الإشهار والدعاية ظاهرهما تسويق بضاعة وباطنهما ترسيخ قناعة
لقد صار الإشهار منذ عرف العالم قفزة حضارية نوعية قوامها التطور الصناعي والتكنولوجي من أهم مقومات الحضارة البشرية الحديثة؛ وإن كان الإشهار قديم قدم الوجود البشري مع اختلاف أشكاله حسب اختلاف الحضارات.
ويعتقد كثير من الناس أن الإشهار والدعاية لا تعدو وسيلة ذكية من وسائل تسويق البضاعة؛ والحقيقة أن للإشهار والدعاية ظاهر وباطن. أما الظاهر فهو ما يعتقده معظم الناس من أمر تسويق البضاعة ؛ وأما الباطن فلا يتنبه له إلا القليل ؛ وإن كان الشعور بهذا الباطن لا يعدم عند معظم الناس ولكن دون وجود بينة دامغة تقطع حبل الشك ليصير يقينا.
وقد يتتبع المهتم بالإشهار لقطاته المتكررة عبر وسائل الإعلام والاتصال المرئية والمسموعة والمكتوبة على اختلاف أنواعها خلال ساعات النهار والليل حيث لا يمر خبر ولا ترفيه إلا وقد خالطه الإشهار العديد من المرات ؛ فيصل إلى بعض باطن الإشهار المستور؛ أو على الأقل يجد نفسه أمام أسئلة ملحة تتعلق ببعض الدلالات المحتملة والممكنة إذ لا يمكن للقطات الإشهارية أن تقدم بارتجال فتحوي هذه الدلالات المحتملة و الممكنة.
فلو تنبهنا مثلا إلى الإشهار المتعلق بالساعات اليدوية خاصة التي تسوقها أشهر الشركات العالمية لوجدنا مختلف الساعات تقدم في توقيت واحد هو العاشرة وحوالي الدقيقة الثامنة أو التاسعة أو العاشرة. فظاهر هذا الإشهار مثلا هو تسويق بضاعة الساعات اليدوية بعلامات عالمية ذات شهرة؛ وباطنها هو ترسيخ توقيت معلوم؛ وهو توقيت قيام دولة إسرائيل الغاصبة؛ وهو توقيت تقرع فيه الأجراس كل سنة عند الاحتفال بنشوء الكيان الصهيوني؛ ويقف اليهود فيه دقيقتهم المعلومة. وعلى غرار هذا المثال يمكن تقديم العديد من اللقطات الإشهارية التسويقية ظاهرا ؛ والمغرضة باطنا. ولعل المتتبع لمعظم اللقطات الإشهارية يلاحظ بشكل لافت للنظر تمحورها حول الجسد الأنثوي إذ لا تسوق سلعة بدءا بمعجون أسنان وانتهاء بطائرات ضخمة إلا عبر الجسد الأنثوي مع التركيز على مواطن الإثارة فيها مما يجعل البحث في باطن الإشهار مشروعا حيث لا يقتنع الملاحظ بظاهره التسويقي المحض.واللقطات الإشهارية المرتبطة بالجسد الأنثوي لا يمكن إلا أن تصدر عن قناعة ترويج فلسفة الإباحية التي تقوم على تسويق قيم الإثارة الجنسية المتحررة من قيود الأخلاق والدين . ويكثر الترويج لهذه اللقطات في البلدان المعروفة بقيمها الدينية والأخلاقية كالبلاد الإسلامية مما يؤكد استهدافها بالدرجة الأولى من أجل استبدال قيمها بقيم معولمة تقف وراءها جهات معلومات. والإشهار يلعب دور التطبيع مع القيم الوافدة ذلك أن تكرار اللقطات الإشهارية من شأنه أن يطبع مع الظاهر التسويقي والباطن المغرض.
ومن الحيل المعتمدة في التطبيع مع القيم الوافدة أو المصدرة اعتماد المعايير الدولية المتعارف عليها كورقة ضغط على القيم الأصيلة الخلقية والدينية. فانتشار الأسواق الكبرى مثلا على غرار سوق مرجان يساهم في التطبيع مع نواقض الأخلاق والقيم الإسلامية لأن مثل هذه السوق معروفة بتسويق مختلف السلع والبضائع وهو معيار متعارف عليه دوليا لهذا لا يمكن أن تخلو من ترويج الخمور لأن ذلك يعني مخالفتها للمعايير المتعارف عليها ؛ كما يعني نقصانها ونقصان نوع خاص من الزبائن لا يرتادونها إلا من أجل اقتناء الخمور. إن مثل هذه الحيل التي تضرب القيم الأصيلة في الصميم هي من باطن التخطيط المصاحب لظاهر التسويق والتي تلعب على عامل تراخي الزمن لتصير الألفة ويصير التطبيع بين القيم الوافدة والفئة المستهدفة واقعا مفروضا. ولقد طمع البعض حتى في التطبيع مع القيم الفاسدة والظواهر الشاذة كظاهرة زواج المثل والشذوذ الجنسي التي تم تجريب تسويقها من خلال نموذج مدينة القصر الكبير لغرض التطبيع أولا ثم الانتشار بعد ذلك ؛ وقد تم توفير الغطاء الإعلامي لها واتخذ ذلك ذريعة لطرح موضوع تغيير القيم الأصيلة لتساير القيم الوافدة وفق المعايير المعولمة.
والمستغرب حقا أن تكون الجهات المتنبهة لهذا الخطر الداهم منحصرة في المؤسسة الدينية فقط وكأن باقي المؤسسات لا يعنيها شأن القيم الأصيلة المهددة يوما بعد يوم عن طريق التسويق الاقتصادي التي يصاحبه الغزو الثقافي الكاسح.
6 Comments
احييك اخي الكريم،ومااشرت اليه أمرلا جدال فيه،والتسويق صار علما يدرسواعتقد ان العيب ليس في الاشهار بشكل مطلق وانما في الغاية التي يوظف لها والا فانه يمكن توظيفه للارشاد الصحي والنصح والتوجيه الفكري..الخ والسؤال عندي هو: أليست الفضائيات التي تعج بالاشهار على اختلاف اشكاله واهدافه،فضائيات عربية تنتمي الى بلاد مسلمة؟ اما الاسواق – مرجان نموذجا – فانها تفرض نفسها بقوتها التنافسية والنوعية وهي لا تلقي بالا لاحساس او شعور المسلمين بقدر ما تبحث عن تعاظم الأرقام.والسؤال:أين رؤوس الأموال الاسلامية لتدخل سوق المنافسة وتستثمر يشكل نافع ومنتفع؟
صدقت أيها القارىء الكريم نعيب زماننا والعيب فينا
‘… ومال زماننا عيب سوانا’. ‘يجب إتمام الكلام’.
oui vous avez raison
wkama 9ala mohamed alwéli ;الاشهار افيون الشعوب المعاصر
Ineed more information