بـــــورديم / رحلة يومية شاقة في سبيل الحصول على مياه الشرب
منذ سنوات وبعض أقاليم الجهة الشرقية تعاني من مشاكل الجفاف، هذه المشاكل استفحلت وازدادت حدة خلال هذه السنة، خاصة أمام غياب أي تدخل في المنطقة لمواجهة آثار الجفاف والحد من هجرة ساكنة المناطق القروية، التي تعتمد في نشاطها على الفلاحة وتربية الماشية، نحو المدن المجاورة… وقد خلف ضعف التساقطات المطرية خلال هذا الموسم أضرارا جسيمة ببعض المناطق الفلاحية الواقعة بنواحي وجدة، إقليم بركان وإقليم تاوريرت وخاصة المناطق الخارجة عن نطاق السقي، زيادة على تضرر الأراضي البورية، فيما عرفت المنطقة الممتدة من النجود العليا إلى الرشيدية –حسب مصدر من المندوبية الإقليمية للفلاحة بوجدة- انفراجا بالنسبة للكسابة بفضل توفر المراعي نتيجة الأمطار الخريفية، والتي ستعمل على التخفيف نوعا ما من آثار توالي سنوات الجفاف على مربي الأغنام بالمنطقة، والاقتصاد في مصاريف الأعلاف التي تشكل عبئا ثقيلا بالنسبة للفلاحين الصغار على الخصوص، والملاحظ حسب نفس المصدر أن العديد من الكسابة انتقلوا بماشيتهم من وجدة ونواحيها في اتجاه النجود العليا بحثا عن المرعى والكلأ لماشيتهم في ظل الجفاف التام الذي يسود المنطقة الشرقية ككل…
بورديم: الماء أصل الحياة
لعل أكثر المناطق الفلاحية تضررا بفعل توالي سنوات الجفاف نجد بورديم بإقليم تاوريرت، هذه المنطقة التي شكلت في وقت سابق موردا هاما للمياه الجوفية والسطحية بفضل واد بورديم الذي يمر منها والعيون ذات المياه العذبة والسواقي، وكانت تزخر بأراضي فلاحية معطاء تجود بما لذ وطاب من الخضر والفواكه بفضل سواعد أبنائها وعملهم الدؤوب من الغرس والاهتمام بالأشجار المثمرة من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي وتزويد الأسواق الأسبوعية القريبة منها بمنتجاتهم الفلاحية والحيوانية أيضا…
كانت بورديم قبلة للعديد من المواطنين الباحثين عن المتعة وسط الخضرة وممارسة السباحة وصيد الأسماك بالوادي، وكذا قضاء لحظات في القنص نظرا لما كانت تزخر به المنطقة من أرانب وطيور مختلفة كالحجل واليمام…وغيرها، لكن كل شيء بدأ يتراجع حين جف الوادي مع سنة 1986 ليضرب الجفاف أطنابه، وتجف العيون والسواقي وتتغير معالم بورديم من منطقة خضراء غنية بمواردها المائية والفلاحية والحيوانية إلى منطقة شبه صحراوية تنوح من فرط ما أصابها، خاصة وأن غالبية أهلها فضلوا الهروب على البقاء تحت رحمة العطش والفقر، ومواقف جميلة تؤثر على نفسيتهم كلما عادوا بذاكرتهم إلى الوراء.
سكان بورديم، والذين يقطنون دواوير متفرقة تضم عائلات تنتمي لسلالات مختلفة منها أولاد بوربعة، اولاد سعيد، اولاد مرزوق…وغيرهم، لجأوا أمام توالي سنوات الجفاف إلى حفر الآبار واستخراج المياه الجوفية بواسطة المحركات، لكن مع ندرة التساقطات المطرية لم تعد هذه الحلول مجدية ولم تعد مياه الآبار مفيدة لا من حيث الكم ولا الجودة ولم تستطع سد الخصاص الحاصل في هذه المادة الحيوية بالنسبة للساكنة، فكانت سنة 1996 بداية رحيل وهروب البعض من هذه الساكنة بعد طول انتظار لتغير الظروف المناخية ونزول الأمطار، فنزحوا نحو المدن وخاصة العيون الشرقية، بحثا عن مستقر بالقرب من الماء من جهة، ومن جهة أخرى البحث عن مصدر رزق بعد أن أصبحت أراضيهم غير قادرة على العطاء كما كانت من قبل واندثار وجفاف الأشجار المثمرة واجتثاث أشجار الزيتون، التي كانت تزخر بها المنطقة، وبيعها من قبل أصحابها لسد رمق العيش بضعة شهور. هؤلاء السكان تركوا وراءهم دورا سكنية بنوها بأيديهم وقضوا بها سنوات بحلوها ومرها، بأفراحها وأحزانها، دورا، وإن كانت بسيطة بساطة أهلها، فقد اختزنت الكثير من الذكريات الممزوجة بالمودة والتضامن، لتصبح اليوم مجرد أطلال في أرض قاحلة يبكيها أصحابها بلوعة وحرقة…
أما ما تبقى من السكان فلا يخفون حنينهم وحسرتهم في لحظات تأمل لذكريات جميلة راسخة لا تفارق مخيلاتهم، يتحدثون عنها وكأنهم عاشوها بالأمس القريب، لكن سرعان ما يعودون إلى واقعهم المعاش فيصمتون ثم يرددون "راحنا غير نحلمو"، جملة رددها على مسامعنا أشخاص ينتمون لفئات عمرية مختلفة قابلناهم في رحلة استطلاعنا للمنطقة، يمينة، فاطمة، سميرة، حميد، سعيد، احمد، مريم…
رحلة يومية شاقة في سبيل الحصول على مياه الشرب
غالبية الأسر تعيش على ما يجنيه أبناؤها من العمل في أوراش البناء بمدينة العيون الشرقية، يقضون يومهم في العمل الشاق ليعودوا مساء إلى منازلهم وينطلقوا في رحلة جلب المياه من "السقاية" الحنفية العمومية من أجل الشرب وإعداد الطعام، يقطعون مسافة 2 إلى 4 كيلومترات، مرورا بوادي بورديم، لشراء الماء بمبالغ لا تتوفر يوميا عند غالبيتهم، فإن كان حميد يرى بأن 10 سنتيم لخمس لترات من الماء مبلغ زهيد فإن مريم، والتي صادفناها تغسل الملابس بالقرب من أحد الآبار، تقول بأنهم نادرا ما تتوفر لديهم 10 سنتيمات لاقتناء قارورة ماء من سعة 5 لترات، وبالتالي فهم يشربون مياه الآبار الشبه جافة ويعانون من أمراض هم على يقين بأنها ناتجة عن هذه المياه، وبالرغم من ذلك فلا يفكرون في مغادرة بورديم، ليس حبا في مياه آبارها، ولكن لضيق ذات اليد وانعدام الدخل… الحصول على الماء أصبح هاجسا بالنسبة لغالبية الساكنة، إذ أصبحوا يؤجلون رحلات البحث عن العمل ليبحثوا أولا عن الماء حتى تستمر حياتهم وحياة نسائهم وأطفالهم…
الحسابات الانتخابية الضيقة تحرم ساكنة بورديم من مياه الشرب
بفعل توالي سنوات الجفاف وعدم نجاعة الحلول التي ما انفكت الساكنة تقوم بها من حفر الآبار ووضع المحركات، رحل السكان الذين استطاعوا وتمكنوا بفعل إمكانياتهم المادية من إيجاد مكان آخر للاستقرار، وتشبث بها فقط من لم لازال يحن لماضي بورديم ويأمل في أن تعود المياه إلى مجاريها ومن لم تسعفه الظروف المادية لإيجاد مستقر آخر. منذ حوالي سنتين استبشر السكان، أو بالأحرى ما تبقى منهم، خيرا عندما حلت لجنة من المكتب الوطني للماء الصالح للشرب من مدينة بركان بالمنطقة، وخاصة بدوار اولاد مرزوق، من أجل وضع دراسة لتنفيذ مشروع تزويد المنطقة بالماء الصالح للشرب، وتبرع أحد سكان الدوار ببقعة أرضية لإنشائه وحددت تكلفته على أساس أن تساهم جماعة مشرع حمادي، التي توجد بورديم على ترابها، بدورها في تنفيذه، لكن رئيس الجماعة أبى إلا أن يكون الحجرة العثرة التي ستعيق تنفيذ المشروع وتحرم الساكنة من حقها في الاستمتاع بأهم مادة حيوية في حياته ليظل يعاني الأمرين من أجل الحصول عليه في ظروف جد صعبة لا توحي بالانفراج. الرئيس -وحسب بعض التصريحات- رفض المشروع لأنه لن يشمل الجهة حيث يحتكم على كتلة ناخبة مهمة، يعول عليها، والتي كانت وراء جلوسه على كرسي الرئاسة وإمساكه بزمام الأمور بجماعة مشرع حمادي، في حين لم يتحصل بدوار اولاد مرزوق على أي صوت الشيء الذي يجعله ناقما عليهم…
ودائما حسب ما أفادت به الساكنة لجريدة الاتحاد الاشتراكي، فإن الجماعة لم تقدم شيئا لهم ولم تساهم لا من قريب ولا من بعيد في تخفيف وطأة الجفاف عليهم ولم تشملهم "بركة" ميزانياتها السنوية، المحسنين من أبناء المنطقة والقاطنين بالخارج قاموا ببناء مسجد والسكان تعاونوا فيما بينهم واشتروا بقعة أرضية حيث يدفنون موتاهم… ويتحدثون بمرارة واستغراب حول الغياب التام للجهات المسؤولة من أجل التدخل لإيجاد حلول لمشاكلهم وتحسيسهم بأنهم في صلب الاهتمام نتيجة تواجدهم بمنطقة "منكوبة" يحاول سكانها الصمود في وجه الجفاف وتكسير طوق الإهمال، الإقصاء والتهميش، يتابعون النشرات الإخبارية وينصتون باهتمام إلى الأحوال الجوية، استفسروا عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ففهموا أنها تعنيهم كمتضررين من آثار الجفاف لكنها لم تشملهم ولم تضعهم في حسبانها، سمعوا عن مشروع كهربة العالم القروي فابتهجوا بالنور القادم إلى دواويرهم، تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب زادهم ابتهاجا واستبشارا بالخير فالماء أصل الحياة…وغيرها من الشعارات التي حملتها مشاريع التنمية البشرية. الساكنة، ونتيجة لما تعانيه يوميا في رحلة البحث عن لقمة العيش والبحث عن الماء الشروب، أصبح تداول هذه الشعارات بينهم من قبيل التنكيت والضحك، فعلى الرغم من الظروف جد الصعبة التي يتخبطون فيها إلا أنهم يتمتعون بروح الدعابة زيادة على كرم الضيافة…
2 Comments
شكرا لصاحب الموقع الالكتروني على نشر هذا المقال والذي يشير إلى ظاهرة أصبحت تعاني منها مجموعة من المناطق بجهتنا الشرقية وعلى رأسها بورديم التي كانت في وقت ما جنة غناء تزخر بالماء والخضرة لتصبح مع توالي سنوات الجفاف والإقصاء والتهميش مجرد أطلال وصحراء قاحلة هجرها سكانها. وأنا أتذكر أن المقال كتب بقلم الصحفية سميرة البوشاوني من جريدة الاتحاد الاشتراكي وليس ابن لبلاد كما جاء في مقدمة المقال.
salut merci pour cela mais cé pas insifuson il fau que tu ajoute quelque infrmation de toutes façon c bien et merçi