من أجل إصلاح فكري إدكار موران (Edgar Morin) Le courrier de l’Unesco. Fév. 1996.

-2-
المبادئ الثلاث
إن مبدأ الجدلية يجمع بين مبدأين أو مفهومين متناقضين، واللذان يتنافران ظاهريا، لكنهما لا ينفصلان، وضروريان لفهم نفس الواقع. لقد اعترف الفزيائي نيل بوهر بضرورة اعتبار الجزيئات الفزيائية كجسيمات وكدبدبات في نفس الوقت. لقد قال باسكال: "إن نقيض حقيقة ما، ليس هو الخطأ، لكن حقيقة مضادة". ويترجم بوهر هذه القولة بطريقته الخاصة، حيث يقول: "إن حقيقة عميقة، هي دائما حقيقة أخرى عميقة". والمشكل كامن في عملية جمع مفاهيم متضادة للتفكير في المسلسلات التنظيمية والخلاقة في عالم الحياة وتاريخ الإنساية المعقد.
مبدأ الرجعة التنظيمية يذهب إلى ما وراء مبدأ التغذية الراجعة، ويتحدى مفهوم الضبط من أجل الإنتاج الذاتي والتنظيم الذاتي. إنها حلقة مولدة وفيها تعتبر المنتوجات والمؤثرات، منتجات ومسببات لما ينتخب. وهكذا بالنسبة لنا نحن الأفراد، فإننا منتوج نسق التناسل، ناتج عن غابر الأزمان، لكنه لا يمكن لهذا النسق أن يتوالد إلا إذا أصبحنا نحن المنتجين له بالتزاوج. وإن الأفراد ينتجون المحتمع في/وبتفاعلاتهم، لكن المجتمع، بصفته كلا منبثقا، ينتج إنسانية هؤلاء الأفراد بتقديمه لهم، اللغة والثقافة.
وأخيرا فإن مبدأ الكل في الجزء، يبرز التنافر الظاهري لبعض الأنساق التي لا نجد بها الجزء داخل الكل فقء لكن نجد بها الكل داخل الجزء: شمولية الإرث الجيني موجودة في كل خلية للفرد. ونفس الشيء، فإن الفرد جزء من المجتمع، لكن المجتمع حاضر في كل فرد بصفته كلا، وذلك من خلال لغته وثقافته ومعاييره.
خلاصة
إن فكر التعقد، كما نرى، ليس على الإطلاق فكرا يزيل اليقين ليحل محله التردد والحيرة، أو يزيل التفرقة من أجل عدم التفرقة، أو يزيل المنطق ليسمح لنفسه بجميع التجاوزات. إن الطريقة تقتضي بالعكس القيام بذهاب وأياب دائم بين اليقينيات والحيرة، بين الجزئي والشمولي، بين ما يتفرق وما لا يتفرق – هذا لا يعني ترك مبادئ العلم الكلاسيكية ( النظام – التفرقة – والمنطق) – لكن إدماجهم في خطة عريضة جدا وغنية. هذا لا يعني كذلك خلق تعارض بين الكل الشمولي الفارغ وبين التقليص الممنهج، بل يعني الربط الملموس بين الأجزاء بالشمولية. يجب وصل مبادئ النظام والفوضى ومبادئ التفرقة والوصل، ومبادئ الاستقلالية والارتباء والتي هي في نفس الوقت متكاملة ومتنافسة ومتنافرة وسط الكون.
وكخلاصة، فإن الفكر المعقد ليس متنافرا مع الفكر البسيط. بل إنه يدمجه، وكما يقول هيجل، فإنه يعمل على جمع البساطة والتعقد، ليظهر أيضا في الأخير بساطته الخاصة به. هذا بالطبع، لأنه يمكن إعلان نموذج التعقد بنفس السهولة التي يتم بها إعلان نموذج البساطة: فبينما يفرض الأخير التفكيك والتقليص، فإن نموذج التعقد، يربء وفي نفس الوقت يفرز.
إن فكر التعقد، هو أساسا الفكر الذي يدمج الحيرة وهو القادر على تصوير التنظيم. باستطاعته الربط والرجوع إلى السياق والشمولية، ولكن في نفس الوقت فهو الاعتراف بما هو غريب وبما هو ملموس.)انتهى)




Aucun commentaire