جدلية الديني والسياسي، في محاضرة للباحث عباس بوغالم
ألقى الدكتور عباس بوغالم محاضرة تحت عنوان "آفاق البحث في العلاقة بين السياسي والديني" في إطار الحلقات العلمية التي ينظمها مركز الدراسات والبحوث في العلوم الإنسانية والاجتماعية بوجدة مساء يوم الجمعة 25/01/2008. وقد مهد المحاضر لمداخلته بالاعتراف بصعوبة الخوض في غمار هذا الموضوع الشائك نظرا لمجموعة من العوائق أهمها التهيب من حساسية الموضوع لارتباطه بمشروعية المؤسسة الملكية وضرب على ذلك مثال الدكتور أحمد الريسوني حين تحدث في موضوع إمارة المؤمنين والقداسة. ومن بين الإشكالات التي تعترض الباحث في الموضوع : هل السيادة للحاكم أم للأمة؟ ما هي طبيعة السلطة في الدولة الإسلامية؟ كيف ينبغي أن يكون نموذج الحكم؟ هل هو حكم مطلق أم مبني على التعاقد؟ لهذا يعد المتخصصون في الموضوع على أصابع اليد ويمكن ذكر بعض الأسماء التي فرضت نفسها كمحمد ضريف ومحمد الطوزي. هذا الفراغ تصدى له باحثون غربيون لكنهم تناولوا الموضوع من وجهة نظر سوسيولوجية محضة واعتمدوا جهازا مفاهيميا غربيا لدراسة العلاقة بين السياسي والديني بالمغرب وبالتالي وقعوا في جملة من الأخطاء، هذا بالإضافة إلى الخلفية الاستعمارية التي كانت تحكم بعضهم. ذلك أنهم وقعوا في إشكالية تبيئة هذه المناهج بالمنهج المقارن وحاولوا دراسة كل الثقافات من خلال تصورات أنتجها الغرب ومفاهيم ارتبطت بسياقات معينة من مثل السيادة والأمة والديمقراطية. إن الحديث عن الإسلام أنتج خطابات متعددة يصنفها الباحث إلى أربعة وهي:
1-
الإسلام الرسمي أو الخطاب الديني الذي تتبناه الدولة وتسوغ به سياساتها، تفرضه من خلال تشريعات وقوانين تخدم السلطان السياسي. وقد روج البعض قديما لمقولات في هذا الاتجاه مثل: من اشتدت وطأته وجبت طاعته، الفتنة أشد من القتل….وغيرها، متجاهلين النصوص التي تدعوا إلى الشورى وإشراك الرعية في الحكم.
2-
الإسلام الحزبي/السياسي: وهذا الخطاب الذي تتبناه الحركات الإسلامية رفع منسوب درجة تسييس الدين واعتمد الخطاب الاحتجاجي وهو عموما ناتج عن ردود أفعال ويقع في آفتي السطحية والتبسيطية ويسعى إلى تقويض السياسة القائمة دون امتلاك بدائل قوية ومنافسة.
3-
نموذج الفصل بين الديني والسياسي باعتبار الثاني مجال الزمني المنفصل عن هيمنة الدين. وهذا النموذج يمثله التيار العلماني الذي يسعى إلى عزل الدين عن المجتمع.
4-
الإسلام الفكري/النظري: ويمثله نخبة من العلماء والمفكرين الذين يتمكلهم هاجس النص الديني واستنباط الأحكام منه وتكييفه على أرض الواقع. هذا التيار العلمي يتشكل من مفكرين قد يكونون في مواقع متباينة لكن تجمعهم الرغبة في إنتاج معرفة عميقة بالإسلام وإشاعتها وهم يعانون من العزلة والغربة في عالم طغى فيه خطاب التسييس.
وإذا كان السياسي يهيمن على الديني أو العكس أو التماهي بينهما في الخطابات الأولى، فإن الخطاب الفكري يحافظ على نوع من التمايز بين المجالين ويريد أن يحتكم إلى النصوص خارج الظرفية والحرص على تمثل الشريعة في أسمى معانيها وأجل مقاصدها بعيدا عن إي إكراهات. وقد لا حظ الباحث غياب أو تغييب هذا النموذج مع الأسف.
وخلص المحاضر في النهاية إلى ضرورة الاهتمام بالدراسات التي تناولت إشكالية السياسي والديني لإحداث تراكم معرفي، مشيرا إلى الدراسة التي صدرت مؤخرا حول التدين اليومي للمغاربة وخلصت إلى نتائج مجانبة للصواب. يذكر أن مركز مركز الدراسات والبحوث في العلوم الإنسانية والاجتماعية بوجدة والذي يرأسه الدكتور سمير بودينار من جامعة محمد الـأول ينظم لقاءا علميا كل شهر يحضره ثلة من الباحثين والجامعيين، وكان قد استضاف مؤخرا الدكتور طارق رمضان الذي ألقى محاضرتين حول الإسلام والعلوم الاجتماعية.
Aucun commentaire