Home»Régional»فلسفة اللغة : أوسفالد ديكرو : المنجد الموسوعي لعلوم اللغة.ص. 123.

فلسفة اللغة : أوسفالد ديكرو : المنجد الموسوعي لعلوم اللغة.ص. 123.

1
Shares
PinterestGoogle+

فلسفة اللغة

-1-

إن هذا التعبير: فلسفة اللغة (langage) ، يحتوي على الأقل على معنيين. في مرحلة أولى يمكن اعتبارها كفلسفة حول اللغة، بمعنى أنها دراسة من الخارج، تهتم باللغة بصفتها موضوعا معروفا مسبقا، وتبحث في علاقاته مع مواضيع أخرى من المفروض أن تكون، على الأقل في بداية التحري، متميزة عنه. حيث نتساءل مثلا حول العلاقة الموجودة بين الفكر واللسان (من، من بينهما له الأسبقية على الآخر؟ وما هي تفاعلاتهما؟). هناك توجه مثالي، في الفلسفة الفرنسية، ظهر في بداية القرن العشرين، يحاول هكذا أن يبرز بأن بلورة المعنى على شكل كلمات ثابتة، يعد سببا من أسباب الغرور الجوهري، وسببا في الاعتقاد بأن الأشياء معطيات وبأن الأوضاع جامدة.

سؤال آخر نوقش أحيانا من طرف الفلسفة الألمانية إبان القرن التاسع عشر، ويتعلق الأمر بدور اللسان (langue)

في تاريخ الإنسانية: فبما أن بعض الألسنيين المختصين في المقارنة، اعتقدوا بأنهم لاحظوا تقهقرا في اللسان خلال التاريخ، فإن بعض الفلاسفة، كهيجل أو بعض الألسنيين المهيجلين، مثل أ. شليشر (A. Schleicher)، حاولوا شرح هذا الاعتقاد من خلال طرحهم مسألة مفادها أن الإنسان التاريخي يصبو إلى اتخاذ موقف المستعمل اتجاه اللغة (langage): بحيث تسمح له بإمكانيتين: إمكانية الفعل في الآخر، وإمكانية تخليد ذكرى هذه العملية، التي تشكل الأساس الفعلي للتاريخ. ولم يهتم الإنسان باللغة في حد ذاتها إلا أثناء حقبة ما قبل تاريخ الإنسانية، حيث حقق لها الإتقان الجوهري.

هناك موقف آخر يمكن للفيلسوف المهتم باللغة أن يتخذه، وذلك بإخضاعها إلى دراسة "داخلية"، معتبرا إياها موضوع بحث في حد ذاته. وبالفعل، فقد انساقت الفلسفة منذ بداياتها مع هذا النوع من البحوث، بما أنها كانت تقدم نفسها كعملية تفكير. إذا كانت بالفعل المقاربة الفلسفية لموضوع ما، هي أولا وقبل كل شيء، توضيحا للمفاهيم المستعملة في صياغة المشكل، تمثلها في الغالب كلمات مأخوذة من اللغة اليومية، فإن الفيلسوف يصبح مجبرا على التعاطي مع التحليل الذي يمكن نعته بالألسني، المهتم بمعنى الكلمات. وفي هذا الصدد فإن بداية حوار لاتشيس Lachès لأفلاطون ذو دلالة. وهكذا بينما كان محاوران اثنان يتجادلان حول ما إذا كان السيف يجعل من صاحبه إنسانا شجاعا أم لا، فإن تدخل سقراء في نفس الوقت الذي يعطي فيه للمشكل بعده الفلسفي، فهو يحوله إلى مشكل لساني، بسؤاله:" ما معنى كلمة شجاع؟"، لينتقل إلى البحث عن دلالة عامة تمكنه من استخلاص جميع المعاني الخاصة بالكلمة. إلا أنه عبر حوارات أفلاطون، فإن البحث الألسني ينتهي بالفشل وإلى تعارض منطقي بدون منفذ aporie، وتتقلص صلاحيته إلى مستوى تهييء الأرضية قصد الإدراك المباشر والبديهي للمفهوم (الفهم الذي لن يتحقق إلا في بعض الحوارات، تلك الحوارات "المكتملة").

بما أن التحليل الألسني متواجد حسب مستويات مختلفة، في كل فلسفة تريد لنفسها أن تكون فلسفة تداولية réflexive ،

فقد تم تطبيقه بشكل منتظم – وتم اعتباره في الغالب على أنه هو البحث الفلسفي الوحيد المشروع – من طرف غالبية الفلاسفة الإنجليز للنصف الأول من القرن العشرين، أولئك الذين يطلقون على أنفسهم: "فلاسفة اللغة"، كما يطلقون على بحثهم إسم: الفلسفة التحليلية. وبتطويرهم لبعض أفكار المناطقة من بين الوضعيين الجدد كأمثال ر. كارناب R. Carnap ، وباستلهامهم خاصة لأشغال ج.ي. مور G.E. Moore و ب. روسلB. Russel و ل. فيتكنشتاينL. Wittgenstein ، فإنهم يدافعون عن الفكرة التي مفادها أن جل ما كتب في الفلسفة، ليس فقط خطأ، وإنما فاقدا لأي معنى، وأن ما تحقق من عمق مظهري، ناتج عن الاستعمال السيء للغة العادية. سرعان ما تنمحي إذن "المشاكل الفلسفية" المزعومة، حينما تخضع إلى التحليل، تلك المفردات التي تطرحها. وهكذا تصبح نقاشات الفلسفة الأخلاقية بدون موضوع، حينما نوضح معنى الكلمات مثل: "جيد"و "معيب" و "وجب" و "سوى"، إلخ…، داخل اللغة العادية.

انطلاقا من هذا الموقف الموحد، تبرز اختلافات، داخل المدرسة، حول قيمة اللغة. بالنسبة للبعض، فإن خطأ الفلاسفة يعزى إلى عدم التماسك الخاص باللغة نفسها، والذي تم تحويله بدون نقد إلى البحث الفلسفي. هذا ناتج عن كون اللغة العادية ناقصة وأن الفلاسفة لم يستشعروا ذلك. تماما كما حدث للملك لويس كارولLewis Carrol ، حينما اعتقد أن كلمة nobody (والتي تعني "لا أحد") تدل على إسم كائن خاص، لسبب بسيط هو أن كلمة nobody في النحو الإنجليزي، لها نفس الطبيعة و نفس الوظيفة ككلمة somebody، والتي تعني شخصا ما، وقد يكون الفلاسفة قد اسخلصوا دائما أن التشابه النحوي بين تعبيرين يؤدي إلى تشابههما الدلالي. وهكذا اعتقدوا أن الحسن هو من سمات الأشياء والأفعال، بما أنه بإمكاننا القول "إن هذا الكتاب حسن" تماما كما يمكن القول"إن هذا الكتاب أحمر". أو إضافة إلى هذا، فمن خلال مثال لروسل، يتضح أنهم لم يدركوا أن كلاما énoncé كهذا: "إن ملك فرنسا أصلع"، يعبر عن حكم وجودي ( "هناك شخص ما، ملك على فرنسا وأصلع") ، لأن الإيهام ناتج عن الشكل النحوي لهذا الكلام، الذي يقربه من المقول المكون من فعال و مسند تماما ك: "هذا أزرق" ( للإشارة: ملاحظات مشابهة أبداها كريزيب Chrysippe شديد العزم (Le stoïcien)، والذي سجل في تحليله حول "الشذوذ" على أن بعض المحاسن التي تكون أساسا إيجابية، تنعت غالبا بتعابير نحويا سلبية ("لاأخلاقية")، والعكس كذلك متوفر بكثرة ("فقر"). وبانتقادهم للسان بدعوى أنه أفسد الفلسفة، فإن هؤلاء الفلاسفة يتصورون إذن تحليل اللغة كنقد قبل كل شيء، ويستنتجون في بعض الأحيان على أنه من الضروري اللجوء إلى إعادة بناء اللغة بشكل منطقي. (يتبع)

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. عمر حيمري
    16/01/2008 at 20:13

    شكرا أخي

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *