أمريكا تفشل في تصنيع قرآن جديد للعرب!
مانشيت المقال:
مرة أخرى مع "الفرقان الحق"، زاوية نظر مختلفة .
أمريكا تفشل في تصنيع قرآن جديد للعرب!
"الفرقان الحق" يوزع في الكويت على الصغار!
من الناس من يرهبه سعي أمريكا الحثيث إلى توزيع كتابها الفرقان الحق على أطفال المدارس في الكويت أو بنشره على أوسع نطاق في شتى أرجاء العالم الإسلامي. ويبدو أن ذلك راجع إلى الكثير من عناصر التشابه التي تجمع هذا الكتاب بالقرآن الكريم، وسآتي على ذكرها بعد تذكير من يريد التعايش والسلام بواجب احترام الأديان. وبعد أن أؤكد على حق حكومات الوطن العربي والإسلامي في منع وتجريم كل ما يهاجم خصوصيات بلدانها، ويضلل صغارها، بخاصة إذا تعلق الأمر بالدين باعتباره خصوصية مقدسة.
من الناحية العلمية والأكاديمية ليس ثمة ما يقلق بشأن ما جاء في كتاب الفرقان الحق. إن مؤلفيه لم يملكوا الجرأة الأدبية لوصف هذا الكتاب -الذي يقدمونه للقارئ العربي والإسلامي- بأنه وحي حق، أنزله الله للناس كافة، أو قدموه بأنه يضاهي القرآن الكريم أو يتحداه. بل إن من صاغا مقدمة الكتاب – وأحسبهما من ألفا الفرقان الحق- اكتفيا بالإشارة إلى أن دواخل الإنسان تتوق إلى العوالم الغيبية، والفرقان الحق قمين بالإجابة عن غوامضها.
يبدو أن من ألف هذا الكتاب قد بذل جهدا معتبرا في انتقاء قاموس اللغة والتراكيب والشعر والأوزان والفقه والأحكام. وبالرغم من هذا المجهود، الذي أحسب أنه دأب سنين طوال، فإنه لم يأتي إلا بسور عجاف لا تقوى حتى على المقارنة بكلمة واحدة ضمن النسق القرآني المحكم. ولن يجد فيه القارئ العربي ولو قطرة من بحر جمال وجلال وإحكام تعبير القرآن الكريم، كما لن يقرأ فيه السور الطوال التي لا يأتيها الخلل من بين أيديها ولا من خلفها، ولا الآيات المحكمات لغة ومعنى.
إن ما سيجده القارئ سوى انتحال بعض أسماء سور القرآن العظيم، وسرقة بعض الصيغ القرآنية وتوظيفها على نحو أشوه. وسيكون مؤلفو الفرقان الحق مغفلين إن هم ظنوا أن لغة كتابتهم يمكن أن تنال إعجاب وإكبار القارئ العربي متوسط الثقافة فضلا عن عالي المستوى. وما يمكن أن يراهن عليه مؤلفو الكتاب هم الأحداث أو ذووا المستوى التعليمي والثقافي الأولي، لذلك لم يجدوا حيلة سوى تسويقه عند أطفال الكويت وأطفال غير الكويت، و"أخشى" ألا ينطلي خداعهم هذا حتى على الأطفال!
إن ما جاء به الأمريكان لا يستحق حتى تسمية تقليد جد جد … رديء لنص القرآن الكريم، إذ إننا نجدهم يستعيرون منه مثلا سورة الفاتحة والنور والقدر لإيهام الناس بأن ذلك هو الجزء الصحيح والمدون محرفا في القرآن الكريم. ثم جاءوا بسور يفترض -حسب إيحاءاتهم- أنها حذفت من القرآن الكريم كسورة الثالوث، وسورة الصلب، وهي كلها تحيل إلى العقيدة المسيحية المحرفة.
والقارئ لهذا الكتاب يجده من أوله إلى آخره مركبا تركيبا لغويا شاءِها من عبارات القرآن الكريم، وينسج على منواله نسيجا رديئا. فلنقرأ هذا المثال الذي يجمع بين انتحال السورة وانتحال التركيب في سورة القدر :" إنا أنزلناه بالحق في ومضة الفجر في ساعة القدر" ما هذا التكرار السمج لحرف "في"! هيهات هيهات أن يدرك شعر الأطفال هذا بيان القرآن العظيم. فاسمع كلام الله المحكم إذ يقول :"إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر." ليلة القدر تعاد ثلاثة مرات كتابة لكنك لا تسمع منها نشازا في أذنك، ولا تستثقل تكرارا من لسانك.
يظن الأمريكان أن الكلام المسجوع يستهوي القارئ العربي، فصنعوا له قرآنا كله سجع وتقفية، لكنه بتأمل يسير سيكتشف أن تلك الأوزان والأسجاع لا تعدو أن تكون إبداع أطفال.
فرقان أمريكا يكفر المسلمين ويحرم الجهاد:
جل آيات فرقان أمريكا تفتتح بمخاطبة عباد الله الضالين والمشركين والكافرين، ويقصدون بذلك المسلمين. إن كان القرآن الكريم قد وظف هذه العبارات بوجه الحق وباستحضار البرهان القاطع، مخاطبا اليهود والمسيحيين، فإنه لم يتحامل – وحاشاه أن يتحامل- إلى درجة تصدير كل آياته بأوصاف تقدح في من خالفوا صراطه المستقيم، بل إنه أحيانا، ورغبة منه في التقريب، يأمر نبيه مناداتهم بقوله: "قل يا أهل الكتاب".
فاسمع كيف يهاجم الفرقان الحق المسلمين بسيف التكفير قائلا:" يا أهل الكفران من عبادنا الضالين"، ثم يتهمهم بالشرك قائلا :" يا أيها الذين أشركوا من عبادنا"، بل ويرد على المسلمين بأسلوب القرآن حينما يفضح تحريف اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل، قائلا ." وما كان لكم أن تجادلوا عبادنا المؤمنين في إيمانهم وتكفرونهم بكفركم". ثم لا يفوته استعمال أسلوب القرآن في تأكيد صحة الإنجيل في قوله خاب وانتكس: " وحفظوا الإنجيل في الصدور سنين عددا ثم دونه نفر منهم بأعيننا وإنا له لحافظون."
ثم يمر إلى الحديث عن الجهاد، ويقدم الصيغة التي تسعى أمريكا إلى إرسائها في البرامج التعليمية في البلدان الإسلامية، فيقول زل وذل:" وزعمتم بأننا قلنا قاتلوا في سبيل الله وحرضوا المؤمنين على القتال وما كان القتال سبيلنا وما كنا لنحرض المؤمنين على القتال إن ذلك إلا تحريض شيطان رجيم لقوم مجرمين."(أكذبوبة الموعظة/ص:71 ).
شريعة الفرقان الباطل تحرم النكاح والطلاق والتيمم!
وإن تعجب فعجب أسلوب عرض أحكام الشريعة التي يسنها فرقان الباطل، فقد جمع في آية ما لا يجتمع ليخلع عليه حكم الحرمة. قال خائبا خاسئا:" وما كان النجس والطمث والمحيض والغائط والتيمم والنكاح والهجر والضرب والطلاق إلا كومة ركس لفظها الشيطان بلسانكم وما كانت من وحينا وما أنزلنا بها من سلطان" (سوءة الطهر/ص: 107). يبدو أن الكاتب هنا قد استدرجه إيقاع الكلمات فاستعملها دون أدنى تمحيص لمعانيها، فكيف يجمع بين كلمات تدل على الطهارة بمفردات تحيل على العلاقات الزوجية؟ وكيف يشرك عناصر تدل على الإحداث والنجاسة بعناصر تحمل معاني الطهر والتطهر؟ إنه لخلط فظيع! في كتاب بين يدي مفتر كاذب. فالنجس والمحيض والغائط مسميات تندرج في خانة المنجسات، والقرآن الكريم يشير إلى ذلك بلطف وأدب جم، أما التيمم فمعلوم أنه حالة جد خاصة ويستعمل في غياب الماء، أو حين يتعذر استعمال الماء لمرض، حتى لا ينقطع فعل العبادة، أما الأصل في الطهارة فهو الوضوء والغسل بالماء عقب كل حدث. أما الطمث فهو وطء المرأة، ومعناه محمول على الوطء الحلال، أما النكاح فهو ضد السفاح، ويعني الزواج، وليس فيه ما يجعله يحمل صفة النجاسة إلا إذا كانت عقيدة النصارى المحرفة تعد الزواج إثما ومفسدة.
أما عن الهجر والضرب فهجر ماذا أو ضرب من لمن، وإن كان يريد بذلك بعض أحكام الأسرة فما علاقة ذلك بالغائط أو البول، وإن سنت هذه الأحكام الربانية لتعلم الرجل منهج التدرج في التعامل مع الأنثى الناشز، فإن الفقهاء بينوا أن الضرب المقصود هنا ليس بموجع ولا مبرح. أما حكم الطلاق فلا مفر منه إذا استحالة المعاشرة ولو أنه أبغض الحلال عند الله. أما قوله "إلا كومة ركس"، فـحرف"إلا" معروف وكلمة كومة معروفة، أما رِكْس فلا وجود لها في لغة العرب، وحسب علمي إنها تسمية يسمي بها العجم الكلاب.
ومن يمتلك أدنى معرفة بالعقيدة المسيحية المحرفة يعلم أنها لم تدرج ضمن مباحاتها فعل الزواج إلا بصعوبة بالغة، ثم حرمت الطلاق بعد ذلك. فالفضل يرجع إلى الإسلام الذي فرض عليها الزواج بقوة الطبيعة والمنطق، وهو أيضا من سيرغمها على إباحة الطلاق بقوة الطبيعة والمنطق. وقراءة ما وراء السطور تعلمنا بأن من يكاد يحرم على الناس الزواج ويحرم عليهم الطلاق جملة، حتى إذا استحالة معاشرتهم لأزواجهم ولم يقدروا على الطلاق فكثر بينهم الهجر والضرب إلى أن يتدحرج كل واحد منهم إلى سوق يراد لها الرواج فيبيع أو يشتري كل يوم ما يشبع نزواته ورغباته. من يضع حواجز أمام الزواج ويحرم الطلاق لا يريد أن يبقي أمامهم إلا خيار الزنا أو الشذوذ. وذلك هو عين ما يدعو إليه اليهود وحلفاءهم الأمريكان، وذلك هو نموذج ثقافتهم العولمية.
من خلال ما سبق يبدو أن كتاب الفرقان الحق جاء ليستدرك ما فات محرفي الأديان والتاريخ الجدد من تلفيق للكتب المقدسة. وبعد تعذر حشو الإنجيل بكل ما ينص على معاداة المسلمين ومهاجمة عقيدتهم وشريعتهم ، لأن التعديل فيه قد أغلق من زمان، عمدوا إلى تصريف ذلك في كتاب مستقل بهدف إخماد قوة المقاومة الفكرية والمادية التي يستلهمها المسلمون من القرآن الكريم. ويبدو أن ذلك قد أخذ منهم مجهودا كبيرا ووقتا طويلا لتحيينه وترتبيه على أوزان ولغة ومنطق القرآن العظيم، ولا شك في أن مؤلفيه أدركوا معنى تحدي القرآن أقحاح العرب بأن يأتوا بآية من مثله، ولم يستطيعوا فخسروا التحدي، فأنى لمدجني العجم أن يأتوا بذلك. وكان قد حاول بعض العرب قديما الإتيان بسورة على وزن سورة الفيل فقال:" الفيل وما أدراك ما الفيل له خرطوم طويل" فسخر الناس منه وظل سخرية للتاريخ.
واليوم تأتي أمريكا بفريق من المستشرقين العاجزين حتى عن النطق السليم بلغة العرب، كي يأتوا بفرقان باطل لا يأتيه الحق من بين يديه ولا من خلفه. ولما فشلوا في تسويقه للكبار غيروا وجهتهم نحو الأحداث الصغار، آملين التلبيس عليهم، وتسريب الشك إلى عقيدتهم، لكنني "أخشى" من ألا ينال تأليفهم هذا إعجاب وثقة حتى الصغار من أمة خاتم الأنبياء والمرسلين. وآنئذ تصير أمريكا بصنيعها المتخلف لـ"فرقان الأطفال" سخرية للتاريخ .
بقلم: محمد بالدوان.
باحث في مجال نظريات التواصل بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة محمد الأول. وجدة
1 Comment
حياك الله على هذا المقال واصل بحثك