التقصي الجيني والتفرقة العنصرية ميكائيل كيربي ( Le courrier de l’Unesco Mai 1998) M. Kirby

تقديم:
إن العنصرية التي تعرفها المجتمعات، خاصة "المتقدمة" منها، تعتبر أخطر الأمراض الاجتماعية التي ظهرت مع بداية القرن التاسع عشر، حينما كانت أروبا تغزو القارات الأخرى بحثا عن الموارد الطبيعية وعن الأسواق واليد العاملة الرخيصة، بل وحتى عن العبيد. إن الثورة الصناعية خلقت لدى الأروبيين عقدة التفوق، ومن ثم أصبحوا يعتبرون أنفسهم هم محور العالم، وأن كل شعوب القارات الأخرى تدور في فلكهم، وطبعا فإن كل من خالفهم ولم يكن يشبههم، إلا وتعرض للإقصاء والتهميش، واعتبر غير متحضرا وهمجيا. وحينها ظهرت عدة أطروحات "علمية" تعظم من شأن الأروبيين وتضخم من تفوقهم العلمي والعقلي، بل ذهبت حتى بعض شعوب أروبا ضحية أطروحات "علمية" نمت مع النازية الألمانية، التي كانت تعتبر الألمان جنسا آريا واعتمدت في تبرير ذلك على فحوصات ودراسة الجماجم، أي ما كان يطلق عليه إسم الفرنولوجيا (La phrénologie).
وفي عصرنا هذا، لازالت العنصرية بجميع أشكالها وأنواعها ( عنصرية اللون، الدين، العرق، الفقر إلخ…) متفاقمة، وأصبحت الحقوق الأساسية للفرد، بل للمجموعات البشرية، مهددة. والشيء الذي يزيد الطين بلة، كما يقال، هي الفحوصات الطبية والبيوليوجية والبحوث العلمية، التي أصبحت قادرة على تعزيز لائحة الإعاقات التي تشجع على عزل الفرد أو مجموعة بشرية ما، وبدون مبرر صحي عن باقي أفراد و مجموعات المجتمع الدولي. وأصبحت هذه البحوث العلمية والفحوصات الطبية المتطورة جدا، تهتم بما يسمى ب"الجينوم" الإنساني، أي بتراثه الجيني، وأصبح بمقدورها تحديد الإعاقات أو الاختلالات الفطرية، غير الملموسة، الشيء الذي أصبح يشكل خطرا على انسجام العائلة الإنسانية بأكملها ككائن يسكن هذا الكوكب، خاصة إذا ما استغلت هذه المعطيات من طرف المؤهلين للعنصرية.
وأمام هذا الخطر المحدق الذي يهدد إنسانية القرن الواحد والعشرين، تجند بعض الباحثين والمهتمين لإنقاذ البشرية من هذا الخطر، وهكذا تمت المصادقة بالإجماع على الإعلات العالمي حول الجينوم الإنساني وحقوق الإنسان، من طرف المؤتمر العام لليونسكو في دورته التاسعة والعشرين في 11 نونبر 1997.
ويظهر هذا النص المترجم عن اللغة الفرنسية مدى خطورة الفحوصات الجينية والإشكالية المطروحة بين تقدم البحث العلمي وخاصة البيولوجي من جهة، وحقوق ااإنسان من جهة أخرى. ومن هذه الزاوية كذلك، يجب النظر إلى قانون الهجرة المتعلق بالتجمع العائلي لدى المهاجرين بفرنسا، هذا القانون الذي عرف نقاشا حادا، رفضه اليسار الفرنسي وأقره اليمين المشكل للأغلبية على إثر الانتخابات الأخيرة في فرنسا، يفرض إخضاع أطفال المهاجرين الراغبين في الالتحاق بعائلاتهم، إلى تحليلات الحمض النووي، الشيء الذي يتنافى طبعا مع الثقافة الحقوقية الفرنسية والدولية، ويعتبر بمثابة تراجع خطير لا بد من التصدي له.
النص المترجم:
إن الاختلاف هو التعبير الأقل عنفا من التفرقة العنصرية. كثيرون هم الأشخاص الذين لا يرتاحون إلا رفقة من يشبهونهم في كل شيء، وأبسط عنصر الاختلاف يحرك فيهم حب الإساءة التي تتحول أحيانا إلى همجية.
هناك أنواع من التفرقة تفرض نفسها. هكذا فإن حماية الجسم المجتمعي والفردي تتطلب مثلا عزل المريض. لكن تاريخ هذا القرن المنتهي، يحمل علامة آلاف أنواع التفرقة اللاعقلانية وغير المبررة، والتي لا يمكن إرجاعها كلها إلى الماضي. فمن بين الأسباب يمكن ذكر: العرق، اللون، النوع، الإعاقات والميولات الجنسية، والتي يمكن إرجاعها كلها (أو على الأقل طرف منها) إلى أسباب جينية. فحسب البعض، ليس مهما إن لم يكن الفرد قد اختار اختلافه. والاختلاف، حتى ولو كان بسيطا جدا يمكن أن يحدث تحولا في حياة الفرد أو المجتمع. ويعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بمثابة طافية الإنقاذ تثير انتباه العالم وتحوله عن الظواهر اللاعقلانية وعن التفرقة العنصرية المسيئة. ورغم المجهودات، فإننا لا زلنا نواجه تحدي التفرقة العنصرية المبنية على الخوف من المجهول والغرائبي. إن نهاية هذا القرن تواجهنا بإمكانيات جديدة تشجع على التفرقة العنصرية: إن تقدم الفحوصات الجينية ستمكن من تشخيص عناصر جينية تظهر الاختلاف الذي سيؤسس ربما لعدة وسائل سلبية للتفرقة العنصرية.(يتبع)




Aucun commentaire