لدكتور محمد الفتحي في حوار هام حول الحكامة في تدبير المشروع المجتمعي
ا
حاوره عزيز باكوش
تعرف السياسات العمومية اليوم، تجددا مهما في مفهومها ، وتحولا مضطردا في قاموسها المستعمل، منسجمة في ذلك مع التحول العام والسريع الذي مس النظام الاجتماعي برمته . وإذا كان هناك تداخل كبير بين كل هذه المفاهيم وخصوصا بين الحكم التشاركي الذي يفترض تدخل مختلف الفاعلين كانوا عموميين او شبه عموميين، خواصا او مجتمع مدني في تدبير الشؤون العامة. فان أسئلة عديدة تفرض نفسها ونحن أمام مرحلة التفكير في صيغ التأسيس لمرحلة جديدة في الإصلاح التربوي التي يعتمد أكثر على مفهوم الحكامة في تدبير المشروع، حيث الحاجة ماسة الى أهمية استشارة المجتمع المدني، كرهان استراتيجي في التنمية البشرية.
.
لتسليط الضوء على مفهوم الحكامة والتدبير كمضمون ومفهوم ، باعتباره النهج الأكثر نجاعة لتدبير الشأن العام المجتمعي، حاورنا الدكتور محمد الفتحي باحث في اللسانيات والتواصل، رئيس مصلحة الموارد البشرية والاتصال بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين جهة فاس بولمان في ورقة أعدها في موضوع الحكامة في تدبير المشروع .
دكتور محمد الفتحي ، بداية ، كيف ترصدون واقع الحكامة ، وما مدى تجذره كتدبير مجتمعي راق ؟؟؟
**
الواقع أن الحقل التدبيري اغتنى خلال العقود الأخيرة بمجموعة من المفاهيم من قبيل: الحكامة، اللامركزية، اللاتمركز، التعاقد، القرب، عرفت مدلولاتها تنوعا وتطور كبيرا في علاقتها بتطور السياق الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي، والسياسي في بعده الوطني والإقليمي والدولي جودة الإنتاج والخدمات، تقليص التكلفة وتقوية القدرات التنافسية. وتنوعت المقاربات التدبيرية واتسع مجال توظيف آلياتها، لتنتقل من مجال المقاولة، والمنظمات والمؤسسات الدولية والمؤسسات العمومية إلى مجال المجتمع المدني. هو شعار المرحلة ، على يبدو للمحلل المتخصص ، والمهتم على حد سواء .
فصار القاسم المشترك بين طرفي تدبيرها ، هو منهجية التدبير التشاركي،و التدبير بالنتائج، التعاقد و التدبير بالمشاريع.
و صار تدبير هذه المجالات ينحو نحو المهنية والاحترافية، وذلك عبر توظيف مفاهيم التخطيط البرمجة، التقويم، الاستراتيجية، القيادة و الكفاية و أصبح أكثر اعتمادا على مستجدات التكنولوجيا الحديثة وتقنيات التواصل والاتصال.
هل تقصد المنحى الاقتصادي في سياقه العولمي الجارف؟
**
لم تعد تلك المفاهيم لصيقة بالحقل الاقتصادي فحسب ، بل تعدته إلى الشأن الثقافي، الاجتماعي، والتربوي والتنموي وصار مألوفا تداول مجموعة من العبارات، كتدبير النظام التربوي، تدبير الموارد البشرية، تدبير الشأن الثقافي والديني تدبير العمل الجمعوي إلى جانب عبارات تدبير المقاولة، تدبير المالية العمومية و تدبير المؤسسة العمومية. وتبعا لذلك ، اتخذ تطور وسائل الانتاج وتطور العلاقات والتنظيم والتدبير داخل المقاولة نموذجا لباقي المجالات التي أضحت بدورها تستلهم مفاهيم مقاولاتية منها مفهوم التدبير، فريق العمل، القيادة، الإنتاجية، التكلفة، الجودة، التنافسية.
– كيف يقارب الحقل السوسيوتربوي الحكامة: من زاوية المفهوم والمضمون معا ؟
**
من المحقق أن مصطلح الحكامة يرتبط بجهاز مفاهيمي متنوع الأبعاد والدلالات من قبيل، التنمية، المجتمع المدني، المواطنة، تكافؤ الفرص، الفعالية والإنتاجية، ويتميز بتعدد ضيع استعمالاته منها:
الحكامة المدنية gouvernance civile ـ الحكامة المحلية gouvernance locale ـ الحكامة العالمية gouvernance mondiale ـ الحكامة الجيدة bonne gouvernance ـ الحكامة الجديدة nouvelle gouvernance ـ الحكامة الرشيدة la gouvernance raisonnable
تبعا لذلك تنوعت حقول ومجالات نداول المصطلح فجمعت بين مجال التنمية الاجتماعية، والعلوم السياسية والاقتصادية، فما هي الحكامة إذن، ما غايتها؟ ما القواسم المشتركة بين مختلف أشكال تداولها؟ كيف تتحدد مضامينها؟ وما هي المبادئ الأساسية التي تنبني عليها؟ ما هو السياق المؤطر لتداولها؟.
هناك من الباحثين من يقرن مراوحة المفهوم من مجال العلوم السياسية الى الفضاء المدني ؟
**
أعتقد بخصوص التبلور ، أن المصطلح نشأ في الحقل الاقتصادي، واقترن بنمط التنظيم الداخلي للمقاولة، فتبلور مفهوم تدبير المقاولة، ووظف في مجال العلاقات الدولية باستعماله في الثمانينات من القرن الماضي من قبل المؤسسات المالية والدولية بظهوره في تقارير البنك الدولي، وكذا برامج الأمم المتحدة، في سياق توظيف معايير جودة اشتغال المرفق العمومي، وإعادة هيكلة اقتصاد الدول النامية والإصلاحات المؤسساتية الضرورية لتأمين نجاح البرامج والمشاريع الاقتصادية الممولة أساسا برأسمال أجنبي. ثم انتقل المصطلح إلى مجال العلوم السياسية واقترن بنمط تدبير الشأن العام والشأن المحلي، كما ارتبط بشروط تعزيز النسيج الجمعوي وتأهيل المجتمع المدني ودوره في تحقيق التنمية المستدامة. ففتح أفقا جديدا لعلاقة الدولة بالمجتمع باعتبار الحكامة رؤيا جديدة لهذه العلاقة قائمة على أساس التكامل والمشاركة وتقاسم الأدوار، وفق منظور استراتيجي ينبني بدوره على التكامل بين القطاعات العمومية والخصوصية والمجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وتعيد رسم الحدود بين هذه المجالات.
هنا تحديدا يصبح السؤال الأساسي: ما السبيل إلى تنسيق وتعبئه جهود كل الفاعلين والمتدخلين بالحوار والتواصل والتفاوض والإشراك لتحقيق أهداف تنموية يتم التعاقد بشأنها ؟ كيف يؤسس مفهوم المواطنة جسر الربط بين المقاولة، الإدارة والمجتمع المدني لخدمة هذه الأهداف وتحقيق الحكامة الجيدة؟.
**
يتضح من خلال ما تقدم ، أن مراجعة الحدود بين القطاع الخاص والعام وبين الحقول الاقتصادية والاجتماعية؛ مدخل لإعادة صياغة الأدوار والمهام والوظائف، بما يسمح باستثمار أمثل للخبرات والوسائل المشتركة والمشاريع والكفايات، لخلق فعل جديد مؤسس على تقاسم الأدوار والمسؤوليات والمهام، وتكريس قطيعة مع المقاربات التقليدية للشأن العام الذي أفرز أزمة الحكامة la crise de gouvernance حيث تظهر مجموعة من الثنائيات الخاصة: (تقليد/حداثة)، (بيروقراطية/ ديمقراطية)، (مركزية/ لامركزية)، (تمركز/ لا تمركز). ويتسع مفهوم المواطنة يشمل الانصاف المساواة، تكافؤ الفرص، الكفاءة، الشفافية، والتوازن بين الحقوق والواجبات. مما ساهم في بلورة مفهوم المقاولة المواطنة، الإدارة المواطنة والجمعية المواطنة، تعتمد الحكامة كثقافة جديدة ومنهجية جديدة تسائل الآليات التدبيرية التقليدية أسسا وممارسة وعقلية، وفق مرتكزات أساسية:
1- التخطيـط: ترتكز الحكامة الجيدة على التخطيء الأهداف والنتائج الاستراتيجية وعلى البرامج والمخططات والمشاريع، بدل الذوبان في تصريف اليومي والآني وتركيز العمل على الأنشطة، إلى جانب العمل على تنمية الموارد وتثمينها، ورفع مردوديتها وتطوير كفاياتها و الحرص على التوازن بين الموارد والنفقات.
2- التنظيـم: ينبني على تنظيم العمل وبناء الهياكل على أساس الفعالية، والمردودية والجودة والإنتاجية واعتماد مبدأ الانفتاح.
3- الانجـاز: يعد القرب والتشارك والاشراك، اللاتمركز واللامركزية والتواصل شروط أساسية لتأمين الانجاز الذي ينبني على الكفاءة الشفافية، الجودة والنجاعة، والحد من هدر الوسائل والإمكانات.
يرى بعض الباحثين أن مفهوم الحكامة مفهوم زئبقي يتعين تكييف سياقاته وفق الحاجة هل تشاطرون الرأي؟
**
من الصعب ضبط مفهوم الحكامة وإعطاؤه تعريفا موحدا ونهائيا لارتباطه بمجالات متعددة ولتعدد صيغ تداوله، فهو حسب لجنة الحكامة العالمية commission sur la gouvernance mondiale 1995 مجموعة الطرق التي تدبر بها المؤسسات العمومية والخصوصية قضاياها.
من بين التعاريف التي يمكن استقراؤها من خلال المجالات التي وظفت فيها:
– الحكامة إعادة صياغة العلاقة بين كل المتدخلين على أساس مفهوم التعاقد، التشارك والتوافق.
– الحكامة مقاربة ورؤيا وفلسفة جديدة للتغيير، لها مضمون اقتصادي مالي اجتماعي وسياسي باعتبارها النهج الأكثر نجاعة لتدبير الشأن العام والمجتمعي.
– الحكامة نمط جديد لتدبير السلطة والتنظيم السياسي والاجتماعي وهي رؤيا جديدة للدولة والمجتمع العلاقات الرابطة بينهما، ولسبل قيادة التغيير، وهي بذلك أيضا مقاربة جديدة لتدبير التغيير في المرفق العمومي والخصوصي، والمجتمع المدني.
– الحكامة تعبئة للطاقات والموارد وترشيد استثمارها لتأمين شروط تدبير جيد.
الحكامة إعادة صياغة مفهوم الرقابة والمحاسبة، بعد أن كانت من الأعلى إلى الأسفل، تصبح ثنائية الاتجاه.
للمفهوم مسحة إيديولوجية إذن؟
**
ازعم أن المفهوم يستمد عناصره من مجال وسياق تداوله الذي يؤطره شعار العولمة التي تثار حوله مجموعة من الأسئلة و المواقف والرؤى، وبالثورة الهائلة في مجال التكنولوجيا، وتطور وسائل التعبير والتواصل وارتباطه بمعجم اقتصاد السوق، التحرير وإلغاء السياسات الحمائية، إعادة رسم أشكال الحدود، وإعادة صياغة دور الدولة ووظائفها مما قد يعطي المفهوم أحيانا مسحة إيديولوجية وسياسية، كما تناقش إشكالية التنظيم السياسي والاجتماعي ومفهوم السلطة وبالتالي تصبح الحكامة موضوعا خصبا للسوسيولوجيا والعلوم السياسية، وتتقاطع أحيانا مع توجهات الليبرالية الجديدة ومرجعيات النظام العالي الجديد. وتسعى إلى إرساء إطار جديد لتدبير المؤسسات العمومية والخاصة والمنظمات غير الحكومية، قائم على اللامركزية وتأهيل الممارسة المحلية والنهوض بالمجتمع المدني وتمكينه من الإطلاع بأدواره الجديدة. إذ صار الرهان على دوره ودور القطاع الخاص خيارا استراتيجيا.
– طيب وماذا عن الحكامة كتدبير؟
** ا
لحكامة في المجال التدبيري قراءة جديدة للممارسة التدبيرية للوعي بطبيعتها ومقتضياتها والوقوف عند تفاصيلها، في إطار خطوة تشخيصية تفضي إلى استخلاص عناصر قوتها ومواطن قصورها، والتمكن من تصنيفها ضمن أساليب التدبير المختلفة، التي تتفرع إلى تدبير ديمقراطي، استبدادي، وتشاركي، وتصنيف المدبرين انطلاقا من تلك الممارسة، إلى مدبر ضعيف، عاطفي، استبدادي أو تشاركي. والتمكن من رصد مدى القيام بمختلف الوظائف التدبيرية، التي تجمع بين التخطيط والتنظيم والانجاز، وفق ضوابط محددة. وتحديد مستوى المشاركة ومدى اقتصارها على الإعلام والإخبار والاستشارة والتشاور، وارتقائها إلى القرار والتشارك. مما يجعل الحكامة، تبعا لذلك، مدخلا لتطوير الممارسة التدبيرية وتقويمها وتدعيم قدراتها، بالاعتماد على الاحترافية والمهنية. فتنتقل هذه الممارسة من الإدارة والتسيير المتمركز على الأنشطة والتنفيذ الآلي والتقوقع حول المساطر والتدبير بالوسائل، إلى نهج تدبيري قائم على الأهداف والنتائج، والمبادرة والخلق والابتكار، يعيد النظر في مفهوم التنظيم والعمل والرأسمال، باعتبار الوقت والمورد البشري ثروة مهمة، إلى جانب الرأسمال المادي والمالي. كما تقوى الحكامة سلطة المراقبة والمحاسبة وتنمي التقويم والافتحاص الداخلي والخارجي على السواء في كل مستويات وجوانب العملية التدبيرية التي تناط بثلاث المراقبة والمحاسبة، وتنمي التقويم و والافتحاص الداخلي والخارجي على السواء، في كل مستويات وجوانب العملية التدبيرية.التي تناط بها وظائف أساسية: التخطيط الاستراتيجي، والتدبير الاستراتيجي وتحليل الانجاز وتقويم المردودية.
إذا كان مفهوم الحكامة قد نشأ في أحضان الحقل الاقتصادي، واقترن باشتغال المقاولة، فإن مختلف التحولات التي شهدها المحيط الاقتصادي والاجتماعي فتح المجال واسعا فشمل تدبير المؤسسات العمومية، المنظمات غير الحكومية والنسيج الجمعوي.
هذا يقودنا الى سؤال جوهري ،ما السبيل إلى بناء وإدارة مشروع وفق مرتكزات التدبير القائم على النتائج؟ كيف يقوم وفق مقتضيات الحكامة؟
**
إن اعتماد هذه المقاربة تعيد صياغة مفهوم المشروع ووظيفته، لبلورة تصور جديد ينتقل من اعتباره مجال أنشطة جانية تكميلية ، كما كان في المجال التربوي مثلا، إلى أن أصبح من أهم الاختيارات تستمد مرجعيتها النظرية والمنهجية من الحقل الاقتصادي،وأنه أحد المجالات الأساسية لبلورة العمل والفعل الجماعي.
فالمشروع بهذا المعني نهج تدبيري قائم على التخطيط والبرمجة، الاستراتيجية والتوقع، الإرادية، والأولويات في مقابل اليومي، الظرفي والارتجالي، وهذا التصور التدبيري يجعل المشاريع خرج Output استراتيجية تدبيرية دخلها Imput المخطء عبر مرحلة وسيطة تتمثل في البرامج. حيث لمتغيرات الزمان، والحجم ونوع النتائج، دور أساسي في هذا التمييز. فإذا كانت المخططات تستهدف نتائج استراتيجية على المدى البعيد والمتوسط. وإذا كانت البرامج حلقة أساسية لأجرأة المخططات، فأن المشروع مجموعة من العمليات الرامية إلى الاستجابة لحاجيات معينة خلال مدة محددة فهو بذلك عملية مؤقتة Temporaire لها بداية ونهاية تعبئ موارد مالية ومادية وبشرية خلال الانجاز وفق تكلفة واضحة.
تقتضي الحكامة في المشروع، البناء والتدبير بشمولية ومهنية واحترافية، ترتكز على منهجيات التدبير الحديث حيث برزت هندسة المشروع L’ingénierie du projet، وتدبير المشروع Management du projet، والحكامة في المشروع Gouvernance du projet والتحكم في الآجال والموارد خلال كل مرحلة من مراحل المشروع:
1. مرحلة الإعداد، وهو مرحلة قبليةL’avant projet تتضمن خطوات الإعداد للمشروع المتعاقد بشأنه وتشمل دارسة الحاجيات، دراسة الجودى، دراسة مدى القابلية للإنجاز الدراسية التفصيلية والتقنية.
2. مرحلة التنظيم كحلقة بين الإعداد و التنفيذ.
3. مرحلة الإنجاز وهي مرحلة الأجرأة والتنفيذ.
4. مرحلة التقويم: تشمل التقويم النهائي، بالنظر إلى الأهداف والنتائج والتقويم المرحلي التي يتخلل كل مرحلة من حياة المشروع.
إن إعداد المشروع وقيادته وتقويمه ليس عملية سهلة وبسيطة بل هو عمليات معقدة تختلف باختلاف أنواع المشاريع، فإدارة مشروع شخصي يختلف عن إدارة مشروع مؤسساتي أو تنموي، بالنظر إلى حجم النتائج وطبيعتها، وبالنظر إلى حجم الوسائل وتعدد الشركاء والمتدخلين، كما أن تحديد الحاجيات والاستجابة لها، ليست عملية بسيطة لكون الاستجابة ليست دائما وظيفية فقء بل نوعية أيضا. فالمنتوج أو الخدمة وفق هذه المقاربة يجب أن تستجيب لتطلعات الزبون المستهدف، وأن سقف هذه الاستجابة لا يكون دائما محدودا بالنظر لتعدد الاختيارات وتنوعها أمامه، من ثمة للمشروع قيود صارمة تفرضها حدة المنافسة وشرط الجودة، إذ المنتوج الجيد لا يستجيب لزبون فعلي بل يخلق زبناء جدد.
مالدور الذي ينبغي او يمكن أن تلعبه الحكامة كأسلوب جديد في تدبير سياسة المشروع على مستوى التربية والتكوين؟
** أعتقد انه ، في هذا الإطار يرتكز نجاح المشروع على ثلاث عناصر تشمل التكلفة، الجودة، والتحكم في الآجال.
يزداد تدبير المشروع تعقيدا كلما انتقلنا من المجال الصناعي والتجاري والاقتصادي الصرف إلى المجالات التربوية، الثقافية والاجتماعية. فالصعوبة والمخاطر تختلف باختلاف هذه المجالات، والحكامة الجيدة في هذا النطاق استحضار لجميع هذه الإبعاد.
عدم توقع المخاطر قد يتسبب في توقف المشروع وعدم إتمامه، وضعف نتائجه. فتدبير المشروع علم وفن في الآن ذاته.لذا يمكن رصد مجموعة من المخاطر من بينها:
(عدم تقدير جيد للأعباء والتحملات. موارد غير مناسبة. فريق عمل غير فعال. محدودية الاستشارة والدراسة.)
في المقابل من مؤشرات الحكامة الجيدة في تدبير المشروع:
(احترام الآجال وتدبير جيد للوقت. تدبير جيد للموارد والكفايات. تواصل جيد. التوقع. تدبير النزاعات.)
يبدو أن الإعداد والإطار العام مدخلان مركزيان ..ثم ماذا بعد ذلك ؟
تقديم الإطار العام عملية أساسية لبناء المشروع، تتضمن التعريف بالمشروع وتسميته وبالجهة المسؤولة عنه والمستهدفون به والشركاء والمتدخلين في انجازه، والمكان والجدولة الزمنية التي تحكمه. وكذا التعريف بطبيعته وبمضمونه وبمنهجية العمل التي يعتمدها والوسائل التي يوظفها لتحقيق الأهداف والنتائج المتوخاة منه. كما يتضمن عناصر الدراسات التي ارتكز عليها، تشترط أن يتميز بالوضوح والدقة والتماسك مع تجنب التعميم والغموض وأن يتسم بالموضوعية والواقعية، فكلما كانت المعطيات والمؤشرات غير دقيقة كان لها أثر غير إيجابي. بعد ذلك ، تأتي
دراسة الجدوى: l’étude d’opportunité
ترتكز هذه الدراسة على سؤال أساسي، هو: ما الجدوى من المشروع؟ عنه تتفرع عدة أسئلة خاصة: ما الفائدة من المشروع؟ ما الحاجة إليه؟ ما الإضافة التي يأتي بها؟ لماذا هذا المشروع؟ وهل الظروف ملائمة لانجازه؟
فصناعة منتوج جديد مثلا تقتضي دراسة السوق وإمكانية توسيعه وتنويعه، واستقصاء المنتوجات الرائجة، والمنافسة الحالية والمفترضة والثمن المحتمل، الأدنى والأقصى، والمخاطر المتوقعة. نفس الأمر يتعلق بمجال الخدمات مع ضرورة مراعاة خصوصية كل مجال، فمشروع مؤسساتي، تربوي، مهني بدون جدوى، لا شك أنه سيكون مشروعا فاشلا وهدرا للموارد والمجهودات، لذا فإن جدوى المشروع نابعة من الحاجة إليه، من ثمة تحضى دراسة الحاجيات بأهمية كبرى، على أن تتم هذه العملية بطريقة علمية و وفق الأساليب المجربة في عملية رصد الحاجيات.
* دراسة القابلية للانجاز: l’étude de faisabilité
تنطلق من سؤال أساسي: هل بالإمكان إنجاز المشروع؟ كيف يتم الانجاز؟ بأي وسائل وإمكانات، لتحقيق أي نتائج؟ تمكن الدراسة من تقويم إمكانية إنجاز المشروع في علاقتها بقدرات المؤسسة/الجمعية/المقاولة من الانجاز، بتكلفة معينة في آجال معقولة، وبوسائل محدودة، واستنادا إلى الخبرات والتجارب المتوفرة، وأخذا بعين الاعتبار المخاطر، والصعوبات المحتملة باعتبارها عنصرا حاسما.
تستند دراسة الجدوى ودراسة مدى القابلية للانجاز على دراسة تقنية تفصيلية لكل جوانب المشروع. يندرج ذلك في نطاق مرحلة إعدادية قبلية تؤطر المشروع وتبرز توجيهاته و مرتكزاته العامة، وجدواه وقابليته للانجاز أخذا بعين الاعتبار الجوانب الفنية والتقنية الصرفة. ومجمل تفاصيل المشروع في مستواه المنهجي، الإجرائي والاستراتيجي والتواصلي.
* مرحلة البناء:
تتضمن مرحلة بناء المشروع حلقة أساسية تشمل دفاتر التحملات والتعاقدات حيث توضح حقوق وواجبات كل الشركاء والمتدخلين لضمان أداء جيد وتوفير شروط أساسية لفرص النجاح. تقتضي هذه المرحلة معرفة الجميع بتفاصيل المشروع وإطاره العام واستحضار انتظاراتهم على أساس:
§ الفائدة المتبادلة
§ المشاركة في كل أنشطة المشروع.
§ التعاقد باعتباره ميثاقا للعمل حول الإطار العام، الأهداف، النتائج، الآليات، المنهجية وخطة العمل.
§ استراتيجية التواصل
* الأجرأة والتنفيذ
تبدأ عملية الأجرأة والتنفيذ بتعبئة وتسخير الموارد البشرية والمادية والمالية المرصودة، وإذا كان التمويل عنصرا أساسيا، فإن نجاح المشروع رهين بانخراط فاعل للعنصر البشري وبإرادته وتحفيزه.
* هيكلة الفريق
تندرج عملية هيكلة الفريق وإرساء الهياكل الأساسية للمشروع وتحديد المهام والمسؤوليات، ضمن تنظيم العمل كأحد الركائز الأساسية لحكامة جيدة في تدبير المشروع. يتيح هذا الإجراء إمكانيات أكبر للتواصل والتنسيق وتحسين ظروف الأشغال، ويمكن من استثمار أفضل للوسائل والموارد والكفايات، ييسر التأطير والمصاحبة ويقوي فرص تناغم عناصر الفريق. نرصد ضمن مؤشرات ضعف الحكامة في هذا السياق:
§ عدم الملاءمة بين الوسائل والأنشطة والنتائج.
§ تداخل المهام داخل الفرق وتعارضها.
§ عدم الملاءمة بين الواقع / الحاجة.
§ مركزة المهام والمسؤوليات.
§ غياب التوقع.
§ غياب التعاقد.
§ وسائل عمل غير ملائمة.
في مرحلة أضحى التنافس يفرض قيد خدمة جيدة ومنتوج جيد بثمن أقل وفي مدة محددة. ذلك أن المحيط الاقتصادي والاجتماعي يعرف تحولات كبرى ويفرض عدة تحولات كبرى، وتعرف عدة تحديات على رأسها، إيقاع سريع للتغيير وضرورة الانفتاح الداخلي والخارجي، وتنمية الكفايات وإرساء ثقافة تدبيرية قائمة على العمل بالفريق وتدبير جيد للوقت. فالتنظيم والاشراك والتواصل يمكن من تعزيز الانتماء والالتزام وتوثيق العلاقات، كما ينمي الثقة والاطمئنان داخل الفريق ويفسح المجال لتداول أفضل للمعلومة، تجميعا وتخزينا وولوجا واستثمارا، باعتبار ذلك أساس الفعالية والنجاعة في العمل. تنضاف إليها مواصفات دقيقة في هيكلة الفريق تتضمن التكامل، التجانس، الفعالية والكفاءة.
وماذا عن الإكراهات او ما أسميتموه بتدبيـر المخاطر:
**
إذا كان إعداد المشروع وبناؤه عملية ليست بسيطة فإن الأجرأة والإنجاز أكثر صعوبة، فالمشروع بقدر ما يعرف لحظات حماس وأمل وطموح وتحفيز، قد يعرف لحظات مراحل حرج، تردد، وأزمة، قد تتجسد في الموارد، فريق العمل، الإكراه الزمني وتعدد المتدخلين والشركاء، وإذا كان التوقع أساسيا في عملية تدبير المخاطر، فإن عنصر المفاجأة يظل واردا، من ثمة لابد من وضع استراتيجية دقيقة لمعالجة الوضعيات الطارئة. ومخطط الحفاظ على الحماس والتعبئة للحفاظ على دينامية الفريق وتعبئته.
رصد Ramz Cayatte مجموعة من المؤشرات دالة على صحة عمل الفريق:
§ استمرار كل عنصر في القيام بمهامه وعدم التوقف، و انتظار تدخل خارجي.
§ التأكد من فعالية الآليات والأدوات.
§ الصمود أمام الصعوبات والإكراهات.
§ الإيمان بالنجاح.
§ الاستثمار الجيد للخبرة.
§ قدرة التحمل.
§ التفاؤل والعزيمة والإرادة.
إن عدم توقع المخاطر والقدرة على تدبيرها يمكنه أن يسبب فشل المشروع وتوقفه. فالتشخيص المتواصل والتقويم المستمر وفق مؤشرات دقيقة عنصر من العناصر الأساسية للحكامة في تدبير المشروع.
مراحـل المشروع
– مرحلة اعداد المشروع
– دراسة الجدوى
– دراسة القابلية للانجاز
– الدراسة التقنية
مرحلــــة بنــاء المشــروع |
– هيكلة المشروع
– صياغة المشروع
– انجاز دفاتر التحملات
– انجاز الالتزامات والتعاقدات
– المصادقة
مرحـــلة الإنجاز
|
– هيكلة الفريق
– الإنجاز والأجرأة
– التنفيذ
– الانتاج والتقويم
كلمة أخيرة دكتور محمد الفتحي تختصر نظرتكم لمفهوم للحكامة والتدبير كرهان استراتيجي ..
**إذا كان المجال لا يتسع لإثارة تفصيلية لقضايا الحكامة والتدبير، ولا يتسع للتوقف عند كل الجوانب التقنية لبناء وتدبير كل أنواع المشاريع، فإن هذه الورقة استهدفت بلورة مجموعة من الأسئلة حول واقع وآفاق الممارسة التدبيرية، بالارتكاز على آليات ناجعة وفعالة تستجيب إلى حد كبير لمقتضيات التغيير، وتستخلص أن لطبيعة التدبير المادي والمالي إسقاطات واضحة على سلم مؤشرات و تقويم الانجاز وأن الموارد البشرية تظل عنصرا حاسما لمسار هذا التغيير. وإذ تتخذ الحكامة مضمونا كونيا فإن متغيرات خصوصية المجال والسياق العام إغناء وإثراء لهذا المفهوم، في هذا الإطار يبرز الربط بين قضايا الحكامة والمشروع كمدخل أساسي لتعزيز وتنمية الحكامة الجيدة وتقوية القدرات التدبيرية وفق مقاربة شمولية وتكاملية تتجاوز أحادية التصور والمقاربة.
. صدر للباحث الدكتور محمد الفتحي خلال سنة 2007، بدعم في وزارة الثقافة، كتاب قيم في مجال اللسانيات التطبيقية ، تناول فيه مجموعة من القضايا الصرفية والصوتية للنظام اللغوي، كما نشر مجموعة من المقالات في مجال التربية والتواصل والتدبير والحكامة.
اعد الحوار : عزيز باكوش
Aucun commentaire