Home»Régional»دلالة الهجرة في الإسلام

دلالة الهجرة في الإسلام

0
Shares
PinterestGoogle+

ها نحن نستقبل عاما هجريا جديدا في ظروف عالمية دقيقة بسبب أحداثها الجسام ؛ وحري بالمحتفل بعام هجري جديد أن يقف معتبرا ؛ وما أحوجنا إلى عبر في زمن التضييق على الإسلام كما كان شأنه في بداية عهده من أجل خنقه لتخلو الساحة لغيره من البدائل الفاسدة المفسدة الفاشلة. فما هي حقيقة الهجرة في ديننا ؟؟
الهجرة بكسر الهاء وضمها عبارة عن خروج من حيز إلى آخر لسبب من الأسباب ؛ وهي من الهجر الذي هو الصرم وهو نقيض الوصل. والهجر مفهوم إسلامي اقترن ببداية البشرية يوم وجد أول إنسان في الجنة وهو أبو البشرية آدم عليه السلام والذي أمر بهجر شجرة معلومة كتعبير عن الطاعة ولكنه لم يوفق بسبب وسوسة شيطان حسود حقود؛ فكانت هجرته عبارة عن هبوط من أعلى إلى أسفل من جنة إلى أرض ؛ وهو خروج من حيز المعصية إلى حيز الطاعة ؛ وهكذا وجدت سنة الهجرة في حياة البشر من حيز يعصى فيه الخالق جل جلاله إلى حيز يطاع فيه.
ومع تعاقب الأزمنة والرسالات السماوية ظل مفهوم الهجرة يتكرر ؛ وكان الخالق سبحانه يأمر رسله الكرام صلواته وسلامه عليهم بالهجرة من حيز إلى آخر لتتحقق إرادته وهي أن تكون الأرض برمتها حيز طاعة لا حيز معصية.

وكان الله عز وجل يضرب بالدمار الشامل كل حيز لا يرجى تحوله من المعصية إلى الطاعة بشتى وسائل التدمير مصداقا لقوله جل من قائل : ( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )
إن الله تعالى اقتضت مشيئته أن تكون الأرض للطاعة ؛ وهو الوضع الطبيعي لها؛ فإذا ما تحولت إلى مكان معصية حصل الظلم وهو وضع الأمور في غير موضعها فكان الاستئصال هو المصير بعد استنفاذ فرص التغيير كما كان حال قوم نوح وعاد وثمود وقوم فرعون …. وأمثالهم في كل عصر ومصر. وقد بلغت مدة انتظار التغيير على سبيل المثال في زمن نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما قبل أن يكون دمار بؤرة المعصية بالطوفان ؛ وكان بعد ذلك لكل بؤرة معصية في كل عصر وفي كل مصر فرصة زمنية قبل أن توضع نهاية لها بسبب ظلم المعصية الذي هو ظلم العصاة في حق أنفسهم حسب التعبير القرآني.
ولما كانت آخر رسالة سماوية ؛ وهي رسالة الختام التي حازت التمام والكمال فقد جاءت هجرة صاحبها عليه الصلاة والسلام تامة وكاملة حيث هجر بؤرة المعصية في مكة إلى بؤرة الطاعة في المدينة ؛ وكانت هجرته مخالفة لهجرات من سبقه من الأنبياء حيث هاجر ثاني اثنين ولم يهاجر في جماعة كبيرة أو صغيرة كما كان شأن غيره من الرسل الكرام لأن غيره من الرسل كانت هجرته عبارة عن نهاية بؤر المعصية بعد استنفاذ فرص التصحيح ؛ بينما كانت هجرته عبارة عن بداية تأسيس حيز الطاعة الواسع الشامل لكل الأرض نظرا لكون الرسالة هي الأخيرة ليس بعدها إلا النهاية الأخيرة ؛ وهي نهاية العالم ؛ ونهاية فرصة الامتحان الممنوحة للبشرية؛ بعد الفرصة الأولى التي كانت سببا في النزول من الجنة إلى الأرض .
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة العاصية إلى المدينة المؤهلة للطاعة ليمتد بعد ذلك تيار الطاعة فيكتسح كل بؤر المعصية بما فيها بؤرة مكة التي كانت تمثل معسكر المعصية زمن البعثة النبوية.

والهجرة حين تحصل وبالمفهوم الإسلامي تجعل المهاجر صاحب تضحية لا تقدر بثمن ؛ وهو ما عبر عنه الوحي في قوله تعالى : (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم ) فالمهاجر من حيز المعصية إلى حيز الطاعة يضحي بكل الامتيازات لهذا ثمن الله تعالى تضحيته بأعظم درجة وبفوز وببشارة الرحمة والرضوان والنعيم المقيم في الخلد ؛ وهو أجر عظيم ينال عوضا عن تضحية الهجرة قد تكفل الله عز وجل به في هذه الآية و في غيرها كقوله سبحانه : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ).

ونحن نحتفل بذكرى الهجرة لا بد أن نستحضر دلالة المدة الزمنية وهي مرور تسع وعشرين وأربعمائة وألف سنة على هجرة من أجل تأسيس حيز الطاعة الشامل للكرة الأرضية ؛ وهي مدة زمنية معتبرة ؛ ومع ذلك نلاحظ أن بؤر المعصية لا زالت واسعة فوق سطح هذا الكوكب ؛ بل امتدت المعصية إلى كل حيز طاعة سابق ؛وصار التطبيع معها بشكل أو بآخر من طرف المحسوبين على الطاعة. ومن المؤسف أسفا شديدا أن يزعم المطبع والمستأنس مع بؤر المعصية احتفاله بذكرى الهجرة دون أن يستوعب روحها المتمثل في خلق حيز الطاعة وخنق حيز المعصية ؛ وهو ما يترجمه الحديث الشريف : ( المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) والمحتفل بالهجرة يدعيها ؛ فإن لم يهجر بؤر المعصية فهو كاذب في دعواه. وقد أشاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجرة إبراهيم الخليل عليه السلام الذي كان شعاره : ( إني مهاجر إلى ربي ) بمعنى إنني تارك كل حيز معصية ؛ وقد ترك بالفعل حيز المعصية في العراق إلى حيز الطاعة في الشام لهذا قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : (سيكون هجرة بعد هجرة فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم ) ومهاجر إبراهيم بضم الميم وفتح الهاء تدل على أماكن هجرته وكيفية هجرته ؛ فخيار أهل الأرض الذين يلتزمون بهجرة إبراهيم الخليل مكانا وكيفية حيث تكون الطاعة و حيز الطاعة هو الهدف المنشود.
والهجرة لا تنقطع ما دام الناس ينشدون الطاعة لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ) بمعنى سيظل الناس يطلبون الطاعة وحيز الطاعة من خلال توبتهم من المعصية وهم بذلك مهاجرون ؛ ولا تنتهي الهجرة إلا بانتهاء التوبة ؛ ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق وهي نهاية الأرض الأخيرة بعد ظلم أهلها أنفسهم وتحويلها من مكان طاعة إلى مكان معصية.
فهل سيستوعب المحتفلون بالهجرة دلالتها؛ وهل سيعرفون قدرها؛ وإذا عرفوا فهل سيلتزمون بالإقلاع عن التطبيع مع المعصية وبؤر المعصية وما أكثرها ؟؟؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *