Home»Régional»التقصي الجيني والتفرقة العنصريةميكائيل كيربي ( Le courrier de l’Unesco Mai 1998) M. Kirby

التقصي الجيني والتفرقة العنصريةميكائيل كيربي ( Le courrier de l’Unesco Mai 1998) M. Kirby

0
Shares
PinterestGoogle+

الفحوصات الجينية

إن الفحص الجيني ليس بجديد علينا. فمنذ مدة والنساء الحوامل تخضع بعدة دول إلى فحص السائل السلوي لتشخيص الإعاقات الجينية عند الجنين، كأعراض داون Down المزمنة. ومنذ عدة سنوات هناك فحص يسمح للأطباء معرفة إذا كان مرضاهم معرضين لمرض Toysachs، مرض الألياف العصبية القاتل في جل الحالات، أو مرض نقصان الدم، وعدة إعاقات أخرى فطرية. وخلال عشر سنوات حدث تقدم في مشروع مجموع الموروثات أو "الجينوم" الإنساني، بحيث يمكن في ظرف وجيز تشخيص الأسباب الجينية لجميع الاختلافات. لقد تم عزل الجينات المسؤولة عن السرطانات الموروثة وعدة أمراض أخرى خطيرة، من بينها تلك التي لا تظهر أعراضها إلا متأخرة ك"الفيبروز" الكبدي الفطري وانتفاخ العضلات و la chorée de Huntig والمرض الأكثر انتشارا، مرض ألزهايمر.

إن إجراء الفحوصات يحتمل لا محالة ارتكاب أخطاء، كما هو الحال بالنسبة لفيروس فقدان المناعة (السيدا). يمكن وجود ما يسمى بحالات إيجابية لكنها غير حقيقية، كما يمكن وجود حالات سلبية، وهي كذلك غير حقيقية. لكن إمكانيات التحاليل التي بحوزتنا حاليا، لا تسمح لنا بالتنبؤ بتاريخ بداية هذه الالتهابات الجينية. إن فحص la chorée de Huntig مثلا، هذا المرض الذي يتسبب في حركات لاإرادية ويعيق الوظائف العقلية في سن النضج، يحدد الحقيقة بنسبة 99%. لكن تاريخ ظهور الأعراض وكذا طبيعتها، فهي أشياء ترجع إلى عدة تغيرات على المستوى الفردي.

قديما كانت لدى العائلات فكرة، ولو أنها لم تكن واضحة، حول المشاكل الموروثة التي كان من الممكن أن تظهر عبر الأجيال. في إمكاننا اليوم إزاحة هذه الشكوك، وتحديد الجينات التي يحتمل أن تحدث في يوم ما إعاقات خطيرة أو تتسب في الموت، وذلك بطريقة مدققة جدا. طبعا، يمكن لمعلومات كهذه إعطاء تبريرات للتفرقة العنصرية ضد أولئك الذين تفصلهم خصوصيتهم "الجينومية" عن أغلبية معاصريهم. لكن هل يشكل هذا بحق مشكلا؟ هل خطر التفرقة العنصرية الجينية، يحوم على قرن الأنوار والعلوم؟

أسس التفرقة العنصرية

رغم التقدم الحاصل في ميدان التربية، ورغم الأدوات القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان، سواء على الصعيد الوطني أو العالمي، فإن الماضي كفيل بتعليمنا كيف علينا أن نظل حذرين جدا. لقد ارتكز القرن المنتهي على اختلافات جينية بديهية للزج بملايين الأشخاص إلى العذاب أو الموت، والآن فإن بعض الاختلافات، التي لم تكن ملموسة قديما، قد عززت اللائحة. لهذا وجب علينا التسلح بأجوبة اجتماعية فعالة. إن تعرف "الجينوم" بإمكانه أن يحدث تحولا في حياة الفرد. فالمريض الذي نخبره بأنه حامل لمرض لا يمكنه الشفاء منه، أو يتسبب في موته لا محالة، قد يتعرض لاختلالات نفسية مهمة جدا. هناك أفراد يحبذون اجتناب التحاليل خوفا من العواقب الوخيمة التي من الممكن أن تؤثر على راحتهم أو راحة أقاربهم. لكن خطر التفرقة العنصرية ناتج بالخصوص عن المؤسسات: قد تغير من تصرفاتهم تلك المعرفة التي تتكون لديهم حول التكوين الجيني للأفراد. فلنأخذ مثلا حالة التأمينات. لقد أسست العقد والأقساط منذ زمان، بناء على التعميم على جميع الزبائن أو المجموعة التي لها صلة بالأخطار المرضية الجينية المتعددة، والآن بما أنه أصبح بالإمكان إحالة الزبون على فحوصات جينية، فإنه من الأرجح أن يندثر تماما تقسيم الأخطار على الزبائن أو يسجل نقصا ملموسا. هكذا في اليوم الذي نستطيع تحديد الإصابات الموروثة بدقة جد مطلقة والتنبؤ بمرض ما أو نفيه بكل يقينية، ستتقوى شركات التأمين بكل السلط.

وردا على التحفظات الناتجة عن استعمال هذه المعلومات الجينية التنبؤية في ميادين الصحة والتأمين على الحياة، فإن الشركات تكتفي بتبديل المعطيات العلمية القديمة (معطيات عامة عن الصحة أو الجداول العامة حول مدة الحياة)، بتنبؤات دقيقة حول الاختلالات الجينية. فإذا سمحنا لهم بعرض ضمانات لها امتيازات بالنسبة، مثلا، للذين لا يدخنون، فكيف يمكن لنا حينئذ منعهم من تقديم نفس الامتيازات للذين أظهرت الفحوصات على أنهم في مأمن عن أي خطر ناتج عن الاختلالات الجينية القاتلة؟ لا يجب أن تبقى إشكالية من هذا النوع بدون جواب.

قد يفكر المشغلون من جانبهم، في إخضاع بعضا من مأجوريهم للفحوصات الجينية، لأن ثمن التكوين والمبالغ المرصودة والضرورية لمعاشات الإعاقة، وكذا الأثمنة الباهضة للعلل السنوية المتعلقة باستبدال المأجورين، هذه كلها أسباب تبرر في نظرهم، الولوج إلى الإعلام الجيني الخاص بهؤلاء المأجورين. نفس المشكل يطرح بالنسبة لشركات التأمين. تطرح هنا عدة أسئلة: هل يحرم الفرد من الشغل، حينما تظهر الفحوصات الجينية المتعلقة به، أنه معرض لإعاقة ما؟ هل تسمح علاقة القوة الموجودة بين المؤهلين للتأمين أو للشغل وبين المؤمن أو المشغل للفرد بمنع أي كان من الولوج إلى ملفه الجيني؟ وإذا لم يتدخل القانون لمنع مأسسة هذه التفرقة العنصرية، ألا يجرؤ المؤمنون والمشغلون وربما حتى الدول على إعطاء أنفسهم الوسائل التي تفرض على المواطنين تسليمهم لائحة الإعاقات الجينية التي قد تحدث على المدى البعيد، والتي لا يريد المواطنون أن يطلع عليها أحد، في حالة ما إذا أعطي إليهم الاختيار؟

يؤمن بعض العلماء بالتحديد الجيني (الجزئي أو الكلي) المتعلق يالميولات الجنسية. فإذا ما تم تأسيس هذا علميا، هل سيلقى الصراع ضد التفرقة العنصرية إحراجا أم بالعكس، سيشجع؟ فمن جهة، سنظهر على أنه لا يمكن فهم التحديد الفطري، الذي هو طبيعي، على أنه تحد أخلاقي أو تحد للمجتمں لكن ألا يؤدي الخوف وكراهية الاختلاف بالناس أو بالسلطات إلى التفكير في تدمير "الأجنة المنحرفة"؟

لم تكن الإنسانية قادرة على البقاء بدون تعدد الرأسمال الجيني. ويمكن التنبؤ باحتمال ورود طلب إزالة "العيوب غير المقبولة"، في أفق التفرقة العنصرية الجينية.

إن تقديم الفحوصات الجينية، ستجعل الإنسانية أمام تحديات أساسية. كيف يمكن التخفيف من ثقل العذاب والتخلص من كارثة الموت المبكر الناتجة عن اختلالات فطرية بدون التخلي عن التعددية التي تعطي للإنسانية قيمتها وبدون التخلي كذلك عن أشكال مخزونها الجيني؟(يتبع)

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. عمر حيمري
    24/10/2007 at 23:39

    السلام عليكم الأخ محمد أشكرك على هذا الموضوع العلمي القيم وعلى إاحتك لنا الفرصة مشاركتك الاطلاع على مثل هذه المواضيع البالغة الأهمية .فجزاك الله كل الخير.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *