Home»Régional»حوار مع الكاتب الكولومبي كارسيا ماركيز(Le courrier de l’Unesco, Fev. 1996)

حوار مع الكاتب الكولومبي كارسيا ماركيز(Le courrier de l’Unesco, Fev. 1996)

0
Shares
PinterestGoogle+

س: وبعد مائة سنة من العزلة؟

ج: لقد بدأت آخذ الحذر من نفسي. لابد أن أعمل جاهدا حتى لا أكرر نفسي لكي لا أنهب نفسي. لابد لي أن أتعمق وأن أسير كل مرة أكثر الواقع وأن آخذ الحذر خاصة من الكلمات، بدون أن أشعر، أجد أنني أقول نفس الأشياء، نفس النعوت بالنسبة لنفس الأسماء.

نتكلم غالبا عن التأثير الذي تركه بعض الكتاب في كتاب آخرين، أما أنا فلم أحاول أبدا تقليد الكتاب الذين كنت معجبا بهم، بالعكس كنت أحمي نفسي منهم حتى لا أقلدهم، لكن عندما نرغب في أن نكون نحن، يمكننا السقوط في الخطأ المعاكس، والسؤال يصبح: كيف نحمي أنفسنا من أنفسنا؟ كيف نتجنب تقليد أنفسنا؟

في آخر روايتي: "عن الحب وشياطين آخرين"Del Amor y otros demonios ، التي هي عبارة عن قصة تجري أحداثها في قرطاجة أندياسCartagena de Indias في القرن الثامن عشر، حاولت إعادة تشكيل ثقافة وعقليات وتعصب العصر ، لكن الشيء الذي كان صعبا بالنسية إلي هو أن تكون هذه الرواية مختلفة تماما عن سابقاتها. لقد لاحظ القراء الأولون أنها كانت ذات وجازة لا علاقة لها بي، وأنا سعيد جدا بهذا، لأن هذا هو اتجاه عملي. أردت أن لا تكون له صلة برواياتي السابقة. هذه الرواية هي شيء مني بالتأكيد، فكل الكتب تشبه صاحبها، وكل الروايات هي بشكل أو بآخر نوع من السيرة الذاتية، وكل شخصية لا تحيل إلا على الكاتب نفسه، أو تغريه منجزة بجزء من أجزاء الكاتب أو من أجزاء ذكرياته، أو معارفه. على ما يبدو فإن تقدم أي إنجاز يتشكل بالغوص في الداخل حتى نرى إلى أي حد نصل. أين هو هذا المفتاح الذي نحن بصدد البحث عنه والذي هو سر الموت، مفتاح الحياة كما نعلم، لن نحل رمزه.

س: هل هذا هو الهوس الخاص بالأدب اللاتيني الأمركي؟

ج: صحيح أن أمريكا اللاتينية وليدة آداب خاصة جدا. آداب الفرسان، وليس هذا من باب الصدفة، ولم يحدث فجأة، لأن روايات الفروسية كانت ممنوعة داخل المستعمرات الإسبانية، كانت تحرر الخيال. لقد ساعدت هذه الروايات الإخباريين على تقبل ما كانوا يشاهدونه، إلا أن ما شاهدوه كان بفوق ما كان باستطاعتهم التفكير فيه. من هنا خلق هذا العالم الغرائبي والذي أصبح ينعت فيما بعد بالواقعية السحرية، التي تعتبر علامة ثقافة أمريكا اللاتينية.

س: عندما تفكرون في جمهوركم الآن، هل تفكرون في أمريكا اللاتينية أم في العالم الإسباني أم في العالم بأكمله؟

ج: في البداية لا بد من ربح جمهورنا الخاص، فإن حدث هذا، فمعناه أننا نعبر عن شيء مقبول، ثم بعد ذلك فقط نثير اهتمام باقي العالم. لا يتم غزو الجمهور بطريقة اعتباطية. هناك أولا تطابق مع الواقع الذي يهم هذا الجمهور ثم يتسع هذا التطابق ليشمل العالم بأسره. يجب خاصة فعل ما نظن أننا مجبرين على فعله بدون انقطاع، ثم بعد ذلك تحدث أشياء.

عندما بدأت الكتابة، لم أفكر قط أنه سيكون لي قراء قليلون أو كثيرون. "مائة سنة من العزلة"، هو خامس كتبي، وكتابي الأول صدر بعدخمس سنوات قضاها في التجوال بين عدة ناشرين ومطبعات قبل أن يطبع. إلا أن النسخ بقيت لمدة طويلة ولم تبع. كل واحد لا بد أن ينجز عمله وينتظره. واذا استطاع الكاتب أن يعيش على عمله فهو محظوظ إلى حد كبير، لكن لا يجب أن يكون هذا هو هدفه.

س: وأنت تزاول مهنة كاتب، هل سبق لك أن عرفت انقطاعات أو لحظات الشك أو تغيرات في التوجه؟

ج: لقد حققت قفزتين مهمتين؛ الأولى هي إقلاعي عن التدخين أو بالأحرى السجارة هي التي أقلعت عني. كنت متسمما بها، أدخن أربع علب في اليوم، وبدون أن أصاب بالتهاب الشعبة أو يأمرني الطبيب، في يوم من الأيام أطفأت سيجارتي ومن حينه لم أدخن، فتبين لي أنني ومنذ بدايتي في الكتابة، لم أكتب سطرا واحدا بدون تدخين، وسألت نفسي: والآن ما العمل؟ أنتظر حتى أتعود على الكتابة من دون أن أدخن أو أجلس توا وأبدأ في الكتابة؟ كانت الموهبة قوية، وجلست أمام آلة الكتابة وظهرت صعوبة أخرى، صعوبة الأيدي. كانت يدي زائدة بما أنها لا تحمل سيجارة؛ ومن حسن الحظ بقي عقلي سليما، وتابع مهمته كما في السابق.

القفزة الثانية، هي عندما أفقت ذات يوم واتضح لي أنه لم يعد بوسعي فعل أي شيء آخر سوى أن أكتب. في السابق كان علي إما أن أكتب أو أعمل لحساب التلفزة، أو الإشهار أو الراديو. زوجتي مرسيديس طرحت علي ذات مرة السؤال بالصيغة التالية:

"هل ستذهب إلى العمل أم ستكتب؟" هكذا بدأنا نفرق بين "العمل" الذي له هدف مادي وبين الكتابة التي هي لذة غير منتجة. وفيما بعد، في يوم من الأيام، عند استيقاظي قلت لنقسي:"من اليوم فصاعدا لست بحاجة إلى "العمل" أسمح لنفسي بالكتابة أو عدم الكتابة، بيد أني فطنت في الحين إلى ما تنطوي عليه هذه الحرية من خطورة. إذا لم أكتب اليوم فربما لن يكون بوسعي الكتابة لا غدا ولا بعد غد، فتابعت كتابتي.

غير أنني، في هذه الحالة أيضا، تعرضت لمشكل جديد. كنت دائما أشتغل كصحافي، وآنذاك كانت الجرائد تكتب ليلا. كنت أعيش حياة بويهمي. أنتهي من عملي في الواحدة صباحا ثم أكتب قصيدة شعر أو أقصوصة إلى غاية الثالثة صباحا، وبعدها أفر لألعب الوتد أو لأشرب الجعة، وعند رجوعي مع بعض الأصدقاء في الصباح إلى منازلنا، كانت السيدات الذاهبات إلى القداس تعبرن الرصيف، كانت تظن أننا كنا سكرانين، وكن خائفات أن نعتدي عليهن. وهكذا لم تكن الكتابة أثناء النهار بدل الليل عملية سهلة.

عندما حققت حريتي، فرضت على نفسي توقيت موظف بنك مجبر على الحضور يوميا. أبتدئ في ساعة معينة وأنتهي في ساعة معينة. هذا مهم جدا لأنه إذا تركنا الكتابة تجرنا ولم نوقف العملية في وقتها تأتي الصفحات الأخيرة ذات نفس منهوك. والمشكل الكبير الذي يعاني منه أغلبية الكتاب الذين لا يتوفرون على الوسائل الكفيلة التي تسمح لهم بالتفرغ إلى الأدب، هو كونهم لا يكتبون إلا أثناء الوقت المتبقي، أي أثناء ساعات العياء. إنه أدب رجال منهوكين. هذا ما يحدث لي أنا أيضا عندما لا أحترم توقيتي كلما شدني الحماس. إن الصرامة ضرورية: نبدأ أو ننهي الكتابة في أوقات معينة. أصطحب أبنائي إلى المدرسة في الساعة الثامنة صباحا، ثم أجلس للكتابة حتى حدود الساعة الثانية ظهرا، عندما أذهب للرجوع بهم إلى المنزل. وهكذا وبكل اقتناع أكون قد ربحت يومي وفطوري، وفي المساء أذهب غالبا إلى السينما أو لزيارة أصدقاء أو تكون لي انشغالات متعددة بدون ندم.

أحس بالندم بين كتابين. عندما أنتهي من كتاب، أبقى مدة معينة بدون كتابة وعلي أن أتعلم مرة أخرى كيف أكتب وأحس ببرودة في يدي. هناك عملية تعلم مرة أخرى لإيجاد ذلك الدفء الذي ينتاب الإنسان عندما يكتب. وهكذا قلت لنفسي لا بد من خلق – وفي الحين – طريقة تسمح لي بالكتابة بين الكتابين، والحل وجدته، هو كتابة ذكرياتي. ومنذ ذلك الحين لم أغادر مكتبي ولو ليوم واحد. عندما أسافر فإنني أبين على صرامة أقل، لكن أسجل نقطا في الصباح. كل هذا لأقول أن الرقم المشهور 99% الذي يعبر عن "رشح" الكاتب هو حقيقي جدا.

1% للإلهام و 99% للرشح، ولو أنني أدافع عن الإلهام، فليس بمفهوم الرومانسيين الذين كانوا يعتبرونه سرحات إلهية. يظهر على أنه عندما نشرع في إنجاز مشروع ما وعندما نحيط به ونلم به جيدا ونؤججه، آنذاك وفي لحظة ما نتمكن منه ويصبح جزءا منا ونحن جزءا منه، وهكذا يبدو لنا كما لو أن عبيرا إلهيا ألهمنا إياه، وحالة هذا الإلهام موجودة بالطبع وعندما نعيشها رغم قصرها، فإنها أعظم سعادة على الإطلاق بإمكاننا معرفتها.

%

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *