الاستحقاقات الانتخابية من الزاوية الشرعية

يوم استصدرت مذكرة وزارية من قبل الوزارة الوصية على الشأن الديني تمنع تعرض المنابر لموضوع الانتخابات استغربت الأمر لأنه لا يعدو النزول عند رغبة أحزاب تخشى تأثير هذه المنابر على رواد المساجد من خطباء قد يتقنعون بالتدين لتحقيق المكاسب السياسية. والقضية من باب الحق الذي يراد به الباطل؛ ذلك أن فريضة النصح واجبة شرعا على المسلمين في بلد يدين بعقيدة الإسلام. وليس من المفروض أن يتعرض الخطيب لموضوع الانتخابات بطريقة تتحيز لهذا الفصيل السياسي أوذاك ؛ وإنما من الواجب عليه أن يحرس حدود الله عز وجل في كل شؤون الحياة التي ضبطها الشرع ضبطا محكما لقوله تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ).
إن فريضة النصح أوجبها الشرع لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) فقال تميم بن أوس الداري : قلنا لمن يا رسول الله ؟ قال : ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). والخير منقطع من أمة لا تتناصح ولا تقبل النصح. فإذا كان النصح في أمور جليلة عظيمة فكيف ينقطع هذا النصح في أمور من قبيل الاستحقاقات الانتخابية ؛ وهو شأن له علاقة بالدين وتحديدا بقضية الأمانة التي ورد ذكرها في كتاب الله عز وجل والتي عرضت على الكائنات العظيمة فأبت أن تحملها وأشفقت منها وحملها الإنسان لكفر وجهل فيه بخطورتها عليه عاجلا وآجلا
.
إن من النصح أن يقول المنبر للمسلمين ما أثر عن سول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو يعلى معقل بن يسار رضي الله عنه إذ يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية ؛ يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) والحديث متفق عليه
وكلمة رعية تطلق في الأصل على الماشية الراعية أو المرعية ؛ ورعاية الماشية عمل الراعي وهو حفظها ؛ وانتقل المعنى من الحقيقة إلى المجاز فصار كل من يحوط ويحفظ جماعة من الناس قلت أو كثرت يسمى راعيا وتسمى الجماعة المستفيدة من رعايته وحفظه رعية ؛ وتسمى مسئوليته استرعاء واستحفاظا. وقد يقصر الفهم عند كثير من الناس في التعامل مع هذا الحديث فيكون العبد الذي استرعاه الله رعية هو صنف معين عند هؤلاء بمعنى هو الحاكم فقط باعتبار المسئولية أحادية الجانب؛ وهذا قصور في الإدراك لأن المسئولية تتوزع بين الرعية حكاما ومحكومين ذلك أن الله عز وجل استرعى الحاكم والمحكوم على حد سواء مع اختلاف في المسئولية ؛ والدليل الشرعي على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنه إذ يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كلكم راع ؛ وكلكم مسئول عن رعيته : الإمام راع ومسئول عن رعيته ؛ والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته ؛ والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها ؛ والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته ؛ وكلكم راع ومسئول عن رعيته ) والحديث متفق عليه. وتكرار عبارة : (وكلكم راع ومسئول عن رعيته ) في آخر الحديث كما بدأ يدل على أن الأصناف التي ذكرت للتمثيل فقط وإلا فهي كل شرائح المجتمع في كل عصر ومصر؛ وما ذكر الإمام إلى جانب ذكر الخادم في الاسترعاء ؛ والمسئولية ؛ وذكر الرجل والمرأة سوى دليل على طبيعة الاسترعاء المشتركة مع اختلاف
في المسئولية حسب طبيعة الخلائق واختصاصاتهم. ولهذا لا يصح حصر الاسترعاء في الحكام دون المحكومين كما يفهم عامة الناس.
والاستحقاقات الانتخابية هي مسئولية الناخب والمنتخب ؛ والله استرعاهما معا ؛ فالناخب استرعي على الرعية بصوته الذي بموجبه يتم اختيار المنتخب الذي يوكل إليه أمر التشريع والتسيير لما يعرض للرعية من أحوال المعاش ؛ والمنتخب استرعي على الرعية بعمله تشريعا وتسييرا وتدبيرا لشأن الرعية ؛ وهكذا يكون الكل مسئولا أما الله عز وجل. والتفريط في المسئولية مهما كان نوعها يسمى غشا في الإسلام ؛ والغش نقيض النصح وهو مأخوذ من الغشش أي المشرب الكدر. والنبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من الذي يغش الرعية في قوله عليه السلام : (من غشنا فليس منا ) بمعنى ليس من أخلاقنا ولا من سنتنا ولا من ديننا ؛ كما أنه توعد الغاش بالحرمان من الجنة وهو بطبيعة الحال دخول النار
.
فالناخب الذي يعرض عن الانتخاب بدعوى عدم جدواه يعتبر غاشا للرعية لأنه عطل صوته الذي قد يلعب دورا ما في وصول من لا يستأمن على أمانة الأمة؛ فرب صوت معطل لو وضع حيث يجب لجاء بخير. والناخب الذي لا يبالي بصوته فيلقيه بطريقة عشوائية بدعوى التخلص من عبء هو أيضا غاش للرعية لأنه لم يمحضها النصيحة. والناخب الذي يعلم فساد المنتخب ويصوت عليه غاش بامتياز للرعية ؛ وهو يبيع دنياه بآخرته إذ يعرف براءة النبي صلى الله عليه وسلم من الغاش ولا يبالي بذلك. والناخب الذي يتقاضى رشوة على صوته غاش بامتياز أيضا ؛ وهو يقترف الغش المزدوج حيث يقبل الارتشاء وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش بينهما ؛ واللعنة تطرد صاحبها من رحمة الله عز وجل
.
والمنتخب الذي يستهين بالاسترعاء ويستخف بالمسئولية حيث يعرف مسبقا عجزه عن الاسترعاء فيقدم عليه رغبة في مصلحة أومنفعة زائلة بزوال الدنيا يقايض آخرته بدنياه ويستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير وأبقى؛ ولا يقدم على هذا إلا مغفل بليد أو فاسق واضح الفسوق.
وصدق المثل القائل : ( من استرعى الذئب فقد ظلم ) وأي ظلم أعظم من خيانة عظمى تستغفل الأمة بحق يراد به باطل ؟ ولا عذر لناخب أو منتخب إلا إذا ثبت ما يبرر امتناع الأول من التصويت ؛ ومنع الثاني من الترشح ؛ ويكون الثابت مخالفا لقاعدة النص الشرعية .
هذا نصحي للناخب والمنتخب أنقله عبر هذا الموقع الذي قطع عهدا على نفسه للدفاع عن نزاهة استحقاقات انتخابية على الأبواب لما حيل بيني وبين كلمة حق على المنبر إرضاء لأهواء بعض الجهات وتعطيلا لفريضة النصح ؛ ويشهد الله أني نصحت للأمة بهذه الكلمة التي أرجو بها وجه الله عز وجل ؛ والتي لا تمدح زيدا ولا تذم عمرا ؛ وإنما تنصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
وإني لأحذر من تحمل مسئولية منع النصح عن المسلمين من مصير أهل الغش ؛ كما أحذر من الخطباء والوعاظ من استغل منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم للدعاية لفلان أو فلتان من نفس المصير وبئس مصير من غش الرعية بقول أو فعل أو حتى صمت حيث لا يحسن السكوت ؛ اللهم قد بلغت فاشهد.
3 Comments
شكر الله لأخينا الشركي على هذه النصيحة التي جاءت في وقتها، وقد أعجبتني عبارة « من عطل صوته فقد غش الرعية » لأن العديد من الصلحاء لا يقتربون من مكاتب التصويت ويعتبرون ذلك ورعا وتقوى…وقد قيل لنا هذا الكلام ونحن نقدم لهم من نظن فيه الخير من المرشحين… يجب أن نعلم جميعا أننا أمرنا بالظاهر والله يتولى السرائر، ومن يرفه شعار ات واضحة لا تصادم ثوابت الأمة ويحمل مبادئ وله أخلاق ولا يخاف في الله لومة لائم وينحاز إلى المستضعفين هو أولى من غيره والكمال لله. والأمر يحتاج إلى ترجيح للمصلحة وتسديد ومقاربة واختيار الأكثر صلاحا أو على الأقل الأقل فسادا…ولكننا نقابل دائما بعبارة « أولاد عبد الواحد كلهم واحد » …أظن أن الخطيب عليه أن يؤكد على أهمية المشاركة دون ترجيح أية كفة وهذا هو المطلوب وليس عدم الحديث عن الانتخابات إطلاقا وكانها رجس من عمل الشيطان.
Je crois Monsieur Mohammed, que le langage de « la bonne consultation » -c’est dire Annasiha, n’est pas de sorte le bon langage, avec les anarchistes et les « laïques » mais ils sont même pas des vrai scientifiques en tout façon !!
Alors, c’est la façon de M. Nini par exemple qui peut faire le bouleversement…c’est, le débat autour de « Parlez du méchant de ce qu’il a fait, pour que les hommes (autres) le craint (évitent) ».
Je crois donc en bref, que « la bonne consultation » c’est avec son gens qui méritent !!
ربما تخالف الوزارة الوصية بمدكرتها هذه الارادة الملكية. هل يمكن الطعن قضائيا في مدكرة وزارية ادا خالفت قرارا و تعهدا ملكيا؟ و لكن من ناحية اخرى, كيف نضمن حديث خطباء عشرات الالاف من المساجد دون ترجيح أية كفة؟. هل يملك كل الخطباء التقافة السياسية الكافية لذلك. اليسو بشرا و يحبون الولائم ايضا و خصوصا ان اغلبهم يعيشون بامامتهم الصلاة في المسجد. الكاتب ينطلق من وضعه ليعمم على واقع مخالف او متنوع. و حتى هو نفسه لن يمكن ان يضمن عدم الانحياز. هل تكتفي بمنصب نائب ام تريد مدير اكادمية! و شكرا