزعم أنها حررت الناس من سلطان الدين الذي كان يصادر الحريات؛ هذا على مستوى الشعار ؛ أما على مستوى الواقع فهي تصادر الحريات بما فيها حرية الاعتقاد. فمن المفروض أن يوجد داخل المجتمع العلماني المتبجح بصيانة الحريات كل المعتقدات دون إقصاء؛ ودون تضييق مع احترام أصحابها؛ وضمان ممارستهم لما يعتقدون دون قيود أو ضغوط لكن العكس هو الحاصل في تركيا ومن يحذو حذوها حتى في بعض البلاد العربية. ولعل حالة العلمانية التركية تعكس التناقض بين الشعار والممارسة حيث يتم التضييق على المحجبات من خلال حرمانهن من الدراسة المفضية إلى ضمان لقمة العيش ؛ وحرمانهن من لقمة العيش أيضا عن طريق منعهن من الوظائف.
وتظاهرة العلمانية ضد عودة الحجاب تذكرنا بحكاية الذئب والخروف حيث يصير الضحية جلادا حتى لو كان تيار الماء في صالح الجلاد ؛ وفي غير صالح الضحية.
ومقولة العلمانية في عودة الحجاب إلى الجامعات والوظائف متهافتة على حد تعبير صاحب تهافت التهافت ابن رشد القائل: ( مثل من منع الفلسفة عن الناس كمثل من منع عنهم الماء لأن قوما شربوا الماء فشرقوا فماتوا).فالعلمانية تبني تصوراتها للدين الإسلامي على أسس غير صحيحة ؛ فكل ما له علاقة بالإسلام يشكل خطورة عليها حسب مزاعمها ح والحقيقة أن هذا الأسلوب هو ما يصطلح عليه بالضربات الاستباقية ؛ وهي اختراع علماني لتصفية الحساب مع الخصوم قبل وقوع ما يدعو لهذه التصفية مع الخصوم.
إن العلمانية سواء تعلق الأمر بالنموذج التركي أو غيره في بلاد الغرب أو بلاد العرب هي ديكتاتورية بغيضة تفرض نفسها كبديل لا منافس له . وعندما يصير معتقد من المعتقدات إلى هذا المستوى من القناعة يكون ذلك دليلا على خطورة وجوده بالنسبة لباقي البدائل التي لها وجود في كل زمان وفي كل مكان.وقيمة كل معتقد تكمن في مدى إمكانية قبوله وتعايشه مع غيره من المعتقدات. وكل معتقد ينطلق من ذهنية الإقصاء والاستئصال مآله الزوال لأنه يحمل نهايته في ثناياه.
4 Comments
سلام الله عليكم سيدي محمد شركي الفاضل. إن مجرد التظاهر ضد هذه المسألة يبين أنهم غير ديمقراطيين. فكيف لك أن تؤمن بحرية لباس ما تشاء وتظهر بالمظهر الذي تشاء، وتحرمني من تلك الحرية بفرضك علي أن أكون مثلك في اللباس …؟ إن عمق أزمة هذه العلمانية أنها إيديولوجية. فعلمانيتهم بهذه الصورة التي تحرم الفرد من حق أساس في منظومة حقوق الإنسان وهو التعلم بدعوى الحجاب، يظهر من الحرمان بالوضوح تفاهة علمانيتهم. وشكرا
يا أخ يبدو انك تجهل حقيقة النظام في تركيا و النظام العلماني بصفة عامة. فالعلمانية لا تفرض السفور.. و إنما ترفض إدخال رمز ديني حتى و لو كان مسيحيا أو يهوديا أو بوديا إلى المؤسسات العامة لأنها ملك للعموم و من حق هؤلاء العموم ألا تفرض عليهم شعارا معينا..و لذلك من شاء فليومن و من شاء فليكفر و لكن لا يستغل اي واحد من هؤلاء عقيدته في فضاء مشترك بين العموم كالجامعة مثلا… فرجاء ألا تغالطوا القراء و القضايا لا تعالج بالضرب على وتر العاطفة و الصياح و إنزال اللعنة على الآخرين ، هذا أسلوب كان في القرون الوسطى ..و أرجو ألا تغضب مني ..هو رأي فقط.
إلى السيد زهير
لن أغضب منك ولا من غيرك بسبب رأيك ؛ وعكس ما ظننت بي أنا أومن بشعار لا إكراه في الدين ؛ وهو شعار الإسلام
ولو كانت العلمانية كما صورتها يا سيد زهير لصانت وحافظت على حرية الاعتقاد للجميع . فإذا كانت العلمانية لا تفرض السفور فما معنى كونها تمنع الحجاب . السفور خيار والحجاب خيار فالإديولوجيا التي تسمح بالسفور وتمنع الحجاب هي بالضرورة ووفق المنطق مع السفوركخيار لهذا فلا مبرر للذرائع الواهية . العلمانية عقيدة لا تقبل غيرها من العقائد ؛ وهذا معناه الإكراه في الاعتقاد . وحسب منطقك الهش يا سيد زهير إذا المجتمع فيه اليهودي والمسيحي والبوذي والمسلم فما معنى أن يكون اليهودي يهوديا والمسيحي مسيحيا ؛ والبوذي بوذيا والمسلم مسلما في بيته ؛ وفي الشارع ؛ ولا يكون كذلك في مؤسسة تعليمية. لماذا تفرض العلمانية الانفصام على الناس ؟؟
ألا ترى أنك أنت صاحب المغالطة ؛ وأنت العازف على وتر العاطفة ؛ وأنت صاحب الصياح ؛ وأنت صاحب أسلوب ما قبل اكتشاف النار وأرجو ألا تغضب مني فهذا أيضا مجرد رأي فقط ولكم دينكم ولي دين
أتفق مع الأخ شنوسي زهير، فالعلمانية تفرض شيئا واحدا هو: أن لا تفرض أية عقيدة نفسها على العموم… وبالتالي فهي تدافع باستماتة على هذا المبدأ، والدليل أنها لاتحرم أي أحد من التعبد بطريقته الخاصة، وهكذا نرى أن الإسلام انتشر بكثرة في أروبا وخاصة في فرنسا العلمانية مائة بالمائة… ونلاحظ أنه لولا العلمانية التي ترعى هذا الحق، أي التدين بحرية لما سمحت للمسلمين ببناء المساجد… كما نفعل نحن الذين نرفض العلمانية ونقرنها جهلا بالإلحاد فقط (صحيح أنها ترعى كذلك هذا الحق) ونمنع ليس فقط بناء الكنائس وإنما نحاكم كذلك من تسول له نفسه أن يدخل الإنجيل إلى البلاد ونتهمه بالدعاية للتنصير… فأي منطق هذا؟ فهل يعقل أن نصرخ ونشتكي عندما تقوم العلمانية بحماية مبادئها التي تسمح لنا كذلك بممارسة عقيدتنا، وتسمح لنا ببناء المساجد في الدول الغربية، لكننا نرعد ونزبد عند سماعنا أن شخصا ما ضبط وفي حوزته إنجيلا؟؟؟ ونرعد ونزبد عندما تمنع العلمانية أي رمز عقائدي في المؤسسات العمومية؟ علما أن لا أحد يجادل أن الحجاب رمز عقائدي بامتياز، كما هو الشأن بالنسبة لبذلة الراهب؟ فهل رأيتم داخل المؤسسات العمومية شخصا يرتدي بذلة الراهب la soutane ؟ أو القلنسوة؟ لأنها كلها رموزا دينية، فما بالك بالبردة أو النقاب أو الحجاب؟ إذن شيئا من المتطق: إما يتم الإعلان صراحة الجهاد ضد العلمانية وتتم محاربتها حتى في عقر دارها بدعوى أنها دار حرب (هذا ما نفهمه من خلال التدخل في قوانين الآخر)، وإما احترام قوانين الدولة المضيفة، وإما الرجوع إلى البلد، دار السلم والإسلام، والانكفاء على الذات ورعايتها وحمايتها من « التلوث » لأنها ذات طاهرة، وليست فاسدة كما هو الشأن بالنسبة لذات الآخر الغير المسلم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويكون ضمن لها الجنة… فأي طريق يسلك، وبكل شجاعة، من يعتبر نفسه عدوا لذوذا للعلمانية، وبدون نفاق ولا مراوغة؟؟؟
لأن الخطاب العدائي للعلمانية داخل هذا المنبر تعدى حدوده، واستفحل، فليس هكذا نبني المستقبل، مستقبل تحكمه قوانين القرية/الكون المتعدد الأجناس والعقائد الذي يتنافى مع الدوغمائية والتنميطية، وليس الكون المطلق الأحادي النظرة كما تصوره أجدادنا…