لاسبيل للمقـــارنة
الخلل هذه الكلمة التي كثيرا ما نسمعها تعبر عن تصدع في بنية من البنيات أو منظومة من المنظومات ، وهي إن دلت على شيء إنما تدل على فقدان التوازن والخروج عن كل ماهو عادي ومألوف ، فكلما انحرفت الأمور عن مسارها الحقيقي إلا وكبر الخلل وزادت حدة المضاعفات السلبية التي تنخر جسم المجتمع برمته وتجعله عرضة للطفيليات التي تنمو بداخله وتكبر في غياب تام لمناعة قوية تحميه .
كلما اتجهنا نحو الدول المتقدمة إلا وجدنا احتراما للحقوق والتزاما بالواجبات وتقديرا للكبير والصغير ، لاتمييز بين المرأة والرجل ولابين القوي والضعيف ، كل له مكانته التي يستحقها ، حتى الحيوان له مكانة خاصة ، الإدارات منضبطة لقوانين لا تفرق بين صاحب مركز ولاصاحب سلطة ولاعاطل ولا عامل ولا…، المستشفيات همها الأول والأساسي هو العناية بالمرضى والسهر على صحة من يلجها مريضا حتى يعافى ، الساهرون على الأمن همهم الوحيد هو تطبيق القانون بغض النظر عن صاحب المخالفة وضمان الحد الأدنى للسلامة لكل المواطنين على حد سواء ، الجيران يحترمون جيرانهم ويطبقون على أنفسهم الحكمة التي تقول ‘ تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين ‘، كل شيء يسير على أحسن مايرام ماعليك إلا احترام نفسك أولا واحترام القوانين وستجد أنك ممتع بجميع حقوقك لا ينقص منها شيء ، لكن لا يمكن أن ننفي بأنه بالرغم من الصرامة في الحفاظ على هذه المنظومة المتكاملة تحدث جرائم بين الفينة والأخرى تعكر صفو هذه المنظومة نظرا لكون الخلائق ليست على مستوى واحد من المسؤولية والإنضباط ، لكن يتم الإسراع حينها إلى وضع اليد على الخلل وتطويقه ومعالجته بشتى الوسائل المتاحة ، مستفيدين بذلك من الطاقات البشرية التي لها دراية بالمجال فتعود المنظومة إلى حالتها الطبيعية . لو حاولنا الرجوع قليلا إلى الوراء لوجدنا بأن سيرورة هذه المنظومة ليست تلقائية وعفوية بقدر ماهي مدروسة تخللتها أياد نقية وعقول نيرة فصوبتها في الإتجاه الصحيح متحدية الإعاقة الخفية لأصحاب المصالح والرؤى الضيقة التي كانت ولازالت تسعى جاهدة إلى المحاربة والضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه الإقتراب من مصالحها ، لكن كلما كانت هناك رغبة قوية في التغيير نحو الأفضل وكانت الأغلبية تمثل طبقة مثقفة وواعية بما لها وما عليها استطاعت هذه الأخيرة الوصول إلى الهدف المنشود مهما كلفها ذلك لأنها مؤمنة بتغليب الصالح العام على المصلحة الشخصية أو الخاصة .
إذا غيرنا الوجهة هذه المرة إلى الضفة الأخرى ضفة الدول النامية فسنجد العكس تماما : المطالبة بالحقوق وإغفال الواجبات ، الغلبة للأقوى ، التمييز بين المرأة والرجل ، طفولة مغتصبة ، نساء معنفات ، مسنون يعانون التهميش ، فقراء يعانون الجوع ، المرض ، الألم والعري …شباب يجوبون الشوارع طولا وعرضا بعدما فشلوا في إيجاد العمل المناسب والهراوات تلاحقهم أينما حلوا وارتحلوا ، مشاكل بالجملة ، ملفات متراكمة برفوف المحاكم لازال أصحابها ينتظرون الإنصاف ، مستشفيات تعاني قلة المعدات والأطر ، أدوية تعطى بالمحسوبية والزبونية ، مواعيد على الأمد البعيد ، سيارات إسعاف لاتفي بالدور المناط بها ، أمهات يلدن على جنبات الأرصفة ، رشاوي تسهل المأمورية على كل من استعصى عليه قضاء أغراضه كيفما كانت ، موظفون أشباح ، مساطير إدارية معقدة جهل ، أمية ، تعليم عبارة عن مختبر للتجارب …فوارق طبقية تتسع رقعتها سنة بعد أخرى ، انعدام لجان المراقبة ، فوضى في كل شيء ، الكل يؤمن بالمثل الذي يقول « شحال عندك شحال تسوى »و »اللي ماعندو فلوس كلامو مسوس ».كلما ظهرت في الواجهة فئة تسعى للتغيير الإيجابي طغت فئة أخرى تعمل في الإتجاه المعاكس لتحافظ على مناصبها وعلى امتيازاتها وتبقى هي المتحكمة في ميزان القوة مهما كلف الأمر ، فتحاربها بشتى الوسائل وتعمل على إجهاضها وتشويه صورتها لتصبح في نظر المجتمع مجرد شرذمة خارجة عن القانون ، ويبقى الحال على ماهو عليه والمشاكل في تزايد والكل يدور في حلقة مفرغة والحال يسير من السيء إلى الأسوأ فتكون النهاية بالطبع ذات عواقب وخيمة : إما قمع بما تحمله الكلمة من معنى وإما ثورات فاشلة أومسلوبة وإما دمار وخراب يصيب جميع مناحي الحياة العامة ، أو حروب أهلية تمزق المجتمع وإما وإما وإما…وبالتالي يظل الصراع محتدما بين فئة لاتملك شيئا وتعاني من كل شيء وفئة تملك كل الوسائل والإمكانيات وتملك القدرة على الحفاظ على هذه المعادلة اللامتوازنة ويبقى الرابح الأكبر من هذا الصراع هو شريحة معينة لاتمثل إلا نسبة قليلة بينما السواد الأعظم يصارع الموت من أجل البقاء ومن أجل لقمة عيش ، أمله في غد أفضل يشع بالحرية والانعتاق من جحيم الإمبريالية الفكرية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي أصبحت تحكم العالم .
كتبه عبد الجبار بوعزيز .





Aucun commentaire