Home»Régional»تحت الدف ( 8 ) الرجل الذي اقتلع عينيه

تحت الدف ( 8 ) الرجل الذي اقتلع عينيه

0
Shares
PinterestGoogle+

حدثنا أبو الغرائب عن أبي العجائب أن مواطنا من هواة البصبصة جلس يوما أمام المرآة في حصة تدريبية على فن " التبركَيكَ" ، حيث بدأ يمرن عينيه على التقاط حركة الناس يمينا ويسارا وأماما وخلفا في دقة متناهية . رمى بكرتين صغيرتين واحدة يسارا والأخرى يمينا وتابع سقوطهما في نفس اللحظة بعينيه في محاولة منه لالتقاط لحظة السقوط دون أن يلتفت برأسه لا يسارا ولا يمينا بل بمهارة عالية تقتضي توزيع عينيه على الناحيتين حيث تلتقط العين اليسرى ما يحدث في اليسار والعين اليمنى تلتقط ما يحدث في اليمين . دامت تداريبه لمدة طويلة حتى ضبط العملية بمهارة فائقة . ورغم هذا النجاح الباهر قرر أن يشتري تلفازين ليقوم بتداريب جد معقدة تتطلب التركيز أكثر. قسم الغرفة إلى ثلاثة مناطق ، الأولى في أقصى يمين الغرفة وضع فيها تلفازا ثبته على التقاط برامج القناة الأولى ، والثانية في أقصى يسار الغرفة خصص لها تلفازا مثبتا على التقاط برامج القناة الثانية . والمنطقة الثالثة خصصها لجلوسه وهي توجد تماما في وسط الغرفة . مرن عينيه وأذنيه على التقاط برامج القناتين صوتا وصورة . وحدث أن خرج إلى المدينة لتعقب أحوال الناس وعوراتهم ، واختار لنفسه مقهى يوجد في منتصف الشارع الكبير حتى يستطيع التقاط كل حركات الشارع من أقصى يساره إلى أقصى يمينه . بدأت الصور الملتقطة تتزاحم في شبكية رأسه مما عطل عملية الاستيعاب والترتيب لدرجة أن جزيآت الصورة بدأت تتداخل فيما بينها حيث أُسنِدت بعض أطراف النساء إلى الرجال وأسندت بعض أطراف الرجال إلى البهائم وبعضها الآخر إلى السيارات . و تشكل في رأس صاحبنا عالم غريب فالنساء يسرن وهن يغمزن بأضواء صغيرة علقت على ظهورهن والسيارت تمشي بقوائم حافية وهي تتنخم بين الحين والآخر ، والرجال يغلقون أبواب ونوافذ جيوبهم خوفا من سرقة العربات التي كانت تحتك بهم بمناسبة وغير مناسبة ، والبهائم منهمكة في كتابة رسائل غرامية عبر الهواتف النقالة . ماذا حدث لبرنامج التحميل ؟ لماذا تعطلت كل محركات البحث ؟ لا شك أن عيني صاحبنا أصيبتا بفيروس " آي لوف يو " يوم أعار عينه اليمنى لصديق له كان مطالبا بتقرير سريع مرفق بالشواهد والأدلة . فكر في أن يهيئ رأسه من جديد ويزيد في قوة التردد حتى يستطيع فك الرموز والشفرات . بحث في جيبه عن قرص التثبيت وهو عبارة عن" قرطاس الشمة " التي كان نادرا ما يستعملها لكثرة دوام اشتغال عينيه . وقف النادل أمامه لمعرفة طلبه ، فبدا له النادل وكأن عجلتين ركبتا له في رجليه ، والصينية بين يديه كمقود قديم . عدل قليلا من وضع عينيه وطلب قهوة بالكلمات المتقاطعة ، ثم بث شعاع عينيه في اتجاهات مختلفة سعيا منه لتدارك ما فاته أثناء انشغاله بإعادة تشغيل العينين من جديد . تعجب النادل للطلب وتسمر في مكانه منتظرا إعادة الطلب ، دون أن يدرك أنه بوقوفه هذا يكون قد فوت فرصا كثيرة على صاحبنا الذي طلب منه التنحي وإحضار المطلوب بسرعة . ولما أصر النادل على عدم التزحزح تدخل أحد الفضوليين الذي كانت عيناه قريبة جدا من الحدث ، وقال للنادل أن صاحبنا يريد قهوة بالحليب وقد نطق بالكلمات المتقاطعة خطأ لأنه أثناء الطلب كانت عينه اليمنى مركزة على الصينية واليسرى مركزة على أحد رواد المقهى الذي كان منهمكا في حل شبكة الكلمات المتقاطعة . لاحظ صاحبنا تدخل الفضولي رغم أن عينيه كانتا تسبحان في أعماق الشارع الطويل وأدرك أن في المقهى هواة آخرون وربما محترفون في البصبصة . أفرغ كل الصور والملفات التي تم تحميلها بسرعة فائقة ، وركب الذاكرة الفارغة في عينيه من جديد .. عاد النادل بالطلب وقدم إليه كأس شاي ، ولكن صاحبنا رفض ذلك وذكر النادل مرة اخرى أنه طلب قهوة بالحليب حسب تصحيح الفضولي ولم يطلب شايا. اعتذر النادل وهم بتغيير الطلب إلا أن فضوليا محنكا اعترف لصاحبنا أنه هو الذي غير طلب الشاي وعوضه بالقهوة لأنه كان يعرف جيدا أنه – ومنذ أن جلس في هذا المقهى ولأيام طويلة – كان دائما يطلب كأس شاي فما الذي جعله يغير طلبه اليوم ؟. أدرك صاحبنا إدراكا تاما ولا رجعة فيه أن المقهى مليء حتى التخمة بذوي الخبرة في البصبصة . نزع عينيه ووضعهما فوق الطاولة لتريا ما يحدث خلفه ، فلم ير إلا خلقته وقد تشوهت وآلاف العيون خلفها " تبرقق " في الطاولة التي أصبحت ترى وتسجل كل كبيرة وصغيرة في حق كل من حضر إلى هذا المكان . وأدركوا بنوع من الندم والشماتة أن كل الطاولات كانت لها عيون وكل الحافلات والعمارات والأسواق الشعبية والناس والآلات والبهائم ، فبدأ الجميع ينزع عينيه باستثاء النادل الذي نزع واحدة فقط لأن هناك بعض الزبناء لم يؤدوا بعد ثمن طلباتهم . ويعلق فضولي محنك أن النادل نزع عينيه واحتفظ بواحدة كانت مثبتتة على صدره . انتشر الخبر في الناس بفضل عيون الرصيف . وجرى خبر نزع العيون بين آذان الناس وأنوفهم ومن بين أيديهم وأرجلهم . وتقاطر هواة البصبصة على المقهى من كل حدب وصوب ، وسرقوا كل العيون التي لازالت صالحة للبصبصة ودهسوا بأرجلهم كل العيون التي انتهت مدة صلاحيتها خوفا من عدوى الفيروس . وظلت عينا صاحبنا فوق الطاولة تلتقطان وتسجلان وتخزنان كل حركة قام بها الفضوليون والتي لم يقوموا بها أو كانوا ينوون القيام بها حتى امتلأت ذاكرتهما تماما ، حينها أخرج صاحبنا عينين أخريين من جيبه ووضعما على الطاولة ولبس عينيه المملوءتين بالمعلومات التي كان يحتاجها ذلك اليوم لكتابة تقريره اليومي ، ثم حمل هاتفه وقال كلاما مشفرا وانصرف . وفي رواية فضولي خب
ير في البصبصة قال إنه شاهده يتكلم في هاتفه وهو يجمع عيونه التي كان قد تركها مثبتتة بين أشجار الشارع وأعمدة النور وفي سراويل المارة وذيول البهائم . يتبع مع فضول آخر

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. عبد الله بوكريم
    20/10/2007 at 12:58

    السيد محمد حامدي . أعجبت كثيرا بمقالاتك التي تنبني على الفكاهة الهادفة التي تنتقد مظاهر الواقع بأسلوب فكاهي رفيع . أتمنى أن تتناول في مقالاتك بعض المظاهر المشينة التي تعرفها قطاعات مختلفة ( الصحة – التعليم – الإدارة …. ) وشكرا

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *