جنون العظمة في ديوان ـ ملائكة في مصحات الجحيم ـ
سأقارب ديوان "ملائكة في مصحات الجحيم" لمحمد بشكار مقاربة نفسية، وذلك من خلال التركيز على مفهومين رئيسين يندرجان ضمن قاموس علم النفس المرضي هما: جنون العظمة، والهذيان. ولعله من المعروف أن جنون العظمة أو البارانويا يرتبط بالأفراد الذين يبالغون في تقدير قدراتهم و صفاتهم، أو يعتقدون بامتلاكهم قدرات جسدية أو نفسية خارقة. كما أن البعض منهم يظنون أن بإمكانهم أن يحكموا العالم أو الكون أحيانا، ويشبهون أنفسهم بالملوك أو الأنبياء، وأن لديهم رسالة في الأرض لتحقيقها. أما الهذيان فهو عبارة عن شكل من التفكير المرضي الذي يخل بعلاقة الفرد مع الواقع، ويُعبَّر عنه غالبا بأفكار غير منطقية يؤمن بها المريض بشكل مطلق.
وفي هذا السياق يشبه محمد بشكار نفسه بالسماء، أما النجوم فهي مجرد كائنات بسيطة يستضيفها إلى خيمته الغسقية الواسعة:
إني كهذي السماء
استضفت النجوم إلى خيمتي
الغسقية
( ص: 11-12)
هكذا يسعى إلى إيهام القارئ بكونه شيئا خارقا وليس من طينة البشر. كما نجده في مقطع آخر يُنطق السماوات لكي تفصح له بأنه السماء:
رأيت السماوات تغلق في شفتي
اسمها الأزلي، وتنشج:
أنتَ السماء
( ص: 25)
حبذا لو بقي عند هذا الحد من الهذيان والهلوسة، لكنه أبى إلا أن يعلن في مكان آخر من الديوان عن كونه الكون بما رحب:
أنا الكون عدت إلى أجلي الأزلي
(ص: 26)
فأي جنون هذا الذي أصاب محمد بشكار حتى يعلن أنه السماء تارة، والكون تارة أخرى؟ لسنا أمام صور شعرية أو استعارات بلاغية مقبولة فنيا وأسلوبيا، إنما نحن أمام هذيان وكلام غير سوي بعيد كل البعد عن الكتابة الأدبية والإبداعية. وإلا ما الذي جعله يقر بأنه هداية للكواكب:
وكنت الضليل الذي تهتدي بخطاه الكواكبُ
(ص: 37)
ومن مظاهر الهذيان في ديوان "ملائكة في مصحات الجحيم" نقرأ المقطع التالي:
غابة الروح؛ أرض – سماء
فلا ذروات يطير ابتهال العيون بجنح الرموش
المهيض إلى قافها الجبلي
(ص: 26)
الحق أنني لم أفهم هذا الكلام الذي ما هو بالشعر ولا النثر، اللهم إلا إذا اعتبرناه هذيانا وكلاما رُكِّب بعضه على بعض بشكل غريب ومنفر. طبعا الأمثلة على هذا النوع من الهذيان كثيرة ومتعددة يمكن للقارئ أن يعود إليها في الديوان المذكور.
ولكي لا أطيل أختم هذه القراءة المقتضبة بإدراج مثال على الكسور العروضية التي حفل بها الديوان. يقول محمد بشكار (المتقارب):
ملاك
أي جذب غوائي
سيدحو السماء
(ص: 30)
واضح أن كسرا عروضيا أصاب التعبير "أي جذب" ( فاعلاتن)، علما أن تفعيلة المتقارب هي "فعولن"، وهذا طبعا مع الأخذ بعين الاعتبار الزحافات والعلل التي قد تلحق بها.
في الأخير أخلص إلى القول إن بعض أعراض جنون العظمة كانت حاضرة في ديوان "ملائكة في مصحات الجحيم" لمحمد بشكار، بينما غاب الشعر بصفائه وعنفوانه وجماله وسحره الأخاذ. فهل يحق لنا بعد ذلك أن نطلق صفة "شاعر" على كل من حمل قلما وكتب كلاما أقل ما يقال عنه إنه هذيان، أو علينا أن ننصح هذا النوع من "الكتاب" بعيادة طبيب نفسي ليساعدهم على تجاوز أوضاعهم النفسية المتردية؟
11 Comments
Monsieur le poète et critique littéraire: vous ne devez pas ignorer que l’univers du poète se distingue de celui des communs des mortels. le poète est différent du commun des hommes comme est différente sa langue qui s’écarte de la norme. Plus l’écart est grand plus la poésie grandiose. Avez-vous lu Al Moutanabbi?أنا الذي نظر العمى الى أدبي// وأسمعت كلماتي لمن به صمم. Puis il ajoute un peu plus loin.الخيل والليل ولبيداء تعرفني// والسيف والرمح والقرطاس والقلم.
Avez-vous lu Nerval et ce qu’il dit? »Je suis le ténébreux,-le veuf,-l’inconsolé,//Le prince d’Acquitaine à la tour abolie//
Vous voulez donc que le poète écrive comme nous parlons? Allons Monsieur, essayez vos griffes ailleurs que sur le langage poétique. D’ailleurs vous vous en prenez plus au poète qu’à sa poésie.
و هل ضاق الكون بما رحب على هذا الشاعر و لم يجد شبيها يتشبه به إلا السماء و الكون أم أن اللغة العربية قد عقرت ولم يجد مفردا بها يوصل به بها يخالج نفسه ، أم هي نفوس مريضة و لا تدري بما تهذي أو تعبر كما نفس إيليا أبو ماضي حين قال في قصيدته المشهورة – جئت لا أدري من أين و لكني أتيت – و أبصرت قدامي طريقا فمشيت – فالشعر جميل و الأجمل فيه إنتقاء الكلمات و العبارات اللاتي يزدنه روعة و إقبالا .
يقول المتنبي:
أنا الثـــريا وذان الشيب والهرم
أعتقد وأنك تحب الشعر القديم أن المتنبي أيضا مريض نفسيا ،ظننت أنك ستقارب الديوان كما أشرت في البداية إلا أنك قاربت ما يخدم الوسيلة في إيذاء الآخرين.
النقد يذكر الحسنات والسيئات معا ولا يغلب أحدهما على الآخر قل كلمة حق في إبداع المبدعين
حتى لاتتهم بالعدوانية وزيارة الأطباء النفسيين.
الأخت الفاضلة سميرة محمد
سالت وأجبت عن سؤالك.
أما السؤال فهو: هل ضاق الكون بما رحب على هذا الشاعر و لم يجد شبيها يتشبه به إلا السماء و الكون؟
وأما الجواب فهو: هي نفوس مريضة و لا تدري بما تهذي.
تحياتي
السيد زايد طيب
لست مع الرأي القائل إن الشاعر مختلف عن بقية الناس، بل كل ما في الامر هو أن الشاعر يمتلك قدرة على الاقتراب من شكل آخر للغة يتمثل في الانزياح عن المألوف والعادي. ثم إن الانزياح عن اللغة لا يعني الهذيان والهلوسة كما هو الشأن بالنسبة لصاحب الديوان المقروء.
كيفما كان الحال، أحترم رايك وأشكرك على تعليقك
تحياتي
La beauté de la poésie se mesure par l’écart à la norme: un poéte n’est pas une personne normale, un txte poétique est écrit dans une langue qui n’est pas normale; le bon lecteur tout comme le bon critique sont ceux qui savent apprécier ce qui sort du normal. Tous les grands poètes, ceux que je connais pour les avoir lus et ceux que je ne connais que de nom ont employé un code différent de ce qui est usité,et ce, depuis l’aube de la poésie. Relisez les grands poètes de Al Jahiliya, Al Asr El Abbassi et de l’époque moderne, vous allez corriger votre façon de lire la poésieet de juger les poètes. Avec tous mes respects.
الأخ الذي علق باسم « متتبع »، والأخ زايد طيب
اعتمدت المنهج النفسي في مقاربة الديوان المقروء نظرا للحضور المكثف للهذيان والهلوسة في النصوص. ولا أبالغ إذا قلت لكما إن طبيعة تلك النصوص هي التي أملت علي المنهج الذي سلكته. وهذه مسألة معروفة في أدبيات تحليل النصوص الأدبية؛ بمعنى أن طبيعة النص الأدبي تفرض المنهج المتبع.
ومن هذا المنطلق، كان الهدف من القراءة هو كشف أعراض جنون العظمة والهذيان في الديوان. أما علاقة ذلك بالشعر الجاهلي وأشعار المتنبي وغيره من الشعراء القدامى، فهذا لا يمنع من مقاربة هذه الأشعار مقاربة نفسية، وحينئذ سنكون أمام أعراض نفسية أخرى لا تقل حدة عما قيل في القراءة.
لست أدري إن قرأتما الديوان المذكور، ذلك لأنني أرجح أن تغيرا رأييكما إن قمتما بذلك.
تحياتي
vous avez pratiqué L’approche psychanalytique ou psychiatrique de la personne et non du texte. Lisez Marthe Robert qui en sait long sur cette approche et vous découvrirez que dans chaque poète, il y a de la mégalomanie, de la mythomanie, de la paranoïa et de la schizophrénie. L’analyse du mot est de nature à nous renseigner sur le type de la maladie dont souffre le poète, mais notre but n’est pas de le soigner ni de lui trouver un remède quelconque mais d’apprécier la qualité de ses écrits, d’en savourer le style et de se délecter des images. Avec toutes mes amitiés.
نقل التوحيدي خبر ذي الكفايتين أبي الفتح بن العميد الذي كان يتصور ابن الحجاج من خلال أشعاره رجلا طائشا
لايصلح للمعاشرة فلما أبصره وجده ساكن الأطراف متناسب الحركات كثير الحياء وكان مما قاله له الوزير:
( إنك لمن عجائب خلق الله وطــُرَفِ عباده ، والله ما يصدق أحد أنك صاحب ديوان وأن ذلك الديوان لك ، مع هذا التنافي الذي بين شعرك وبينك في جدك )
يتضح من خلال هذا القول أن كلام الشاعر في واد وصاحبه في واد آخر ولو طبق الوزير على الشاعر أي نظرية على صاحب الديوان لزاغ عن السبيل وهذا ما تقوم به أنت وأنا أتفق مع الأخ الكاتب باللغة الفرنسية ( Zaid)
Tayeb الذي أشار أن منهجيتك تنصب على الشاعر لا الشعر الشيء الذي يؤدى بك إلى تنائج بعيدة عن الصواب فابلغْ تيقنْ .
الأستاذ زايد طيب: من المؤكد أن الهدف من كل قراءة هو الكشف عن جودة النص/النصوص، لكن صدقني أنني لم أجد أي جودة تذكر في ديوان محمد بشكار. فلو حدث أن وقعت عيناي على مكامن الجمال والإبداع في نصوص الديوان لما ترددت في ذكرها، أما وأن الحال عكس ذلك فما كان مني سوى أن أسود قراءة مقتضبة جاءت وفق ما جاءت عليه اعلاه.
تحياتي وشكرا لك على إثارة هذا النقاش الطيب والمفيد
تحية إلى الأخوة.أود بعجالة أن أدلي ببعض الملاحظات:
أولا أنا لا أعرف أيا من الأخوين:صاحب التعليق(لا يرقى إلى مستوى المقاربة أو القراءة لافتقاره إلى أمور كثيرة لا يتسع الحيز للتفصيل فيها)،ولا صاحب الديوان موضوع الكلام…لكني مررت من هنا فأثارني ماقيل لأنني اكتشفت التسرع في إصدار الأحكام يطريقة نهائية وواثقة من نفسهاانطلاقا من استشهادات مبتورة و منزوعة عن سياقاتها و انطلاقا من سيكولوجيا مبتذلة une psychologie vulgaire…لا أذهب إلى حد إثبات شاعرية صاحب الديوان أو نفيها كما فعل السيد الطيب زيد لأني لم أطلع على الديوان،لكن أود أن أوجه عناية السيد شعو إلى أن للمقاربة شروط أهمها التحكم في الأدوات القرائية و التحليلية بالإضافة إلى العمق و الجدة…فالقارئ-المقارب للنص يقدم للقارئ المفترض فكرة واضحة عن النص كما يدافع عن وجهات نظر أو تأويلات معينة حول هذا النص بالاستعانة بأدوات الحجاج و الإقناع…إن استلهام علم النفس في النقد أمر شديد الإغراء ،لكنه من أعقد الأمور و أكثرها عرضة للشطط في الحكم(يمكن قراءة ما كتبه فرويد،أو ما كتبه لاكانLacan،أو شارل مورونMoron…إلخ و ما كتب من انتقادات لهؤلاء…).إن تشبيه الشاعر نفسه بالسماء ليس جريمة…في الحقيقة هذا الاتهام يعيدنا إلى مرحلة متجاوزة من النقد الأدبي( مسألة عمود الشعر ومبدإ المقاربة في التشبيه و مناسبة المستعار للمستعار له:و هي أمور تنتمي لسياق أدبي و ثقافي جد متجاوز لأن النظرية تعرضت للهدم في وقتها من قبل فطاحلة الشعراء الكباركأبي تمام و الأبي نواس و غيرهما….)أتمنى أن يثار نقاش جاد و بعيد عن الانفعال…مع مودتي و تقديري