تحت الدف ( 7 ) الفضولي الذي قطع لسانه
حدثنا أبو الغرائب عن أبي العجائب أن مواطنا من ذوي اللسان الطويل جلس يوما بمقهى وسط حركة مكثفة من الناس والسيارات والبهائم والدراجات ، واستحسن جلوسه حيث اعتبر المكان الجالس به من أخصب الفضاءات التي يستطيع فيها ممارسة تطويل لسانه ببلاغة زائدة . انزوى في ركنية موازية تماما لممر الراجلين حيث تتعايش سيقان المارة مع أجنحة السيارات وعجلات الشاحنات مع قوائم البهائم الجارة للعربات . وقال في نفسه : لاشك أن هذه الحركة تبشر بموسم لولي صالح ، مادام أن مثل هذه الحركة المتداخلة والعشوائية لا يسمح بها إلا في المواسم أو " الوعدة " بلغة أهل الشرق . إنها فعلا " وعدة سيدي علان " وما يؤكد ذلك هو انعدام تنظيم حركة المرور ، وصياح وصراخ الباعة المتجولين الذين يتجرأون في بعض الأحيان إلى الطواف داخل المقاهي عارضين سلعهم المهربة على أنوف الرواد دون أن يجدوا حرجا في إقلاق تركيز هواة الكلمات المتقاطعة ، أو في إزعاج بعض لاعبي الورق وحتى هواة "التيرسي " . همهم الوحيد هو البيع ثم البيع شعارهم في ذلك هو أن لا أحد له الحق في قطع أرزاقهم . لقد لاحظ ذو اللسان الطويل هذه التصرفات مرارا ومرارا وجند لها لسانه بالنقد والاستنكار ، لكنه لم يفلح وتمنى لو تكبر ألسن الناس وتصبح كلسانه ليساعدوه في القضاء على هذه الظاهرة ، لكن أحد الفضوليين قطع تفكيره فجأة حينما استأذنه بأخذ الكرسي الذي ظل فارغا بجنبه . عاد إلى " الوعدة " وبدأ لسانه الطويل يمسح المارة باللعن والشتم وتارة بالتعليق والضحك ، إلى أن اهتدى في الأخير – وبفضل حنكة لسانه الطويل " إلى البحث عمن يكون وراء انتشار هذه الحركة . سمح للسانه أن يرشف " جغمة " من قهوته السوداء بتلذذ رائع سببته نكهة القهوة ونكهة جسد متمايل كان يبحث عن ضالته . وضع الفنجان على الطاولة ولم يضع عينيه من على الجسد المتمايل . ولما غاب الجسد تماما تأفف بحرقة ولعن صاحبته إلى يوم الدين ، ولما أراد أن يعدل من جلسته اكتشف أن سرواله ملطخ بالزيت الذي يستعمله كـ " دهان" في كل وجباته الغذائية . لعن الدهان وما ينتج عن الدهان . واعتبره سبب كل هذه المصائب . فمن كثرة الدهان تجرأت هذه المرأة على فعل ما تفعله ، وتجرأت أقدام المارة على منافسة السيارات على هذه الأشبار المزفتة والتي يحلو لبعض الفضوليين تسميتها بالشوارع ، ومن كثرة الدهان حلا للبعض أخذ ما هو لغيرهم . حاول أن يمسح بقعة الدهان من سرواله مستعملا أصبعه ولسانه الطويل يجتر لعن الدهان ولعن ما سببه الدهان من مفاسد . واستمر في تعداد الظواهر الاجتماعية التي أنتجها الدهان . فتطاول لسانه إلى إدراج فضوليي العلم والأمن ضمن نظريته الدهانية ، لكن فضوليا محنكا كان يجلس على يساره تدخل لتجفيف لسانه ومساعدته على مسح بقعة الدهان حيث اقترح عليه أن يستعمل قليلا من " الخل " وقطعة من الثلج إذا أراد أن يتخلص نهائيا من بقعة الدهان . حملق في الفضولي جيدا وشكره على فضوله الزائد ثم غير مكانه . نادى على النادل لأداء ثمن القهوة إلا أن النادل فاجأه بأن الرجل الذي يجلس هناك في الخلف قد قام بالواجب . نظر صاحبنا إلى الخلف ورأى الرجل الذي قد أدى واجب القهوة ، وبدأ يتذكر أين رأى هذا الرجل ومتى وكيف ، وبعد أن استحضر جميع الوجوه التي يعرفها والتي كان يصادفها في المقاهي اهتدى في الأخير إلى أن الرجل هو نفسه ذلك الشخص من زاره البارحة في مكتبه من أجل طلب رخصة للبناء . شتم نفسه بقوة ولعن الدهان والداهنين والمدهونين ، وقام على التو بقطع لسانه وتحولت السين والصاد في فمه إلى شين ولما نطق بعد قطع اللسان قال " من يرشو لشانه على حال وجب تقشيره " وكان يقصد " من يرسو لسانه على حال وجب تقصيره " … يتبع مع فضول آخر .
Aucun commentaire